فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
ومن هو السفيه؟ إنه الذي لا صلاح له في عقل ولا يستطيع أن يصرّف ماله بالحكمة. ومَن الذي يعطي ماله إلى سفيه؟ إن الحق يقول ذلك ليعلمنا كيفية التصرف في المال- ومثال على ذلك يقول الحق: {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} [الحجرات: 11].
هل أحد منا يلمز نفسه؟ لا، ولكن الإنسان يلمز خصمه، ولمز الخصم يؤدي إلى لمز النفس لأن خصمه سيلمزه ويعيبه أو لأنكما سواء. إذن فقول الحق: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} يعني أن الله يريد أن يقول: إن السفيه يملك المال، إلا أن سفهه يمنعه من أن يحسن التصرف. وعدم التصرف الحكيم يذهب بالمال، ويفسده، وحين يكون سفيهًا فالمال ليس له- تصرفا وإدارة- ولكن المال لمن يصلحه بالقوامة.
أو أن الحق سبحانه وتعالى يعالج قضية كان لها وجود في المجتمع وهي أنّ الرجل إذا ما كان له أبناء، وكبروا قليلا، فهو يحب أن يتملص من حركة الحياة، ويعطي لهم حق التصرف في المال. وإن كان تصرفهم لا يتفق مع الحكمة، فكأنه قال سبحانه: لا إياك أن تعطي أموالك للسفهاء بدعوى أنهم أولادك. وإياك أن تملك أولادك ما وهبه الله لك من رزقك؛ لأن الله جعل من مالك قياما لك، وإياك أن تجعل قيامك أنت في يد غيرك.
{وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} وهل السفيه لا يعيش؟ وهل يأكل السفيه دون أكل الرشيد؟ أيلبس السفيه لبس الرشيد؟ أيسكن السفيه دون مسكن الرشيد؟ أيبتسم الإنسان في وجه الرشيد ولا يبتسم في وجه السفيه؟ لا؛ لذلك يأمر الحق ويقول: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفا} ذلك أمر بحسن معاملة السفيه، وإياكم أن تعيروهم بسفههم، ويكفيهم ما هم فيه من سفه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)}
أخرج ابن جرير عن حضرمي. أن رجلًا عمد فدفع ماله إلى امرأته فوضعته في غير الحق فقال الله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم..} الآية. يقول: لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تضطر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤنتهم. قال: وقوله: {قيامًا} يعني قوامكم من معائشكم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية يقول: لا تسلط السفيه من ولدك على مالك، وأمره أن يرزقه منه ويكسوه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس {ولا تؤتوا السفهاء} قال: هم بنوك والنساء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة {ولا تؤتوا السفهاء} قال: الخدم وهم شياطين الأنس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود {ولا تؤتوا السفهاء} قال: النساء والصبيان.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: الصغار والنساء هم السفهاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: نهى الرجال أن يعطوا النساء أموالهم وهن سفهاء من كن أزواجًا أو بنات أو أمهات، وأمروا أن يرزقوهن فيه ويقولوا لهن قولًا معروفًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير {ولا تؤتوا السفهاء} قال: اليتامى والنساء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: هو مال اليتيم يكون عندك يقول: لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولا تؤتوا السفهاء} قال: هم اليتامى {أموالكم} قال: أموالهم بمنزلة قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 127].
وأخرج ابن جرير عن مورق قال: مرت امرأة بعبد الله بن عمر لها شارة وهيئة فقال لها ابن عمر {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا}.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد، ورجل أتى سفيهًا ماله وقد قال الله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}».
وأخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن أبي موسى موقوفًا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: أمر الله بهذا المال أن يخزن فتحسن خزانته، ولا تملكه المرأة السفيهة والغلام.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن في قوله: {قيامًا} قال: قيام عيشك.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد. أنه قرأ {التي جعل الله لكم قيامًا} بالألف يقول: قيام عيشك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {جعل الله لكم قيامًا} قال: عصمة لدينكم، وقيامًا لكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {وارزقوهم} يقول: أنفقوا عليهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {وقولوا لهم قولًا معروفًا} قال: أمروا أن يقولوا لهم قولًا معروفًا في البر والصلة.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {وقولوا لهم قولًا معروفًا} قال: عدة تعدونهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد {وقولوا لهم قولًا معروفًا} قال: إن كان ليس من ولدك ولا ممن يجب عليك أن تنفق عليه فقل له قولًا معروفًا، قل له عافانا الله وإياك وبارك الله فيك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (6):

قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نهى عن ذلك البذل للسفهاء أيتامًا كانا أو غيرهم، بين أنه ليس دائمًا بل ما دام السفه قائمًا، فمست الحاجة إلى التعريف بمن يعطي ومن يمنع وكيف عند الدفع، ولما كان السفه أمرًا باطنًا لا يعرف إلا بالتصرف ولاسيما في المال؛ بدأ سبحانه بتعليم ما يتوصلون به إلى معرفته فقال مصرحًا بالأيتام اهتمامًا بأمرهم: {وابتلوا اليتامى} أي اختبروهم في أمر الرشد في الدين والمال في مدة مراهقتهم واجعلوا ذلك دأبكم {حتى إذا بلغوا النكاح} أي وقت الحاجة إليه بالاحتلام أو السن {فإن آنستم} أي علمتم علمًا أنتم في عظيم تيقنه كأنكم تبصرونه على وجه تحبونه وتطيب أنفسكم به {منهم} أي عند بلوغه {رشدًا} أي بذلك التصرف، ونكره لأن وجود كمال الرشد في أحد يعز وقوعه {فادفعوا إليهم أموالهم} أي لزوال الحاجة إلى الحجر بخوف التبذير، وأضافها إليهم بعد إضافتها أولًا إلى المعطين إشارة إلى أنه لا يستحقها إلا من يحسن التصرف فيها.
ولما كان الإنسان مجبولًا على نقائص منها الطمع وعدم الشبع لاسيما إذا خالط، لاسيما إن حصل له إذن ما؛ أدبه سبحانه بقوله: {ولا تأكلوها} أي بعلة استحقاقكم لذلك بالعمل فيها {إسرافًا} أي مسرفين بالخروج عن القصد في التصرف ووضع الشيء في غير موضعه وإغفال العدل والشفقة {وبدارًا} أي مبادرين {أن يكبروا} أي فيأخذوها منكم عند كبرهم فيفوتكم الانتفاع بها، وكأنه عطف بالواو الدالة على تمكن الوصف وتمامه إشارة إلى عدم المؤاخذة بما يعجز عنه الإنسان المجبول على النقصان مما يجري في الأفعال مجرى الوسوسة في الأقوال «ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه».
ولما أشعر النهي عن أكل الكل بأن لهم في الأكل في الجملة علة مقبولة، أفصح به في قوله: {ومن كان} أي منكم أيها الأولياء {غنيًا فليستعفف} أي يطلب العفة ويوجدها ويظهرها عن الأكل منها جملة، فيعف عنه بما بسط الله له من رزقه {ومن كان فقيرًا} وهو يتعهد مال اليتيم لإصلاحه، ولما كان يخشى من امتناعه من الأكل منه التفريط فيه بالاشتغال بما يهمه في نفسه، أخرج الكلام في صيغة الأمر فقال معبرًا بالأكل لأنه معظم المقصود: {فليأكل بالمعروف} أي بقدر أجرة سعيه.
ولما كان ذلك ربما أفهم الأمان إلى الرشد بكل اعتبار، أمر بالحزم- كما في الطبراني الأوسط عن أنس احترسوا من الناس بسوء الظن- فقال: {فإذا دفعتم إليهم} أي اليتامى {أموالهم} أي التي كانت تحت أيديكم لعجزهم عن حفظها {فأشهدوا عليهم} أي احتياطًا لأن الأحوال تتبدل، والرشد يتفاوت، فالإشهاد أقطع للشر، وأنفع في كل أمر، والأمر بالإشهاد أزجر للولي عن الخيانة، لأن من عرف أنه لا يقبل عند الخصام إلا ببينة عف غاية العفة، واحترز غاية الاحتراز.
ولما كانت الأموال مظنة لميل النفوس، وكان الحب للشيء يعمي ويصم؛ ختم الآية بقوله: {وكفى بالله} أي الذي له الحكمة البالغة والقدرة الباهرة والعظمة التي لا مثل لها، والباء في مثل هذا تأكيد لأن ما قرنت به هو الفاعل حقيقة لا مجازًا- كما إذا أمرنا بالفعل مثلًا {حسيبًا} أي محاسبًا بليغًا في الحساب، فهو أبلغ تحذيرًا لهم وللأيتام من الخيانة والتعدي ومدّ العين إلى حق الغير. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أنه تعالى لما أمر من قبل بدفع مال اليتيم إليه بقوله: {وَءاتُواْ اليتامى أموالهم} [النساء: 2] بين بهذه الآية متى يؤتيهم أموالهم، فذكر هذه الآية وشرط في دفع أموالهم إليهم شرطين: أحدهما: بلوغ النكاح، والثاني: إيناس الرشد، ولابد من ثبوتهما حتى يجوز دفع مالهم إليهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وابتلوا اليتامى} شروع في تعيين وقت تسليم أموال اليتامى إليهم وبيان شرطه بعد الأمر بإيتائها على الإطلاق، والنهي عنه عند كون أصحابها سفهاء قاله شيخ الإسلام وهو ظاهر على تقدير أن يراد من السفهاء المبذرين بالفعل من اليتامى وأما على تقدير أن يراد بهم اليتامى مطلقًا ووصفهم بالسفه باعتبار ما أشير إليه فيما مرّ ففيه نوع خفاء، وقيل: إن هذا رجوع إلى بيان الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى لا شروع وهو مبني على أن ما تقدم كان مذكورًا على سبيل الاستطراد والخطاب للأولياء. اهـ.