فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

إنما قدم اليتامى على المساكين لأن ضعف اليتامى أكثر، وحاجتهم أشد، فكان وضع الصدقات فيهم أفضل وأعظم في الأجر. اهـ.
قال الفخر:
الأشبه هو أن المراد بالقول المعروف أن لا يتبع العطية المن والأذى بالقول أو يكون المراد الوعد بالزيادة والاعتذار لمن لم يعطه شيئا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}.
يريد إذا حضر قسمة الميراث ذوو السهمان والمستحقون، وحضَرَ من لا نصيب لهم في الميراث من المساكين فلا تحرموهم من ذلك. فإن كان المستحقُ مُوَّلًى عليه، فَعِدوهم وعدًا جميلًا وقولوا: إِذا بلغ الصبي قلنا له حتى يعطيك شيءًا وهذا معنى قوله: {وَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا}. وفي هذا إِشارة لطيفة للمذنبين إذا حضروا لعرصته غدًا، والحق سبحانه يغفر للمطيعين ويعطيهم ثواب أعمالهم، فمن كان منكم من فقراء المسلمين لا يحرمهم الغفران إن شاء الله بعدما كانوا من أهل الإيمان، وكذلك يوم القسمة لم تكن حاضرًا، ولا لَكَ استحقاق سابق فبفضله ما أهَّلَكَ لمعرفته مع علمه بما يحصل منك في مستأنف أحوالك من زلتك. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
بيّن الله تعالى أن من لم يستحق شيئًا إرثًا وحضر القسمة، وكان من الأقارب أو اليتامى والفقراء الذين لا يرثون أن يكرموا ولا يحرموا، إن كان المال كثيرًا؛ والاعتذار إليهم إن كان عقارًا أو قليلًا لا يقبل الرّضخ.
وإن كان عطاء من القليل ففيه أجر عظيم؛ درهم يسبق مائة الف.
فالآية على هذا القول مُحْكَمَةٌ؛ قاله ابن عباس.
وامتثل ذلك جماعة من التابعين: عروة بن الزبير وغيره، وأمر به أبو موسى الأشعري.
وروي عن ابن عباس أنها منسوخة نسخها قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين}.
وقال سعيد بن المسيب: نسخها آية الميراث والوصية.
وممن قال إنها منسوخة أبو مالك وعِكرمة والضحاك.
والأوّل أصح؛ فإنها مبيِّنة استحقاق الورثة لنصيبهم، واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له ممن حضرهم.
قال ابن جبير: ضيّع الناس هذه الآية.
قال الحسن: ولكن الناس شحّوا.
وفي البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين} قال: هي محكمة وليست بمنسوخة.
وفي رواية قال: إن ناسًا يزعمون أن هذه الآية نسخت، لا والله ما نُسخت! ولكنها مما تهاون بها؛ هما واليِان: والٍ يرث وذلك الذي يرزق، ووالٍ لا يرث وذلك الذي يقول بالمعروف، ويقول: لا أملك لك أن أعطيك.
قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يِصلوا أرحامهم، ويتاماهم ومساكينهم من الوصية، فإن لم تكن وصية وصل لهم من الميراث.
قال النحاس: فهذا أحسن ما قيل في الآية، أن يكون على الندب والترغيب في فعل الخير، والشكر لله عز وجل.
وقالت طائفة: هذا الرضْخُ واجب على جهة الفرض، تُعطِي الورثة لهذه الأصناف ما طابت به نفوسهم، كالماعُون والثوب الخَلَق وما خفّ.
حكى هذا القول ابن عطية والقشيري.
والصحيح أن هذا على الندب؛ لأنه لو كان فرضًا لكان استحقاقًا في التركة ومشاركة في الميراث، لأحد الجهتين معلوم وللآخر مجهول.
وذلك مناقض للحكمة، وسبب للتنازع والتقاطع.
وذهبت فرقة إلى أن المخاطب والمراد في الآية المحتَضَرُون الذين يقسمون أموالهم بالوصية، لا الورثَةُ.
وروي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن زيد.
فإذا أراد المريض أن يفرّق ماله بالوصايا وحضره من لا يرث ينبغي له ألاّ يحرمه. وهذا والله أعلم.
يتنزل حيث كانت الوصية واجبة، ولم تنزل آية الميراث.
والصحيح الأوّل وعليه المعوّل.
فإذا كان الوارث صغيرًا لا يتصرّف في ماله؛ فقالت طائفة: يعطى ولي الوارث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى.
وقيل: لا يعطى بل يقول لمن حضر القسمة: ليس لي شيء من هذا المال إنما هو لليتيم، فإذا بلغ عرّفتُه حقَّكم.
فهذا هو القول المعروف.
وهذا إذا لم يُوص الميت له بشيء؛ فإن أوصى يصرف له ما أوصى.
ورأى عَبيدة ومحمد بن سِيرين أن الرزق في هذه الآية أن يصنع لهم طعامًا يأكلونه؛ وفعَلاَ ذلك، ذبحا شاة من التركة، وقال عَبيدة: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي.
وروى قتادة عن يحي بن يَعمر قال: ثلاثٌ مُحْكَمات تركهّن الناس: هذه الآية، وآية الاستئذان {يا أيها الذين آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] وقوله: {يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} [الحجرات: 13].
قوله تعالى: {مِنْهُ} الضمير عائد على معنى القسمة؛ إذْ هي بمعنى المال والميراث؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ استخرجها مِن وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف: 76] أي السقاية؛ لأن الصُّوَاع مذكّر.
ومنه قوله عليه السلام: «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب» فأعاد مذكرًا على معنى الدعاء.
وكذلك قوله لسُويد بن طارق الجُعْفي حين سأله عن الخمر: إنه ليس بدواء ولكنه داء فأعاد الضمير على معنى الشراب.
ومثله كثير.
يقال: قاسمه المال وتقاسماه واقتسماه، والاسم القسمة مؤنثة؛ والقَسْم مصدر قسمت الشيء فانقسم، والموضع مَقْسِم مثل مَجلس، وتقسّمهم الدهر فتقسّموا، أي فرّقهم فتفرّقوا.
والتقسيم التفريق. والله أعلم.
قوله تعالى: {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} قال سعيد ابن جبير: يقال لهم خذّوا بورِك لكم.
وقيل: قولوا مع الرّزق ودِدت أن لو كان أكثر من هذا.
وقيل: لا حاجة مع الرزق إلى عذر، نعم إن لم يصرف إليهم شيء فلا أقل من قولٍ جميل ونوع اعتذار. اهـ. بتصرف يسير.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
وحين يحضر أولو القربى واليتامى والمساكين مشهد توزيع المال، وكل واحد من الورثة الذين يتم توزيع مال المورث عليهم انتهت مسائله، قد يقول هؤلاء غير الوارثين: إن الورثة إنما يأخذون غنيمة باردة هبطت عليهم مثل هذا الموقف يترك شيئا في نفوس أولي القربى واليتامى والمساكين.
صحيح أن أولي القربى واليتامى والمساكين ليسوا وارثين، ولن يأخذوا شيئا من التركة فرضا لهم، ولكنهم حضروا القسمة؛ لذلك يأتي الأمر الحق: {فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفا} فلو أنهم لم يحضروا القسمة لاختلف الموقف. فيأمر سبحانه بأن نرزق اليتامى وأولي القربى والمساكين حتى نستل منهم الحقد أو الحسد للوارث، أو الضغن على المورث، ولا يكتفي الحق بالأمر برزق هؤلاء الأقارب واليتامى والمساكين، ولكن يأمر أن نقول لهم: قولا معروفا، مثل أن ندعو الله لهم أن يزيد من رزقهم، وأن يكون لهم أموال وأن يتركوا أولادا ويورثوهم، ومن الذي يجب عليه أن يقوم بمثل هذا العمل؟ إنهم الوارثون إن كانوا قد بلغوا الرشد، ولكن ماذا يكون الموقف لو كان الوارث يتيما؟ فالحضور هم الذين يقولون لأولي القربى واليتامى والمساكين: إنه مال يتيم، وليس لنا ولاية عليه، ولو كان لنا ولاية لأعطيناكم أكثر، وفي مثل هذا القول تطبيب للخاطر.
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} يجب أن تكونوا في ذلك الموقف ذاكرين أنه إذا كنتم أنتم الضعفاء واليتامى وغير الوارثين فمن المؤكد أن السرور كان سيدخل إلى قلوبكم لو شرعنا لكم نصيبا من الميراث. إذن فليذكر كل منكم أنه حين يطلب الله منه، أنك قد تكون مرة في موقف من يطلب الله له ولأولاده. إذن فالحكم التشريعي لا يؤخذ من جانب واحد، وهو أنه يُلزم المؤمن بأشياء، ولكن لنأخذ بجانب ذلك أنه يلزم غيره من المؤمنين للمؤمن بأشياء.
إن الحكم التشريعي يعطيك، ولذلك يأخذ منك. ولهذا قلنا في الزكاة: إياك أن تلحظ يا من تؤدي الزكاة أننا نأخذ منك حيفا ثمرة كدحك وعرقك لنعطيها للناس، نحن نأخذ منك وأنت قادر لنؤمنك إن صرت عاجزا. وسوف نأخذ لك من القادرين. إنه تأمين رباني حكيم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين} قال: هي محكمة وليست بمنسوخة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق مقسم عن ابن عباس {وإذا حضر القسمة....} الآية. قال: هي قائمة يعمل بها.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حطان بن عبد الله في هذه الآية قال: قضى بها أبو موسى.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن يحيى بن يعمر قال: ثلاث آيات مدنيات محكمات ضيعهن كثير من الناس {وإذا حضر القسمة} الآية وآية الاستئذان {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} [النور: 58] وقوله: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى..} [الحجرات: 13] الآية.