فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن ناسًا يزعمون أن هذه الآية نسخت {وإذا حضر القسمة..} الآية. ولا والله ما نسخت ولكنه مما تهاون به الناس، هما واليان. وال يرث فذاك الذي يرزق ويكسو، ووال ليس بوارث فذاك الذي يقول قولًا معروفًا. يقول: إنه مال يتيم وماله فيه شيء.
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والحاكم وصححه من طريق من عكرمة عن ابن عباس {وإذا حضر القسمة أولو القربى} قال: يرضخ لهم، فإن كان في المال تقصير اعتذر إليهم، فهو قولًا معروفًا.
وأخرج ابن المنذر عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر حين قسم ميراث أبيه أمر بشاة فاشتريت من المال، وبطعام فصنع. فذكرت ذلك لعائشة فقالت: عمل بالكتاب، هي لم تنسخ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه من طريق علي عن ابن عباس في هذه الآية قال: أمر الله المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم وأيتامهم ومساكينهم من الوصية إن كان أوصى لهم، فإن لم يكن لهم وصية وصل إليهم من مواريثهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: ذلك قبل أن تنزل الفرائض، فأنزل الله بعد ذلك الفرائض، فأعطى كل ذي حق حقه، فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى.
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس {وإذا حضر القسمة..} الآية. قال: نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك مما قل منه أو كثر.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وابن أبي مليكة أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد بن أبي بكر أخبراه.
أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حية. قالا: فلم يدع في الدار مسكينًا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه. وتلا {وإذا حضر القسمة..} الآية. قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عباس فقال: ما أصاب ليس ذلك له إنما ذلك للوصية، وإنما هذه الآية في الوصية يريد الميت أن يوصي لهم.
وأخرج النحاس في ناسخه من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله: {وإذا حضر القسمة..} الآية. قال: نسختها {يوصيكم الله في أولادكم..} [النساء: 11] الآية.
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي عن سعيد بن المسيب في هذه الآية قال: هي منسوخة كانت قبل الفرائض، كان من ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والفقير والمسكين وذوو القربى إذا حضروا القسمة، ثم نسخ بعد ذلك نسختها المواريث، فألحق الله بكل ذي حق حقه، وصارت الوصية من ماله يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن كانوا كبارًا يرضخوا وإن كانوا صغارًا اعتذروا إليهم. فذلك قوله: {قولًا معروفًا}.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح في الآية قال: كانوا يرضخون لذوي القرابة حتى نزلت الفرائض.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك قال: نسختها آية الميراث. اهـ.

.تفسير الآية رقم (9):

قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أعاد الوصية باليتامى مرة بعد أخرى، وختم بالأمر بالإنة القول، وكان للتصوير في التأثير في النفس ما ليس لغيره؛ أعاد الوصية بهم لضعفهم مصورًا لحالهم مبينًا أن القول المعروف هو الصواب الذي لا خلل فيه فقال: {وليخش} أي يوقع الخشية على ذرية غيرهم {الذين} وذكر لهم حالًا هو جدير بإيقاع الخشية في قلوبهم فقال: {لو تركوا} أي شارفوا الترك بموت أو هرم، وصوّر حالهم وحققه بقوله: {من خلفهم} أي بعد موتهم أو عجزهم العجز الذي هو كموتهم {ذرية} أي أولادًا من ذكور أو إناث {ضعافًا} أي لصغر أو غيره {خافوا عليهم} أي جور الجائرين.
ولما تسبب عن ذلك التصور في أنفسهم خوفهم على ذرية غيرهم كما يخافون على ذريتهم سواء كانوا أوصياء أو أولياء أو أجانب، وكان هذا الخوف ربما أداهم في قصد نفعهم إلى جور على غيرهم؛ أمر بما يحفظهم على الصراط السوي بقوله: {فليتقوا} وعبر بالاسم الأعظم إرشادًا إلى استحضار جميع عظمته فقال: {الله} أي فليعدلوا في أمرهم ليقيِّض الله لهم من يعدل في ذريتهم، وإلا أوشك أن يسلط على ذريتهم من يجور عليهم {وليقولوا} أي في ذلك وغيره {قولًا سديدًا} أي عدلًا قاصدًا صوابًا، ليدل هذا الظاهر على صلاح ما أتمره من الباطن. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

لا شك أن قوله: {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضعافا خَافُواْ عَلَيْهِمْ} يوجب الاحتياط للذرية الضعاف، وللمفسرين فيه وجوه:
الأول: أن هذا خطاب مع الذين يجلسون عند المريض فيقولون: إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا، فأوص بمالك لفلان وفلان، ولا يزالون يأمرونه بالوصية إلى الأجانب إلى أن لا يبقى من ماله للورثة شيء أصلا، فقيل لهم: كما أنكم تكرهون بقاء أولادكم في الضعف والجوع من غير مال، فاخشوا الله ولا تحملوا المريض على أن يحرم أولاده الضعفاء من ماله.
وحاصل الكلام أنك لا ترضى مثل هذا الفعل لنفسك، فلا ترضه لأخيك المسلم.
عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
والقول الثاني: قال حبيب بن أبي ثابت: سألت مقسما عن هذه الآية فقال: هو الرجل الذي يحضره الموت ويريد الوصية للأجانب، فيقول له من كان عنده: اتق الله وأمسك على ولدك مالك، مع أن ذلك الإنسان يحب أن يوصي له، ففي القول الأول الآية محمولة على نهي الحاضرين عن الترغيب في الوصية، وفي القول الثاني محمولة على نهي الحاضرين عن النهي عن الوصية، والأولى أولى، لأن قوله: {لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضعافا} أشبه بالوجه الأول وأقرب إليه.
والقول الثالث: يحتمل أن تكون الآية خطابا لمن قرب أجله، ويكون المقصود نهيه عن تكثير الوصية لئلا تبقى ورثته ضائعين جائعين بعد موته، ثم إن كانت هذه الآية إنما نزلت قبل تقدير الوصية بالثلث، كان المراد منها أن لا يجعل التركة مستغرقة بالوصية، وإن كانت نزلت بعد تقدير الوصية بالثلث، كان المراد منها أن لا يجعل التركة مستغرقة بالوصية، وإن كانت نزلت بعد تقدير الوصية بالثلث.
كان المراد منها أن يوصي أيضا بالثلث، بل ينقص إذا خاف على ذريته والمروي عن كثير من الصحابة أنهم وصوا بالقليل لأجل ذلك، وكانوا يقولون: الخمس أفضل من الربع، والربع أفضل من الثلث، وخبر سعد يدل عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «الثلث والثلث كثير لأن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس».
والقول الرابع: أن هذا أمر لأولياء اليتيم، فكأنه تعالى قال: وليخش من يخاف على ولده بعد موته أن يضيع مال اليتيم الضعيف الذي هو ذرية غيره إذا كان في حجره، والمقصود من الآية على هذا الوجه أن يبعثه سبحانه وتعالى على حفظ ماله، وأن يترك نفسه في حفظه والاحتياط في ذلك بمنزلة ما يحبه من غيره في ذريته لو خلفهم وخلف لهم مالا.
قال القاضي: وهذا أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام، فجعل تعالى آخر ما دعاهم إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها، ولا شك أنه من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود. اهـ.

.قال ابن عطية:

وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس، بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد، وللآخر القول الثاني، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه، وإذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين، فالمراعى إنما هو الضعف، فيجب أن يمال معه. اهـ.

.قال القرطبي:

وهذه الآية قد اختلف العلماء في تأويلها؛ فقالت طائفة: هذا وعظٌ للأوصياء، أي افعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم؛ قاله ابن عباس.
ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْمًا}.
وقالت طائفة: المراد جميع الناس، أمرهم باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس؛ وإن لم يكونوا في حجورهم.
وأن يُسدّدوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يُفعَل بولده بعده.
ومِن هذا ما حكاه الشيبانيّ قال: كنا على قُسْطَنْطِينِيّة في عسكر مَسْلمة بن عبد الملك، فجلسنا يومًا في جماعة من أهل العلم فيهم ابن الدَّيْلَمِيّ، فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان.
فقلت له: يا أبا بِشر، وُدّي ألاّ يكون لي ولد.
فقال لي: ما عليك ما من نَسَمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت، أحَبّ أو كَرِه، ولكن إذا أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم؛ ثم تلا الآية.
وفي رواية: «ألاَ أدلّك على أمر إن أنت أدركته نجّاك الله منه، وإن تركت ولدًا من بعدك حفظهم الله فيك؟ فقلت: بلى فتلا هذه الآية {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ}» إلى آخرها.
قلت: ومن هذا المعنى ما روى محمد بن كعب القُرَظيّ عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أحسن الصدقةَ جاز على الصراط ومن قضى حاجة أرْمَلة أخلف الله في ترِكَته» وقول ثالث قاله جمع من المفسرين: هذا في الرجل يحضره الموت فيقول له مَن بحضرته عند وصيته: إن الله سيرزق ولدك فانظر لنفسك، وأوص بمالك في سبيل الله، وتصدّق وأعتق.
حتى يأتي على عامّة ماله أو يستغرقه فيضر ذلك بورثته؛ فنُهوا عن ذلك.
فكأن الآية تقول لهم: كما تخشون على ورثتكم وذرّيتكم بعدكم، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله؛ قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: إذا حضر الرجل الوصية فلا ينبغي أن يقول أوصِ بمالك فإن الله تعالى رازق ولدك، ولكن يقول قدّم لنفسك واترك لولدك؛ فذلك قوله تعالى: {فَلْيَتَّقُواّ الله}.
وقال مِقسم وحضرمِيّ: نزلت في عكس هذا، وهو أن يقول للمحتضَر من يحضره: أمسك على ورثتك، وأبقِ لولدك فليس أحد أحق بمالك من أولادك، وينهاه عن الوصية، فيتضرر بذلك ذوو القربى وكل من يستحق أن يوصى له؛ فقيل لهم: كما تخشون على ذرّيتكم وتسرون بأن يحسن إليهم، فكذلك سدّدوا القول في جهة المساكين واليتامى، واتقوا الله في ضررهم.
وهذان القولان مبنيان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث؛ روي عن سعيد بن جبير وابن المسيب.
قال ابن عطية: وهذان القولان لا يطّرد واحد منهما في كل الناس، بل الناس صنفان؛ يصلح لأحدهما القول الواحد، ولآخر القول الثاني.
وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدّم لنفسه.
وإذا ترك ورثة ضعفاء مهملين مقِلّين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط؛ فإنّ أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين، فالمراعاة إنما هو الضعف فيجب أن يُمال معه.
قلت: وهذا التفصيل صحيح؛ لقوله عليه السلام لسعد: «إنك أن تَذَرْ ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس» فإن لم يكن للإنسان ولد، أو كان وهو غنيّ مستقل بنفسه وماله عن أبيه فقد أمِن عليه؛ فالأَولى بالإنسان حينئذٍ تقديم ماله بين يديه حتى لا ينفقه من بعده فيما لا يصلح، فيكون وزره عليه. اهـ.