فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ومن كان غنيًا} بالله من قوة الولاية مستظهرًا بالعناية {فليستعفف} عن الانتفاع بصحبتهم، {ومن كان فقيرًا} مفتقرًا إلى ولاية المريد {فليأكل بالمعروف} فلينتفع بإعانته وليجزله بالشيخوخية مع الإمداد في الظاهر والباطن {فإذا دفعتم إليهم أموالهم} سلمتم إليهم مقام الشيخوخية {فأشهدوا عليهم} الله ورسوله وأرواح المشايخ وأوصوهم برعاية حقوقها مع الله والخلق. ثم أخبر عن نصيب كل نسيب فقال: {للرجال} وهم الأقوياء من الطلبة {وللنساء} وهم الضعفاء {نصيب مما ترك الولدان والأقربون} وهم المشايخ والإخوان في الله وتركتهم بركتهم وأنوارهم {نصيبًا مفروضًا} على قدر استعدادهم {وإذا حضر القسمة} أي في محافل صحبتهم ومجالس ذكرهم {أولو القربى} المنتمون إليهم المقتبسون من أنوارهم والمقتفون لآثارهم {فارزقوهم} من مواهب بركاتهم {وقولوا لهم قولًا معروفًا} في التشويق وإرشاد الطريق وتقرير هوان الدنيا عند الله، وعزة أهل الله في الدارين. {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعفًا} من متوسطي المريدين أو المبتدئين {خافوا عليهم} آفات المفارقة بسفر أو موت {فليتقوا الله} أي يوصونهم بالتقوى وأن يقولوا قولًا سديدًا هو لا إله إلأا الله. فإن التقوى ومداومة الذكر خطوتان يوصلان العبد إلى الله.
{إن الذين يأكلون} يضيعون أطفال الطريقة بعدم التربية ورعاية وظائف النصيحة {إنما يأكلون في بطونهم} نار الحسرة والغرامة يوم لا تنفع الندامة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (11):

قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما تم ذلك تشوفت النفوس إلى بيان مقادير الاستحقاق بالإرث لكل واحد، وكان قد تقدم ذكر استحقاق الرجال والنساء من غير تقييد يتيم، فاقتضت البلاغة بيان أصول جميع المواريث، وشفاء العليل بإيضاح أمرها، فقال- مستأنفًا في جواب من كأنه سأل عن ذلك مؤكدًا لما أمر به منها غاية التأكيد مشيرًا إلى عظمة هذا العلم بالتقدم في الإيصاء في أول آياته، والتحذير من الضلال في آخرها، ورغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نصف العلم، وحذر من إضاعته بأنه أول علم ينزع من الأمة: {يوصيكم الله} أي بما له من العظمة الكاملة والحكمة البالغة، وبدأ بالأولاد لأن تعلق الإنسان بهم أشد فقال: {في أولادكم} أي إذا مات مورثهم.
ولما كان هذا مجملًا كان بحيث يطلب تفسيره، فقال جوابًا لذلك بادئًا بالأشرف بيانًا لفضله بالتقديم وجعله أصلًا والتفضيل: {للذكر} أي منهم إذا كان معه شيء من الإناث، ولم يمنعه مانع من قتل ولا مخالفة دين ونحوه {مثل حظ الأنثيين} أي نصيب من شأنه أن يغني ويسعد، وهو الثلثان، إذا انفردتا فللواحدة معه الثلث، فأثبت سبحانه للإناث حظًا تغليظاَ لهم من منعهن مطلقًا، ونقصهن عن نصيب الرجال تعريضًا بأنهم أصابوا في نفس الحكم بانزالهن عن درجة الرجال.
ولما بان سهم الذكر مع الأنثى بعبارة النص، واشعر ذلك بأن لهن إرثًا في الجملة وعند الاجتماع مع الذكر، وفُهم بحسب إشارة النص وهي ما ثبت بنظمه، لكنه غير مقصود، ولا سبق له النص- حكم الأنثيين إذا لم يكن معهن ذكر، وهو أن لهما الثلثين، وكان ذلك أيضًا مفهمًا لأن الواحدة غذا كان لها مع الأخ الثلث كان لها ذلك مع الأخت إذا لم يكن ثمَّ ذكر من باب الأولى، فاقتضى ذلك أنهن إذا كن ثلاثًا أو أكثر ليس معهم ذكر استغرقن التركة، وإن كانت واحدة ليس معها ذكر لم تزد على الثلث؛ بين أن الأمر ليس كذلك- كما تقدم- بقوله مبينًا إرثهن حال الانفراد: {فإن كن} أي الوارثات {نساء} أي إناثًا.
ولما كان ذلك قد يحمل على أقل الجمع، وهو اثنتان حقيقة أو مجازًا حقق ونفى هذا الاحتمال بقوله: {فوق اثنتين} أي لا ذكر معهن {فلهن ثلثا ما ترك} أي الميت، لا أزيد من الثلثين {وإن كانت} أي الوارثة {واحدة} أي منفردة، ليس معها غيرها {فلها النصف} أي فقط.
ولما قدم الإيصاء بالأولاد لضعفهم إذا كانوا صغارًا، وكان الوالد أقرب الناس إلى الولد وأحقهم بصلته وأشدهم اتصالًا به أتبعه حكمه فقال: {ولأبويه} أي الميت، ثم فصل بعد أن أجمل ليكون الكلام آكد، ويكون سامعه إليه أشوق بقوله مبدلًا بتكرير العامل: {لكل واحد منهما} أي أبيه وأمه اللذين ثنيا بأبوين {السدس مما ترك} ثم بين شرط ذلك فقال: {إن كان له} أي الميت {ولد} أي ذكر، فإن كانت أنثى أخذ الأب السدس فرضًا، والباقي بعد الفروض حق عصوبة.
ولما بين حكمهما مع الأولاد تلاه بحالة فقدهم فقال: {فإن لم يكن له ولد} أي ذكر ولا أنثى {وورثه أبواه} أي فقط {فلأمه الثلث} أي وللأب الباقي لأن الفرض أنه لا وارث له غيرهما، ولما كان التقدير: هذا مع فقد الإخوة أيضًا، بني عليه قوله: {فإن كان له إخوة} أي اثنان فصاعدا ذكورًا أو لا، مع فقد الأولاد {فلأمه السدس} أي لأن الإخوة ينقصونها عن الثلث إليه، والباقي للأب، ولا شيء لهم، وأما الأخت الواحدة فإنها لا تنقصها إلى السدس سواء كانت وارثة أو لا، وكذا الأخ إذا كان واحدًا، ثم بين أن هذا كله بعد إخراج الوصية والدين لأن ذلك سبق فيه حق الميت الذي جمع المال فقال: {من بعد وصية يوصي بها} أي كما مندوب لكل ميت، وقدمها في الوضع على ما هو مقدم عليها في الشرع بعثًا على أدائها، لأن أنفس الورثة تشح بها، لكونها مثل مشاركتهم في الإرث لأنها بلا عوض {أو دين} أي إن كان عليه دين.
ولما كان الإنسان قد يرى أن بعض أقربائه من أصوله أو فصوله أو غيرهم أنفع له، فأحب تفضيله فتعدى هذه الحدود لما رآه، وكان ما رآه خلاف الحق في الحال أو في المآل، وكان الله تعالى هو المستأثر بعلم ذلك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما» الحديث لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف شاء؛ قال تعالى حاثًا على لزوم ما حده مؤكدًا بالجملة الاعتراضية- كما هو الشأن في اعتراض- لأن هذه القسمة مخالفة لما كانت العرب تفعله، وهي على وجوه لا تدرك عللها: {أباؤكم وأبناؤكم} أي الذين فضلنا لكم إرثهم على ما ذكرنا {لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا} أي من غيره، لأنه لا إحاطة لكم في علم ولا قدرة، فلو وكل الأمر في القسمة إليكم لما وضعتم الأمور في أحكم مواضعها.
ولما بين أن الإرث على ما حده سبحانه وتعالى مؤكدًا له بلفظ الوصية، وزاده تأكيدًا بما جعله اعتراضًا بين الإيصاء وبين (فريضة) بين أنه على سبيل الحتم الذي من تركه عصى، فقال ذاكرًا مصدرًا مأخوذًا من معنى الكلام: {فريضة من الله} أي الذي له الأمر كله، ثم زادهم حثًا على ذلك ورغبة فيه بقوله تعليلًا لفريضته عليهم مطلقًا وعلى هذا الوجه: {إن الله} أي المحيط علمًا وقدرة {كان} ولم يزل ولا يزال لأن وجود لا يتفاوت في وقت من الأوقات، لأنه لا يجري عليه زمان، ولا يحويه مكان، لأنه خالقهما {عليمًا} أي بالعواقب {حكيمًا} أي فوضع لكم هذه الأحكام على غاية الإحكام في جلب المنافع لكم ودفع الضر عنكم، ورتبها سبحانه وتعالى أحسن ترتيب، فإن الوارث يتصل بالميت تارة بواسطة وهو الكلالة، وأخرى بلا واسطة، وهذا تارة يكون بنسب، وتارة بصهر ونسب، فقدم ما هو بلا واسطة لشدة قربه، وبدأ منه بالنسب لقوته، وبدأ منهم بالولد لمزيد الاعتناء به. اهـ.

.قال الفخر:

في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان:
الأول: أنه تعالى لما بين الحكم في مال الأيتام، وما على الأولياء فيه، بين كيف يملك هذا اليتيم المال بالارث، ولم يكن ذلك إلا ببيان جملة أحكام الميراث، الثاني: أنه تعالى أثبت حكم الميراث بالإجمال في قوله: {لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} [النساء: 7] فذكر عقيب ذلك المجمل، هذا المفصل فقال: {يُوصِيكُمُ الله في أولادكم}. اهـ.

.قال الألوسي:

{يُوصِيكُمُ الله} شروع في بيان ما أجمل في قوله عز وجل: {لّلرّجَالِ نَصِيبٌ} [النساء: 7] إلخ، والوصية كما قال الراغب: ألتقدم إلى الغير ما يعمل فيه مقترنًا بوعظ من قولهم: أرض واصية متصلة النبات وهي في الحقيقة أمر له بعمل ما عهد إليه، فالمراد يأمركم الله ويفرض عليكم، وبالثاني: فسره في [القاموس] وعدل عن الأمر إلى الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام وطلب الحصول بسرعة.
{فِى أولادكم} أي في توريث أولادكم، أو في شأنهم وقدر ذلك ليصح معنى الظرفية، وقيل: في بمعنى اللام كما في خبر: «إن امرأة دخلت النار في هرة» أي لها كما صرح به النحاة، والخطاب قيل: للمؤمنين وبين المتضايفين مضاف محذوف أي يوصيكم في أولاد موتاكم لأنه لا يجوز أن يخاطب الحي بقسمة الميراث في أولاده، وقيل: الخطاب لذوي الأولاد على معنى يوصيكم في توريثهم إذا متم وحينئذ لا حاجة إلى تقدير المضاف كما لو فسر يوصيكم بيبين لكم، وبدأ سبحانه بالأولاد لأنهم أقرب الورثة إلى الميت وأكثرهم بقاءًا بعد المورث. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يُوصِيكُمُ الله في أولادكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثيين فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ واحدة فَلَهَا النصف}.
تتنزّل آية {يوصيكم الله في أولادكم} منزلة البيان والتفصيل لقوله: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 7] وهذا المقصد الذي جعل قوله: {للرجال نصيب} [النساء: 7] إلخ بمنزلة المقدّمة له فلذلك كانت جملة: {يوصيكم} مفصولة لأنّ كلا الموقعين مقتض للفصل.
ومن الاهتمام بهذه الأحكام تصدير تشريعها بقوله: {يوصيكم} لأنّ الوصاية هي الأمر بما فيه نفع المأمور وفيه اهتمام الآمر لشدّة صلاحه، ولذلك سمّي ما يعهد به الإنسان، فيما يصنع بأبنائه وبماله وبذاته بعد الموت، وصية.
وقد رويت في سبب نزول الآية أحاديث كثيرة.
ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله: أنّه قال: مرضت فعادني رسول الله وأبو بكر في بني سلمة فوجداني لا أعقل فدعا رسول الله بماء فتوضّأ، ثم رشّ عليّ منه فأفقت فقلت كيف أصنع في ما لي يا رسول الله فنزلت {يوصيكم الله في أولادكم}.
وروى الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، عن جابر، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع فقالت لرسول الله إنّ سعدًا هلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنّما تنكح النساء على أموالهنّ فلم يجبها في مجلسها ذلك، ثمّ جاءته فقالت يا رسول الله ابنتَا سعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعُ لي أخاه» فجاء، فقال: «ادفع إلى ابنتيه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي» ونزلت آية الميراث.
بيَّن الله في هذه الآيات فروض الورثة، وناط الميراث كلّه بالقرابة القريبة، سواء كانت جبلّية وهي النسب، أو قريبة من الجبلّية، وهي عصمة الزوجية، لأنّ طلب الذكر للأنثى جبليّ، وكونُها المرأةَ المعيَّنة يحصل بالإلف، وهو ناشئ عن الجبلّة. اهـ.

.اللغة:

{يوصيكم} الوصية: العهد بالشيء والأمر به ولفظ الإيصاء أبلغ وأدل على الاهتمام من لفظ الأمر، لأنه طلب الحرص على الشيء والتمسك به.
{فريضة} أي حقا فرضه الله وأوجبه.
{كلالة} أن يموت الرجل ولا ولد له ولا والد أي لا أصل له ولا فرع، لأنها مشتقة من الكل بمعنى الضعف يقال: كل الرجل إذا ضعف وذهبت قوته.
{حدود الله} أحكامه وفرائضه المحدودة التي لا تجوز مجاوزتها. اهـ.