فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اعلم أن للأبوين ثلاثة أحوال.
الحالة الأولى: أن يحصل معهما ولد وهو المراد من هذه الآية، واعلم أنه لا نزاع أن اسم الولد يقع على الذكر والأنثى، فهذه الحالة يمكن وقوعها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يحصل مع الأبوين ولد ذكر واحد، أو أكثر من واحد، فههنا الابوان لكل واحد منهما السدس.
وثانيها: أن يحصل مع الأبوين بنتان أو أكثر، وههنا الحكم ما ذكرناه أيضا.
وثالثها: أن يحصل مع الأبوين بنت واحدة فههنا للبنت النصف، وللام السدس وللأب السدس بحكم هذه الآية.
والسدس الباقي أيضا للأب بحكم التعصيب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس} فَرضَ تعالى لِكل واحد من الأبوين مع الولد السّدسَ؛ وأبْهم الولد فكان الذكر والأُنثى فيه سواء.
فإن مات رجل وترك ابنا وأبوين فلأَبَوَيْه لكل واحد منهما السدس، وما بقي فللابن.
فإن ترك ابنة وأبوين فللابنة النصف وللأبوين السدسان، وما بَقَى فلأقرب عصبة وهو الأب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقت الفرائض فلأوْلَى رجل ذكر» فاجتمع للأب الاستحقاقُ بجهتين: التعصيب والفرض.
{فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث} فأخبر جل ذِكره أن الأبوين إذا ورِثاه أن للأُم الثلث.
ودلّ بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} وإخباره أن للأُم الثلث، أن الباقي وهو الثلثان للأب.
وهذا كما تقول لرجلين: هذا المال بينكما، ثم تقول لأحدهما: أنت يا فلان لك منه ثلث؛ فإنك حدّدت للآخر منه الثلثين بنصّ كلامك؛ ولأن قوّة الكلام في قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} يدل على أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره، وليس في هذا اختلاف.
قلت: وعلى هذا يكون الثلثان فرضًا للأب مسمًّى لا يكون عصبة، وذكر ابن العربيّ أن المعنى في تفضيل الأب بالثلث عند عدم الولد الذكورية والنصرة، ووجوب المؤنة عليه، وثبتت الأُم على سهم لأجل القرابة.
قلت: وهذا منتقَض؛ فإن ذلك موجود مع حياته فَلِم حُرِم السدس.
والذي يظهر أنه إنما حُرم السدسَ في حياته إرفاقًا بالصبيّ وحِياطة على ماله؛ إذْ قد يكون إخراج جزء من ماله إجحافًا به.
أو أن ذلك تعبُّدٌ، وهو أوْلى ما يقال. والله الموفق. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو الحالة الثانية من أحوال الأبوين، وهو أن لا يحصل معهما أحد من الأولاد، ولا يكون هناك وارث سواهما، وهو المراد من قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} فههنا للأم الثلث، وذلك فرض لها، والباقي للأب، وذلك لأن قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} ظاهره مشعر بأنه لا وارث له سواهما، وإذا كان كذلك كان مجموع المال لهما، فإذا كان نصيب الأم هو الثلث وجب أن يكون الباقي وهو الثلثان للأب، فههنا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين كما في حق الأولاد، ويتفرع على ما ذكرنا فرعان: الأول: أن الآية السابقة دلت على أن فرض الاب هو السدس، وفي هذه الصورة يأخذ الثلثين إلا أنه هاهنا يأخذ السدس بالفريضة، والنصف بالتعصيب.
الثاني: لما ثبت أنه يأخذ النصف بالتعصيب في هذه الصورة وجب أن يكون الأب إذا انفرد أن يأخذ كل المال، لأن خاصية العصبة هو أن يأخذ الكل عند الانفراد، هذا كله إذا لم يكن للميت وارث سوى الأبوين، أما إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين فذهب أكثر الصحابة إلى أن الزوج يأخذ نصيبه ثم يدفع ثلث ما بقي إلى الأم، ويدفع الباقي إلى الأب، وقال ابن عباس: يدفع إلى الزوج نصيبه، والى الأم الثلث، ويدفع الباقي إلى الأب، وقال: لا أجد في كتاب الله ثلث ما بقي، وعن ابن سيرين أنه وافق ابن عباس في الزوجة والأبوين، وخالفه في الزوج والأبوين، لأنه يفضي إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين، وأما في الزوجة فإنه لا يفضي إلى ذلك، وحجة الجمهور وجوه: الأول: أن قاعدة الميراث أنه متى اجتمع الرجل والمرأة من جنس واحد كان للذكر مثل حظ الأنثيين، ألا ترى أن الابن مع البنت كذلك قال تعالى: {يُوصِيكُمُ الله في أولادكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الأنثيين} وأيضا الأخ مع الأخت كذلك قال تعالى: {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رّجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأنثيين} [النساء: 176] وأيضا الأم مع الأب كذلك، لأنا بينا أنه إذا كان لا وارث غيرهما فللأم الثلث، وللأب الثلثان، إذا ثبت هذا فنقول: إذا أخذ الزوج نصيبه وجب أن يبقى الباقي بين الأبوين أثلاثا، للذكر مثل حظ الأنثيين.
الثاني: أن الأبوين يشبهان شريكين بينهما مال، فإذا صار شيء منه مستحقا بقي الباقي بينهما على قدر الاستحقاق الأول، الثالث: أن الزوج إنما أخذ سهمه بحكم عقد النكاح لا بحكم القرابة، فأشبه الوصية في قسمة الباقي، الرابع: أن المرأة إذا خلفت زوجا وأبوين فللزوج النصف، فلو دفعنا الثلث إلى الأم والسدس إلى الأب لزم أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين، وهذا خلاف قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الأنثيين}.
واعلم أن الوجوه الثلاثة الأول: يرجع حاصلها إلى تخصيص عموم القرآن بالقياس.
وأما الوجه الرابع: فهو تخصيص لأحد العمومين بالعموم الثاني. اهـ.
قال الفخر:
اتفقوا على أن الأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس، واتفقوا على أن الثلاثة يحجبون، واختلفوا في الأختين، فالأكثرون من الصحابة على القول بإثبات الحجب كما في الثلاثة، وقال ابن عباس: لا يحجبان كما في حق الواحدة، حجة ابن عباس أن الآية دالة على أن هذا الحجب مشروط بوجود الاخوة، ولفظ الاخوة جمع وأقل الجمع ثلاثة على ما ثبت في أصول الفقه، فإذا لم توجد الثلاثة لم يحصل شرط الحجب، فوجب أن لا يحصل الحجب.
روي أن ابن عباس قال لعثمان: بم صار الأخوان يردان الأم من الثلث إلى السدس؟ وإنما قال الله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} والأخوان في لسان قومك ليسا باخوة؟ فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد قضاء قضى به من قبلي ومضى في الأمصار.
واعلم أن في هذه الحكاية دلالة على أن أقل الجمع ثلاثة لأن ابن عباس ذكر ذلك مع عثمان، وعثمان ما أنكره، وهما كانا من صميم العرب، ومن علماء اللسان، فكان اتفاقهما حجة في ذلك.
واعلم أن للعلماء في أقل الجمع قولين:
الأول: أن أقل الجمع اثنان وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني رحمة الله عليه، واحتجوا فيه بوجوه:
أحدها: قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ولا يكون للإنسان الواحد أكثر من قلب واحد، وثانيها: قوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين} والتقييد بقوله: {فوق اثنتين} إنما يحسن لو كان لفظ النساء صالحًا للثنتين، وثالثها: قوله: «الاثنان فما فوقهما جماعة» والقائلون بهذا المذهب زعموا أن ظاهر الكتاب يوجب الحجب بالأخوين، إلا أن الذي نصرناه في أصول الفقه أن أقل الجمع ثلاثة، وعلى هذا التقدير فظاهر الكتاب لا يوجب الحجب بالأخوين، وإنما الموجب لذلك هو القياس، وتقريره أن نقول: الأختان يوجبان الحجب، وإذا كان كذلك فالأخوان وجب أن يحجبا أيضا، إنما قلنا إن الأختين يحجبان، وذلك لأنا رأينا أن الله تعالى نزل الاثنين من النساء منزلة الثلاثة في باب الميراث، ألا ترى أن نصيب البنتين ونصيب الثلاثة هو الثلثان، وأيضا نصيب الأختين من الأم ونصيب الثلاثة هو الثلث، فهذا الاستقراء يوجب أن يحصل الحجب بالأختين، كما أنه حصل بالأخوات الثلاثة، فثبت أن الأختين يحجبان، وإذا ثبت ذلك في الأختين لزم ثبوته في الأخوين، لأنه لا قائل بالفرق، فهذا أحسن ما يمكن أن يقال في هذا الموضع، وفيه إشكال لأن إجراء القياس في التقديرات صعب لأنه غير معقول المعنى، فيكون ذلك مجرد تشبيه من غير جامع، ويمكن أن يقال: لا يتمسك به على طريقة القياس، بل على طريقة الاستقراء لأن الكثرة أمارة العموم، إلا أن هذا الطريق في غاية الضعف والله أعلم، واعلم أنه تأكد هذا باجماع التابعين على سقوط مذهب ابن عباس، والأصح في أصول الفقه أن الإجماع الحاصل عقيب الخلاف حجة، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السدس} الإخوة يحجبون الأُمّ عن الثلث إلى السدس، وهذا هو حجب النقصان، وسواء كان الإخوة أشقّاء أو للأب أو للأُمّ، ولا سهم لهم.
ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقول: السّدس الذي حجب الأُخوةُ الأُمّ عنه هو للإخوة.
ورُوي عنه مثلُ قولِ الناس إنه للأب.
قال قتَادة: وإنما أخذه الأب دونهم؛ لأنه يُمونهم وَيلي نكاحهم والنفقةَ عليهم.
وأجمع أهل العلم على أن أخوين فصاعدًا ذُكرانًا كانوا أو إناثًا من أب وأُم، أو من أب أو من أُم يحجبُون الأُم عن الثلث إلى السدس؛ إلا ما رُوي عن ابن عباس أن الاثنين من الإخوة في حكم الواحد، ولا يحجبُ الأُمّ أقلُّ من ثلاث.
وقد صار بعض الناس إلى أن الأخوات لا يحجبن الأُمّ من الثلث إلى السدس؛ لأن كتاب الله في الإخوة وليست قوّة ميراثِ الإناث مثلَ قوّة ميراث الذكور حتى تقتضي العبرةُ الإلحاق.
قال الكِيَا الطبريّ: ومقتضى أقوالهم ألاّ يَدخلن مع الإخوة؛ فإن لفظ الإخوة بمطلقه لا يتناول الأخوات، كما أن لفظ البنين لا يتناول البنات.
وذلك يقتضي ألاّ تُحجب الأُم بالأخ الواحد والأُخت من الثلث إلى السدس؛ وهو خلاف إجماع المسلمين.
وإذا كنّ مراداتٍ بالآية مع الإخوة كنّ مرادات على الانفراد. اهـ.

.قال الفخر:

الإخوة إذا حجبوا الأم من الثلث إلى السدس فهم لا يرثون شيئا ألبتة، بل يأخذ الأب كل الباقي وهو خمسة أسداس، سدس بالفرض، والباقي بالتعصيب، وقال ابن عباس: الاخوة يأخذون السدس الذي حجبوا الأم عنه، وما بقي فللأب، وحجته أن الاستقراء دل على أن من لا يرث لا يحجب، فهؤلاء الاخوة لما حجبوا وجب أن يرثوا، وحجة الجمهور أن عند عدم الاخوة كان المال ملكا للأبوين، وعند وجود الاخوة لم يذكرهم الله تعالى إلا بأنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، ولا يلزم من كونه حاجبا كونه وارثا، فوجب أن يبقى المال بعد حصول هذا الحجب على ملك الأبوين، كما كان قبل ذلك، والله أعلم. اهـ.