فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ} هذه الجملة من مبتدأ وخبر، يُحْتَمل أن تكونَ في محلِّ نَصْبٍ بيوصي؛ لأنَّ المعنى: يَفْرِضُ لكم، أو يُشَرِّع في أوْلادَكُمْ، كذا قاله أبُو البَقَاءِ، وهذا يقرب من مذهب الفرَّاء، فإنَّهُ يُجْرٍي ما كان بمعنى القول مُجْراه في حكاية الجملِ، فالجملةُ في موضع نَصْب بيوصيكم.
وقال مَكِّيٌّ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ} ابتداءُ وخبر في موضع نصب تَبْيينٌ لِلْوَصِيَّةِ وَتَفْسِيرٌ لَهَا.
وقال الكِسَائِيُّ: ارتفع مثل على حذف أنَّ تقديره: أنَّ للذكرِ مثلُ حظّ، وبه قرأ ابن ابيب عبلة، ويحتمل ألاَّ يكون لها محلٌّ من الإعراب، بل جيء بها للبيان والتَّفسير فهي جُملةٌ مفسِّرةٌ للوصيَّةِ، وهذا أحسن وجار على مذهب البصريين، وهو ظاهر عبارة الزمخشريِّ، فَإنَّهُ قال: وهذا إجمالٌ تفصيلُه {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين}.
وقوله: {لِلذَّكَرِ} لابد من ضمير يعود على {أَوْلاَدِكُمْ} من هذه الجملة، فيحتمل أن يكون مجذوفًا أي: للذكر منهم نحو: السَّمْنُ مَنَوانِ بدرهم قاله الزمخشريُّ، ويحتمل أن يكون قام مقام الألف واللام عند مَنْ يرى ذلك، والأصل: لذكرهم ومثل صفة لموصوفٍ محذوفٍ أي: للذَّكَر منهم حَظٌّ مثلُ حَظِّ الأنثيين.
فإن قيل: لا يقال في اللُّغَةِ: أوصيك لكذا، فكيف قال هنا: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ}؟.
فالجوابُ: أنَّهُ لما كانت الوصية قولًا، فلهذا قال بعد قوله: {يُوصِيكُمُ الله} قولًا مستأنفًا وهو قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} ونظيره قوله تعالى: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً} [الفتح: 29] أي: قال لهم مغفرة؛ لأن الوعد قولٌ.
قوله: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً} الضمير في كُنَّ يعودُ على الإناثِ اللاَّتي شَمَلَهُنَّ قوله: {في أَوْلاَدِكُمْ}.
فإنَّ التَّقدير: في أولادكم الذُّكور والإناث، فعادَ الضَّمِيرُ على أحد قِسمي الأولادِ، وإذا عاد الضَّمِيرُ على جمع التكسير العاقل المراد به مَحْضَ الذُّكور، وفي قوله عليه السَّلام: «ورب الشياطين ومن أضللن» لعوده على جماعة الإناث، فَلأنْ يعودَ كذلك على جمع التكسير المشتمل على الإناث بطريق الأوْلى والأحرى، وهذا معنى قول أبي حيَّان: وفيه نَظَرٌ لأن عوده هناك كضمير الإناث إنما كان لمعنى مفقودٍ هنا وهو طلب المشاكلة لأنَّ قبله «اللهم رب السموات ومن أضللن الأرضين وما أقللن» ذَكَر ذلك النحويون.
وقيل: الضَّمير يعود على المتروكات أي: فإن كانت المتروكات، وَدَلَّ ذِكْرُ الأولاد عليه، قاله أبُو البقاء ومكيٌّ وقدَّره الزمخشريُّ: فإنْ كانت البنات أو المولودات.
فإذا تقرر هذا فـ {كُنَّ} كان واسمُها و{نسَاءٌ} خبرها، و{فوق اثنتين} ظرف في فائدةٌ، ألا ترى أنَّه لو قيل: إنْ كان الزيدون رجالًا كان كذا لم يَكُنْ فيه فائدةٌ.
وأجاز الزَّمخشريُّ في هذه الآية وَجْهين غريبين:
أحدهما: أن يكون الضمير في {كُنَّ} ضميرًا مبهمًا، و{نساء} منصوبٌ على أنَّهُ تفسيرٌ له يعني: تمييزًا، وكذلك قال في الضَّمِير الَّذي في {كَانَتْ} من قوله: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً} على أنَّ {كن} تَامَّةٌ. والوجه الآخر: أن يكون فوق اثنتين خبرًا ثانيًا لكُنَّ وَرَدَّهما عليه أبو حيّان: أمَّا الأوَّلُ: فلأنَّ كانَ ليْسَتْ من الأفعالِ الَّتي يكونُ فاعلُها مضمرًا يُفَسِّره ما بَعْدَهُ بل هذا مختصٌّ من الأفعال بنعم وبئس وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا وبَابُ التنازع عند إعْمَالِ الثاني، فَلِمَا تَقَّدَمَ من الاحتياج إلى هذه الصفةِ؛ لأنَّ الخبرَ لابد أنْ تَسْتَقِلَّ به فَائِدةُ الإسناد، وَقَدْ تَقَدَّمَ أنَّهُ لو اقتصر على قوله: {فإن كن نساء} لم يُفِدْ شيئًا؛ لأنَّهُ مَعْلُومٌ.
قوله: {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} قرأ الجمهور {ثلُثا} بضمِّ اللام، وهي لغة الحجاز وبني أسد.
قال النَّحَّاسُ: من الثُّلث إلى العشر.
وقرأ الحسن ونعيمُ بن ميسرةَ ثُلْثا والثُّلْثُ والنِّصْفُ والرُّبْع والثُّمْنُ كلُّ ذلك بإسكان الوسط.
وقال الزَّجَّاجُ: هي لغة واحدة، والسُّكونُ تخفيف.
وقوله: {وإن كانت واحدة} قرأ نافع {وَاحِدَةٌ} رفعًا على أن كَانَ تامة أي: وإن وُجِدَتْ واحدةٌ، والباقون {واحدة} نصبًا على أن كَانَ ناقصة واسمُها مستتر فيها يعودُ على الوارثة أو المتروكة وواحدة نَصْبٌ على خبر كان، وَقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ الزَّمَخشريَّ أجاز أن يكون في كان ضمير مبهمٌ مفسَّر بالمنصوبِ بعد. وقرأ السُّلمي: النُّصف بضم النون، وهي قراءةُ عليِّ وزيد بن ثابت- رضي الله عنهما- وقد تقدَّم شيء من ذلك في البقرة في قوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] ويعني: كون البنت الواحدة لها النّصف؛ لأن الابن الواحد له جميع المال إذا انفرد، فكذلك البنت إذا انفردت لها نصف ما للذكر إذا انفرد؛ لأنَّ الذَّكر له مثل حظ الأنثيين.
قوله: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس}.
{السدس} مبتدأ و{وَلأَبَوَيْهِ} خبرٌ مقدَّمٌ، و{لِكُلِّ وَاحِدٍ} بدل من {وَلأَبَوَيْهِ}، وهذا نص الزمخشريِّ فإنَّه قال: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} بدل من {وَلأَبَوَيْهِ} بتكرير العامل، وفائدة هذا البدل أنَّهُ لو قيل: ولأبويه السدس لكان ظاهرةُ اشتراكهما فيه، ولو قيل: لأبويه السدسان لأوْهَمَ قِسْمَةَ السدسين عليهما بالسويةِ وعلى خلافهما.
و{السدس} مبتدأ، وخبره {لأَبَوَيْهِ} والبدلُ متوسط بينهما للبيان. انتهى.
ونَاقَشَهُ أبو حيان فِي جَعْلِهِ {لأَبَوَيْهِ} الخبر دون قوله: {لِكُلِّ وَاحِدٍ} قال: لأنه ينبغي أن يكون البدل هو الخبر دونَ المبدل منه يعني: أنَّ البدل هو المعتمد عليه، والمبدل منه صار في حكم المُطَّرح، ونَظَّره بقولك: إنَّ زيدًا عينهُ حسنةٌ فكما أنَّ حَسَنَةٌ خبر عن عينه دون زيد في حكم المُطَّرح فكذلك هذا، ونَظَّره أيضًا بقولك: أبواك لكل واحد منهما يصنع كذا فيصنع خبر عن كل واحد منهما.
ولو قلت: أبواك كُلُّ واحدٍ منهما يصنع كذا لَمْ يَجُزْ.
وفي هذه المناقشة نَظَرٌ، لأنه إذا قيل لك: ما مَحَلُّ لأبويه من الإعراب؟ تُضطر إلى أن تقول: في مَحَلِّ رفع خبرًا مقدمًا، ولكنه نقل نسبة الخيريّة إلى {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} دون {لأَبَوَيْهِ} قال: وقال بعضهم: {السدس} رفع بالابتداء، و{لِكُلِّ وَاحِدٍ} الخبرُ و{لِكُلِّ} بَدَلٌ من الأبوين، ومنهما نعت لواحد، وهذا البدلُ هو بدلُ بعضِ من كُلِّ، ولذلك أتَى معه بالضَّمير، ولا يُتَوَهَّمُ أنَّهُ بدلُ شيءٍ من شيْءٍ وهما لعين واحدةٍ لجوازِ أبواك يَصْنعان كذا وامتناع أبواك كل وتجد منهما يصنعان كذا، بل تقول: يصنع. انتهى.
والضَّمير في لأبويه عائد على ما عاد عليه الضَّمير في ترك، وهو الميتُ المدلولُ عليه بقوة الكلام، والتثنية في أبويه من التَّغليب، والأصل: لأبيه وأمه وَإِنَّما غَلَّبَ المذكر على المؤنث كقولهم: القمران، والعمران وهي تثنية لا تنقاس.
قوله: {فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث}.
قرأ الجمهور {فَلأُمِّهِ} وقوله: {في أُمِّ الكتاب} [الزخرف: 4].
وقوله: {حتى يَبْعَثَ في أُمِّهَا} في القصص [آية: 59].
وقوله: {مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النحل: 78].
وقوله: {أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النور: 61] و{فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: 32] بضم الهمزة من أمّ وهو الأصلُ.
وقرأ حمزة والكسائيُّ جميعَ ذلك بكسر الهمزة.
وانفرد حمزة بزيادة كسر الميم من إمِّهات فإنَّهُ لا خلاف في ضَمِّها.
أمَّا وجهُ قراءة الجمهور فظاهرٌ، لأنَّهُ الأصل كما تَقَدَّمَ.
وَأمَّا قراءة حمزة والكسائي بكسر الهمزة فقالوا: لمناسبة الكسرة أو الياء الّتي قبل الهمزة، فكسرت الهمزةُ إتباعًا لما قَبْلَها، ولاستثقالهم الخروج من كَسْرِ أو شبه إلى ضم.
قال الزَّجَّاجُ: وليس في كلام العرب فِعُل بكسر الفاء وضمِّ العين، فلا جَرَمَ جُعِلَتْ الضمةُ كسرةً، ولذلك إذا ابتدآ بالهمزة ضَمَّاها لزوال الكسر أو الياء، وأمَّا كسر حمزة الميم من إمَّهات في المواضع المذكورة فللإتْبَاع، أتبعَ حركة الميم لحركةِ الهمزةِ، فكسرةُ الميم تَبَعُ التَّبَع، ولذلك إذا ابتدأ بها ضم الهمزة وفتح الميم؛ لما تقدَّمَ من زوال موجب ذلك.
وكَسْرُ همزة أم بعد الكسرة أو الياء حكاه سببويْهِ لُغَةً عن العرب، ونَسَبَها الكِسائِي والفرَّاء إلى هوازن وهذيل.
قوله: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّهُ متعلقٌ بما تقدمه من قسمة المواريث كُلِّهَا لا بما يليه وحده، كأنَّهُ قيل: قسمةُ هذه الأنصباء من بعد وصية قاله الزَّمَخْشَرِيُّ، يعني أنه متعلِّقٌ بقوله: {يُوصِيكُمُ الله} وما بعده.
والثاني: قاله أبُو حيَّان أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ، أي: يَسْتَحِقُّون ذلك كما فُصِّلَ من بعد وصية.
والثالث: أنَّهُ حال من السُّدس، تقديره: مستحقًا من بعد وصيَّة، والعاملُ الظرفُ قاله أبُو البَقَاءِ، وَجَوَّزَ فيه وَجْهًا آخر، قال: ويجوزُ أن يكون ظرفًا أي: يستقر لهم ذلك بعد إخراج الوصيّةِ، ولابد من تقدير حذف المضاف لأنَّ الوصيَّةَ هنا المالُ المُوصَى به، وقد تكون الوصيَّةُ مَصْدرًا مثل الفريضة، وهذان الوجهان لا يَظْهَرُ لهما وَجْهٌ.
وقوله: والعاملُ الظَّرف، يعني بالظَّرف: الجارَّ والمجرور في قوله تعالى: {فَلأُمِّهِ السدس} فإنه شبيه بالظرفية، وعمل في الحال لما تضمنه من الفعل لوقوعه خبرًا، ويوصي فعل مضارع المرادُ به المضمر، أي: وصية أوْصَى بها وبها متعلق به، والجملة في محلِّ جَرِّ صفةً لوصية.
وقرأ ابنُ كثير وابنُ عامرٍ وأبُو بكرٍ يُوصَى مبنيًّا للمفعول في الموضعين، ووافقهم حفص في الأخير، والباقون مبنيًا للفاعل.
وقُرِئَ شاذًا يُوصَّى بالتشديد مبنيًا للمفعول، فبها في قراءة البناء للفاعل في مَحَلِّ نصب، وفي قراءة البناء للمفعول في مَحَلِّ رفعٍ لقيامه مقامَ الفاعل.
قوله: {أو دين}، أو هنا لأحدِ الشيئين، قال أبو البقاء: وَلا تَدُلُّ على ترتيب، إذْ لا فرقَ بين قولك: جاءني زيد أو عمرو، وبين قولك: جاءني عمرو أو زيد؛ لأنَّ أو لأحد الشيئين، والواحدُ لا ترتيب فيه، وبهذا يفسد قولُ مَنْ قَالَ: من بعد دين أو وصية وإنَّمَا يَقَعُ الترتيبُ فيما إذا اجتمعا، فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ على الوصيَّةِ.
وقال الزَّمخشريُّ: فإنْ قُلْتَ: فما معنى أو؟ قلت: معناها الإباحةُ، وأنَّهُ إن كان أحدهما، أو كلاهما قُدِّمَ على قِسْمَةِ الميراثِ، كقولك: جالس الحسنَ أو ابن سيرين، فإن قلت: لم قُدِّمَتِ الوصيّة على الدَّيْنِ والدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عليها في الشَّريعةِ؟.
قلت: لما كانت الوصيّةُ مُشْبهَةً للميراثِ في كونِها مَأخوذةً مِنْ غير عوضٍ، كان إخراجُها مِمَّا يَشُقُّ على الورَثةِ، بخلاف الدَّيْن، فإن نفوسهم مطمئنَّةٌ إلى أدائه، فلذلك قُدِّمَتْ على الدَّيْنِ بَعْثًا على وجوبها، والمسارعة إلى إخراجها مع الدَّيْنِ، ولذلك جيءَ بكلمةِ أو للتَّسْوِيَةِ بينهما في الوجوب. وقال ابن الخَطِيبِ: إنَّ كلمة أو إذا دخلت على النفي صارت في معنى الواو، كقوله: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] وقوله: {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايا أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] فكانت أو هاهنا بمعنى الواو، وكذلك قوله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} لما كان في معنى الاستثناء صار كأنه قال: إلاّ أن يكون هناك وَصِية أوْ دين فيكون المراد بعدهما جميعًا.
قوله: {آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ} مبتدأ، و{لاَ تَدْرُونَ} وما في حَيِّزه في محلِّ الرفع خبرًا له.