فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلا يبقى بعد ذلك كله إلا انقباضهن من نسبة كمال التعقل إلى الرجال وكمال الإحساس والتعطف إليهن وليس في محله فإن التعقل والإحساس في نظر الإسلام موهبتان إلهيتان مودعتان في بنية الإنسان لمأرب إلهية حقه في حياته لا مزية لإحداهما على الأخرى ولا كرامة إلا للتقوى وأما الكمالات الأخر كائنة ما كانت فإنما تنمو وتربو إذا وقعت في صراطه وإلا لم تعد إلا أوزارا سيئة.
6- قوانين الإرث الحديثة هذه القوانين والسنن وإن خالفت قانون الإرث الإسلامى كما وكيفا على ما سيمر بك إجمالها غير أنها استظهرت في ظهورها واستقرارها بالسنة الإسلامية في الإرث فكم بين موقف الإسلام عند تشريع إرث النساء في الدنيا وبين موقفهن من الفرق.
فقد كان الإسلام يظهر أمرا ما كانت الدنيا تعرفه ولا قرعت أسماع الناس بمثله ولا ذكرته أخلاف عن أسلافهم الماضين وآبائهم الأولين وأما هذه القوانين فإنها ابديت وكلف بها أمم حينما كانت استقرت سنة الإسلام في الإرث بين الأمم الإسلامية في معظم المعمورة بين مئات الملايين من الناس توارثها الأخلاف من أسلافهم في أكثر من عشرة قرون ومن البديهيات في أبحاث النفس أن وقوع أمر من الأمور في الخارج ثم ثبوتها واستقرارها نعم العون في وقوع ما يشابهها وكل سنة سابقة من السنن الاجتماعية مادة فكرية للسنن اللاحقة المجانسة بل الأولى هي المادة المتحولة إلى الثانية فليس لباحث اجتماعي أن ينكر استظهار القوانين الجديدة في الإرث بما تقدمها من الإرث الإسلامى وتحوله إليها تحولا عادلا أو جائرا.
ومن أغرب الكلام ما ربما يقال قاتل الله عصبية الجاهلية الأولى إن القوانين الحديثة إنما استفادت في موادها من قانون الروم القديمة وأنت قد عرفت ما كانت عليه سنة الروم القديمة في الإرث وما قدمته السنة الإسلامية إلى المجتمع البشرى وأن السنة الإسلامية متوسطة في الظهور والجريان العملي بين القوانين الرومية القديمة وبين القوانين الغربية الحديثة وكانت متعرفة متعمقة في مجتمع الملايين ومئات الملايين من النفوس الإنسانية قرونا متوالية متطاولة ومن المحال أن تبقى سدى وعلى جانب من التأثير في أفكار هؤلاء المقننين.
وأغرب منه أن هؤلاء القائلين يذكرون أن الإرث الإسلامى مأخوذ من الإرث الرومي القديم.
وبالجملة فالقوانين الحديثة الدائرة بين الملل الغربية وإن اختلفت في بعض الخصوصيات غير أنها كالمطبقة على تساوى الرجال والنساء في سهم الإرث فالبنات والبنون سواء والامهات والآباء سواء في السهام وهكذا.
وقد رتبت الطبقات في قانون فرنسا على هذا النحو 1 البنون والبنات 2 الآباء والأمهات والإخوة والأخوات 3 الأجداد والجدات 4 الأعمام والعمات والأخوال والخالات وقد أخرجوا علقة الزوجية من هذه الطبقات وبنوها على أساس المحبة والعلقة القلبية ولا يهمنا التعرض لتفاصيل ذلك وتفاصيل الحال في سائر الطبقات من أرادها فليرجع إلى محلها.
والذى يهمنا هو التأمل في نتيجة هذه السنة الجارية وهى اشتراك المرأة مع الرجل في ثروة الدنيا الموجودة بحسب النظر العام الذي تقدم غير أنهم جعلوا الزوجة تحت قيمومة الزوج لا حق لها في تصرف مالى في شيء من أموالها الموروثة إلا بإذن زوجها وعاد بذلك المال منصفا بين الرجل والمرأة ملكا وتحت ولاية الرجل تدبيرا وإدارة وهناك جمعيات منتهضة يبذلون مساعيهم لإعطاء النساء الاستقلال وإخراجهن من تحت قيمومة الرجال في أموالهن ولو وفقوا لما يريدون كانت الرجال والنساء متساويين من حيث الملك ومن حيث ولاية التدبير والتصرف.
7- مقايسة هذه السنن بعضها إلى بعض ونحن بعد ما قدمنا خلاصة السنن الجارية بين الأمم الماضية وقرونها الخالية إلى الباحث الناقد نحيل إليه قياس بعضها إلى البعض والقضاء على كل منها بالتمام والنقص ونفعه للمجتمع الإنساني وضرره من حيث وقوعه في صراط السعادة ثم قياس ما سنه شارع الإسلام إليها والقضاء بما يجب أن يقضى به.
والفرق الجوهرى بين السنة الإسلامية والسنن غيرها في الغاية والغرض فغرض الإسلام أن تنال الدنيا صلاحها وغرض غيره أن تنال ما تشتهيها وعلى هذين الأصلين يتفرع ما يتفرع من الفروع قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة- 216] وقال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} [النساء- 19].
8- الوصية قد تقدم أن الإسلام أخرج الوصية من تحت الوراثة وأفردها عنوانا مستقلا لما فيها من الملاك المستقل وهو احترام إرادة المالك بالنسبة إلى ما يملكه في حياته وقد كانت الوصية بين الأمم المتقدمة من طرق الاحتيال لدفع الموصى ماله أو بعض ماله إلى غير من تحكم السنة الجارية بإرثه كالأب ورئيس البيت ولذلك كانوا لا يزالون يضعون من القوانين ما يحدها ويسد بنحو هذا الطريق المؤدى إلى إبطال حكم الإرث ولا يزال يجرى الأمر في تحديدها هذا المجرى حتى اليوم وقد حدها الإسلام بنفوذها إلى ثلث المال فهى غير نافذة في الزائد عليه وقد تبعته في ذلك بعض القوانين الحديثة كقانون فرنسا غير أن النظرين مختلفان ولذلك كان الإسلام يحث عليها والقوانين تردع عنها أو هي ساكتة.
والذى يفيده التدبر في آيات الوصية والصدقات والزكاة والخمس ومطلق الإنفاق أن في هذه التشريعات تسهيل طريق أن يوضع ما يقرب من نصف رقبة الأموال والثلثان من منافعها للخيرات والمبرات وحوائج طبقة الفقراء والمساكين لتقرب بذلك الطبقات المختلفة في المجتمع ويرتفع الفواصل البعيدة من بينهم وتقام به أصلاب المساكين مع ما في القوانين الموضوعة بالنسبة إلى كيفية تصرف المثرين في ثروتهم من تقريب طبقتهم من طبقة المساكين ولتفصيل ذا البحث محل آخر سيمر بك إن شاء الله تعالى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {يُوصِيكُمُ اللهُ في أَوْلاَدِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}.
الوصية هاهنا بمعنى الأمر، فإنه سبحانه جعل الميراث بين الورثة مستحقًا بوجهين:
1- الفرض 2- التعصيب، والتعصيب أقوى من الفرض لأن العَصَبَةَ قد تستغرق جميع المال أما أكثر الفروض فلا يزيد على الثلثين، ثم إن القسمة تبدأ بأصحاب الفروض وهم أضعف استحقاقًا، ثم العَصَبَة وهم أقوى استحقاقًا. قال صلى الله عليه وسلم: «ما أبْقَتْ الفرائض فَلأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَر» كذلك أبدًا سنته، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] أعطاهم الكتاب بلفظ الميراث ثم قدَّم الظالم على السابق، وهو أضعف استحقاقًا إظهارًا للكرم مع الظالم لأنه مُنْكسِر القلب ولا يحتمل وقته طول المدافعة.
وقوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}. لو كان الأمر بالقياس لكانت الأنثى بالتفضيل أَوْلَى لضعفها، ولعجزها عن الحراك، ولكنَّ حُكْمَه سبحانه غيرُ معلَّل.
قوله جلّ ذكره: {آباؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الأبناء ينفعونكم بالخدمة، والآباء بالرحمة؛ الآباء في حال ضعفِك في بداية عمرك، والأبناء في حال ضعفك في نهاية عمرك. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}.
شروع في تفصيل أحكام المواريث المجملة.
في قوله تعالى: {لّلرّجَالِ نَصِيبٌ} إلخ.
قال الحافظ ابن كثير: هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَاَلّتِي بَعْدهَا وَالْآيَة الّتِي هِيَ خَاتِمَة هَذِهِ السّوَرة، هُنّ آيَات عِلْم الْفَرَائِض، وَهُوَ مُسْتَنْبَط مِنْ هَذِهِ الْآيَات الثّلَاث، وَمِنْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ مِمّا هُوَ كَالتّفْسِيرِ لِذَلِكَ. انتهى.
والمعنى: يأمركم الله ويعهد إليكم في شأن ميراث أولادكم بعد موتكم.
{لِلذّكَرِ} أي: منهم.
{مِثْلُ حَظّ الأُنثَيَيْنِ} أي: نصيبهما اجتماعًا وانفرادًا.
أما الأول: فإنه يعدّ كل ذكر بأنثيين، في مثل ابن مع بنتين، وابن ابنٍ مع بنتي ابن، وهكذا في السافلين، فيضعف نصيبه ويأخذ سهمين، كما أن لهما سهمين، وأما الثاني فإن له الكل وهو ضعف نصيب البنت الواحدة، لأنه جعل لها في حال انفرادها النصف، فاقتضى ذلك أن للذكر، عند انفراده، مثلي نصيبها عند انفرادها، وذلك الكامل، فالمذكور هنا ميراث الذكر مطلقًا، مجتمعًا مع الإناث ومنفردًا، كما حققه صاحب الانتصاف.
تنبيه:
قال السيوطيّ: استدل بالآية من قال بدخول أولاد الابن في لفظ (الأولاد) للإجماع على إرثهم، دون أولاد البنت.
لطائف:
الأولى: وجه الحكمة في تضعيف نصيب الذكر هو احتياجه إلى مؤنة النفقة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق، فهو إلى المال أحوج، ولأنه لو كمل نصيبها، مع أنها قليلة العقل، كثيرة الشهوة لأتلفته في الشهوات إسرافًا، ولأنها قد تنفق على نفسها فقط، وهو على نفسه وزوجته.
الثانية: لم يقل: للذكر ضعف نصيب الأنثى، لأن الضعف يصدق على المثلين فصاعدًا، فلا يكون نصًا، ولم يقل: للأنثيين مثل حظ الذكر، ولا للأنثى نصف حظ الذكر، تقديمًا للذكر بإظهار مزيته على الأنثى، ولم يقل: للذكر مثلًا نصيب الأنثى، لأنه المثل في المقدار لا يتعدد إلا بتعدد الأشخاص، ولم يعتبر ههنا.
الثالثة: إيثار اسمي (الذكر والأنثى) على ما ذكر أولًا من الرجال والنساء، للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين في الاستحقاق، من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلًا، كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال، كالنساء.
الرابعة: استنبط بعضهم من هذه الآية أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم.
كما جاء في الحديث الصحيح، وقد رأى امرأة من السبي، فرق بينها وبين ولدها فجعلت تدور على ولدها، فلما وجدته من السبي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته، فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم لأصحابه: «أَتَرَوْنْ هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فوالله! لَلّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها».
{فَإِن كُن} أي: الأولاد، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تعالى: {نِسَاء} يعني بنات خلصًا ليس معهن ذكر.
{فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} خبر ثان أو صفة لنساء، أي: نساء زائدات على اثنتين.
{فَلَهُنّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} أي: المتوفى المدلول عليه بقرينة المقام.
تنبيه:
ظاهر النظم القرآني أن الثلثين فريضة الثلاث من البنات فصاعدًا حيث لا ذكر معهن، ولم يسم للبنتين فريضة.
وقد اختلف أهل العلم في فريضتهما، فذهب الجمهور إلى أن لهما، إذا انفردتا عن البنين، الثلثين.
وذهب ابن عباس إلى أن فريضتهما النصف، احتج الجمهور بالقياس على الأختين، فإن الله سبحانه قال في شأنهما: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثّلُثَانِ} فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين، كما ألحقوا الأخوات، إذا زدن على اثنتين، بالبنات، في الاشتراك في الثلثين.