فصل: من فوائد صاحب المنار في الآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث، كان للابنتين، إذا انفردتا، الثلثان، هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد.
قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط، لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين، وأيضًا للمخالف أن يقول: إذا ترك بنتين وابنًا فللبنتين النصف، فهذا دليل على أن هذا فرضهما.
ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة النصف إذا انفردت، بقوله: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النّصْفُ} كان فرض البنتين، إذا انفردتا، فوق فرض الواحدة، وأوجب القياس على الأختين الاقتصار للبنتين على الثلثين.
وقيل إن {فوق} زائدة، والمعنى: إن كن نساء اثنتين، كقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: من الآية 12] أي: الأعناق.
ورد هذا النحاس وابن عطية فقالا: هو خطأ، لأن ظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى.
قال ابن عطية: ولأن قوله: {فوق الأعناق} هو الفصيح وليست {فوق} زائدة بل هي محكمة المعنى، لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ، كما قال دريد بن الصمة: اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال. انتهى.
وأيضًا لو كان لفظ {فوق} زائدًا كما قالوا، لقال: فلهما ثلثا ما ترك، ولم يقل: فلهن ثلثا ما ترك.
وأوضح ما يحتج به للجمهور ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذيّ وابن ماجة وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقيّ في: [سننه] عَنْ جَابِرِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنّ عَمّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا، وَلاَ تُنْكَحَانِ إِلاّ وَلَهُمَا مَالٌ.
فقَالَ: «يَقْضِى اللّهُ فِي ذَلِكَ»، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم إِلَى عَمّهِمَا فَقَالَ: «أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثّلُثَيْنِ، وأُمّهُمَا الثّمُنَ، وَمَا بَقِىَ فَهُوَ لَكَ».
أخرجوه من طرق، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر.
قال الترمذيّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ من حديثه، كذا في: فتح البيان.
{وَإِن كَانَتْ} أي: المولودة.
{وَاحِدَةً} أي: امرأة واحدة ليس معها أخ ولا أخت.
{فَلَهَا النّصْفُ} أي: نصف ما ترك، ولم يكمل لها لأنها ناقصة، ولذلك لم يُجعل لها الثلثان اللذان هما نصيب الابن معها، ثم ذكر، بعد ميراث الأولاد، ميراث الوالدين فقال: {وَلأَبَوَيْهِ} أي: الميت، وهو كناية عن غير مذكور، وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه، والمراد بالأبوين الأب والأم، والتثنية على لفظ الأب للتغليب.
{لِكُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا السّدُسُ مِمّا تَرَكَ} من المال.
{إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} ذكر أو أنثى.
{فَإِن لم يَكُن لّهُ} للميت: {وَلَدٌ} ذكر أو أنثى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمّهِ الثّلُثُ} أي ثلث المال مما ترك، والباقي للأب للذكر مثل حظ الأنثيين لكن قرر لها الثلث تنزيلًا لها منزلة البنت مع الابن، لا منفردة، حطًّا لها عن درجتها، لقيام البنت مقام الميت في الجملة، قاله المهايميّ.
{فَإِن كَانَ لَهُ} أي: للميت: {إِخْوَةٌ} من الأب والأم، أو من الأب أو من الأم، ذكورًا أو إناثًا.
{فَلأُمّهِ السّدُسُ} يعني لأم الميت سدس التركة.
{مِن بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه الفروض المذكورة إنما تقسم للورثة من بعد إنفاذ وصية يوصي بها الميت إلى الثلث، ومن بعد قضاء دين على الميت.
وقرئ في (السبع): يوصي مبنيًا للمفعول وللفاعل.
قال الحافظ ابن كثير: أَجْمَعَ الْعُلَمَاء مِنْ السّلَف وَالْخَلَف عَلَى أَنّ الدّيْن مُقَدّم عَلَى الْوَصِيّة.
وَرَوَى أَحْمَد وَالترمذيّ وَابْن مَاجَهْ وَأَصْحَاب التّفَاسِير مِنْ حَدِيث اِبْن إِسْحَاق عَنْ الْحَارِث بْن عَبْد اللّه الْأَعْوَر عَنْ عليّ بْن أَبِي طَالِب رَضِي اللّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنّكُمْ تَقْرَءُونَ هذه الآية: {مِن بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} «وَإِنّ رَسُول اللّه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قَضَى بِالدّيْنِ قَبْل الْوَصِيّة، وَإِنّ أَعْيَان بَنِي الْأُمّ يَتَوَارَثُونَ دُون بَنِي الْعِلّات، الرّجُل يَرِث أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمّه دُون أَخِيهِ لِأَبِيهِ».
ثُمّ قَالَ الترمذيّ: لَا نَعْرِفهُ إِلّا مِنْ حَدِيث الْحَارِث، وَقَدْ تَكَلّمَ فِيهِ بَعْض أَهْل الْعِلْم، لَكِنْ كَانَ حَافِظًا لِلْفَرَائِضِ، مُعْتَنِيًا بِهَا وَبِالْحِسَابِ، فَاَللّه أَعْلَم.
قال السيوطيّ في: [الإكليل]: في الآية أن الميراث إنما يقسم بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا، وفيها مشروعية الوصية، واستدل بتقديمها في الذّكر من قال بتقديمها على الدين في التركة، وأجاب من أخرها بأنها قدمت لئلا يتهاون بها، واستدل بعمومها من أجاز الوصية بما قل أو كثر، ولو استغرق المال، ومن أجازها للوارث والكافر، حربيًا أو ذميًا، واستدل بها من قال: إن الدّين يمنع انتقال التركة إلى ملك الوارث، ومن قال إن دين الحج والزكاة مقدم على الميراث، لعموم قوله: {أَوْ دَيْنٍ} انتهى.
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة بسند صحيح عَنْ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ أَنّ أَخَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَهَا عَلَى عِيَالِهِ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «إِنّ أَخَاكَ مُحْتَبَسٌ بِدَيْنِهِ فَاقْضِ عَنْهُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! قَدْ أَدّيْتُ عَنْهُ، إِلّا دِينَارَيْنِ ادّعَتْهُمَا امرأة وَلَيْسَ لَهَا بَيّنَةٌ، قَالَ: «فَأَعْطِهَا فَإِنّهَا مُحِقّةٌ».
لطيفة:
(فائدة) وصف الوصية بقوله: {يُوصِي بِهَا} هو الترغيب في الوصي والندب إليها.
وإيثار (أو) المفيدة للإباحة في قوله: {أو دين}، على (الواو) للدلالة على تساويهما في الوجوب، وتقدمهما على القسمة مجموعين أو منفردين، وتقديم الوصية على الدّين، ذكْرًا مع تأخرها عنه حكمًا، ما قدمنا من إظهار كمال العناية بتنفيذها، لكونها مظنة التفريط في أدائها، ولاطرّادها، بخلاف الدين-، أفاده أبو السعود.
{آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} أي: لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم، والمعنى: فرض الله الفرائض، على ما هو، على حكمة، ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم، فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة، والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع، وأنتم لا تدرون تفاوتها، فتولى الله ذلك فضلًا منه، ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير، وهذه الجملة اعتراضية مؤكدة لأمر القسمة، وردّ لما كان في الجاهلية.
قال السمرقندي: ويقال: معنى الآية أن الله تعالى علمكم قسمة المواريث، وأنكم لا تدرون أيهم أقرب موتًا فيرث منه الآخر. انتهى.
{فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ} نصبت نصب مصدر مؤكد لفعل محذوف، أي: فرض الله ذلك فرضًا، أو لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ} فإنه في معنى: يأمركم ويفرض عليكم.
{إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما} أي: بالمصالح والرتب: {حَكِيمًا} أي: في كل ما قضى وقدر، فيدخل فيه بيان أنصباء الذكر والأنثى، دخولًا أوليًا. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآية الكريمة:

قال رحمه الله:
{يُوصِيكُمُ اللهُ}.
مِنَ الْإِيصَاءِ وَالِاسْمُ الْوَصِيَّةُ، وَهِيَ كَمَا أَفْهَمُ مِنْ ذَوْقِ اللُّغَةِ، وَاسْتِعْمَالِ أَهْلِهَا فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنَّهَا: مَا تَعْهَدُ بِهِ إِلَى غَيْرِكَ مِنَ الْعَمَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ أَوِ الْبَعِيدِ، يَقُولُونَ: يُسَافِرُ فُلَانٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا، وَأَوْصَيْتُهُ، أَوْ وَصَّيْتُهُ بِأَنْ يُحْضِرَ لِي مَعَهُ كَذَا، وَيَقُولُونَ: وَصَّيْتُ الْمُعَلِّمَ بِأَنْ يُرَاقِبَ آدَابَ الصَّبِيِّ وَيُؤَدِّبَهُ عَلَى مَا يُسِيءُ بِهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ الْحَاضِرِ، أَوِ الْعَمَلِ أَوْصَيْتُ، وَلَا وَصَّيْتُ. وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ لَوْلَا أَنَّنِي رَأَيْتُ الرَّازِيَّ يَنْقُلُ عَنِ الْقَفَّالِ: أَنَّ الْإِيصَاءَ بِمَعْنَى الْإِيصَالِ، يُقَالُ وَصَّى يَصِي مِنَ الثُّلَاثِيِّ بِمَعْنَى وَصَلَ يَصِلُ، وَأَوْصَى يُوصِي بِمَعْنَى أَوْصَلَ يُوصِلُ، وَأَنَّ مَعْنَى الْجُمْلَةِ فِي الْآيَةِ يُوصِلُكُمُ اللهُ إِلَى إِيفَاءَ حُقُوقِ أَوْلَادِكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ. وَعَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّ مَعْنَاهَا يَفْرِضُ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الرَّاغِبِ فَرَأَيْتُهُ يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ التَّقَدُّمُ إِلَى الْغَيْرِ بِمَا يَعْمَلُ بِهِ مُقْتَرِنًا بِوَعْظٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرْضٌ وَاصِيَةٌ مُتَّصِلَةُ النَّبَاتِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُرْجِعْنِي عَنْ فَهْمِي الْأَوَّلِ.
فِي أَوْلَادِكُمْ أَيْ فِي شَأْنِ أَوْلَادِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، أَوْ مِيرَاثِهِمْ، وَمَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِمَّا تَتْرُكُونَهُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، سَوَاءٌ أَكَانُوا ذُكُورًا أَمْ إِنَاثًا كِبَارًا أَمْ صِغَارًا: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، فَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي مَفْهُومِ الْأَوْلَادِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ يَتَنَاوَلُهُمْ حَقِيقَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَوْلَادٌ مِنْ صُلْبِهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي قِيَامِ أَوْلَادِ الْبَنِينَ مَقَامَ وَالِدَيْهِمْ عِنْدَ فَقْدِهِمْ وَعَدَمِ إِرْثِهِمْ مَعَ وُجُودِهِمْ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلذُّكُورِ كَمَا قَالَ الشِّعْرُ:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا، وَبَنَاتُنَا ** بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَسَنِ ابْنِ بِنْتِهِ فَاطِمَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ- كَمَا فِي الصَّحِيحِ- مَبْنِيٌّ عَلَى خُصُوصِيَّتِهِ فِي جَعْلِ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بِنْتِهِ، أَوْ مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ. وَأَمَّا الْخُنْثَى فَيُنْظَرُ فِي عَلَامَاتِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِيهِ، فَأَيُّهُمَا رَجَحَ حُكِمَ بِهِ. وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِلْأَطِبَّاءِ الثِّقَاتِ الْعَارِفِينَ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التَّرْجِيحَ يُعْرَفُ بِالْبَوْلِ، فَالْعُضْوُ الَّذِي يَبُولُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يُرَجِّحُ ذُكُورَتَهُ أَوْ أُنُوثَتَهُ.
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْوَصِيَّةِ فِي إِرْثِ الْأَوْلَادِ، وَقَدَّمَهُ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي بَابِهِ- كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ- أَيْ لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْلُ نَصِيبِ اثْنَتَيْنِ مِنْ إِنَاثِهِمْ إِذَا كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، وَاخْتِيرَ فِيهَا هَذَا التَّعْبِيرُ لِلْإِشْعَارِ بِإِبْطَالِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ مَنْعِ تَوْرِيثِ النِّسَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ إِرْثَ الْأُنْثَى مُقَرَّرًا مَعْرُوفًا، وَأَخْبَرَ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ جَعَلَهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّشْرِيعِ، وَجَعَلَ إِرْثَ الذَّكَرِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ يُعْرَّفُ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ: لِلْأُنْثَى نِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ، وَإِذًا لَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا يَلْتَئِمُ السِّيَاقُ بَعْدَهُ كَمَا تَرَى؛ أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا تَرَاهُ فِي بَقِيَّةِ الْفَرَائِضِ فِي الْآيَتَيْنِ مِنْ تَقْدِيمِ بَيَانِ مَا لِلْإِنَاثِ بِالْمَنْطُوقِ الصَّرِيحِ مُطْلَقًا، أَوْ مَعَ مُقَابَلَتِهِ بِمَا لِلذُّكُورِ كَمَا تَرَى فِي فَرَائِضِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْإِخْوَةِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي الْفَرَائِضِ شَيْءٌ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ غَيْرُ بَيَانِ هَذِهِ النُّكْتَةِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نُكْتَةِ الْخِطَابِ فِي مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ حَظِّ الذَّكَرِ كَحَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هِيَ أَنَّ الذَّكَرَ يَحْتَاجُ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى زَوْجِهِ، فَكَانَ لَهُ سَهْمَانِ، وَأَمَّا الْأُنْثَى فَهِيَ تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ نَصِيبُ الْأُنْثَى مِنَ الْإِرْثِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفَقَاتِهِمَا.
وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي بَيَانِ الْحِكْمَةِ مِنْ نَقْصِ عُقُولِهِنَّ، وَغَلَبَةِ شَهْوَتِهِنَّ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْإِنْفَاقِ فِي الْوُجُوهِ الْمُنْكَرَةِ فَهُوَ قَوْلٌ مُنْكَرٌ شَنِيعٌ، وَضَعْفُ عُقُولِهِنَّ لَا يَقْتَضِي نَقْصَ نَصِيبِهِنَّ، بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ: إِنَّهُ يَقْتَضِي زِيَادَتَهُ كَضَعْفِ أَبْدَانِهِنَّ لِقِلَّةِ حِيلَتِهِنَّ فِي الْكَسْبِ وَعَجْزِهِنَّ عَنِ الْكَثِيرِ مِنْهُ؛ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ الْمِيرَاثَ جَاءَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْمَعْقُولِ، وَمَا أَرَى الرِّوَايَةَ صَحِيحَةً، كَمَا أَنَّ مَعْنَاهَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِمَا عَلِمْتُ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا. وَأَمَّا مَا يَزْعُمُونَ مِنْ كَوْنِ شَهْوَتِهِنَّ أَقْوَى مِنْ شَهْوَةِ الرِّجَالِ، وَمَا بَنَوْهُ عَلَيْهِ مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى كَثْرَةِ إِنْفَاقِ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ عَلَى بَاطِلٍ، وَإِنَّنَا نَعْلَمُ بِالِاخْتِيَارِ أَنَّ الرِّجَالَ هُمُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ الْكَثِيرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِ إِرْضَاءِ شَهَوَاتِهِمْ، وَقَلَّمَا نَسْمَعُ أَنَّ امْرَأَةً أَنْفَقَتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَهُنَّ يَأْخُذْنَ وَلَا يُعْطِينَ، وَالرِّجَالُ هُمُ الَّذِينَ يَبْذُلُونَ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى شَهْوَةً، وَأَشَدُّ ضَرَاوَةً، نَعَمْ إِنَّ النِّسَاءَ يَمِلْنَ إِلَى الْإِسْرَافِ فِي الزِّينَةِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ نَفَقَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَالشَّرْعُ يَنْهَى عَنِ الْإِسْرَافِ فَلَا تَكُونُ أَحْكَامُهُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ، وَلَكِنْ عُلِمَ بِالِاخْتِبَارِ أَنَّهُنَّ كَثِيرًا مَا يُرَجِّحْنَ الِاقْتِصَادَ إِذَا كَانَ أَمْرُ النَّفَقَةِ مَوْكُولًا إِلَيْهِنَّ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْوَالِدِ، أَوِ الزَّوْجِ فَلَا يَكَادُ إِسْرَافُهُنَّ يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ، وَلِهَذَا نَرَى بَعْضَ الرِّجَالِ الْمُقْتَصِدِينَ يَكِلُونَ أَمْرَ النَّفَقَةِ فِي بُيُوتِهِمْ إِلَى أَزْوَاجِهِمْ فَتَقِلُّ النَّفَقَةُ وَيَتَوَفَّرُ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَتَوَفَّرُ مِنْ قَبْلُ.