فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإذا كانت مع الذكر وهو القائم بمسئولية الكدح تأخذ الثلث، ولذلك فمن المنطقي أن تأخذ كل أنثى الثلث إن كان المورث قد ترك ابنتين. وهناك شيء آخر، لتعرف أن القرآن يأتي كله كمنهج متماسك، فهناك آية أخرى في سورة النساء تناقش جزئية من هذا الأمر ليترك للعقل فرصة العمل والبحث، يقول سبحانه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] لقد جاء الحق هنا بأختي المورث وأوضح أن لهما الثلثين من التركة إن لم يكن للمورث ولد- ابن أو بنت- فإذا كان للأختين الثلثان، فأيهما ألصق بالمورث، البنتان أم الأختان؟ إن ابنتي المورث ألصق به من أختيه، ولذلك فللبنتين الثلثان، فالإبنة إن كانت مع أخيها فستأخذ الثلث، وإن كانت قد ورثت بمفردها فستأخذ النصف. وإن كانت الوارثات من البنات أكثر من اثنتين فسيأخذن الثلثين، وإن كانتا اثنتين فستأخذ كل منهما الثلث، لماذا؟ لأن الله أعطى الأختين ثلثي ما ترك المورث إن لم يكن له أولاد.
ومن العجيب أنه جاء بالجمع في الآية الأولى الخاصة بتوريث البنات، وجاء بالمثنى في الآية التي تورث الأخوات، لنأخذ المثنى هناك- في آية توريث البنات- لينسحب على المثنى هناك.
لقد أراد الحق أن يجعل للعقل مهمة البحث والاستقصاء والاستنباط وذلك حتى نأخذ الأحكام بعشق وحسن فهم، وعندما يقول سبحانه: {يَسْتَفْتُونَكَ} فمعنى يستفتونك أي يطلبون منك الفتوى، وهذا دليل على أن المؤمن الذي سأل وطلب الفتيا قد عشق التكليف، فهو يحب أن يعرف حكم الله، حتى فيما لم يبدأ الله به الحكم.
وقد سأل المؤمنون الأوائل وطلبوا الفتيا عشقا في التكليف {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} والكلالة مأخوذة من الإكليل وهو ما يحيط بالرأس، والكلالة هي القرابة التي تحيط بالإنسان وليست من أصله ولا من فصله.
{إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] وهذه الآية تكمل الآية الأولى. ونعود إلى تفصيل الآية الأولى التي نحن بصدد خواطرنا الإيمانية عنها: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ}.
ومعنى ذلك أن المورث إن لم يكن له الأولاد فللأم الثلث، والأب له الثلثان، فإن كان للمورث إخوة أشقاء أولأب أولأم السدس حسب النص القرآني {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وذلك بعد أن تنفذ وصية المورث، ويؤدي الدّين الذي عليه. والوصية هنا مقدمة على الدين؛ لأن الدين له مُطالب، فهو يستطيع المطالبة بدينه، أما الوصية فليس لها مطالب، وقد قدمها الحق للعناية بها حتى لا نهملها. ويذيل الحق هذه الآية: {آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11] فإياك أن تحدد الأنصباء على قدر ما تظن من النفعية في الآباء أو من النفعية في الأبناء، فالنفعية في الآباء تتضح عندما يقول الإنسان: لقد رباني أبي وهو الذي صنع لي فرص المستقبل. والنفعية في الأبناء تتضح عندما يقول الإنسان: إن أبي راحل وأبنائي هم الذين سيحملون ذكرى واسمى والحياة مقبلة عليهم. فيوضح الحق: إياك أن تحكم بمثل هذا الحكم؛ فليس لك شأن بهذا الأمر: {لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}.
وما دمت لا تدري أيهم أقرب لك نفعا فالتزم حكم الله الذي يعلم المصلحة وتوجيهها في الأنصبة كما يجب أن تكون.
ونحن حين نسمع: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} أو نسمع: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيما} فنحن نسمعها في إطار أن الله لا يتغير، ومادام كان في الأزل عليما حكيما وغفورا رحيما فهو لا يزال كذلك إلى الأبد.
فالأغيار لا تأتي إلى الله، وثبت له العلم والحكمة والخبرة والمغفرة والرحمة أزلا وهو غير متغير، وهذه صفات ثابتة لا تتغير. لذلك فعندما تقرأ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} أو {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}، فالمسلم منا يقول بينه وبين نفسه: ولا يزال كذلك. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}
أخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن جابر بن عبد الله قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئًا، فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش عليَّ، فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض فقلت: كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئًا ونزلت {يوصيكم الله في أولادكم}.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة ومسدد والطيالسي وابن أبي عمر وابن منيع وابن أبي أسامة وأبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وابن حبان والبيهقي في سننه عن جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالًا ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال: يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث {يوصيكم الله في أولادكم...} الآية. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد، وجعل للزوجة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا: نعطي المرأة الربع أو الثمن، ونعطي الإبنة النصف، ونعطي الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم، ويعطونه الأكبر فالأكبر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {للذكر مثل حظ الأنثيين} قال: صغيرًا أو كبيرًا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان، لا يرث الرجل من والده إلا من أطاق القتال.
فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة له يقال لها: أم كحة. وترك خمس جوار، فجاءت الورثة فأخذوا ماله، فشكت أم كحة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف} ثم قال: في أم كحة {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن} [النساء: 12].
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فإن كن نساء} يعني بنات {فوق اثنتين} يعني أكثر من اثنتين، أو كن اثنتين ليس معهن ذكر {فلهن ثلثا ما ترك} الميت والبقية للعصبة {وإن كانت واحدة} يعني ابنة واحدة فلها النصف، {ولأبويه} يعني أبوي الميت {لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد} يعني ذكرًا كان أوكانتا اثنتين فوق ذلك ولم يكن معهن ذكر، فإن كان الولد ابنة واحدة فلها نصف المال ثلاثة أسداس وللأب سدس، ويبقى سدس واحد فيرد ذلك على الأب لأنه هو العصبة {فإن لم يكن له ولد} قال: ذكر ولا أنثى {وورَّثه أبواه فلأمه الثلث} وبقية المال للأب {فإن كان له} يعني للميت {إخوة} قال: أخوان فصاعدًا أو أختان أو أخ أو أخت {فلأمه السدس} وما بقي فللأب، وليس للإخوة مع الأب شيء، ولكنهم حجبوا الأم عن الثلث {من بعد وصية يوصي بها} فيما بينه وبين الثلث لغير الورثة ولا تجوز وصية لوارث {أو دين} يعني يحرم الميراث للورثة من بعد دين على الميت {فريضة من الله} يعني ما ذكر من قسمة الميراث {إن الله كان عليمًا حكيمًا} حكم قسمه.
وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت قال: توفي الرجل أو المرأة وترك بنتًا فلها النصف، فإن كانتا اثنتين فأكثر فلهن الثلثان، وإن كان معهن ذكر فلا فريضة لأحد منهم، ويبدأ بأحد إن شركهن بفريضة فيعطى فريضته.
وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود قال: كان عمر بن الخطاب إذا سلك بنا طريقًا فاتبعناه وجدناه سهلًا، وإنه سئل عن امرأة وأبوين فقال: للمرأة الربع، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين فقال زيد: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال. فأرسل إليه ابن عباس: أفي كتاب الله تجد هذا؟ قال: لا. ولكن أكره أن أفضل أمًا على أب. قال: وكان ابن عباس يعطي الأم الثلث من جميع المال.
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال: إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله: {فإن كان له إخوة} فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة، فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي، ومضى في الأمصار وتوارث به الناس.
وأخرج الحاكم والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت أنه كان يحجب الأم بالأخوين فقالوا له: يا أبا سعيد إن الله يقول: {فإن كان له إخوة} وأنت تحجبها بأخوين فقال: إن العرب تسمي الأخوين إخوة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} قال: أضروا بالأم ولا يرثون ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ويحجبها ما فوق ذلك، وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث لأن أباهم يلي نكاحهم والنفقة عليهم دون أمهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: السدس الذي حجبته الإخوة الأم لهم إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أمهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن علي قال: إنكم تقرؤون هذه الآية {من بعد وصية يوصي بها أو دين} وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} قال: يبدأ بالدين قبل الوصية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا} يقول: أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة عند الله يوم القيامة، لأن الله شفع المؤمنين بعضهم في بعض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أيهم أقرب لكم نفعًا} قال: في الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {أيهم أقرب لكم نفعًا} قال بعضهم: في نفع الآخرة. وقال بعضهم: في نفع الدنيا.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: الميراث للولد فانتزع الله منه للزوج والوالد. اهـ.