فصل: فصل في ميراث الأم الثلث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ميراث الأم الثلث:

قوله فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث لم يجعل الله لها الثلث إلا بشرطين أحدهما عدم الولد والآخر إحاطة الأبوين بالميراث ولذلك دخلت الواو ليعطف الشرط الثاني على الأول ولو لم تدخل الواو لأحاط الأبوان بالميراث عند عدم الولد ولم يرث معهما أحد هذا مقتضى قوله وورثه أبواه وافهم هذه النكتة من ألفاظ القرآن فإنك ستجد فائدة ما إذا ذكرنا ميراث الكلالة إن شاء الله.
وذلك أن لفظ ورث إذا وقع مطلقا اقتضى حوز الميراث عموما مثل أن تقول ورثت زيدا إذا ورثت ماله كله فإن كان معك وارث آخر لم يحسن أن تقول ورثته إنما تقول ورثت منه كذا تعني نصفا أو ثلثا لأن معنى ورثته ورثت ماله ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ولما قام مقامه في الإعراب قام مقامه في العموم من قولك ورثت ماله لسر من العربية لطيف ليس هذا موضع ذكره قال الله سبحانه: {ونرثه ما يقول} وقال: {يرثني ويرث من آل يعقوب} ألا تراه قال من آل يعقوب بزيادة حرف التبعيض وقال يرثني بغير حرف لإحاطة الولد بميراث الأب وقال وورث سليمان داود وقال وهو يرثها عن لم يكن له ولد أي يحيط بميراثها.
وإذا ثبت هذا فمعنى الكلام إذا إن لم يكن له ولد وأحاط الأبوان بميراثه فلأمه الثلث وسكت عن حظ الأب استغناء عن ذكره لأنه لا يبقى بعد الثلث إلا الثلثان ولا وارث إلا الأبوان وهذا بالغ في البيان.
وتذكر هاهنا الفريضتان الغراوان وهما امرأة تركت زوجها وأبويها ورجل ترك امرأته وأبويه فللأم هاهنا الثلث ما بقي وذلك السدس من رأس المال مع الزوج والربع من رأس المال مع الزوجة.
وقد أبى من ذلك ابن عباس وقال لا أجعل لها إلا الثلث من رأس المال والزوج النصف ويبقى السدس للأب فأبى عليه زيد ابن ثابت وقال ليقسم هو كما رأى وأقسم أنا كما رأيت وهي إحدى المسائل الخمسة التي خالف فيها ابن عباس الصحابة.
والعجب أن الله جعل لها الثلث كما جعل للزوج النصف وزيد ابن ثابت يقول بالعول خلافا لابن عباس ولم يجعلها عائلة ولا حط الأب فيكون خلافا لقوله للذكر مثل حظ الأثنيين فلا هو نقص الزوج مما جعل لها ولا هو سوى الأم معه فيعطيها من رأس المال كما أعطاه.
ولكن قوله منتزع من كتاب الله انتزاعا تعضده الأصول وذلك أن الأم تقول لم حططتموني عن الثلث الذي جعل الله لي.
فيقال لها ما أخرجت عن الثلث لأن ميراثك مع أحد الزوجين الثلث مما يبقى فلم تخرجي عن الثلث.
فتقول الأم هلا أعطيتموني الثلث من رأس المال فيكون للزوج نصف ما بقي أو هلا جعلتموها عائلة فيدخل النقص عليه وعلى الأب كما دخل علي.
فيقال لها إنما قال الله سبحانه: {فلأمه الثلث} ولم يقل مما ترك.
كما قال في الزوجين وفي الأخت والأختين وفي الأبوين مع وجود الولد ولفظ ما صيغة من صيغ العموم فأعطى الزوج فرضه من كل ما ترك الميت ولم تكوني أنت كذلك إلا مع عدم الزوجين وعند إحاطة الأبوين بالميراث.
فتقول الأم أليس قوله سبحانه: {فلأمه الثلث} معناه مما ترك الولد.
فيقال لها صيغة العموم لا تؤخذ من المعنى وإنما تؤخذ من اللفظ وقد تقدم أن الدليل اللفظي أقوى من المعنوي لأنه معقول ومسموع فله مزية على المعقول غير المسموع وهذا أصل متفق عليه عند حذاق الأصوليين.
وقد وفق الله زيد بن ثابت وفهمه عن الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «وأفرضهم زيد بن ثابت».
فتأمل هذا الأصل فقل من يفطن له وإنما المسألة عند الناس تقليدية لا برهانية وقد أوضحناها برهانيا والحمد لله.
فهذا ما في المسألة من لفظ القرآن وأما ما فيها من الحكمة وبيان السر فإن الأب بعل الأم وقد قال عليه السلام لو أمرت أحدا بالسجود لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها وهو قوام عليها قال الله عز وجل: {الرجال قوامون على النساء} وقال: {وللرجال عليهن درجة} فكيف يكون فوقها عقلا وشرعا ثم يكون تحتها في الميراث ولم يكن أيضا ليعال لها معه فيدخل عليه النقص في حظه وهو قيمها والمنفق عليها وإليها يؤول نفع حظه من الميراث.
فإن قيل قد عيل لها معه في مسألة الولد إذا اجتمع أبوان وبنتان وزوج.
قلت إن الله تعالى قال هناك لكل واحد منهما السدس مما ترك ولم يقل هنا مما ترك وقد بينا هناك الحكمة التي أوجبت المساواة لها مع الأب.
فإن قيل فقد قال فإن كان له إخوة فلأمه السدس ولم يقل مما ترك وهي يعال لها مع الأختين والزوج.
قلنا قد قال مما ترك في سدسه مع الابن والأب والابن أحق بالميراث من الأخ فكيف يكون لها السدس من كل ما ترك مع الابن الذي هو أحق ولا يكون ذلك لها مع الأخ فلذلك استغنى الكلام عن أن يقول فيه مما ترك أعني عند ذكر الأخوة اكتفاء بما قاله عند ذكر الولد.
فإن قيل فإن الأخوة للأم لهم الثلث ولم يقل في مسألتهم مما ترك.
قالجواب أن قوله يورث كلالة يقتضي العموم في جميع المال لما قدمنا في معنى ورث وإذا كان كذلك لم يحتج إلى إعاده لفظ آخر للعموم فإن الأخ للأم من جملة الكلالة وقد قال يورث كلالة أي يحاط بجميع ماله فلإخوته لأمه الثلث ولا يحتاج إلى أن يقال مما ترك لتقدم العموم في قوله يورث وقد بينا شرح هذا فيما تقدم عند قوله وورث أبواه فافهمه وبالله التوفيق.

.فصل في دلالة الإخوة في الآية:

قوله فإن كان له أخوة فلأمه السدس فلا تنقص الأم من السدس إلا أن تعول الفريضة ولا يقول ابن عباس بالعول وهي من مسائله الخمس ويقول إن الأخوة هاهنا الثلاثة فما فوقهم وليس يقع لفظ الأخوة على الأخوين يقينا وهذه أيضا من مسائه الخمس وحجته بينة في بادئ الرأي وذلك أن الله سبحانه جعل الثلث للأم مع عدم الولد فهذا نص ويقينو اليقين لا يرفعه علا يقين مثله فعن كان له أخ واحد فهي على ثلثها يقينا لأن الأخ ليس بإخوة فإن كان له أخوان فيحتمل دخولهما في معنى العخوة ويحتمل أن لا يدخلا وأما لفظ العخوة فواقع على الجميع يقينا ولم يتصور شك في نقلها إلى السدس بالثلاثة فما فوقهم وتصور الشك في لفظ الأخوين أهما إخوة أم لا والشك لا يرفع اليقين المتقدم في شيء من أبواب الفقه فهي إذا على ثلثها حتى يكون له إخوة ثلاثة أو أكثر.
وحجة الآخرين أن اليقين لا يرفعه شك كما ذكر وأن العموم لا يخصصه محتمل وأما الظاهر فيتخصص به العموم وتبنى عليه الأحكام يقينا كما تبنى على النصوص والمحتمل ليس كذلك ولفظ الأخوة ظاهر في الاثنين نص في الثلاثة مخصص به عموم قوله تعالى: {فلأمه الثلث} لأنه لفظ عام في كل أم لا ولد لها وان كان ظاهر القول الخصوص من أجل قوله تعالى: {فلأمه} ولكنه ضمير عائد على عام تقدم ذكره.
فإن قيل كيف جعلتم لفظ الأخوة ظاهرا في الاثنين وللاثنين صيغة كما للجمع صيغة.
قلنا ومعنى الجمع يشملهما لأن الاثنين جمع شيء إلى مثله كما أن الجمع جمع شيء إلى أكثر منه فمن هاهنا نشأ الخلاف وهو هل الأخوة لفظ ظاهر في الاثنين أم محتمل.
والألفاظ أربعة نص يقطع على معناه وظاهر يحتمل أمرين وهو في أحدهما ظاهر وتتعلق به الأحكام ومحتمل لمعنيين ليس بأحدهما بأولى منه بالآخر وهذا لا يتعلق به حكم لأنه كالمجمل والمجمل ما افتقر إلى البيان وهو أشد استغلاقا من المحتمل والله المستعان إنصاف وتحقيق ظاهر لفظ الأخوة الاختصاص بالجمع دون التثنية ولا يحمل معنى التثنية على الجمع إلا بدليل وهو الظاهر هو ظاهر بعرف اللغة والظاهر بعرف اللغة تتعلق به الأحكام.
فللمفرد ظاهر أقوى منه وهو صيغة العموم فإذا قلت عندي دابة فلفظ اللغة تقتضي أنها من المركوب فإذا قلت ما فيها دابة اقتضت صيغة العموم نفي كل ما يدب من مركوب وغيره وفي التنزيل ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وكأين من دابة فهذا عموم في كل ما يدب وقال في الواجب غير المتعين ومن الناس والدواب لعدم صيغة العموم.
وكذلك مسألة الأخوة فهي ظاهرة في الأخوة كما قال ابن عباس فلما ورد الشرط وهو من صيغ العموم اندرج تحتها كل اخوة والاثنان اخوة وإن لم يكن ظاهر لفظ الأخوة يتناولهما كما لم يكن لفظ الواحد يتناول كل ما يدب حتى أدرجه العموم تحت اللفظ الظاهر كذلك أدرج العموم في الآية تحت لفظ الإخوة ما قد يمكن أن يعبر عنه بإخوة وهما الاثنان فصار قوله تعالى: {إن كان له أخوة} ظاهرا في التثنية والجمع وإن كان صيغة عموم الإخوة في العرف للجمع ظاهرا فالعموم ظاهر أيضا في تناول الكل فتأمله فعنه بديع.
وقوله: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} قد تقدم فهمه وبيانه وبأي شيء يتعلق الظرف والحمد لله.

.فصل في سر اختيار لفظ الابن وجمعه جمعا مكسرا:

وقوله: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله} فيه إشارة إلى ما تقدم من قولهم لا نورث إلا من يركب الفرس ويضرب بالسيف فنبههم الله سبحانه على أنه أعلم منهم بالمصلحة وبوجه الحكمة وبالمنفعة الباطنة والظاهرة.
وقال: {وأبناؤكم} ولم يقل وأولادكم كما قال في أول الآية لأنه لم يرد المعنى الذي يختص بالميراث ويوجبه وهي الولادة وإنما أراد معنى هو أعم من المعنى المتقدم فلذلك جاء بلفظ الأبناء الذي هو أعم من لفظ الأولاد.
وقال: {وأبناؤكم} ولم يقل بنوكم وقال بنو إسرائيل وبني آدم لأن لفظ الجمع المكسر وهو الأبناء أولى في الفصاحة إذا أضيف إلى جمع كما قلنا في أولادكم ولفظ الجمع المسلم لقربه من لفظ الواحد ومن معناه في القلة أولى إذا أضفت البنين إلى واحد هذا حكم البلاغة فتأمله في القرآن حيث وقع تجده كذلك ونحو منه ما ذكرناه في أولادكم وسيد ولد آدم.
وقال: {فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما} أي بعلمه وحكمته فرض هذا أو وصى به ولم يكلكم إلى علمكم ورأيكم لما علم في ذلك من الضرر لكم.

.فصل في حجب الأب للإخوة:

ذكر عبد بن حميد الكشي عن بعض التابعين أن الأب حجب الأخوة وأخذ سهامهم لأنه يتولى نكاحهم والإنفاق عليهم دون الأم وذكره الطبري أيضا وقال محتمل أن تكون الحكمة فيه هذا أو يحتمل أن يكون هذا تعبدا من الله تعالى استأثر بعلم السر فيه والمصلحة دون العبادة.

.فصل سر تكرار من بعد وصية عقب ميراث الزوج والزوجة:

وقوله: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} الآية كلام بين لا إشكال فيه غير أنه قال بعد الفراغ من ميراث الزوج من بعد وصية وقال مثل ذلك بعد الفراغ من ميراث الزوجة مرة أخرى ولم يقل مثل هذا فيما تقدم إلا مرة واحدة وقد ذكر ميراث الأولاد وميراث الأبوين وميراث الأم مع الأخوة.
والحكمة في ذلك أن ذكره لما تقدم يدور على موروث واحد وإن تغايرت الورثة لأن الضمائر كلها تعود على واحد من قوله ولأبويه ولأمه.
{وله إخوة} و{يوصي بها} فالموروث في هذا كله واحد فلما فرغ من قصته قال من بعد وصية يوصي بها أو دين فالموروث في قصة الأزواج غير الموروث في قصة الزوجات وكذلك موروث الكلالة بعد هذا فتأمله والله المستعان فصل في حكمة التعبير بضمير الجمع في ولهن.
وقوله في الزوجات: {ولهن الربع}، {ولهن الثمن} أيضا يقتضي أن الثمن مشترك بين الزوجات وعن كن أربعا كما اقتضى اشتراك إخوة الكلالة في الثلث في قوله: {فهم شركاء في الثلث} لأنه لفظ جمع ولو ذكر الزوجة على انفرادها لكان الثمن لها ثم يكون للضرة الأخرى ثمن آخر هكذا إلى الأربع ولكنه جاء بلفظ الجمع فلأربع زوجات الثمن بينهن.