فصل: مسألة يقال لها ذات الفروج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مسألة يقال لها ذات الفروج:

وهي امرأة وثت ميتا له سبعة عشر دينارا فجاءت لتأخذ فرضها فإذا ستة عشر امرأة سواها قد أخذن دينارا دينارا فلم يبق لها إلا واحد.
شرح ذلك أن الميت له ثمان أخوات شقائق لهن الثلثان وأربع أخوات لأم لهن الثلث وله جدتان لهما السدس بينهما وله ثلاث زوجات لهن الربع أصل الفريضة من اثني عشر عالت إلى سبعة عشر أخذن دينارا دينارا والحمد لله.

.فصل في معنى الكلالة:

وقوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة} الآية لفظ الكلالة من الإكليل المحيط بالرأس لأن الكلالة وراثة من لا أب له ولا ولد فتكللت العصبة أي أحاطت بالميت من كلا الطرفين وأصل هذه الكلمة مصدر مثل القرابة والصحابة ألا ترى أنها لما كانت في معنى القرابة جاءت على وزنها ثم سمى الورثة الذين هم أقرباء الميت دون الولد والأب كلالة بالمصدر كما تقول هم قرابة أي ذوو قرابة وهم صحابة أي ذوو صحابة وأما صحبة بغير ألف فجمع صاحب مثل الكتبة جمع كاتب فإذا عنيت المصدر قلت ورثوه عن كلالة كما تقول فعلت ذلك عن كراهة قال الشاعر:
ورثتم قناة المجد لا عن كلال ** عن ابن مناف عبد شمس وهاشم

وإذا جعلت الكلالة عبارة عن الورثة فهو مجاز مستحسن في القياس والاستعمال قال الشاعر:
والمرء بجمع في الحيا ** ة وفي الكلالة ما يسيم

أي الورثة الذين هم ذوو كلالة ما يسيم من المال أي يرعاه.
وقد روي أن جابرا قال للنبي عليه السلام كيف أصنع في مالي وليس يرثني إلا كلالة.
فهذه حقيقة الكلالة ومجازها ولا يصح قول من قال الكلالة المال ولا قول من قال إنها الميت وإن كان قد قال القدماء من المفسرين الكلالة من لا والد له ولا ولد ولكن لا حجة في هذا لأن القوم أشاروا إلى المعنى دون تفسير اللفظ ففهم عنهم أن من مات ولا ولد له فهو الموروث بالكلالة لاسيما وهم إنما فسروا قوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة} فقالوا هو من لا والد له ولا ولد يعنون الرجل الذي يورث كلالة والله أعلم فعلى هذا يكون إعراب الكلمة إما مفعولا ثانيا إن عنيت به الورثة والمفعول الأول مضمر في يورث كما تقول هو يلبس ثوبا ويطعم طعاما وإما حالا إن عنيت به المصدر فيكون التقدير يورث وراثة كلالة فلما حذف ذكر الورثة وصارت مضمرة معرفة عند المخاطب بما تقدم من اللفظ المشتق منها صارت صفتها حالا منها كما تقول سار به رويدا فرويدا حال من السير قاله سيبويه وضعفاء من النحويين يعربون مثل هذا نعتا لمصدر محذوف والذي قدمناه هو الصواب وحسبك أنه مذهب صاحب الكتاب ووجه الحجة يطول.

.فصل في المراد بالإخوة وتساويهم رجالا ونساء:

وإذا ثبت هذا فالأخوة في هذه الآية هم الأخوة لأم بلا خلاف وقد روي أن بعض الصحابة كان يقرؤها وهو أبي وله أخ أو أخت لأم إما أنه قالها على التفسير وإما أنها كانت قراءة فنسخت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبقي حكمها كما قيل في قراءة عائشة وحفصة رضي الله عنهما والصلاة الوسطى وصلاة العصر.
وأما الكلالة المذكورة في آخر السورة وهي قوله إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فهي الشفيقة أو التي للأب إن عدمت الشقيقة بلا خلاف أيضا ففرض الله سبحانه للإخوة للأم الثلث وإن كثروا وللواحد منهم السدس.
وقوله تعالى: {فهم شركاء في الثلث} يدل على تساوي الذكر والأنثى في الحظ لأن لفظ الشركة إذا أطلق فإنما يتضمن التساوي حتى يقيد بنصيب مخصوص لو أن رجلا ابتاع سلعة فسأله رجل آخر أن يشركه فيها فقال له قد أشركتك فيها ثم قال بعد ذلك لم أرد نصفا وإنما أردت ثلثا أو ربعا لم ينفعه ذلك إلا أن يقيد لفظه في حين الشركة وإنما أخذ الفقهاء هذا من قوله تعالى: {فهم شركاء في الثلث} أي للذكر مثل حظ الأنثى.
ونكتة المسألة والله أعلم أن الأخوة للأم إنما ورثوا الميت بالرحم وحرمة الأم وأن الأم تحب لولدها ما تحب لنفسها ويشق عليها أن يحرموا من أخيهم وقد ارتكضوا معه في رحم واحدة فأعطوا الثلث ولم يزادوا عليه لأن الأم التي بها ورثوا لا تزاد عن الثلث وكأن هذه الفريضة من باب الصلة والبر والصدقة فمن ثم سوي الذكر مع الأنثى كما لو وصى بصدقة أو صلة لأهل بيت لشركوا فيها على السواء ذكورهم وإناثهم ألا ترى أن الثلث مشروع في الوصية التي يبتغي فيها ثواب الله العظيم قال النبي عليه السلام لسعد حين أراد أن يوصي بأكثر من الثلث الثلث والثلث كثير الحديث كأنه نظر عليه السلام إلى فرض الله تعالى للأخوة بسبب الرحم وحرمة الأم وأنه لم يزدهم على الثلث وإن كثروا فكيف يزاد من هو أبعد منهم في حكم الوصية بل الثلث في حقهم كثير والقرآن والسنة نوران من مشكاة واحدة فينظر بعضه إلى بعض ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

.فصل في ميراث الإخوة مع الكلالة:

ومن العجائب أن الكلالة في هذه الآية لا يرث فيها الأخوة مع البنت وهو لم يقل فيها ليس له ولد كما قال في الآية الأخرى ألا ترى إلى قوله فيها إن امرؤ هلك ليس له ولد ثم ورثت فيها الأخوات مع البنت والبنت ولد وهذه التي لم يذكر فيها الولد لا يرث الأخوة مع ولد أصلا لا ذكرا ولا أنثى ويتعين الاعتناء بهذا السؤال والكشف عنه.
والجواب فيه من وجهين أحدهما أن الأخت الشقيقة والتي للأب ليس لها مع البنت فرض معلوم وإنما يرثن بالتعصب فيكون معنى قوله فلها نصف ما ترك فلأخته النصف فريضة إذا لم يكن ولد ذكر ولا أنثى فإن كانت بنتا فليس للأخت فريضة وإنما لها ما بقي والذي يبقى بعد البنت الواحدة نصف وبعد البنات ثلث وإن كان مع البنات من له فرض مسمى يحيط بالمال مع سهم البنات لم يكن للأخوة سهم فليس في توريث الأخوات مع البنت ما يعارض نص الآية على هذا.
والجواب الثاني وهو التحقيق أن فرض الأخوة للأم إنما شرط فيه عدم البنت والابن جميعا لقوله وإن كان رجل يورث ولم يقل في الكلالة الثانية يورث هذا اللفظ وقد قدمنا عند قوله وورثه أبواه أنه يقتضي الإحاطة بجميع المال ما لم يقيد بجزء مخصوص فتأمل الشواهد عليه هناك ثم تدبر قوله يورث كلالة تجد لفظا مغنيا عن أن يقول ليس له ولد كما قال في الكلالة الأخرى فمن هنا أجمعوا والله أعلم أنه لا ميراث لهم مع بنت ولا بنت ابن لأنه لا يقال من ترك بنتا يورث كلالة لأن الكلالة لم ترث إلا نصف المال ولا يقال ورثته إلا أن ترث المال كله في جيد الكلام وفصيحه ألا تراه يقول وهو يرثها إن لم يكن لها ولد أي يحيط بميراثها.

.فصل في ألفاظ ابني الكلالة:

قوله: {أو امرأة} وقال في الآية الأخرى: {إن امرؤ} ولم يقل امرأة لأن لفظ المرء بتضمنها ويتضمن الكبير والصغير.
كما قال:
أيريد المرء أن يؤتى مناه

وكما قال:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادا بعدما هو ساطع

وكما قال:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه

فالمرء في هذا كله لا يراد به ذكر دون أنثى ولا كبير دون صغير لأنه اسم للجنس ألا ترى أن قوله سبحانه: {ولحم الخنزير} قد تضمن الذكر والأنثى والصغير والكبير لغة وشرعا فكذلك هذا.
وأما آية الكلال فإنما احتيج إلى ذكر المرأة لأن لفظ الرجل لا يتضمنها.
فإن قيل إن لفظ الرجل لا يتضمن الصغير وقد كان لفظ المرء أعم من لفظ الرجل فما الحكمة وما الفرق بين هذه الآية والآية الأخرى التي ورد فيها لفظ المرء.
قلنا وبالله التوفيق إن الرجل لا يقع علا على العاقل والمكلف ولم يقتصر في هذه الآية على بيان حكم الميراث فقط بل ذكر فيها حكم الوصية والدين والنهي عن المضارة بقوله غير مضار وهذه أحكام تختص بالكبير.
فوردت الآية بلفظ الرجل ودخل الصغير في حكمه الذي هو الفريضة من جهة المعنى لا من جهة اللفظ وليس كل حكم يؤخذ من اللفظ بل أكثرها تؤخذ من جهة المعاني والاستنباط من النصوص بالعلة الجامعة بين الحكمين والله المستعان.

.مسألة من باب التنبيه على إعجاز الآية وأسرار بلاغتها والحكم المتضمنة فيها:

وهي إضافة النصف إلى ما بعده في قوله نصف ما ترك أزواجكم وفي قوله فلها نصف ما ترك ولم يقل في السهام كذلك وإنما قال الربع مما تركتم والسدس مما ترك والثمن مما تركتم بحرف الجر لا بالإضافة ونريد أن نختم الباب بشرح هذه المسألة ليكون الكتاب كله كأنه تفسير الآية وشرح لمضمنها وتنبيه على إعجازها والله المستعان.

.فصل في مصادر الفرائض من السنة:

قد أتينا على ما تتضمنه الآية من أصول الفرائض وقال السلف من العلماء قد أبقى القرآن موضعا للسنة وأبقت السنة موضعا للاجتهاد والرأي ثم إن القرآن قد أحال على السنة بقوله وما آتاكم الرسول فخذوه الآية.
وأحال الرسول عليه السلام بعد ما بين من أصول الفرائض ما بين على زيد بن ثابت بقوله في الحديث وأفرضهم زيد بن ثابت فصار قول زيد أصلا عول عليه الفقهاء واستقر العمل به ولذلك أضربنا عن كثير من أقوال الصحابة رضوان اله عليهم إذا لم يجر بها حكم عند فقهاء الأمصار.
فمما بينه الرسول عليه السلام من أصول الفرائض إلى ما في كتاب الله قوله ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر رواه ابن عباس.
فوجب بهذا الحديث أن يحجب أهل الفرائض لمن سواهم من العصبة والأقارب وأن يحجب الأقرب من العصبة لمن دونه لقوله لأولى رجل وأن يحجب الشقيق من الإخوة للأخ من الأب وكذلك العم شقيق الأب لأخيه من الأب وكذلك ابن العم وابن الأخ على هذه الرتبة لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال إنكم لتقرءون من بعد وصية يوصي بها أو دين وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات الأخ للأب والأم يرث دون الأخ للأب.
إلا أن هذا الحديث يرويه الحارث الأعور وهو الحارث بن يزيد يكنى أبا زهير وقد رماه الشعبي بالكذب والحديث ضعيف من أصله ولكن هذا متلقى من العمل والنقل المتواتر عن زيد بن ثابت والصحابة لا من هذا الحديث لكن في الحديث قوة وزيادة بيان لما انعقد عليه إجماع العلماء الذين هم حجة على من سن عنهم وبالله التوفيق.
ومن السنن الواردة في الفرائض أيضا حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وابنة ابن أن للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وهو صحيح.
ومما جاء في الحديث أيضا من هذا الباب حديث طاوس عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث الخال.
وقد اختلف في رفع هذا الحذيث وروى أيضا عن طريق المقدام بن معد يكرب ومعاد وغيره.
ومن السنن حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث للجد السدس الآخر طعمة خرجه الترمذي وأبو داود.
وقد قيل إن أول جد ورث في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه مات له ابن اسمه عاصم في خلافته وخلف ابنين ثم مات أحدهما بعده بيسير وهذا أيضا مما لا يصححه أهل العلم بالأثر ولا يعرفه أهل الأنساب والسير وعن ما المعروف عندهم أن عاصم بن عمر عاش بعد أبيه كثيرا ومات سنة سبعين فرثاه أخوه عبد الله بن عمر فقال فليت المنايا كن خلفن عاصما فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا.