فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذن، فالعذاب غير الذبح، وكذلك يكون العذاب غير الرجم. فالذي يحتج به البعض ممن يريدون إحداث ضجة بأنه لا يوجد رجم؛ لأن الأمة عليها نصف ما على المحصنات، والرجم ليس فيه تنصيف نقول له: إن ما تستشهد به باطل؛ لأن الله فرق بين العذاب وبين الذبح، فقال على لسان سليمان: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} فإذا كان العذاب غير إزهاق الروح بالذبح، والعذاب أيضًا غير إزهاق الروح بالرجم. إذن فلا يصح أن يحاول أحد الإفلات من النص وفهمه على غير حقيقته ولنناقش الأمر بالعقل:
حين يعتدي إنسان على بكر، فما دائرة الهجوم على العرض في البكر؟ إنها أضيق من دائرة الهجوم على الثيب؛ لأن الثيب تكون متزوجة غالبا، فقصارى ما في البكر أن الاعتداء يكون على عرضها وعرض الأب والأخ. أما الثيب فالاعتداء يكون على عرض الزوج أيضًا، وهكذا تكون دائرة الاعتداء أكبر، إنه اعتداء على عرض الأب والأم. والإخوة والأعمام مثل البكر، وزاد على ذلك الزوج والأبناء المتسلسلون. فإذا كان الآباء والأمهات طبقة وتنتهي، فالأبناء طبقة تستديم؛ لذلك يستديم العار. واستدامة العار لا يصح أن تكون مساوية لرقعة ليس فيها هذا الاتساع، فإن سوينا بين الاثنين بالجلد فهذا يعني أن القائم بالحكم لم يلحظ اتساع جرح العرض.
إن جرح العرض في البكر محصور وقد ينتهي لأنه يكون في معاصرين كالأب والأم والإخوة، لكن ما رأيك أيها القائم بالحكم في الثيب المتزوجة ولها أولاد يتناسلون؟ إنها رقعة متسعة، فهل يساوي الله- وهو العادل- بين ثيب وبكر بجلد فقط؟ إن هذا لا يتأتى أبدا.
إذن فالمسألة يجب أن تؤخذ مما صفّاه رسول الله وهو المشرِّع الثاني الذي امتاز لا بالفهم في النص فقط، ولكن لأن له حق التشريع فيما لم يرد فيه نص! فسنأخذ بما عمله وقد رجم رسول الله فعلا، وانتهى إلى أن هذا الحكم قد أصبح نهائيا، الثيب بالثيب هو الرجم، والبكر بالبكر هو الجلد، وبكر وثيب كل منهما يأخذ حكمه، ويكون الحكم منطبقا تماما، وبذلك نضمن طهارة حفظ النوع؛ لأن حفظ النوع هو أمر أساسي في الحياة باستبقاء حياة الفرد واستبقاء نوعه، فاستبقاء حياة الفرد بأن نحافظ عليه، ونحسن تربيته ونطعمه حلالا، ونحفظ النوع بالمحافظة على طهارة المخالطة.
والحق سبحانه وتعالى يمد خلقه حين يغفلون عن منهج الله بما يلفتهم إلى المنهج من غير المؤمنين بمنهج الله، ويأتينا بالدليل من غير المؤمنين بمنهج الله، فيثبت لك بأن المنهج سليم. ولقد تعرضنا لذلك من قبل مرارًا ونكررها حتى تثبت في أذهان الناس قال الحق: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
فلا يقولن قائل: إن القرآن أخبر بشيء لم يحدث لأن الإسلام لم يطبق ولم يظهر على الأديان كلها. ونرد عليه: لو فهمت أن الله قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} وأضاف سبحانه: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} كما جاء في موقع آخر من القرآن الكريم، لقد أوضح الحق أن الإسلام يظهر ويتجلى مع وجود كاره له وهو الكافر والمشرك. ولم يقل سبحانه: إن الإسلام سيمنع وجود أي كافر أو مشرك.
وكيف يكره الكفار والمشركون إظهار الله للإسلام؟ إنهم لا يدينون بدين الإسلام؛ لذلك يحزنهم أن يظهر الإسلام على بقية الأديان. وهل يظهر الإسلام على الأديان بأن يسيطر عليها ويبطل تلك الأديان؟ لا. إنه هو سبحانه يوضح بالقرآن والسنة كما يوضح لأهل الأديان الأخرى:
بأنكم ستضطرون وتضغط عليكم أحداث الدنيا وتجارب الحياة فلا تجدون مخلصا لكم مما أنتم فيه إلا أن تطبقوا حكما من حكم الإسلام الذي تكرهونه.
وحين تضغط الحياة على الخصم أن ينفذ رأى خصمة فهذا دليل على قوة الحجة، وهذا هو الإظهار على الدين كله ولو كره الكافرون والمشركون، وهذا قد حدث في زماننا، فقد روعت أمة الحضارة الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1981 بما يثبت صدق الإسلام في أنه حين ضمن ووضع للمخالطات التي تبقي النوع نظاما، وهو التعاقد العلني والزواج المشروع، فالحق قد ضمن صحة الخلق. لكن الحضارة الأمريكية لم تنتبه إلى عظمة قانون الحق سبحانه فَرُوِّعت بظهور مرض جديد يسمى الإيدز وإيدز مأخوذة من بدايات حروف ثلاث كلمات: حرف A، وحرف I، D.
ومعنى اسم المرض بالترجمة العربية الصحيحة نقص مناعي مكتسب والوسيلة الأولى للإصابة به هي المخالطة الشاذة، ونشأت من هذه المخالطات الشاذة فيروسات، هذه الفيروسات مازال العلماء يدرسون تكوينها، وهي تفرز سموما وتسبب آلاما لا حصر لها، وإلى الآن يعيش أهل الحضارة الغربية هول الفزع والهلع من هذا المرض.
ومن العجيب أن هذه الفيروسات تأتي من كل المخالطات الشاذة سواء أكانت بين رجل ورجل، أو بين رجل وامرأة على غير ما شرع الله.
لقد جعل الحق سبحانه وتعالى عناصر الزواج إيجابا وقبولا وعلانية إنه جعل من الزواج علاقة واضحة محسوبة أمام الناس، هذا هو النظام الرباني للزوج الذي جعل في التركيب الكيميائي للنفس البشرية استقبالا وإرسالا.
والبشر حين يستخدمون الكهرباء.. فالسلك الموجب والسلك السالب- كما قلنا- يعطيان نورا في حالة استخدامهما بأسلوب طبيعي، لكن لو حدث خلل في استخدام هذه الأسلاك فالذي يحدث هو ماس كهربائي تنتج منه حرائق.
وكذلك الذكورة والأنوثة حين يجمعها الله بمنطق الإيجاب والقبول العلني على مبدأ الإسلام، فإن التكوين الكيميائي الطبيعي للنفس البشرية التي ترسل، والنفس البشرية التي تستقبل تعطي نورا وهو أمر طبيعي.
وأوضحنا من قبل أن الإنسان حين يجد شابا ينظر إلى إحدى محارمه، فهو يتغير وينفعل ويتمنى الفتك به، لكن إن جاء هذا الشاب بطريق الله المشروع وقال والد الشاب لوالد الفتاة: أنا أريد خطبة ابنتك لابني فالموقف يتغير وتنفرج الأسارير ويقام الفرح.
إنها كلمة الله التي أثرت في التكوين الكيميائي للنفس وتصنع كل هذا الإشراق والبِشر، وإعلان مثل هذه الأحداث بالطبول والأنوار والزينات هو دليل واضح على أن هناك حاجة قد عملت وأحدثت في النفس البشرية مفعولها الذي أراده الله من الاتصال بالطريق النظيف الشريف العفيف.
فكل اتصال عن غير هذا الطريق الشريف والعفيف لابد أن ينشأ عنه خلل في التكوين الإنساني يؤدي إلى أوبئة نفسية وصحية قد لا يستطيع الإنسان دفعها مثل ما هو كائن الآن.
وعلى هذا قول الحق سبحانه: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15].
وكانت هذه مرحلة أولية إلى أن طبق الرسول إقامة الحد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {واللاتي} جمع التي في المعنى لا في اللَّفْظِ، لأنَّ هذه صيغٌ موضوعة للتّثنية والجمع، وليس بتثنية ولا جمع حقيقةً.
وقال أبُو البَقَاءِ: اللاتي جمع التي على غير قياس.
وقيل: هي صيغة موضوعة للجمع، ومثل هذا لا ينبغي أن يَعُدَّه خلافًا، ولها جموعٌ كثيرة: ثلاثة عشرَ لفظة، وهي: اللاتي واللوَاتِي، واللائِي، وبلا ياءات فهذه ستٌّ، واللاي بالياء من غير همز، واللاء من غير ياء ولا همز، واللَّواء، بالمدِّ، واللَّوا بالقَصْر والأُلى كقوله: [الطويل]
فَأمَّا الُلَى يَسْكُنَّ غَوْرَ تِهَامَةٍ ** فَكُلُّ فَتَاةٍ تَتْرُكُ الْحِجْلَ أفْصَمَا

إلاَّ أنَّ الكثير أن تكون جمع الَّذي واللاَّاتِ مكسورًا مُطْلَقًا أوْ مُعْربًا إعرابَ جمع المؤنَّث السَّالم كقوله: [الطويل]
أولَئِكَ إخْوَانِ الَّذِينَ عَرَفْتُهُمْ ** وأخدّانُكَ اللاَّءَاتُ زُيِّنَ بِالكَتَمْ

برفع اللاَّءات.
قال ابن الأنباريِّ: العرب تقولُ في الجمع من غير الحيوان، الّتي، ومن الحيوان: اللاتي، كقوله: {أَمْوَالَكُمُ التي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5].
وقال في هذه الآية: اللاتي، واللائي، والفرق هو أن الجمع من غير الحيوان سبيله سبيل الشيء الواحد وأمَّا جمع الحيوان ليس كذلك بل كلُّ واحدةٍ منهما غير متميزة عن غيرها بخواص وصفات فافترقا، ومن العَرَبِ من يسوِّي بين البابين، فيقولُ: كما فعلت الهندات التي من أرمها كذا، وما فعلت الأثواب التي من قصتهن كذا، والأوَّلُ هو المختار وفي محلِّ اللاتي قولان:
أحدهما: الجملة من قوله: {فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ} وجاز دخول الفاء زائدة في الخبر، وإن لم يَجُزْ زيادتها في نحو: زيدٌ فاضرِبْ على رأي الجمهور؛ لأن المبتدأ أشبه الشرك في كونه موصولًا عامًّا صلته فِعْلُ مستقبل، والخبرُ مستحقٌّ بالصّلة.
الوجه الثاني: أنَّ الخبر محذوف، والتقدير: فيما يتلى عليكم حكم اللاتي فحذف الخبر والمضاف إلى المبتدأ للدلالة عليهما، وأقيمَ المضافُ إلى مُقامَه، وهذا نظيرُ ما فَعَلَهُ سيبويه في نحو: {الزانية والزاني فاجلدوا} [النور: 2] {والسارق والسارقة فاقطعوا} [المائدة: 38]، أي فيما يُتلى عليكم حُكْمُ الزانية، ويكون قوله: {فاستشهدوا عليهن}، {فاجلدوا} دالًا على ذلك الحكم المحذوف لأنه بيان له.
والقولُ الثاني: أنَّه منصوبٌ بفعل مقدر لدلالة السِّياق عليه لا على جهة الاشتغال لما نذكره، والتقدير: اقصدوا اللاتي يأتين، أو تعمَّدوا ولا يجوز أن ينتصب بفعل مضمر يفسره قوله: {فاستشهدوا} فتكون المسألةُ من باب الاشتغال؛ لأنَّ هذا الموصولَ أشبَهَ اسْمَ الشّرطِ، كما تقدَّم تقديره، واسم الشرط ولا يجوز أن ينتصب على الاشتغال، لأنَّهُ لا يعنمل فيه ما قبله فلو نصبناه بفعل فقد لزم أن يعمل فه ما قبله هذا ماق اله بعضهمْ، ويقرُب منه ماق اله أبُو البَقَاءِ فإنَّهُ قال: وإذا كان كذلك، أي: كونه في حُكْمِ الشَّرْطِ لم يحسن النَّصب، لأنَّ تقدير الفعل قبل أداء الشرط لا يجوز وتقديره بعد الصِّلةَ يحتاج إلى إضمار فعل غير قوله: {فاستشهدوا}؛ لأن {استشهدوا} لا يَصِحُّ أن يعمل النصب في {اللاتي}، وفي عبارته مناقشةٌ يطولُ ذكرُهَا.
والثَّاني: أنَّهُ منصوب على الاشتغال، ومَنَعَهُمْ ذلك بأنَّه يَلْزَمُ أن يعمل فيه ما قبله جوابه أنَّا نُقَدِّرُ الفعلَ لا قَبْلَهُ، وهذا خلافٌ مشهور في أسماءِ الشَّرْطِ والاستفهام، هل يَجْرِي فيها الاشتغال أم لا؟.
فمنعه قَوْمٌ لِمَا تقدم وأجازه آخرون مقدَّرين الفعل بعد الشَّرْطِ والاستفهامِ. وكونُهُ منصوبًا على الاشتغال هو ظاهر كلام مكِّيٍّ، فإنَّهُ ذكر ذلك في قوله: {واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] فالآيتانُ من وادٍ واحد ولابد من إيراد نَصِّه لِيتَّضِحَ لك قوله؛ قال- رحمه الله-: {واللذان يَأْتِيَانِهَا} [النساء: 16] الاختيار عند سيبويه في اللذان الرفع، وإن كان معنى الكلام الأمْرَ؛ لأنَّه لمَّا وَصَلَ بالفعلِ تمكَّنَ معنى الشَّرط فيه، إذْ لا يقع على شيء بعينه، فلمَّا تمكَّنَ معنى الشَّرط والإبهام جرى مَجْرَى الشَّرطِ في كونه لم يَعْمل فيه مَا قَبْلَهُ، كما لا يعمل في الشَّرط ما قبله من مُضْمَر أو مظهر، ثم قال: والنَّصْبُ جائِزٌ على إضمار فعلٍ مدلولٍ عليه كما تَقَدَّمَ نقله عن بعضهم، لأنه لم يكُنْ لتعليله بقوله: لأنه إنما أشبه الشرط إلى آخره فائدة، إذ النصبُ كذلك لا يحتاج إلى هذا الاعتذار.
قال القرطبيُّ: الفاحشة في هذا الموضع الزنا، فالمرادُ بالفاحشة: الفعلة القبيحة وهي مصدر كالعَاقِبَةِ والعَافِيَةِ، وقرأ ابن مسعود {بالفاحشة} بباء الجرِّ وقوله: {من نسائكم} في محلِّ النصب على الحال من الفاعل في {يأتين}، فهو يتعلق بمحذوفٍ أي: ياتين كائناتٍ من نسائكم.
وأما قوله: {منكم} ففيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلَّق بقوله: {فاستشهدوا}.
والثاني: أن يَتَعَلَّق بمحذوفٍ على أنَّهُ صفة لـ {أربعة} فيكون في محل نصبٍ تقديره: فاستشهدوا عليهنَّ أربعةً كائنة منكم.