فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)}.
لا استغفار مع الإصرار: فإن التوبة مع غير إقراعِ سِمَةٌ الكذَّابين.
وقوله: {السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}: يعني عَمِلَ عَمِلَ الجُهّال.
وذنب كل أحدٍ يليق بحاله، فالخواص ذنوبهم حسبانهم أنهم بطاعاتهم يستوجبون محلًا وكرامة، وهذا وَهَنٌ في المكانة؛ إذ لا وسيلة إليه إلا به.
قوله: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ}: على لسان أهل العلم: قبل الموت، وعلى لسان المعاملة: قبل أن تتعود النفس ذلك فيصير لها عادة، قال قائلهم:
قلتُ للنَّفْسِ إنْ أردتِ رجوعًا ** فارجعي قبل أَنْ يُسدَّ الطريقُ

.من فوائد السعدي في الآية:

قال عليه الرحمة:
توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد، فأخبر هنا- أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي: المعاصي {بِجَهَالَةٍ} أي: جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقبا عليها {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} يحتمل أن يكون المعنى: ثم يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} الآية. وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ}.
وقال هنا: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أي: المعاصي فيما دون الكفر. {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل أن يكون معنى قوله: {مِنْ قَرِيبٍ} أي: قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى: أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة.
والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة.
نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة التي يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه. والله أعلم. اهـ.

.من فوائد صاحب الميزان في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب}.
التوبة هي الرجوع وهي رجوع من العبد إلى الله سبحانه بالندامة والانصراف عن الإعراض عن العبودية ورجوع من الله إلى العبد رحمة بتوفيقه للرجوع إلى ربه أو بغفران ذنبه وقد مر مرارا أن توبة واحدة من العبد محفوفة بتوبتين من الله سبحانه على ما يفيده القرآن الكريم.
وذلك أن التوبة من العبد حسنة تحتاج إلى قوة والحسنات من الله والقوة لله جميعا فمن الله توفيق الأسباب حتى يتمكن العبد من التوبة ويتمشى له الانصراف عن التوغل في غمرات البعد والرجوع إلى ربه ثم إذا وفق للتوبة والرجوع احتاج في التطهر من هذه الألواث وزوال هذه القذارات والورود والاستقرار في ساحة القرب إلى رجوع آخر من ربه إليه بالرحمة والحنان والعفو والمغفرة.
وهذان الرجوعان من الله سبحانه هما التوبتان الحافتان لتوبة العبد ورجوعه قال تعالى: {ثم تاب عليهم ليتوبوا} [التوبة- 118] وهذه هي التوبة الأولى وقال تعالى: {فأولئك أتوب عليهم} [البقرة- 160] وهذه هي التوبة الثانية وبين التوبتين منه تعالى توبة العبد كما سمعت.
وأما قوله على الله للذين لفظة على واللام تفيدان معنى النفع والضرر كما في قولنا دارت الدائرة لزيد على عمرو وكان السباق لفلان على فلان، ووجه إفادة على واللام معنى الضرر والنفع أن على تفيد معنى الاستعلاء واللام معنى الملك والاستحقاق ولازم ذلك أن المعاني المتعلقة بطرفين ينتفع بها أحدهما ويتضرر بها الآخر كالحرب والقتال والنزاع ونحوها فيكون أحدهما الغالب والآخر المغلوب ينطبق على الغالب منهما معنى الملك وعلى المغلوب معنى الاستعلاء وكذا ما أشبه ذلك كمعنى التأثير بين المتأثر والمؤثر ومعنى العهد والوعد بين المتعهد والمتعهد له والواعد والموعود له وهكذا فظهر أن كون على واللام لمعنى الضرر والنفع إنما هو أمر طار من ناحية مورد الاستعمال لا من ناحية معنى اللفظ.
ولما كان نجاح التوبة إنما هو لوعد وعده الله عباده فأوجبها بحسبه على نفسه لهم قال هاهنا {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} فيجب عليه تعالى قبول التوبة لعباده لكن لا على أن لغيره أن يوجب عليه شيئا أو يكلفه بتكليف سواء سمى ذلك الغير بالعقل أو نفس الأمر أو الواقع أو الحق أو شيئا آخر تعالى عن ذلك وتقدس بل على أنه تعالى وعد عباده أن يقبل توبة التائب منهم وهو لا يخلف الميعاد فهذا معنى وجوب قبول التوبة على الله فيما يجب وهو أيضا معنى وجوب كل ما يجب على الله من الفعل وظاهر الآية أولا أنها لبيان أمر التوبة التي لله أعني رجوعه تعالى بالرحمة إلى عبده دون توبة العبد وإن تبين بذلك أمر توبة العبد بطريق اللزوم فإن توبة الله سبحانه إذا تمت شرائطها لم ينفك ذلك من تمام شرائط توبة العبد وهذا أعني كون الآية في مقام بيان توبة الله سبحانه لا يحتاج إلى مزيد توضيح.
وثانيا أنها تبين أمر التوبة أعم مما إذا تاب العبد من الشرك والكفر بالإيمان أو تاب من المعصية إلى الطاعة بعد الإيمان فإن القرآن يسمى الأمرين جميعا بالتوبة قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك} [المؤمن- 7] يريد للذين آمنوا بقرينة أول الكلام فسمى الإيمان توبة وقال تعالى: {ثم تاب عليهم} [التوبة- 118].
والدليل على أن المراد هي التوبة أعم من أن تكون من الشرك أو المعصية التعميم الموجود في الآية التالية {وليست التوبة} إلخ فإنها تتعرض لحال الكافر والمؤمن معا وعلى هذا فالمراد بقوله: {يعملون السوء} ما يعم حال المؤمن والكافر معا فالكافر كالمؤمن الفاسق ممن يعمل السوء بجهالة إما لأن الكفر من عمل القلب والعمل أعم من عمل القلب والجوارح أو لأن الكفر لا يخلو من أعمال سيئة من الجوارح فالمراد من الذين يعملون السوء بجهالة الكافر والفاسق إذا لم يكونا معاندين في الكفر والمعصية.
وأما قوله تعالى: {بجهالة} فالجهل يقابل العلم بحسب الذات غير أن الناس لما شاهدوا من أنفسهم أنهم يعملون كلا من أعمالهم الجارية عن علم وإرادة وأن الإرادة إنما تكون عن حب ما وشوق ما سواء كان الفعل مما ينبغي أن يفعل بحسب نظر العقلاء في المجتمع أو مما لا ينبغي أن يفعل لكن من له عقل مميز في المجتمع عندهم لا يقدم على السيئة المذمومة عند العقلاء فأذعنوا بأن من اقترف هذه السيئات المذمومة لهوى نفساني وداعية شهوية أو غضبية خفي عليه وجه العلم وغاب عنه عقله المميز الحاكم في الحسن والقبيح والممدوح والمذموم وظهر عليه الهوى وعندئذ يسمى حاله في علمه وإرادته جهالة في عرفهم وإن كان بالنظر الدقيق نوعا من العلم لكن لما لم يؤثر ما عنده من العلم بوجه قبح الفعل وذمه في ردعه عن الوقوع في القبح والشناعة الحق بالعدم فكان هو جاهلا عندهم حتى أنهم يسمون الإنسان الشاب الحدث السن قليل التجربة جاهلا لغلبة الهوى وظهور العواطف والإحساسات النيئة على نفسه ولذلك أيضا تراهم لا يسمون حال مقترف السيئات إذا لم ينفعل في اقتراف السيئة عن الهوى والعاطفة جهالة بل يسمونها عنادا وعمدا وغير ذلك.
فتبين بذلك أن الجهالة في باب الأعمال إتيان العمل عن الهوى وظهور الشهوة والغضب من غير عناد مع الحق ومن خواص هذا الفعل الصادر عن جهالة أن إذا سكنت ثورة القوى وخمد لهيب الشهوة أو الغضب باقتراف للسيئة أو بحلول مانع أو بمرور زمان أو ضعف القوى بشيب أو مزاج عاد الإنسان إلى العلم وزالت الجهالة وبانت الندامة بخلاف الفعل الصادر عن عناد وتعمد ونحو ذلك فإن سبب صدوره لما لم يكن طغيان شيء من القوى والعواطف والأميال النفسانية بل أمرا يسمى عندهم بخبث الذات ورداءة الفطرة لا يزول بزوال طغيان القوى والأميال سريعا أو بطيئا بل دام نوعا بدوام الحياة من غير أن يلحقه ندامة من قريب إلا أن يشاء الله.
نعم ربما يتفق أن يرجع المعاند اللجوج عن عناده ولجاجه واستعلائه على الحق فيتواضع للحق ويدخل في ذل العبودية فيكشف ذلك عندهم عن أن عناده كان عن جهالة وفي الحقيقة كل معصية جهالة من الإنسان وعلى هذا لا يبقى للمعاند مصداق إلا من لا يرجع عن سوء عمله إلى آخر عهده بالحياة والعافية.
ومن هنا يظهر معنى قوله تعالى: {ثم يتوبون من قريب} أي إن عامل السوء بجهالة لا يقيم عاكفا على طريقته ملازما لها مدى حياته من غير رجاء في عدوله إلى التقوى والعمل الصالح كما يدوم عليه المعاند اللجوج بل يرجع عن عمله من قريب فالمراد بالقريب العهد القريب أو الزمان القريب وهو قبل ظهور آيات الآخرة وقدوم الموت.
وكل معاند لجوج في عمله إذا شاهد ما يسوؤه من جزاء عمله ووبال فعله ألزمته نفسه على الندامة والتبري من فعله لكنه بحسب الحقيقة ليس بنادم عن طبعه وهداية فطرته بل إنما هي حيلة يحتالها نفسه الشريرة للتخلص من وبال الفعل والدليل عليه أنه إذا اتفق تخلصه من الوبال المخصوص عاد ثانيا إلى ما كان عليه من سيئات الأعمال قال تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} [الأنعام- 28].
والدليل على أن المراد بالقريب في الآية هو ما قبل ظهور آية الموت قوله تعالى في الآية التالية: {وليست التوبة} إلى قوله: {قال إنى تبت الآن}.
وعلى هذا يكون قوله: {ثم يتوبون من قريب} كناية عن المساهلة المفضية إلى فوت الفرصة.
ويتبين مما مر أن القيدين جميعا أعني قوله: {بجهالة} وقوله: {ثم يتوبون من قريب} احترازيان يراد بالأول منهما أن لا يعمل السوء عن عناد واستعلاء على الله وبالثاني منهما أن لا يؤخر الإنسان التوبة إلى حضور موته كسلا وتوانيا ومماطلة إذ التوبة هي رجوع العبد إلى الله سبحانه بالعبودية فيكون توبته تعالى أيضا قبول هذا الرجوع ولا معنى للعبودية إلا مع الحياة الدنيوية التي هي ظرف الاختيار وموطن الطاعة والمعصية ومع طلوع آية الموت لا اختيار تتمشى معه طاعة أو معصية قال تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} [الأنعام- 158] وقال تعالى: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} [المؤمن- 85] إلى غير ذلك من الآيات.