فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} كالولد أو الألفة التي تقع بعد الكراهة، وبذلك قال ابن عباس ومجاهد، وهذه الجملة علة للجزاء؛ وقد أقيمت مقامه إيذانًا بقوة استلزامها إياه فإن عسى لكونها لإنشاء الترجي لا تصلح للجوابية وهي تامة رافعة لما بعدها مستغنية عن الخبر، والمعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن، ولا تفارقوهن لكرهة الأنفس وحدها، فلعل (لكم) فيما تكرهونه {خيرًا كثيرًا} فإن النفس ربما تكره ما يحمد وتحب ما هو بخلافه، فليكن مطمح النظر ما فيه خير وصلاح، دون ما تهوى الأنفس، ونكر شيئًا وخيرًا ووصفه بما وصفه مبالغة في الحمل على ترك المفارقة وتعميمًا للإرشاد، ولذا استدل بالآية على أن الطلاق مكروه، وقرئ {وَيَجْعَلَ} بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حال أي وهو أي ذلك الشيء يجعل الله فيه خيرًا كثيرًا، وقيل: تقديره والله يجعل الله بوضع المظهر موضع المضمر، فالواو حينئذٍ حالية.
وفي دخولها على المضارع ثلاثة مذاهب: الأول: منع دخولها عليه إلا بتقدير مبتدأ، والثاني: جوازه مطلقًا.
والثالث: التفصيل بأنه إن تضمن نكتة كدفع إيهام الوصفية حسن وإلا فلا، ولا يخفى أن تقدير المبتدأ هنا خلاف الظاهر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والتفريع في قوله: {فإن كرهتموهن} على لازم الأمر الذي في قوله: {وعاشروهن} وهو النهي عن سوء المعاشرة، أي فإن وجد سبب سوء المعاشرة وهو الكراهية.
وجملة {فعسى أن تكرهوا} نائبه مناب جواب الشرط، وهي عليه له فعلم الجواب منها.
وتقديره: فتثبتوا ولا تعجلوا بالطلاق، لأن قوله: {فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا} يفيد إمكان أن تكون المرأة المكروهة سببَ خيرات فيقتضي أن لا يتعجّل في الفراق.
و{عَسَى} هنا للمقاربة المجازية أو الترجّي.
و{أن تكرهوا} سادَ مسدّ معموليها، {وَيَجْعَلَ} معطوف على {تكرهوا}، ومناط المقاربةِ والرجاءِ هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه، بدلالة القرينة على ذلك.
وهذه حكمة عظيمة، إذ قد تكره النفوس ما في عاقبته خير فبعضه يمكن التوصّل إلى معرفة ما فيه من الخير عند غوص الرأي.
وبعضه قد علم الله أنّ فيه خيرًا لكنّه لم يظهر للناس.
قال سهل بن حنيف، حين مرجعه من صفّين اتَّهِموا الرأي فلقد رأيتُنا يَوم أبي جندل ولو نستطيع أن نردّ على رسول الله أمْره لردَدْنا. واللَّه ورسولُه أعلم.
وقد قال تعالى، في سورة البقرة {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم} [البقرة: 216].
والمقصود من هذا: الإرشادُ إلى إعماق النظر وتغلغل الرأي في عواقب الأشياء، وعدم الاغترار بالبوارق الظاهرة.
ولا بميل الشهوات إلى ما في الأفعال من ملائم، حتّى يسبره بمسبار الرأي، فيتحقّق سلامة حسن الظاهر من سُوء خفايا الباطن.
واقتصر هنا على مقاربة حصول الكراهية لشيء فيه خير كثير، دون مقابلة، كما في آية [البقرة: 216] {وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم} لأنّ المقام في سورة البقرة مقام بيان الحقيقة بطَرفيها إذ المخاطبون فيها كَرِهوا القتال، وأحبّوا السلم، فكان حالهم مقتضيا بيان أنّ القتال قد يكون هو الخير لما يحصل بعده من أمن دائم، وخضد شوكة العدوّ، وأنّ السلم قد تكون شرّا لما يحصل معها من استخفاف الأعداء بهم، وطمعهم فيهم، وذهاب عزّهم المفضي إلى استعبادهم، أمّا المقام في هذه السورة فهو لبيان حكم من حدث بينه وبين زوجه ما كَرّهه فيها، ورام فراقها، وليس له مع ذلك ميل إلى غيرها، فكان حاله مقتضيًا بيان ما في كثير من المكروهات من الخيرات، ولا يناسب أن يبيّن له أنّ في بعض الأمور المحبوبة شرورًا لكونه فتحا لباب التعلّل لهم بما يأخذون من الطرف الذي يميل إليه هواهم.
وأُسند جعل الخير في المكروه هُنا للَّه بقوله: {ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} المقتضى أنه جَعْل عارض لمكروه خاصّ، وفي سورة [البقرة: 216] قَال: {وهو خير لكم} لأنّ تلك بيان لما يقارن بعض الحقائق من الخفاء في ذات الحقيقة، ليكون رجاء الخير من القتال مطّردا في جميع الأحوال غير حاصل بجَعْل عارض، بخلاف هذه الآية، فإنّ الصبْر على الزوجة الموذية أو المكروهة إذا كان لأجل امتثال أمر الله بحسن معاشرتها، يكون جعل الخير في ذلك جزاءً من الله على الامتثال. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فعسى أن تكرهوا شيئًا} قال ابن عباس: ربما رزق الله منهما ولدًا، فجعل الله في ولدها خيرًا كثيرًا.
وقد نَدَبت الآية إِلى إِمساكِ المرأة مع الكراهة لها، ونبَّهت على معنيين.
أحدهما: أن الإِنسان لا يعلم وُجوهَ الصلاح، فرب مكروهٍ عاد محمودًا، ومحمودٍ عاد مذمومًا.
والثاني: أن الإِنسان لا يكاد يجد محبوبًا ليس فيه ما يكره، فليصبِر على ما يكره لما يُحِبُ.
وأنشدوا في هذا المعنى:
وَمَن لم يُغَمِّضْ عيْنَه عن صديقه ** وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتِبُ

ومن يتَتَبَّع جاهدًا كل عَثْرَةٍ ** يجدها ولا يسلم له الدَّهْرَ صاحِبُ

. اهـ.

.قال السلمي:

قوله عز وجل: {وعَاشِروهنَّ بالمعرُوفِ} [الآية:].
قيل: علموهن السُنن والفرائض.
وقال عبد الله بن المبارك: العشرة الصحيحة ما لا تورثك الندم عاجلًا وآجلًا.
وقال أبو جعفر رحمه الله: المعاشرة بالمعروف حسن الخلق مع العيال فيما سأل وكرهت صحبتها.
قوله عز وجل: {فَعَسى أن تكرَهُوا شَيئًا ويَجعَل اللهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا}.
قيل: غيَّب عنك العواقب لئلا تستكن إلى مألوف ولا تفر من مكروه.
وقال أبو عثمان رحمه الله: السكون إلى كراهية النفس جعل الله فيه خير الدارين.
قال الله تعالى: {ويجعل اللهُ فيهِ خيرًا كثيرًا} والخير الكثير هو ما يتصل بالعقبى، لأنه لا كثير في الدنيا، {وأن تصبروا خيرٌ لكم}.
قال: وسمعت سعيد بن أحمد يقول: سمعت جعفرًا الخلدى يقول: سمعت الجنيد رحمه الله يقول: الصبر مفتاح كل خير.
قال: وسمعت محمد بن الحسين البغدادى يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول: سمعت سعيد بن عثمان يقول: سمعت ذا النون يقول: أفضل الصبر الصبر عن المخالفات.
وسُئل الجنيد رحمه الله عن الصبر فقال: حمل الضَّرر لله حتى تنقضى أوقاته.
وقال أيضًا: لا يتم تحملك الصبر إلا مع الاستقبال بما يخامر البلايا بالصبر. اهـ.

.قال الغزالي في آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح:

الأدب الثاني: حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحما عليهن لقصور عقلهن:
وقال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وقال في تعظيم حقهن: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} وقال والصاحب بالجنب قيل هي المرأة وآخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كان يتكلم بهم حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله الله فإنهن عوان في أيديكم يعني أسراء أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله».
واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل.
وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه عمر في الكلام فقال أتراجعيني يا لكعاء فقالت: إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك.
فقال عمر خابت حفصة وخسرت إن راجعته ثم قال لحفصة: لا تغتري بابنة ابن أبي قحافة فإنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفها من المراجعة.
الثالث: أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة فهي التي تطيب قلوب النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام فقال صلى الله عليه وسلم هذه بتلك.
وفي الخبر أنه كان صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع نسائه.
وقالت عائشة رضي الله عنها سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبين أن تري لعبهم قالت قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت ذقني على يده وجعلوا يلعبون وأنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «حسبك وأقول اسكت مرتين أو ثلاثا ثم قال يا عائشة حسبك فقلت نعم فأشار إليهم فانصرفوا».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله».
وقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي».
وقال عمر رضي الله عنه مع خشونته ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا.
وقال لقمان رحمه الله ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي وإذا كان في القوم وجد رجلا.
الرابع: أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها بل يراعي الاعتدال فيه فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكرا ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبتة بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض.
قال الحسن والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الذهبي:

وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه فالزوج أيضًا مأمور بالإحسان إليها واللطف بها والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره وإيصالها حقها من النفقة والكسوة والعشرة الجميلة لقول الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء ألا إن لكم على نسائكم حقًا ولنسائكم عليكم حقًا فحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن وحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون». وقوله صلى الله عليه وسلم: «عوان» أي أسيرات جمع عانية وهي الأسيرة شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة في دخولها تحت حكم الرجل بالأسير.
وقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله» وفي رواية: «خيركم ألطفكم بأهله» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد اللطف بالنساء وقال صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله الأجر مثل ما أعطى أيوب عليه السلام على بلائه وأيما امرأة صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله من الأجر مثل ما أعطى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون».