فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)}.
يعلمهم حسنَ العهد ونعتَ الكرم في العِشْرة، فيقول لا تجمعْ الفرقةَ واستردادَ المال عليها، فإن ذلك تَرْكُ الكرم؛ فإنْ خَوَّلْتَ واحدة مالًا كثيرًا ثم جفوتها بالفراق فما آتيتها يَسيرٌ في جنب ما أَذَقْتَها من الفراق.
قوله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ....}: يعني أن للصحبة السالفة حرمة أكيدة، فقفوا عند مراعاة الذمام، وأوفوا بموجب الميثاق. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{وَإِنْ أَرَدْتُّمُ} أيها الأزواج {استبدال زَوْجٍ} إقامة امرأة ترغبون بها {مَّكَانَ زَوْجٍ} أي امرأة ترغبون عنها بأن تطلقوها {وَءاتَيْتُمْ} أي أعطى أحدكم {إِحْدَاهُنَّ} أي إحدى الزوجات، فإن المراد من الزوج هو الجنس الصادق مع المتعدد المناسب لخطاب الجمع، والمراد من الإيتاء كما قال الكرخي: الالتزام والضمان كما في قوله تعالى: {إذا سلمتم ما أتيتم} [البقرة: 233] أي ما التزمتم وضمنتم، ومفهوم الشرط غير مراد على ما نص عليه بعض المحققين، وإنما ذكر لأن تلك الحالة قد يتوهم فيها الأخذ فنبهوا على حكم ذلك، والجملة حالية بتقدير قد لا معطوفة على الشرط أي وقد آتيتم التي تريدون أن تطلقوها وتجعلوا مكانها غيرها {قِنْطَارًا} أي مالًا كثيرًا، وقد تقدمت الأقوال فيه {فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ} أي من القنطار المؤتى {شَيْئًا} يسيرًا أي فضلًا عن الكثير.
{أَتَأْخُذُونَهُ} أي الشيء {بهتانا وَإِثْمًا مُّبِينًا} استئناف مسوق لتقرير النهي والاستفهام للإنكار والتوبيخ، والمصدران منصوبان على الحالية بتأويل الوصف أي أتأخذونه باهتين وآثمين، ويحتمل أن يكونا منصوبين على العلة ولا فرق في هذا الباب بين أن تكون علة غائية وأن تكون علة باعثة وما نحن فيه من الثاني نحو قعدت عن الحرب جبنًا لأن الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم فقد قيل: كان الرجل منهم إذا أراد جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك، والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه، وقال الزجاج: الباطل الذي يتحير من بطلانه، وفسر هنا بالظلم، وعن مجاهد أنه الإثم فعطف الإثم عليه للتفسير كما في قوله:
وألفى قولها كذبًا ومينًا

وقيل: المراد به هنا إنكار التمليك والمبين البين الظاهر.
{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ} إنكار بعد إنكار، وقد بولغ فيه على ما تقدم في {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: 28]، وقيل: تعجيب منه سبحانه وتعالى أي إن أخذكم له لعجيب {وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ} كناية عن الجماع على ما روي عن ابن عباس ومجاهد والسدي.
وقيل: المراد به الخلوة الصحيحة وإن لم يجامع واختاره الفراء وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وهو أحد قولين للإمامية، وفي تفسير الكلبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الإفضاء الحصول معها في لحاف واحد جامعها أو لم يجامعها، ورجح القول الأول بأن الكلام كناية بلا شبهة، والعرب إنما تستعملها فيما يستحى من ذكره كالجماع، والخلوة لا يستحى من ذكرها فلا تحتاج إلى الكناية، وأيضًا في تعدية الإفضاء بإلى ما يدل على معنى الوصول والاتصال، وذلك أنسب بالجماع، ومن ذهب إلى الثاني قال: إنما سميت الخلوة إفضاءًا لوصول الرجل بها إلى مكان الوطء ولا يسلم أن الخلوة لا يستحى من ذكرها، والجملة حال من فاعل {تَأْخُذُونَهُ} مفيدة لتأكيد النكير وتقرير الاستبعاد أي على أي حال أو في أي (حال) تأخذونه، والحال أنه قد وقع منكم ما وقع وقد {وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثاقا} أي عهدًا {غَلِيظًا} أي شديدًا قال قتادة: هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجال {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} [البقرة: 229] ثم قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح فيقال: الله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان، وروي ذلك عن الضحاك ويحيى بن أبي كثير وكثير، وعن مجاهد الميثاق الغليظ كلمة النكاح التي استحل بها فروجهن.
واستدل بالآية من منع الخلع مطلقًا وقال: إنها ناسخة لآية البقرة، وقال آخر: إنها منسوخة بها، وروي ذلك عن أبي زيد وقال جماعة: لا ناسخة ولا منسوخة، والحكم الذي فيها هو الأخذ بغير طيب نفس، واستدل بها كما قال ابن الفرس قوم على جواز المغالاة في المهور.
وأخرج أبو يعلى عن مسروق أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نهى أن يزاد في الصداق على أربعمائة درهم فاعترضته امرأة من قريش فقالت: أما سمعت ما أنزل الله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارًا}؟ [النساء: 20] فقال: اللهم غفرًا كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر، فقال: إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، وطعن الشيعة بهذا الخبر على عمر رضي الله تعالى عنه لجهله بهذه المسألة وإلزام امرأة له وقالوا: إن الجهل مناف للإمامة، وأجيب بأن الآية ليست نصًا في جواز إيتاء القنطار فإنها على حدّ قولك: إن جاءك زيد وقد قتل أخاك فاعف عنه، وهو لا يدل على جواز قتل الأخ سلمنا أنها تدل على جواز إيتائه إلا أنا لا نسلم جواز إيتائه مهرًا بل يحتمل أن يكون المراد بذلك إعطاء الحلي وغيره لا بطريق المهر بل بطريق الهبة، والزوج لا يصح له الرجوع عن هبته لزوجته خصوصًا إذا أوحشها بالفراق، وقوله تعالى: {وَقَدْ أفضى} لا يعين كون المؤتى مهرًا سلمنا كونه مهرًا لكن لا نسلم كون عدم المغالاة أفضل منه.
فقد روى ابن حبان في [صحيحه] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من خير النساء أيسرهن صداقًا» وعن عائشة رضي الله تعالى عنها عنه صلى الله عليه وسلم: «يمن المرأة تسهيل أمرها في صداقها» وأخرج أحمد والبيهقي مرفوعًا: «أعظم النساء بركة أيسرهن صداقًا»، فنهى أمير المؤمنين عن التغالي يحتمل أنه كان للتيسير وميلًا لما هو الأفضل ورغبة فيما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا، وعدوله عن ذلك وعدم رده على القرشية كان من باب الترغيب في تتبع معاني القرآن واستنباط الدقائق منه، وفي إظهار الكبير العالم المغلوبية للصغير الجاهل تنشيط للصغير وإدخال للسرور عليه وحث له ولأمثاله على الاشتغال بالعلم وتحصيل ما يغلب به، فقوله رضي الله تعالى عنه: اللهم غفرًا كل الناس أفقه من عمر كان من باب هضم النفس والتواضع وحسن الخلق وقد دعاه إليه ما دعاه، ومع هذا لم يأمرهم بالمغالاة بل قصارى أمره أنه رفع النهي عنهم وتركهم واختيارهم بين فاضل ومفضول ولا إثم عليهم في ارتكاب أي الأمرين شاءوا، سلمنا أن هذه المسألة قد غابت عن أفق ذهنه الشريف لكن لا نسلم أن ذلك جهل يضر بمنصب الإمامة فقد وقع لأمير المؤمنين عليّ كرم الله تعالى وجهه مثل ذلك وهو إمام الفريقين، فقد أخرج ابن جرير.
وابن عبد البر عن محمد بن كعب قال: سأل رجل عليًا كرم الله تعالى وجهه عن مسألة فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا، فقال الأمير: أصبت وأخطأنا {وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، وقد وقع لداود عليه السلام ما قص الله تعالى لنا في كتابه من قوله سبحانه: {وَدَاوُودَ وسليمان إِذْ يَحْكُمَانِ في الحرث} إلى أن قال عز من قائل: {ففهمناها سليمان} [الأنبياء: 78، 79] فحيث لم ينقص ذلك من منصب النبوة والخلافة المشار إليها بقوله تعالى: {ياداوود إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً في الأرض} [ص: 26].
لا ينقص من منصب الإمامة كما لا يخفى، فمن أنصف جعل هذه الواقعة من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه لا من مطاعنه، ولكن لا علاج لداء البغض والعناد {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33]. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا}.
فإذا ضاقت بك المسائل، بعد أن عاشرت بالمعروف ولم يعد ممكنا أن تستمر الحياة الزوجية في إطار يرضى عنه الله، وتخاف أن تنفلت من نفسك إلى ما حرم الله، ماذا تفعل؟ يقول سبحانه: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ} أي لك أن تستبدل ما دامت المسألة ستصل إلى جرح منهج الله، وعليك في هذا الاستبدال أن ترعى المنهج الإيماني مثلما أشار به سيدنا الحسن رضي الله عنه على الرجل الذي كان يستشيره في واحد جاء ليخطب ابنته. قال سيدنا الحسن- رضي الله عنه-: إن جاءك الرجل الصالح فزوجه، فإنه إن أحب ابنتك أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها.
والحق يقول: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ} فهذا يعني أن الرغبة قد انصرفت عن الأولى نهائيا، ولا يمكن التغلب عليها بغير الانحراف عن المنهج. وقد يحدث أن يضيق الرجل بزوجته وهو لا يعاني من إلحاح في الناحية الغريزية، فيطلقها ولا يتزوج، فما شروط المنهج في هذا الأمر؟
يقول الحق: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا}. كلمة قنطار وكلمة قنطرة مأخوذة من الشيء العظيم. وقنطار تعني المال. وقدروه قديما بأنه ملئ مَسْك البقرة، والمسك هو الجلد، فعندما يتم سلخ البقرة يصبح جلدها مثل القربة، وملء مَسْكها يسمى قنطارا، والقنطار المعروف عندنا الآن له سمة وَزْنِيّة، والحق حين يعظم المهر بقنطار يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} فهو يأتي لنا بمثل كبير وينهانا بقوله: {فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا}. لماذا؟ لأنك يجب أن تفهم أن المهر الذي تدفعه ليس منساحا على زمن علاقتك بالمرأة إلى أن تنتهي حياتكما، بل المهر مجعول ثمنا للبضع الذي أباحه الله لك ولو للحظة واحدة، فلا تحسبها بمقدار ما مكثت معك، لا، إنما هو ثمن البضع، فقد كشفت نفسها لك وتمكنت منها ولو مرة واحدة.
إذن فهذا القنطار عمره ينتهي في اللحظة الأولى، لحظة تَمكّنِك منها. {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} وهذه هي المسألة التي قال فيها سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: أخطأ عمر وأصابت امرأة، لأنه كان يتكلم في غلاء المهور؛ فقالت له المرأة: كيف تقول ذلك والله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}، فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
عن عمر رضي الله عنه أنه نهى وهو على المنبر عن زيادة صداق المرأة على أربعمائة درهم ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش فقالت: أما سمعت الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}؟ فقال: اللهم عفوا كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر فقال: «إني كنت قد نهيتكم أن تزيدوا في صدُقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب».
وعن عبد الله بن مصعب أن عمر- رضي الله عنه- قال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية من فضة، فمن زاد أوقية جعلتُ الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة: ما ذاك لك، قال ولَم؟ فقالت: لأن الله تعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ.
ثم ينكر القرآن مجرد فكرة الأخذ فيقول: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} لماذا؟ لأنه ليس ثمن استمتاعك بها طويلا، بل هو ثمن تمكنك منها، وهذا يحدث أَوَّل ما دخلت عليها. وإن أخذت منها شيئا من المهر بعد ذلك فأنت آثم، إلاَّ إذا رضيت بذلك، والإثم المبين هو الإثم المحيط.