فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
تضمنت الآيات من البيان والبديع وهي بإيجاز كما يلي:
1- المجاز العقلي في قوله: {يتوفاهن الموت} والمراد يتوفاهن الله أو ملائكته.
2- الاستعارة في {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} استعار لفظ الميثاق للعقد الشرعي الذي يكون بين الزوجين، تشبيها له بالحبل الغيظ.
3- الجناس المغاير في {فإن تابا.. توابا} وفي {كرهتموهن.. أن تكرهوا}.
4- المبالغة في تفخيم الأمر وتأكيده {وآتيتم إحداهن قنطارا} لتعظيم الأمر والمبالغة فيه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ما نكح} في ما هذه قولان:
أحدهما: أنها موصولة اسمية واقعة على انواع من يعقل كما تقدم في قوله: {مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساء} [النساء: 3] هذا عند من لا يجيز وقوعها على آحاد العقلاء فأما من يجيز ذلك فيقول: إنها واقعة موقع من فما مفعول به بقوله: {ولا تنكحوا} والتقدير: ولا تتزوّجُوا من تزوج آباؤكم.
والثاني: أنها مصدرية أي: ولا تنكحوا مثل نكاح آبائكم الّذي كان من الجاهليَّة وهو النكاح الفاسد كنكاح الشغار وغيره، واختار هذا القول جماعة وغيره، واختار هذا القول جماعة منهم ابن جرير الطبري وقال: ولو كان معناه: ولا تنكحوا النساء التي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع ما من انتهى. وتبين كونه حرامًا، أو فاسدًا من قوله: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا}. قوله: {مِّنَ النساء} تقدم نظيره أول السورة.
قوله: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} في هذا الاستثناء قولان:
أحدهما: أنه منقطع؛ إذ الماضي لا يجامع الاستقبال، والمعنى أنَّهُ لما حرَّم عليهم نكاح ما نكح آباؤهم [من النِّساء] تطرق الوهم إلى ما مضى في الجاهِلِيَّةِ ما حكمه؟ فقيل: إلاَّ ما قد سَلَفَ، فلا إثْمَ عَلَيْهِ.
وقال ابْنُ زَيْدٍ في معنى ذلك أيضًا: إنَّ المُرَادَ بالنِّكَاحِ العقدُ بالنِّكَاحِ العقدُ الصَّحِيحُ، وحَمَلَ {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} على ما قد يتعاطَاهُ بعضهم من الزِّنَا فقال: إلا ما سلف من الآباء في الجاهلية من الزنا بالنِّسَاءِ، فَذَلِكَ جائز لكم زواجكم في الإسْلاَمِ، وكأنَّهُ قيل: ولا تَعْقِدُوا عَلَى مَنْ عقد آباؤكم عليه إلاَّ ما قد سَلَفَ من زَنَاهُم، فَإنَّهُ يجوز لكم أن تَتَزَوَّجُوهُمْ، فهو استثناءٌ منقطعٌ أيضًا.
والثاني: أنَّهُ استثناءٌ مُتَّصِلٌ وفيه معنيان:
أحدهما: أن يحمل النِّكَاح على الوَطْءِ، والمعنى: أنَّهُ نهى أنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأةً وَطَئَهَا أبُوه، إلا ما قد سَلَفَ من الأبِ في الجاهليَّةِ من الزِّنَا بالمرأةِ، فإنَّه يجوز للابن تزويجها نُقِلَ هذا المَعْنَى عن ابن زَيْدٍ أيضًا إلاّ أنَّهُ لابد من التّخصيص أيضًا في شيئين:
أحدهُمَا: قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} أي: ولا تَطَئُوا وطئًا مباحًا بالتَّزويج.
والثَّاني: التَّخْصيصُ في قوله: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} بوطء الزِّنَا وإلا فَالوَطْءُ فيما قَدْ سَلَفَ قد يكون وَطْئًا غير زنا، وقد يكون زنا فيصير التقدير: ولا تطئوا ما وطئ آباؤكم وَطْئًا مباحًا بالتزويج إلاَّ من كان وطؤها فيما مضى وطء زنا في الجاهليَّةِ.
والمعنى الثَّاني: ولا تَنْكِحُوا مِثْلَ نكاح آبائكم في الجاهليَّةِ إلاَّ ما تَقَدَّمَ منكم من تلك العُقُودِ الفَاسِدَةِ فَيُبَاحُ لكم الإقامة عليها في الإسْلاَمِ، إذا كان ممّا يقرر الإسلام عليه، وهذا على رَأي من يَجْعَل ما مصدريّة، وقد تَقَدَّمَ مثل ذلك.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: فإن قلت: كيف استثنى {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} مما نكح آباؤكم؟ قلتك كما استثنى غير أن سيوفهم من قوله ولا عيب فيهم يعني: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه، وسدّ الطريق إلى إباحته كما تَعَلَّقَ بالمحال في التأبيد في نحو قولهم: حتى يبيضّ القار و{حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} [الأعراف: 40] انتهى.
أشار رحمهُ اللهُ إلى بيت النَّابِغَةِ في قوله: [الطويل]
وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ ** بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

يعني إن وجد فيهم عيبًا فهو هذا، وهذا لا يعدّه عيبًا فانتفى العَيْبُ عَنْهُمْ بدليل، ولكن هذا الاستثناء على هذا المعنى الَّذي أباه الزَّمَخْشَرِيُّ، من قبيل المنقطع، أو المتصل؟ والحقُّ أنَّهُ متصل لأن المعنى: ولا تَنْكَحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ إلا اللاتي مضين وفنين، وهذا محالٌ، وكونه محالًا لا يخرجه عن الاتَّصال، وأمَّا البيتُ ففيه نَظَرٌ؛ والظَّاهِرُ أنَّ الاستثناء فيه متصل أيضًا لأنه جعل العيب شاملًا لقوله: غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع بالمعنى الَّذي أراده وللبحث فيه مجال، فتلخَّص مِمَّا تَقَدَّمَ أنَّ المراد بالنِّكَاحِ في هذه الآيةِ العقدُ الصَّحِيحُ، أو الفاسد أو الوطء، أو يرادُ بالأوَّلِ العقد، وبالثَّانِي الوَطْءُ وقد تَقَدَّمَ الكَلاَمُ على ذلك في البَقَرَةِ. وزعمَ بعضهم أنَّ في الآية تقديمًا وتأخيرًا، والأصل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلًا إلا ما قد سلف، وهذا فاسدٌ من حيث الإعراب ومن حيث المعنى، أمَّا الأوَّل فلأنَّ ما في حيز إن لا يتقدَّمُ عليها، وأيضًا فالمستثنى يتقدَّمُ على الجملة الَّتي هو من متعلِّقاتها سواءً كان متصلًا أو منقطعًا وإن كان في هذا خلاف ضعيف.
وأمَّا الثَّاني فلأنَّهُ أخْبَرَ أنه فاحشة ومقت في الزَّمان الماضي بقوله كان، فلا يصحُّ أن يستثنى منه الماضي؛ إذ يصيرُ المعنى هو فاحشة في الزّمان الماضي إلا ما وقع منه في الزَّمَان الماضي فليس بفاحشة. وقيل: إن إلا هاهنا بمعنى بَعْدَ كقوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ} [الدخان: 56] أيْ بعد المَوْتَةِ الأوَلى وقيل: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} قيل نزول آية التحرير وقيل: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} فإنكم مقرون عليه، قالوا: لأنَّهُ عليه السَّلاَمُ أقَرَّ بما عليهنَّ مدة ثم أمر بمفارقتهن وإنَّمَا فعل ذلك ليكون إخراجهم عن العادة الرَّديئة على سبيل التَّدرُّجِ.
وقيل: إنَّ هذا خطأ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ ما أقَرَّ أحدًا على نكاح امرأة أبيه، وَإنْ كان في الجاهليَّةِ، لما روى البراء بنُ عَازِبٍ قال: مَرَّ بِي خَالِي أبُو بُرْدَة بن نيار ومعه لواء قلت أيْنَ تَذْهَبُ؟ قال: بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوَّجَ امرأة أبيه مِنْ بعده آتيه برأسه وآخذ ماله.
قوله: {وَسَاءَ سَبِيلًا} في ساء قولان:
أحدهما: أنها جارية مجرى بئس في الذَّمِّ والعمل، ففيها ضمير مبهم يفسِّره ما بعده وهو {سَبِيلًا} والمخصوص بالذَّمِّ محذوف تقديره وساء سبيل هذا النكاح كقوله: بئس الشراب أي: ذلك الماء.
قال الَّليْثُ: ساء فعل لازم وفاعله مضمر، وسبيلًا منصوب تفسيرًا لذلك الفاعل المحذوف كما قال: {وَحَسُنَ أولئك رَفِيقًا} [النساء: 69].
الثاني: أنَّهَا لا تجري مجرى بِئْسَ في العمل، بل هي كسائر الأفعال، فيكونُ فيها ضمير يعودُ على ما عاد الضَّمِيرُ في {إِنَّهُ}؛ و{سَبِيلًا} على كلا التَّقْدِيرَيْنِ تمييز وفي هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها لا محل لها من الإعراب بل هي مُسْتَأنَفَةٌ ويكون الوقف على قوله: {ومقتًا}، ثم يستأنف {وَسَاءَ سَبِيلًا} أي: وساء هذا السَّبِيلُ من نكاح مَنْ نكحهن من الآباء.
والثاني: أن يكون معطوفًا على خبر كان، على أنَّه يجعل محكيًا بقول مضمر، ذلك القول هو المعطوف على الخبر، والتقدير: ومقولًا فيه {وَسَاءَ سَبِيلًا} فهكذا قدَّرَهُ أبُو البَقَاءِ. ولقائل أن يقول يجوز أنْ يكون عطفًا على خبر كان من غير إضمار قول؛ لأنَّ هذه الجملةَ في قوة المفردِ، ألا ترى أنه يقع خبرًا بنفسه، بِقَوْلِ: زيد سَاءَ رَجُلًا، فغاية ما في البَابِ أنَّكَ أتيتَ بِأخبَارٍ كان أحدُهَا مفرد والآخر جملة، اللَّهُمَّ إلاَّ أن يقالَ: إنَّ هذه الجملة إنشائِيَّة، والإنشائيَّة لا تقع خبرًا لكان فاحتاج إلى إضمار القول، وفيه بحث. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)}
أخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه عن عدي بن ثابت الأنصاري قال توفي أبو قيس بن الأسلت وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته فقالت: إنما أعدك ولدًا وأنت من صالحي قومك ولكن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا قيس توفي فقال لها: خيرًا. قالت: وإن ابنه قيسًا خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعدُّه ولدا فما ترى؟ قال: ارجعي إلى بيتك. فنزلت هذه الآية {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} قال: البيهقي مرسل. قلت: فمن رواية ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} قال: نزلت في أبي قيس بن الأسلت، خلف على أم عبيد بنت ضمرة، كانت تحت الأسلت أبيه، وفي الأسود بن خلف، وكان خلف على بنت أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وكانت عند أبيه خلف، وفي فاختة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد، كانت عند أمية بن خلف، فخلف عليها صفوان بن أمية. وفي منظور بن رباب، وكان خلف على مليكة ابنة خارجة، وكانت عند أبيه رباب بن سيار.
وأخرج البيهقي في سننه عن مقاتل بن حيان قال: كان إذا توفي الرجل في الجاهلية عمد حميم الميت إلى امرأته فألقى عليها ثوبًا فيرث نكاحها، فلما توفي أبو قيس بن الأسلت عمد ابنه قيس إلى امرأة أبيه فتزوّجها ولم يدخل بها. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فأنزل الله في قيس {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} قبل التحريم، حتى ذكر تحريم الأمهات والبنات حتى ذكر {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} قبل التحريم {إن الله كان غفورًا رحيمًا} [النساء: 23] فيما مضى قبل التحريم.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: «كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها، أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمه، أو ينكحها من شاء. فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته، ولم ينفق عليها ولم يورثها من المال شيئًا. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال: ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئًا. فنزلت {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء...} الآية. ونزلت {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا} [النساء: 19]».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين.
فأنزل الله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}. {وأن تجمعوا بين الأختين} [النساء: 23].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} يقول: كل امرأة تزوجها أبوك أو ابنك دخل أو لم يدخل بها فهي عليك حرام.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: الرجل ينكح المرأة ثم لا يراها حتى يطلقها أتحل لابنه؟ قال: لا. هي مرسلة، قال الله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} قلت لعطاء: ما قوله: {إلا ما قد سلف}؟ قال: كان الأبناء ينكحون نساء آبائهم في الجاهلية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} قال: هو أن يملك عقدة النكاح وليس بالدخول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي مريم عن مشيخة قال: لا ينكح الرجل امرأة جده أبي أمه لأنه من الآباء يقول الله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {إلا ما قد سلف} إلا ما كان في الجاهلية.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله: {إلا ما قد سلف} قال: كان الرجل في الجاهلية ينكح امرأة أبيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب. أنه كان يقرؤها «ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا من قد سلف» إلا من مات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح {إنه كان فاحشة ومقتًا} قال: يمقت الله عليه {وساء سبيلًا} قال: طريقًا لمن عمل به.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء قال: لقيت خالي ومعه الراية قلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله. اهـ.