فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: باطل، لأن الشرع بين في هذه الآية بطلان هذا العقد قطعا، ومع كون هذا العقد باطلا قطعا في حكم الشرع، كيف يمكن القول بأنه منعقد شرعا؟ فثبت أن وجود هذا العقد وعدمه بمثابة واحدة، وإذا ثبت ذلك فباقي التفريع والتقرير ما تقدم. اهـ.
قال الفخر:
كل أنثى يرجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو بدرجات، بإناث أو بذكور فهي بنتك، وأما بنت الابن وبنت البنت فهل تسمى بنتا حقيقة أو مجازا؟ فالبحث فيه عين ما ذكرناه في الأمهات. اهـ.
قال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: البنت المخلوقة من ماء الزنا لا تحرم على الزاني.
وقال أبو حنيفة: تحرم.
حجة الشافعي أنها ليست بنتًا له فوجب أن لا تحرم، إنما قلنا: إنها ليست بنتا لوجوه: الأول: أن أبا حنيفة إما أن يثبت كونها بنتا له بناء على الحقيقة، وهي كونها مخلوقة من مائه، أو بناء على حكم الشرع بثبوت هذا النسب، والأول باطل على مذهبه طردا وعكسا، أما الطرد فهو أنه إذا اشترى جارية بكرا وافتضها وحبسها في داره فأتت بولد، فهذا الولد معلوم أنه مخلوق من مائه مع أن أبا حنيفة قال: لا يثبت نسبها إلا عند الاستلحاق، ولو كان السبب هو كون الولد متخلقا من مائه لما توقف في ثبوت هذا النسب بغير الاستلحاق، وأما العكس فهو أن المشرقي إذا تزوج بالمغربية وحصل هناك ولد، فأبو حنيفة أثبت النسب هنا مع القطع بأنه غير مخلوق من مائه، فثبت أن القول بجعل التخليق من مائه سببا للنسب باطل طردا وعكسا على قول أبي حنيفة، وأما إذا قلنا: النسب إنما يثبت بحكم الشرع، فههنا أجمع المسلمون على أنه لا نسب لولد الزنا من الزاني، ولو انتسب إلى الزاني لوجب على القاضي منعه من ذلك الانتساب، فثبت أن انتسابها إليه غير ممكن، لا بناء على الحقيقة، ولا بناء على حكم الشرع.
الوجه الثاني: التمسك بقوله عليه الصلاة والسلام: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فقوله: الولد للفراش يقتضي حصر النسب في الفراش.
الوجه الثالث: لو كانت بنتًا له لأخذت الميراث لقوله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الأنثيين} [النساء: 11] ولثبتت له ولاية الاجبار، لقوله عليه السلام: «زوجوا بناتكم الاكفاء» ولوجب عليه نفقتها وحضانتها، ولحلت الخلوة بها، فلما لم يثبت شيء من ذلك علمنا انتفاء البنتية، وإذا ثبت أنها ليست بنتًا له وجب أن يحل التزوج بها، لأن حرمة التزوج بها إما للبنتية، أو لأجل أن الزنا يوجب حرمة المصاهرة، وهذا الحصر ثابت بالاجماع.
والبنتية باطلة كما ذكرنا، وحرمة المصاهرة بسبب الزنا أيضا باطلة كما تقدم شرح هذه المسألة، فثبت أنها غير محرمة على الزاني والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
النوع الثالث: من المحرمات: الأخوات: ويدخل فيه الأخوات من الأب والأم معا، والأخوات من الأب فقط، والأخوات من الأم فقط.
النوع الرابع والخامس: العمات والخالات.
قال الواحدي رحمه الله: كل ذكر رجع نسبك إليه فأخته عمتك، وقد تكون العمة من جهة الأم وهي أخت أبي أمك، وكل أنثى رجع نسبك إليها بالولادة فأختها خالتك، وقد تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك.
النوع السادس والسابع: بنات الأخ وبنات الأخت: والقول في بنات الأخ وبنات الأخت كالقول في بنات الصلب.
فهذه الأقسام السبعة محرمة في نص الكتاب بالأنساب والأرحام.
قال المفسرون: كل امرأة حرم الله نكاحها للنسب والرحم، فتحريمها مؤبد لا يحل بوجه من الوجوه، وأما اللواتي يحل نكاحهن ثم يصرن محرمات بسبب طارىء، فهن اللاتي ذكرن في باقي الآية. اهـ.
قال الفخر:
قال الواحدي رحمه الله: المرضعات سماهن أمهات لأجل الحرمة، كما أنه تعالى سمى أزواج النبي عليه السلام أمهات المؤمنين في قوله: {وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] لأجل الحرمة. اهـ.
قال الفخر:
إنه تعالى نص في هذه الآية على حرمة الأمهات والأخوات من جهة الرضاعة إلا أن الحرمة غير مقصورة عليهن، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وإنما عرفنا أن الأمر كذلك بدلالة هذه الآيات، وذلك لأنه تعالى لما سمى المرضعة أمًا، والمرضعة أختا، فقد نبه بذلك على أنه تعالى أجرى الرضاع مجرى النسب، وذلك لأنه تعالى حرم بسبب النسب سبعا: اثنتان منها هما المنتسبتان بطريق الولادة، وهما الأمهات والبنات، وخمس منها بطريق الأخوة، وهو الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، ثم أنه تعالى لما شرع بعد ذلك في أحوال الرضاع ذكر من هذين القسمين صورة واحدة تنبيها بها على الباقي، فذكر من قسم قرابة الولادة الأمهات، ومن قسم قرابة الاخوة الأخوات، ونبه بذكر هذين المثالين من هذين القسمين على أن الحال في باب الرضاع كالحال في النسب، ثم انه عليه السلام أكد هذا البيان بصريح قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فصار صريح الحديث مطابقًا لمفهوم الآية، وهذا بيان لطيف. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وهي في التحريم مثل من ذكرنا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقرأ عبد الله {وأُمهاتكم اللائي} بغير تاء؛ كقوله تعالى: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض} [الطلاق: 4].
قال الشاعر:
من اللاَّءِ لم يحجُجْنَ يَبْغين حِسْبَةً ** ولكن ليقتلْنَ البَرِيء المغَفَّلا

{أَرْضَعْنَكُمْ} فإذا أرضعت المرأة طفلًا حرمت عليه لأنها أُمّه، وبنتُها لأنها أُخته، وأُختُها لأنها خالتُه، وأُمّها لأنها جدّتُه، وبنت زوجها صاحِبِ اللبن لأنها أُخته، وأُخته لأنها عمته، وأُمّه لأنها جدّته، وبنات بنيها وبناتها لأنهنّ بنات إخوته وأخواته.
قال أبو نعيم عبيد الله بن هشام الحلبيّ: سئِل مالك عن المرأة أيحج معها أخوها من الرّضاعة؟ قال: نعم.
قال أبو نعيم: وسئل مالك عن امرأة تزوّجت فدخل بها زوجها، ثم جاءت امرأة فزعمت أنها أرضعتهما؛ قال: يفرق بينهما، وما أخذت من شيء له فهو لها، وما بقِي عليه فلا شيء عليه.
ثم قال مالك: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن مثل هذا فأمر بذلك؛ فقالوا: يا رسول الله، إنها امرأة ضعيفة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أليس يُقال إن فلانًا تزوّج أُخته؟».
التحريم بالرّضاع إنما يحصل إذا اتفق الإرضاع في الحولين؛ كما تقدّم في [البقرة].
ولا فرق بين قليل الرّضاع وكثيره عندنا إذا وصل إلى الأمعاء ولو مَصّة واحدة.
واعتبر الشافعي في الإرضاع شرطين: أحدهما خمس رضعات؛ لحديث عائشة قالت: كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات يحرّمن، ثم نسخن بخمسٍ معلومات، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ مما يُقرأ من القرآن.
موضع الدليل منه أنها أثبتت أن العشر نسخن بخمس، فلو تعلق التحريم بما دون الخمس لكان ذلك نسخًا للخمس.
ولا يقبل على هذا خبر واحد ولا قياس؛ لأنه لا ينسخ بهما.
وفي حديث سَهْلَة: «أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن» الشرط الثاني أن يكون في الحولين، فإن كان خارجًا عنهما لم يحرّم؛ لقوله تعالى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} [البقرة: 233].
وليس بعد التمام والكمال شيء.
واعتبر أبو حنيفة بعد الحولين ستة أشهر.
ومالك الشهر ونحوه.
وقال زُفَر: ما دام يجتزئ باللبن ولم يفطم فهو رضاع وإن أتى عليه ثلاث سنين.
وقال الأوزاعيّ: إذا فطم لسنة واستمر فطامه فليس بعده رضاع.
وانفرد الليث بن سعد من بين العلماء إلى أنّ رضاع الكبير يوجب التحريم؛ وهو قول عائشة رضي الله عنها، وروي عن أبي موسى الأشعريّ، وروي عنه ما يدل على رجوعه عن ذلك، وهو ما رواه أبو حُصَيْن عن أبي عطية قال: قدم رجل بامرأته من المدينة فوضعت وتورّم ثديها، فجعل يمصه ويمجه فدخل في بطنه جرعة منه؛ فسأل أبا موسى فقال: بانت منك، واتِ ابن مسعود فأخبره، ففعل؛ فأقبل بالأعرابي إلى أبي موسى الأشعري وقال: أرضيعًا ترى هذا الأشْمَط إنما يحرم من الرضاع ما يُنبت اللحم والعظم.
فقال الأشعري: لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهرِكم.
فقوله: لا تسألوني يدل على أنه رجع عن ذلك.
واحتجت عائشة بقصة سالم مولى أبي حذيفة وأنه كان رجلًا.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل: أرضعيه خرجه الموطأ وغيره.
وشذت طائفة فاعتبرت عشر رضعات؛ تمسكًا بأنه كان فيما أنزل: عشر رضعات.
وكأنهم لم يبلغهم الناسخ.
وقال داود: لا يحرم إلاَّ بثلاث رضعات؛ واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرّم الإملاجة والإملاجتان». أخرجه مسلم.
وهو مرويّ عن عائشة وابن الزبير، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، وهو تمسُّكٌ بدليل الخطاب، وهو مختلف فيه.
وذهب من عدا هؤلاء من أئمة الفتوى إلى أن الرّضعة الواحدة تحرّم إذا تحققت كما ذكرنا؛ متمسِّكين بأقل ما ينطلق عليه اسم الرّضاع.
وعُضِد هذا بما وجد من العمل عليه بالمدينة وبالقياس على الصهر؛ بعِلّة أنه معنى طارئ يقتضي تأبيد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر.
وقال الليث بن سعد: وأجمع المسلمون على أن قليل الرّضاع وكثيره يحرّم في المَهْد ما يفطر الصائم.
قال أبو عمر: لم يقف الليث على الخلاف في ذلك.
قلت وأنص ما في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم المَصَّة ولا المصتان». أخرجه مسلم في صحيحه.
وهو يفسر معنى قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} أي أرضعنكم ثلاث رضعات فأكثر؛ غير أنه يمكن أن يحمل على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضيع؛ لقوله: عشر رضعات معلومات.
وخمس رضعات معلومات فوصفها بالمعلومات إنما هو تحرز مما يُتوهّم أو يُشَكُّ في وصوله إلى الجوف.
ويفيد دليل خطابه أن الرضعات إذا كانت غير معلومات لم تحرّم. والله أعلم.
وذكر الطحاوي أن حديث الإملاجة والإملاجتين لا يثبت؛ لأنه مرةً يرويه ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة يرويه عن عائشة، ومرّة يرويه عن أبيه؛ ومثل هذا الاضطراب يسقِطه.
وروي عن عائشة أنه لا يحرّم إلاَّ سبع رضعات.
وروي عنها أنها أُمرت أُختها أُم كلثوم أن ترضع سالم بن عبد الله عشر رضعات.
وروي عن حفصة مثله، وروي عنها ثلاث، وروي عنها خمس؛ كما قال الشافعيّ رضي الله عنه، وحكي عن إسحاق. اهـ. بتصرف يسير.