فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفخر:
ظاهر قوله: {وحلائل أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم} لا يتناول حلائل الأبناء من الرضاعة، فلما قال في آخر الآية: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} لزم من ظاهر الآيتين حل التزوج بأزواج الأبناء من الرضاع، إلا أنه عليه السلام قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فاقتضى هذا تحريم التزوج بحليلة الابن من الرضاع لأن قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} يتناول الرضاع وغير الرضاع، فكان قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أخص منه، فخصصوا عموم القرآن بخبر الواحد والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
اتفقوا على أن حرمة التزوج بحليلة الابن تحصل بنفس العقد كما أن حرمة التزوج بحليلة الأب تحصل بنفس العقد، وذلك لأن عموم الآية يتناول حليلة الابن، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن.
أما ما روي ان ابن عباس سئل عن قوله: {وحلائل أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم} أنه تعالى لم يبين أن هذا الحكم مخصوص بما إذا دخل الابن بها.
أو غير مخصوص بذلك، فقال ابن عباس: أبهموا ما أبهمه الله، فليس مراده من هذا الابهام كونها مجملة مشتبهة، بل المراد من هذا الابهام التأييد.
ألا ترى أنه قال في السبعة المحرمة من جهة النسب: انها من المبهمات، أي من اللواتي تثبت حرمتهن على سبيل التأبيد، فكذا ههنا، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
اتفقوا على أن هذه الآية تقتضي تحريم حليلة ولد الولد على الجَدّ، وهذا يدل على أن ولد الولد يطلق عليه أنه من صُلْب الجَدّ، وفيه دلالة على أن ولد الولد منسوب إلى الجد بالولادة. اهـ.
قال الفخر:
الجمع بين الأختين يقع على ثلاثة أوجه: إما أن ينكحهما معا، أو يملكهما معًا، أو ينكح إحداهما ويملك الاخرى، أما الجمع بين الأختين في النكاح.
فذلك يقع على وجهين: أحدهما: أن يعقد عليهما جميعا، فالحكم ههنا: إما الجمع، أو التعيين، أو التخيير، أو الإبطال، أما الجمع فباطل بحكم هذه الآية هكذا قالوا، إلا أنه مشكل على أصل أبي حنيفة رضي الله عنه، لأن الحرمة لا تقتضي الإبطال على قول أبي حنيفة، ألا ترى أن الجمع بين الطلقات حرام على قوله، ثم إنه يقع، وكذا النهي عن بيع الدرهم بالدرهمين لم يمنع من انعقاد هذا العقد، وكذا القول في جميع المبايعات الفاسدة، فثبت أن الاستدلال بالنهي على الفساد لا يستقيم على قوله.
فإن قالوا: وهذا يلزمكم أيضا لأن الطلاق في زمان الحيض وفي طهر جامعها فيه منهيٌ عنه، ثم انه يقع.
قلنا: بين الصورتين فرق دقيق لطيف ذكرناه في الخلافيات، فمن أراده فليطلب ذلك الكتاب، فثبت أن الجمع باطل.
وأما أن التعيين أيضا باطل، فلأن الترجيح من غير مرجح باطل، وأما أن التخيير أيضا باطل، فلأن القول بالتخيير يقتضي حصول العقد وبقاءه إلى أوان التعيين.
وقد بينا بطلانه، فلم يبق إلا القول بفساد العقدين جميعا.
الصورة الثانية: من صور الجمع: وهي أن يتزوج إحداهما، ثم يتزوج الأخرى بعدها، فههنا يحكم ببطلان نكاح الثانية، لأن الدفع أسهل من الرفع، وأما الجمع بين الأختين بملك اليمين، أو بأن ينكح إحداهما ويشتري الأخرى، فقد اختلفت الصحابة فيه، فقال علي وعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر: لا يجوز الجمع بينهما: والباقون جوزوا ذلك.
أما الأولون فقد احتجوا على قولهم بأن ظاهر الآية يقتضي تحريم الجمع بين الأختين مطلقا، فوجب أن يحرم الجمع بينهما على جميع الوجوه، وعن عثمان أنه قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، والتحليل أولى، فالآية الموجبة للتحليل هي قوله: {والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم} [النساء: 24] وقوله: {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} [المؤمنون: 6].
والجواب عنه من وجهين:
الأول: أن هذه الآيات دالة على تحريم الجمع أيضا، لأن المسلمين أجمعوا على أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في حل الوطء، فنقول: لو جاز الجمع بينهما في الملك لجاز الجمع بينهما في الوطء لقوله تعالى: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون * إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} [المعارج: 29 30] لكنه لا يجوز الجمع بينهما في الملك، فثبت أن هذه الآية بأن تكون دالة على تحريم الجمع بينهما في الملك، أولى من أن تكون دالة على الجواز.
الوجه الثاني: إن سلمنا دلالتها على جواز الجمع، لكن نقول: الترجيح لجانب الحرمة، ويدل عليه وجوه:
الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: «ما اجتمع الحرام والحلال إلا وغلب الحرام الحلال».
الثاني: أنه لا شك أن الاحتياط في جانب الترك فيجب، لقوله عليه الصلاة والسلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
الثالث: أن مبنى الأبضاع في الأصل على الحرمة، بدليل أنه إذا استوت الأمارات في حصول العقد مع شرائطه وفي عدمه وجب القول بالحرمة، ولأن النكاح مشتمل على المنافع العظيمة، فلو كان خاليا عن جهة الاذلال والضرر، لوجب أن يكون مشروعا في حق الأمهات لأن إيصال النفع اليهن مندوب لقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا} [البقرة: 83] ولما كان ذلك محرما علمنا اشتماله على وجه الاذلال والمضارة، وإذا كان كذلك كان الأصل فيه هو الحرمة، والحل إنما ثبت بالعارض، وإذا ثبت هذا ظهر أن الرجحان لجانب الحرمة، فهذا هو تقرير مذهب علي رضي الله عنه في هذا الباب.
أما إذا أخذنا بالمذهب المشهور بين الفقهاء، وهو أنه يجوز الجمع بين أمتين أختين في ملك اليمين، فإذا وطئ إحداهما حرمت الثانية، ولا تزول هذه الحرمة ما لم يزل ملكه عن الأولى ببيع أو هبة أو عتق أو كتابة أو تزويج. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى؛ {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين} موضع أنْ رفْعٌ على العطف على {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}.
والأُختان لفظ يعم الجميع بنكاح وبِملْك يَمِين.
وأجمعت الأُمة على منع جمعهما في عقد واحد من النكاح لهذه الآية، وقولِه عليه السَّلام: «لا تَعْرِضْنَ عليّ بناتكن ولا أخواتكن» واختلفوا في الأُختين بِملْك اليمين؛ فذهب كافّة العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع بينهما بالمِلْك في الوَطْء، وإن كان يجوز الجمع بينهما في المِلك بإجماع؛ وكذلك المرأة وابنتها صفقة واحدة.
واختلفوا في عقد النكاح على أُخت الجارية التي وطِئها؛ فقال الأوزاعيّ: إذا وَطِئ جارية له بِملْك اليمين لم يجز له أن يتزوّج أُختها.
وقال الشافعيّ؛ مِلْك اليمين لا يمنع نكاح الأُخت.
قال أبو عمر: من جَعلَ عقد النكاح كالشِّراء أجازَه، ومن جعله كالوطء لم يُجِزْه.
وقد أجمعوا على أنه لا يجوز العقد على أُخت الزوجة؛ لقول الله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين} يعني الزوجتين بعقد النكاح.
فقِف على ما اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه يتبيّن لك الصواب (إن شاء الله). والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

قال الشافعي رضي الله عنه: نكاح الأخت في عدة الأخت البائن جائز، وقال أبو حنيفة رحمة الله عليه: لا يجوز.
حجة الشافعي: أنه لم يوجد الجمع فوجب أن لا يحصل المنع، إنما قلنا: إنه لم يوجد الجمع لأن نكاح المطلقة زائل، بدليل أنه لا يجوز له وطؤها، ولو وطئها يلزمه الحد، وإنما قلنا: انه لما لم يوجد الجمع وجب أن لا يحصل المنع، لقوله تعالى بعد تقرير المحرمات: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ولا شبهة في انتفاء جميع تلك الموانع، إلا كونه جمعا بين أختين، فإذا ثبت بالدليل أن الجمع منتف وجب القول بالجواز.
فإن قيل: النكاح باق من بعض الوجوه بدليل وجوب العدة ولزوم النفقة عليها.
قلنا: النكاح له حقيقة واحدة، والحقيقة الواحدة يمتنع كونها موجودة معدومة معا، بل لو انقسمت هذه الحقيقة إلى نصفين حتى يكون أحدهما موجودا والآخر معدوما صح ذلك، أما إذا كانت الحقيقة الواحدة غير قابلة للتنصيف كان هذا القول فاسدا.
وأما وجوب العدة ولزوم النفقة، فاعلم أنه ان حصل النكاح حصلت القدرة على حبسها، وهذا لا ينتج أنه حصلت القدرة على حبسها للنكاح؛ لأن استثناء عين التالي لا ينتج، فبالجملة: فاثبات حق الحبس بعد زوال النكاح بطريق آخر معقول في الجملة، فاما القول ببقاء النكاح حال القول بعدمه، فذلك مما لا يقبله العقل، وتخريج أحكام الشرع على وفق العقول، أولى من حملها على ما يعرف بطلانها في بداهة العقول، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

شذّ أهل الظاهر فقالوا: يجوز الجمع بين الأُختين بملك اليمين في الوطء؛ كما يجوز الجمع بينهما في المِلْك.
واحتجوا بما رُوي عن عثمان في الأُختين من مِلْك اليمين: حرّمتهما آية وأحلّتهما آية.
ذكره عبد الرزاق حدّثنا معمر عن الزُّهْري عن قَبِيصة بن ذُؤيب أن عثمان بن عفان سُئِل عن الأُختين مما مَلَكَت اليمين فقال: لا آمرك ولا أنهاك أحلّتهما آية وحرّمتهما آية.
فخرج السائل فلقي رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معمر: أحسبه قال عليّ قال: وما سألت عنه عثمان؟ فأخبره بما سأله وبما أفتاه؛ فقال له: لكنّي أنهاك، ولو كان لي عليك سبيل ثم فعلتَ لجعلتك نَكالًا.
وذكر الطَّحَاويّ والدّارَقُطْنِيّ عن عليّ وابن عباس مثلَ قول عثمان.
والآية التي أحلّتهما قولُه تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}.
ولم يلتفت أحد من أئمة الفتوى إلى هذا القول؛ لأنهم فهِموا من تأويل كتاب الله خلافه، ولا يجوز عليهم تحريف التأويل.
وممن قال ذلك من الصحابة: عمر وعليّ وابن مسعود وعثمان وابن عباس وعمار وابن عمر وعائشة وابن الزبير، وهؤلاء أهل العلم بكتاب الله، فمن خالفهم فهو متعسِّف في التأويل.
وذكر ابن المنذِر أن إسحاق بن رَاهْوَيْه حرّم الجمع بينهما بالوطء، وأن جمهور أهل العلم كرِهوا ذلك، وجعلَ مالكًا فيمن كرِهه.
ولا خلاف في جواز جمعهما في المِلك، وكذلك الأُمّ وابنتها.
قال ابن عطية: ويجيء من قول إسحاق أن يرجم الجامع بينهما بالوطء، وتُستقرأ الكراهية من قول مالك: إنه إذا وطِئ واحدة ثم وطيءالأخرى وقف عنهما حتى يحرّم إحداهما؛ فلم يلزِمه حدًّا.
قال أبو عمر: أما قول عليّ لجعلته نكالًا ولم يقل لحددته حدّ الزاني؛ فلأن من تأوّل آية أو سُنّة ولم يَطَأ عند نفسه حرامًا فليس بزان بإجماع وإن كان مخطئًا، إلاَّ أن يدعي من ذلك ما لا يعذر بجهله.
وقول بعض السلَف في الجمع بين الأُختين بملك اليمين: أحلّتهما آية وحرّمتهما آية معلوم محفوظ؛ فكيف يُحدّ حدّ الزاني مَن فعل ما فيه مثل هذا من الشّبهة القويّة؟ وبالله التوفيق. اهـ.

.قال الفخر:

قال الشافعي رحمة الله عليه: إذا أسلم الكافر وتحته أختان اختار أيتهما شاء وفارق الأخرى.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن كان قد تزوج بهما دَفعةً واحدةً فرق بينه وبينهما، وإن كان قد تزوج بإحداهما أولا وبالأخرى ثانيا، اختار الأولى وفارق الثانية، واحتج أبو بكر الرازي لأبي حنيفة بقوله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاختين} قال: هذا خطاب عام فيتناول المؤمن والكافر، وإذا ثبت أنه تناول الكافر وجب أن يكون النكاح فاسدا، لأن النهي يدل على الفساد.
فيقال له: انك بنيت هذا الاستدلال على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع وعلى أن النهي يدل على الفساد، وأبو حنيفة لا يقول بواحد من هذين الأصلين، فإن قال: فهما صحيحان على قولكم: فكان هذا الاستدلال لازما عليكم فنقول: قولنا: الكفار مخاطبون بفروع الشرائع لا نعني به في أحكام الدنيا، فإنه ما دام كافرا لا يمكن تكليفه بفروع الإسلام، وإذا أسلم سقط عنه كل ما مضى بالإجماع، بل المراد منه أحكام الآخرة، وهو أن الكافر يعاقب بترك فروع الإسلام كما يعاقب على ترك الإسلام، إذا عرفت هذا فنقول: أجمعنا على أنه لو تزوج الكافر بغير ولي ولا شهود، أو تزوج بها على سبيل القهر، فبعد الإسلام يقر ذلك النكاح في حقه، فثبت أن الخطاب بفروع الشرائع لا يظهر أثره في الأحكام الدنيوية في حق الكافر، وحجة الشافعي: أن فيروزًا الديلمي أسلم على ثمان نسوة، فقال عليه الصلاة والسلام: «اختر أربعا وفارق سائرهن» خيره بينهن، وذلك ينافي ما ذكرتم من الترتيب والله أعلم. اهـ.