فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ...} الآية.
تكلُّفُ انتزاع المعاني التي لأجلها حصل هذا التحريم محالٌ من الأمر؛ لأن الشرعَ غيرُ مُعَلَّلٍ، بل الحق تعالى حرَّم ما شاء على من شاء، وكذلك الإباحة، ولا عِلَّةَ للشرائع بحال، ولو كانت المحرَّمَاتُ من هؤلاء محلَّلاتٍ محرمات لكان ذلك سائغًا. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهَاتُكُمْ}.
من النسب أن تنكحوهن، وشملت الجدات من قبل الأب أو الأم.
{وَبَنَاتُكُمْ} من النسب، وشملت بنات الأولاد وإن سفلن.
{وَأَخَوَاتُكُمْ} من أم أو أب أو منهما.
{وَعَمّاتُكُمْ} أي: أخوات آبائكم وأجدادكم.
{وَخَالاَتُكُمْ} أي: أخوات أمهاتكم وجداتكم.
{وَبَنَاتُ الأَخِ} من النسب، من أي: وجه يكنّ.
{وَبَنَاتُ الأُخْتِ} من النسب من أي: وجه يكنّ، ويدخل في البنات أولادهن.
{وَأُمّهَاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} قال المهايمي: لأن الرضاع جزء منها وقد صار جزءًا من الرضيع، فصار كأنه جزؤها فأشبهت أصله. انتهى.
ويعتبر في الإرضاع أمران:
أحدهما: القدر الذي يتحقق به هذا المعنى، وقد ورد تقييد مطلقه وبيان مجمله في السنة بخمس رضعات، لحديث عائشة عند مسلم وغيره: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحَرّمن، ثم نسخن بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وهن فيما يقرأ من القرآن.
والثاني: أن يكون الرضاع في أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد، وذلك قبل الفطام، وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنة بعد التشبح وقيام الهيكل، كالشاب يأكل الخبز.
عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام»، رواه الترمذيّ وصححه، والحاكم أيضًا.
وأخرج سعيد بن منصور والدارقطني والبيهقيّ عن ابن عباس مرفوعًا: «لا رضاع إلا ما كان في الحولين»، وصحح البيهقيّ وقفه.
قال السيوطيّ في: [الإكليل]: واستدل بعموم الآية من حرم برضاع الكبير. انتهى.
وقد ورد الرخصة فيه الحاجة تعرض، روى مسلم وغيره عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: إِنّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الّذِي مَا أُحِبّ أَنْ يَدْخُلَ عليّ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أُسْوَةٌ؟.
وقَالَتْ: إِنّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنّ سَالِمًا يَدْخُلُ عليّ وَهُوَ رَجُلٌ، وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «أَرْضِعِيهِ حَتّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ».
وأخرج نحوه البخاريّ من حديث عائشة أيضًا.
وقد روى هذا الحديث، من الصحابة: أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وزينب بنت أم سلمة، ورواه من التابعين جماعة كثيرة، ثم رواه عنهم الجمع الجم.
وقد ذهب إلى ذلك عليّ وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رَبَاح والليث بن سعد وابن علية وداود الظاهري وابن حزم، وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك.
قال ابن القيم: أَخَذَ طَائِفَةٌ مِنْ السّلَفِ بِهَذِهِ الْفَتْوَى مِنْهُمْ عَائِشَةُ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدّمُوا عَلَيْهَا أَحَادِيثَ تَوْقِيتِ الرّضَاعِ الْمُحَرّمِ بِمَا قَبْلَ الْفِطَامِ، وَبِالصّغَرِ، وَبِالْحَوْلَيْنِ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: كَثْرَتُهَا وَانْفِرَادُ حَدِيثِ سَالِمٍ.
الثّانِي: أَنّ جَمِيعَ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم سوى عَائِشَةَ رضي الله عنهن فِي شِقّ الْمَنْعِ.
الثّالِثُ: أَنّهُ أَحْوَطُ.
الرّابِعُ: أَنّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا يُنْبِتُ لَحْمًا وَلَا يَنْشُرُ عَظْمًا، فَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْبَعْضِيّةُ الّتِي هِيَ سَبَبُ التّحْرِيمِ.
الْخَامِسُ: أَنّهُ يُحْتَمَلُ أَنّ هَذَا كَانَ مُخْتَصّا بِسَالِمٍ وَحْدَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِئْ ذَلِكَ إلّا فِي قِصّتِهِ.
السّادِسُ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا رَجُلٌ قَاعِدٌ، فَاشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَغَضِبَ، فَقَالَتْ: إنّهُ أَخِي مِنْ الرّضَاعَةِ، فَقَالَ: «اُنْظُرْنَ إخْوَتكُنّ مِنْ الرّضَاعَةِ، فَإِنّمَا الرّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ»، مُتّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَفِي قِصّةِ سَالِمٍ مَسْلَكٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنّ هَذَا كَانَ مَوْضِعَ حَاجَةٍ؛ فَإِنّ سَالِمًا كَانَ قَدْ تَبَنّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ وَرَبّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ وَمِنْ الدّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ بُدّ، فَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِهِ مِمّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَعَلّ هَذَا الْمَسْلَكَ أَقْوَى الْمَسَالِكِ، وَإِلَيْهِ كَانَ شَيْخُنَا يَجْنَحُ. انتهى.
يعني تقي الدين بن تيمية رضي الله عنهما.
{وَأَخَوَاتُكُم مّنَ الرّضَاعَةِ} قال الرازي: إنه تعالى نص في هذه الآية على حرمة الأمهات والأخوات من جهة الرضاعة، إلا أن الحرمة غير مقصورة عليهن، لأنه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «يحرم من الرضاع ما يرحم من النسب».
وإنما عرفنا أن الأمر كذلك بدلالة هذه الآيات، وذلك لأنه تعالى لما سمى المرضعة أمًا، والمرضعة أختًا، فقد نبه بذلك على أنه تعالى أجرى الرضاع مجرى النسب، وذلك لأنه تعالى حرم بسبب النسب سبعًا:
اثنتان منها هما المنتسبتان بطريق الولادة، وهما الأمهات والبنات.
وخمس منها بطريق الأخوة، وهن الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، ثم إنه تعالى لما شرع بعد ذلك في أحوال الرضاع، ذكر من هذين القسمين صورة واحدة تنبيهًا بها على الباقي، فذكر من قسم قرابة الولادة، الأمهات، ومن قسم قرابة الأخوة، الأخوات، ونبه بذكر هذين المثالين، من هذين القسمين، على أن الحال في باب الرضاع كالحال في النسب، ثم إنه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أكد هذا البيان بصريح قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، فصار صريح الحديث مطابقًا لمفهوم الآية، وهذا بيان لطيف. انتهى.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وَبَنَاتُ الأخ وَبَنَاتُ الأخت} ليس المراد تحريم ذاتهن لأن الحرمة وأخواتها إنما تتعلق بأفعال المكلفين، فالكلام على حذف مضاف بدلالة العقل، والمراد تحريم نكاحهن لأنه معظم ما يقصد منهن ولأنه المتبادر إلى الفهم ولأن ما قبله وما بعده في النكاح، ولو لم يكن المراد هذا كأن تخلل أجنبي بينهما من غير نكتة فلا إجمال في الآية خلافًا للكرخي، والجملة إنشائية وليس المقصود منها الإخبار عن التحريم في الزمان الماضي؛ وقال بعض المحققين: لا مانع من كونها إخبارية والفعل الماضي فيها مثله في التعاريف نحو الاسم ما دل على معنى في نفسه ولم يقترن بأحد الأزمنة، والفعل ما دل واقترن، فإنهم صرحوا أن الجملة الماضوية هناك خبرية وإلا لما صح كونها صلة الموصول مع أنه لم يقصد من الفعل فيها الدلالة على الزمان الماضي فقط، وإلا للزم أن يكون حال المعرف في الزمان الحال والمستقبل ليس ذلك الحال، وبنى الفعل لما لم يسم فاعله لأنه لا يشتبه أن المحرم هو الله تعالى.
و{أمهاتكم} تعم الجدات كيف كنّ إذ الأم هي الأصل في الأصل كأم الكتاب وأم القرى فتثبت حرمة الجدات بموضوع اللفظ وحقيقته لأن الأم على هذا من قبيل المشكك، وذهب بعضهم إلى أن إطلاق الأم على الجدة مجاز، وأن إثبات حرمة الجدات بالإجماع، والتحقيق أن الأم مراد به الأصل على كل حال لأنه إن استعمل فيه حقيقة فظاهر، وإلا فيجب أن يحكم بإرادته مجازًا فتدخل الجدات في عموم المجاز والمعرف لإرادة ذلك في النص الإجماع على حرمتهن.
والمراد بالبنات من ولدتها أو ولدت من ولدها؛ وتسمية الثانية بنتًا حقيقة باعتبار أن البنت يراد به الفرع كما قيل به فيتناولها النص حقيقة أو مجازًا عند البعض، أو عند الكل، ومن منع إطلاق البنت على الفرع مطلقًا قال: إن ثبوت حرمة بنات الأولاد بالإجماع، وقد يستدل على تحريم الجدات وبنات الأولاد بدلالة النص المحرم للعمات والخالات وبنات الأخ والأخت، ففي الأول: لأن الأشِقّاءَ منهن أولاد الجدات فتحريم الجدات وهن أقرب أولى، وفي الثاني: لأن بنات الأولاد أقرب من بنات الأخوة، ثم ظاهر النص يدل على أنه يحرم للرجل بنته من الزنا لأنها بنته، والخطاب إنما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة ونحوه فيصير منقولًا شرعيًا، وفي ذلك خلاف الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فقد قال: إن المخلوقة من ماء الزنا تحل للزاني لأنها أجنبية عنه إذ لا يثبت لها توارث ولا غيره من أحكام النسب، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش» وهو يقتضي حصر النسب في الفراش.
والبنات جمع بنت في المشهور وصحح أن لامها واو كأخت وإنما رد المحذوف في أخوات ولم يرد في بنات حملًا لكل واحد من الجمعين على مذكره، فمذكر بنات لم يرد إليه المحذوف بل قالوا فيه بنون، ومذكر أخوات رد فيه محذوفه فقالوا في جمع أخ: إخوة وأخوات، وقد نظم الدنوشري السؤال فقال:
أيها الفاضل اللبيب تفضل ** بجواب به يكون رشادي

لفظ أخت ولفظ بنت إذاما ** جمعا جمع صحة لا فساد

فلأخت ترد لأم وأما ** لفظ بنت فلا فأوضح مرادي

مع تعويضهم من اللام تاءا ** فيهما لا برحت أهل اعتمادي

وقد أجاب هو رحمه الله تعالى عن ذلك بقوله:
لفظ أخت له انضمام بصدر ** ناسب الواو فاكتسى بالمعاد

وقال أبو البقاء: التاء فيها ليست لتأنيث لأن تاء للتأنيث لا يسكن ما قبلها، وتقلب هاءًا في الوقف فبنات ليس بجمع بنت بل بنه، وكسرت الباء تنبيهًا على المحذوف قاله الفراء، وقال غيره: أصلها الفتح وعلى ذلك جاء جمعها، ومذكرها وهو بنون، وإلى ذلك ذهب البصريون، وأما أخت فالتاء فيها بدل من الواو لأنها من الأخوة، والأخوات ينتظمن الأخوات من الجهات الثلاث، وكذا الباقيات لأن الاسم يشمل الكل ويدخل في العمات والخالات أولاد الأجداد والجدات وإن علوا، وكذا عمة جده وخالته وعمة جدته وخالاتها لأب وأم أو لأب أو لأم وذلك كله بالإجماع، وفي الخانية وعمة العمة لأب وأم أو لأب كذلك، وأما عمة العمة لأم فلا تحرم، وفي المحيط: وأما عمة العمة فإن كانت العمة القربى عمة لأب وأم أو لأب فعمة العمة حرام لأن القربى إذا كانت أخت أبيه لأب وأم أو لأب فإن عمتها تكون أخت جدة أب الأب وأخت أب الأب حرام لأنها عمته وإن كانت القربى عمة لأم فعمة العمة لا تحرم عليه لأن أب العمة يكون زوج أم أبيه فعمتها تكون أخت زوج الجدة أم الأب، وأخت زوج الأم لا تحرم، فأخت زوج الجدة أولى أن لا تحرم، وأما خالة الخالة فإن كانت الخالة القربى خالة لأب وأم أو لأم فخالتها تحرم عليه، وإن كانت القربى خالة لأب فخالتها لا تحرم عليه لأن أم الخالة القربى تكون امرأة الجد أب الأم لا أم أمه فأختها تكون أخت امرأة الأب وأخت امرأة الجد لا تحرم عليه انتهى، ولا يخفى أنه كما يحرم على الرجل أن يتزوج بمن ذكر يحرم على المرأة التزوج بنظير من ذكر.