فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

أباح الله تعالى الفروج بالأموال ولم يفصل، فوجب إذا حصل بغير المال ألاَّ تقع الإباحة به؛ لأنها على غير الشرط المأذون فيه، كما لو عقد على خمر أو خنزير أو ما لا يصح تملُّكُه.
ويُردّ على أحمدَ قولُه في أن العتق يكون صداقًا؛ لأنه ليس فيه تسليم مال وإنما فيه إسقاط المِلْك من غير أن استحقت به تسليم مال إليها؛ فإن الذي كان يملكه المَوْلَى مِن عنده لم ينتقل إليها وإنما سقط.
فإذا لم يُسلّم الزوج إليها شيئًا ولم تستحق عليه شيئًا، وإنما أتلف به ملكه، لم يكن مهرًا.
وهذا بيّن مع قوله تعالى: {وَآتُواْ النساء} وذلك أمر يقتضي الإيجاب، وإعطاء العتق لا يصح.
وقوله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: 4] وذلك محال في العتق، فلم يبق أن يكون الصداق إلاَّ مالًا؛ لقوله تعالى: {بِأَمْوَالِكُمْ} واختلف من قال بذلك في قدر ذلك؛ فتعلق الشافعيّ بعموم قوله تعالى: {بِأَمْوَالِكُمْ} في جواز الصداق بقليل وكثير، وهو الصحيح؛ ويَعضُده قولُه عليه السَّلام في حديث الموهوبة: «ولو خاتمًا من حديد» وقوله عليه السَّلام: «أنكحوا الأيامى»؛ ثلاثًا.
قيل: ما العلائق بينهم يا رسول الله؟ قال: «ما تراض عليه الأهلون ولو قضِيبًا من أراك» وقال: أبو سعيد الخدري: سألنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صداق النساء فقال: «هوما اصطلح عليه أهلوهم»، وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن رجلًا أعطى امرأة ملء يديه طعامًا كانت به حلالًا» أخرجهما الدَّارقُطْنِيّ في سننه.
قال الشافعيّ: كل ما جاز أن يكون ثمنًا لشيء، أو جاز أن يكون أجرةً جاز أن يكون صداقًا، وهذا قول جمهور أهل العلم.
وجماعةُ أهل الحديث من أهل المدينة وغيرها.
كلُّهم أجازوا الصداق بقليل المال وكثيره، وهو قول عبد الله بن وهب صاحب مالك، واختاره ابن المنذر وغيرهُ.
قال سعيد بن المُسَيِّب: لو أصدقها سوطًا حلّت به، وأنكَح ابنته من عبد الله بن وداعة بدرهمين.
وقال ربيعة: يجوز النكاح بدرهم.
وقال أبو الزناد: ما تراضى به الأهلون.
وقال مالك: لا يكون الصداق أقلّ من ربع دينار أوثلاثة دراهم كيلًا.
قال بعض أصحابنا في تعليل له: وكأن أشبه الأشياء بذلك قطع اليد، لأن البُضع عضو واليد عضو يُستباح بمقدَّر من المال، وذلك ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلًا؛ فردّ مالك البضع إليه قياسًا على اليد.
قال أبو عمر: قد تقدّمه إلى هذا أبو حنيفة، فقاس الصداق على قطع اليد، واليد عنده لا تقطع إلاَّ في دينار ذهبًا أو عشرة دراهم كيلًا، ولا صداق عنده أقل من ذلك وعلى ذلك جماعة أصحابه وأهل مذهبه، وهو قول أكثر أهل بلده في قطع اليد لا في أقل الصداق.
وقد قال الدَّراوَرْدِيّ لمالك إذْ قال لا صداق أقل من ربع دينار: تعرّقْت فيها يا أبا عبد الله.
أي سلكت فيها سبيل أهل العراق.
وقد احتج أبو حنيفة بما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صداق دون عشرة دراهم». أخرجه الدّارقطنِيّ.
وفي سنده مُبَشِّر بن عبيد متروك.
وروي عن داود الأوْدِيّ عن الشَّعْبِيّ عن عليّ عليه السَّلام: لا يكون المهر أقلّ من عشرة دراهم.
قال أحمد بن حنبل: لقّن غِياثُ بن إبراهيم داودَ الأودِي عن الشعبي عن عليّ: لا مهر أقل من عشرة دراهم.
فصار حديثًا.
وقال النَّخَعِي: أقله أربعون درهمًا.
سعيد بن جُبير: خمسون درهمًا.
ابن شُبْرُمَة: خمسة دراهم.
ورواه الدّارَقُطْنِيّ عن ابن عباس عن عليّ رضي الله عنه: لا مهر أقل من خمسة دراهم. اهـ.

.قال الفخر:

قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا مهر أقل من عشرة دراهم، وقال الشافعي رضي الله عنه: يجوز بالقليل والكثير ولا تقدير فيه.
احتج أبو حنيفة بهذه الآية، وذلك لأنه تعالى قيد التحليل بقيد، وهو الابتغاء بأموالهم، والدرهم والدرهمان لا يسمى أموالا، فوجب أن لا يصح جعلها مهرا.
فإن قيل: ومن عنده عشرة دراهم لا يقال عنده أموال، مع أنكم تجوزون كونها مهرا.
قلنا: ظاهر هذه الآية يقتضي أن لا تكون العشرة كافية، إلا أنا تركنا العمل بظاهر الآية في هذه الصورة لدلالة الإجماع على جوازه، فتمسك في الأقل من العشرة بظاهر الآية.
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف، لأن الآية دالة على أن الابتغاء بالأموال جائز، وليس فيها دلالة على أن الابتغاء بغير الأموال لا يجوز، إلا على سبيل المفهوم، وأنتم لا تقولون به.
ثم نقول: الذي يدل على أنه لا تقدير في المهر وجوه:
الحجة الأولى: التمسك بهذه الآية، وذلك لأن قوله: {بأموالكم} مقابلة الجمع بالجمع، فيقتضي توزع الفرد على الفرد، فهذا يقتضي أن يتمكن كل واحد من ابتغاء النكاح بما يسمى مالا، والقليل والكثير في هذه الحقيقة وفي هذا الاسم سواء، فيلزم من هذه الآية جواز ابتغاء النكاح بأي شيء يسمى مالا من غير تقدير.
الحجة الثانية: التمسك بقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] دلت الآية على سقوط النصف عن المذكور، وهذا يقتضي أنه لو وقع العقد في أول الأمر بدرهم أن لا يجب عليه إلا نصف درهم، وأنتم لا تقولون به.
الحجة الثالثة: الأحاديث: منها ما روي أن امرأة جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تزوج بها رجل على نعلين، فقال عليه الصلاة والسلام: «رضيت من نفسك بنعلين».
فقالت: نعم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن قيمة النعلين تكون أقل من عشرة دراهم، فإن مثل هذا الرجل والمرأة اللذين لا يكون تزوجهما إلا على النعلين يكونان في غاية الفقر، ونعل هذا الإنسان يكون قليل القيمة جدا.
ومنها ما روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أعطى امرأة في نكاح كف دقيق أو سويق أو طعام فقد استحل» ومنها ما روي في قصة الواهبة أنه عليه الصلاة والسلام قال لمن أراد التزوج بها: «التمس ولو خاتما من حديد» وذلك لا يساوي عشرة دراهم. اهـ.
قال الفخر:
قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لو تزوج بها على تعليم سورة من القرآن لم يكن ذلك مهرًا ولها مهر مثلها، ثم قال: إذا تزوج امرأة على خدمته سنة، فإن كان حرًا لها مهر مثلها، وإن كان عبدا فلها خدمة سنة.
وقال الشافعي رحمة الله عليه: يجوز جعل ذلك مهرا، احتج أبو حنيفة على قوله بوجوه:
الأول: هذه الآية وذلك أنه تعالى شرط في حصول الحل أن يكون الابتغاء بالمال، والمال اسم للأعيان لا للمنافع، الثاني: قال تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شيء مّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [النساء: 4] وذلك صفة الأعيان.
أجاب الشافعي عن الأول بأن الآية تدل على أن الابتغاء بالمال جائز، وليس فيه بيان أن الابتغاء بغير المال جائز أم لا، وعن الثاني: أن لفظ الإيتاء كما يتناول الأعيان يتناول المنافع الملتزمة، وعن الثالث: أنه خرج الخطاب على الأعم الأغلب، ثم احتج الشافعي رضي الله عنه على جواز جعل المنفعة صداقا لوجوه:
الحجة الأولى: قوله تعالى في قصة شعيب: {إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ} [القصص: 27] جعل الصداق تلك المنافع والأصل في شرع من تقدمنا البقاء إلى أن يطرأ الناسخ.
الحجة الثانية: ان التي وهبت نفسها، لما لم يجد الرجل الذي أراد أن يتزوج بها شيئا، قال عليه الصلاة والسلام: «هل معك شيء من القرآن قال نعم سورة كذا، قال زوجتكها بما معك من القرآن» والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قال أبو بكر الرازي: دلت الآية على أن عتق الأمة لا يكون صداقا لها، لأن الآية تقتضي كون البضع مالا، وما روي أنه عليه السلام أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، فذاك من خواص الرسول عليه السلام. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {مُّحْصِنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون المراد أنهم يصيرون محصنين بسبب عقد النكاح، والثاني: أن يكون الإحصان شرطا في الاحلال المذكور في قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} والأول أولى، لأن على هذا التقدير تبقى الآية عامة معلومة المعنى، وعلى هذا التقدير الثاني تكون الآية مجملة، لأن الإحصان المذكور فيه غير مبين، والمعلق على المجمل يكون مجملا، وحمل الآية على وجه يكون معلوما أولى من حملها على وجه يكون مجملا. اهـ.

.قال الفيروزابادي:

وقوله: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} في أَوّل السّورة، وبعدها {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} وفى المائدة: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} لأَنَّ ما في أَوّل السورة وقع في حقِّ الأَحرار المسلمين، فاقتُصِر على لفظ {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} والثانية في في الجوارى، وما في المائدة في الكتابيّات فزاد {وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} حرمة للحرائر المسلمات، ولأَنهنَّ إِلى الصّيانة أَقرب، ومن الخيانة أَبعد، ولاَّنَّهنَّ لا يتعاطين ما يتعاطاه الإِماءُ والكتابيَّات من اتِّخاذ الأَخدان. اهـ.

.قال القرطبي:

الاستمتاع التلذذ.
والأُجور المهور؛ وسُمِّيَ المهر أجرًا لأنه أجر الاستمتاع، وهذا نصٌّ على أن المهر يسمى أجرًا، وذلك دليل على أنه في مقابلة البُضع؛ لأن ما يقابل المنفعة يُسمَّى أجرًا.
وقد اختلف العلماء في المعقود عليه في النكاح ما هو: بَدَنُ المرأة أو منفعةُ البُضْع أو الحِلّ؛ ثلاثة أقوال، والظاهر المجموع؛ فإن العقد يقتضي كل ذلك. والله أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

الاستمتاع في اللغة الانتفاع، وكل ما انتفع به فهو متاع، يقال: استمتع الرجل بولده، ويقال فيمن مات في زمان شبابه: لم يتمتع بشبابه.
قال تعالى: {رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام: 128] وقال: {أَذْهَبْتُمْ طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بِهَا} [الأحقاف: 20] يعني تعجلتم الانتفاع بها، وقال: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بخلاقكم} [التوبة: 69] يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا.