فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

وسائر العلماء والفقهاء والصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أن هذه الآية منسوخة ومتعة النساء حرام.
وروى الربيع بن بسرة الجهني عن أبيه قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرته فشكونا إليه العزبة، فقال: «يا أيها الناس استمتعوا من هذه النساء» ثم صبحت غاديا على رسول الله فإذا هو يقول: «يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالإستمتاع من هذه النساء إلاّ أن الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة».
وقال خصيف: سألت الحسن عن نكاح المتعة، فقال: إنما كان ثلاثة أيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهى الله عزّ وجلّ عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال الكلبي: كان هذا في بدء الإسلام، أحلّها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ثم حرّمها، وذلك أنه كان إذا تم الأجل الذي بينهما أعطاها أجرها الذي كان شرط لها، ثم قال: زيديني في الأيام فأزيدك في الأجر، فإن شاءت فعلت ذلك، فإذا تم الأجل الذي بينهما أعطاها الأجر وفارقها، ثم نسخت بآية الطلاق والعدة والممات.
وروى الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أن عليًا قال لابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الأهلية.
وروى الفضل بن دكين عن البراء بن عبد الله القاص عن أبي نضرة عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة التي تذكر في سورة النساء فقال: إنما أحل الله ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والنساء يومئذ قليل، ثم حرّم عليهم بعد أن نهى عنها.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لا أجد رجلا ينكحها إلاّ رجمته بالحجارة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث».
وقال ابن أبي مليكة: سألت عائشة عن المتعة فقالت: بيني وبينهم كتاب الله {والذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}.
وعن عائشة: والله ما نجد في كتاب الله إلاّ النكاح والاستبراء. وقال ابن عمر: المتعة سفاح. اهـ.

.قال ابن القيم في زاد المعاد في الكلام على ما في غزوة الفتح من الفقه ما نصه:

مَتَى حُرّمَتْ مُتْعَةُ النّسَاءِ؟
وَمِمّا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ إبَاحَةُ مُتْعَةِ النّسَاءِ ثُمّ حَرّمَهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكّةَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الّذِي حُرّمَتْ فِيهِ الْمُتْعَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنّهُ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ الشّافِعِيّ وَغَيْرُهُ. وَالثّانِي: أَنّهُ عَامَ فَتْحِ مَكّةَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَطَائِفَةٍ. وَالثّالِثُ أَنّهُ عَامَ حُنَيْنٍ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقَوْلُ الثّانِي، لِاتّصَالِ غَزَاةِ حُنَيْنٍ بِالْفَتْحِ. وَالرّابِعُ أَنّهُ عَامَ حَجّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرّوَاةِ سَافَرَ فِيهِ وَهْمُهُ مِنْ فَتْحِ مَكّةَ إلَى حَجّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَافَرَ وَهْمُ مُعَاوِيَةَ مِنْ عُمْرَةِ الْجِعِرّانَةِ إلَى حَجّةِ الْوَدَاعِ حَيْثُ قَالَ قَصّرْت عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِشْقَصٍ عَلَى الْمَرْوَةِ فِي حَجّتِهِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْحَجّ وَسَفَرُ الْوَهْمِ مِنْ زَمَانٍ إلَى زَمَانٍ وَمِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ وَمِنْ وَاقِعَةٍ إلَى وَاقِعَةٍ كَثِيرًا مَا يَعْرِضُ لِلْحُفّاظِ فَمَنْ دُونَهُمْ.
تَرْجِيحُ الْمُصَنّفِ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ:
وَالصّحِيحُ أَنّ الْمُتْعَةَ إنّمَا حُرّمَتْ عَامَ الْفَتْحِ لِأَنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي [صحيح مسلم] أَنّهُمْ اسْتَمْتَعُوا عَامَ الْفَتْحِ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِذْنِهِ وَلَوْ كَانَ التّحْرِيمُ زَمَنَ خَيْبَرَ، لَزِمَ النّسْخُ مَرّتَيْنِ وَهَذَا لَا عَهْدَ بِمِثْلِهِ فِي الشّرِيعَةِ الْبَتّةَ وَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِيهَا، وَأَيْضًا: فَإِنّ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمَاتٌ وَإِنّمَا كُنّ يَهُودِيّاتٍ وَإِبَاحَةُ نِسَاءِ أَهْلِ أُبِحْنَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ بِقوله: {الْيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [الْمَائِدَةَ 5]، وَهَذَا مُتّصِلٌ بِقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [الْمَائِدَةَ 3]، وَبِقوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} [الْمَائِدَةَ 3]، وَهَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ حَجّةِ الْوَدَاعِ أَوْ فِيهَا، فَلَمْ تَكُنْ إبَاحَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثَابِتَةً زَمَنَ خَيْبَرَ، وَلَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ رَغْبَةٌ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِنِسَاءِ عَدُوّهِمْ قَبْلَ الْفَتْحِ وَبَعْدَ الْفَتْحِ اُسْتُرِقّ مَنْ اُسْتُرِقّ مِنْهُنّ وَصِرْنَ إمَاءً لِلْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا ثَبَتَ فِي [الصحيحين] مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ» وَهَذَا صَحِيحٌ صَرِيحٌ؟. قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ صَحّتْ رِوَايَتُهُ بِلَفْظَيْنِ هَذَا أَحَدُهُمَا. وَالثّانِي: الِاقْتِصَارُ عَلَى نَهْيِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزّهْرِيّ. قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: يَعْنِي أَنّهُ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، لَا عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ وَفِي التّمْهِيدِ: ثُمّ قَالَ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ النّاسِ انْتَهَى، فَتَوَهّمَ بَعْضُ الرّوَاةِ أَنّ يَوْمَ خَيْبَرَ ظَرْفٌ لِتَحْرِيمِهِنّ فَرَوَاهُ حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُتْعَةَ زَمَنَ خَيْبَرَ، وَالْحُمُرَ الْأَهْلِيّةَ وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ بَعْضِ الْحَدِيثِ فَقَالَ حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُتْعَةَ زَمَنَ خَيْبَرَ، فَجَاءَ بِالْغَلَطِ الْبَيّنِ. فَإِنْ قِيلَ فَأَيّ فَائِدَةٍ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ التّحْرِيمَيْنِ إذَا لَمْ يَكُونَا قَدْ وَقَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَيْنَ الْمُتْعَةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْحُمُرِ؟ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِي اللّهُ عَنْهُ مُحْتَجّا بِهِ عَلَى ابْنِ عَمّهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ فِي أنه كَانَ يُبِيحُ الْمُتْعَةَ وَلُحُومَ الْحُمُرِ فَنَاظَرَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَرَوَى لَهُ التّحْرِيمَيْنِ وَقَيّدَ تَحْرِيمَ الْحُمُرِ بِزَمَنِ خَيْبَرَ، وَأَطْلَقَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ وَقَالَ إنّك امْرُؤٌ تَائِهٌ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَ الْمُتْعَةَ وَحَرّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ كَمَا قَالَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النّاسِ فَرَوَى الْأَمْرَيْنِ مُحْتَجّا عَلَيْهِ بِهِمَا، لَا مُقَيّدًا لَهُمَا بِيَوْمِ خَيْبَرَ وَاَللّهُ الْمُوَفّقُ. وَلَكِنْ هَاهُنَا نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّهُ هَلْ حَرّمَهَا تَحْرِيمَ الْفَوَاحِشِ الّتِي لَا تُبَاحُ بِحَالٍ أَوْ حَرّمَهَا عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا، وَأَبَاحَهَا لِلْمُضْطَرّ؟ هَذَا هُوَ الّذِي نَظَرَ فِيهِ ابْنُ عَبّاسٍ وَقَالَ أَنَا أَبَحْتُهَا لِلْمُضْطَرّ كَالْمَيْتَةِ وَالدّمِ فَلَمّا تَوَسّعَ فِيهَا مَنْ تَوَسّعَ وَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ الضّرُورَةِ أَمْسَكَ ابْنُ عَبّاسٍ عَنْ الْإِفْتَاءِ بِحِلّهَا، وَرَجَعَ عَنْهُ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى إبَاحَتَهَا وَيَقْرَأُ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرّمُوا طَيّبَاتِ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ} [الْمَائِدَةَ: 78]، فَفِي [الصحيحين] عَنْهُ قَالَ كُنّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا: أَلَا نَخْتَصِي؟ فَنَهَانَا، ثُمّ رَخّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثّوْبِ إلَى أَجَلٍ ثُمّ قَرَأَ عَبْدُ اللّهِ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرّمُوا طَيّبَاتِ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ} [الْمَائِدَةَ: 78]. وَقِرَاءَةُ عَبْدِ اللّهِ هَذِهِ الْآيَةَ عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الرّدّ عَلَى مَنْ يُحَرّمُهَا، وَأَنّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الطّيّبَاتِ لَمَا أَبَاحَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَالثّانِي: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ آخِرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ الرّدّ عَلَى مَنْ أَبَاحَهَا مُطْلَقًا، وَأَنّهُ مُعْتَدّ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا رَخّصَ فِيهَا لِلضّرُورَةِ وَعِنْدَ الْحَاجَةِ فِي الْغَزْوِ وَعِنْدَ عَدَمِ النّسَاءِ وَشِدّةِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَرْأَةِ. فَمَنْ رَخّصَ فِيهَا فِي الْحَضَرِ مَعَ كَثْرَةِ النّسَاءِ وَإِمْكَانِ النّكَاحِ الْمُعْتَادِ فَقَدْ اعْتَدَى، وَاَللّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ. فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي [صَحِيحِه] مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَا: خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا يَعْنِي: مُتْعَةَ النّسَاءِ قِيلَ هَذَا كَانَ زَمَنَ الْفَتْحِ قَبْلَ التّحْرِيمِ ثُمّ حَرّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي [صَحِيحِه]، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ رَخّصَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمّ نَهَى عَنْهَا. وَعَامُ أَوْطَاسٍ: هُوَ عَامُ الْفَتْحِ لِأَنّ غَزَاةَ أَوْطَاسٍ مُتّصِلَةٌ بِفَتْحِ مَكّةَ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي [صَحِيحِه]، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ كُنّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ التّمْرِ وَالدّقِيقِ الْأَيّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حَتّى نَهَى عَنْهَا عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَفِيمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا: مُتْعَةُ النّسَاءِ وَمُتْعَةُ الْحَجّ قِيلَ النّاسُ فِي هَذَا طَائِفَتَانِ طَائِفَةٌ تَقُولُ إنّ عُمَرَ هُوَ الّذِي حَرّمَهَا وَنَهَى عَنْهَا، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاتّبَاعِ مَا سَنّهُ الْخُلَفَاءُ الرّاشِدُونَ وَلَمْ تَرَ هَذِهِ الطّائِفَةُ تَصْحِيحَ حَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ فِي تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ فَإِنّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَقَدْ تَكَلّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ، وَلَمْ يَرَ الْبُخَارِيّ إخْرَاجَ حَدِيثٍ فِي [صَحِيحِهِ] مَعَ شِدّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَكَوْنِهِ أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ صَحّ عِنْدَهُ لَمْ يَصْبِرْ عَنْ إخْرَاجِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالُوا: وَلَوْ يَخْفَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ حَتّى يَرْوِيَ أَنّهُمْ فَعَلُوهَا، وَيَحْتَجّ بِالْآيَةِ وَأَيْضًا وَلَوْ صَحّ لَمْ يَقُلْ عُمَرُ إنّهَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَنْهَى عَنْهَا، وَأُعَاقِبُ عَلَيْهَا، بَلْ كَانَ يَقُولُ إنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَهَا وَنَهَى عَنْهَا. قَالُوا: وَلَوْ صَحّ لَمْ تُفْعَلْ عَلَى عَهْدِ الصّدّيقِ وَهُوَ عَهْدُ خِلَافَةِ النّبُوّةِ حَقّا. وَالطّائِفَةُ الثّانِيَةُ رَأَتْ صِحّةَ حَدِيثِ سَبْرَةَ وَلَوْ لَمْ يَصِحّ فَقَدْ صَحّ حَدِيثُ عَلِيّ رَضِي اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَ مُتْعَةَ النّسَاءِ فَوَجَبَ حَمْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ عَلَى أَنّ الّذِي أَخْبَرَ عَنْهَا بِفِعْلِهَا لَمْ يَبْلُغْهُ التّحْرِيمُ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ اشْتَهَرَ حَتّى كَانَ زَمَنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلَمّا وَقَعَ فِيهَا النّزَاعُ ظَهَرَ تَحْرِيمُهَا وَاشْتَهَرَ وَبِهَذَا تَأْتَلِفُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهَا. وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ. اهـ.

.قال الجصاص:

بَابٌ الْمُتْعَةُ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ إبَاحَةِ نِكَاحِ مَا وَرَاءَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ثُمَّ قَالَ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} يَعْنِي: دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} كَامِلَةً، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وقَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}.
وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ الِانْتِفَاعُ، وَهُوَ هاهنا كِنَايَةٌ عَنْ الدُّخُولِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} يَعْنِي تَعَجَّلْتُمْ الِانْتِفَاعَ بِهَا، وَقَالَ: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ} يَعْنِي: بِحَظِّكُمْ وَنَصِيبِكُمْ مِنْ الدُّنْيَا؛ فَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ ذُكِرَ تَحْرِيمُهُ فِي قَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} وَعَنَى بِهِ نِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} اقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَةَ النِّكَاحِ فِيمَنْ عَدَا الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ قَالَ: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: نِكَاحًا تَكُونُوا بِهِ مُحْصِنِينَ عَفَائِفَ {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ حُكْمَ النِّكَاحِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ بِقَوْلِهِ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَأَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ كَمَالَ الْمَهْرِ.
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَهْرَ أَجْرًا فِي قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَسَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا، وَكَذَلِكَ الْأُجُورُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الْمُهُورُ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَهْرُ أَجْرًا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْأَعْيَانِ، كَمَا سُمِّيَ بَدَلُ مَنَافِعِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ أَجْرًا.
وَفِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ الْمَهْرَ أَجْرًا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً فَزَنَى بِهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا، فَهُوَ كَمَنْ قَالَ: أُمْهِرُك كَذَا؛ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ نِكَاحًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ؛ وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَتَأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} عَلَى مُتْعَةِ النِّسَاءِ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ فِيهَا أَقَاوِيلُ، رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ الْآيَةَ عَلَى إبَاحَةِ الْمُتْعَةِ.
وَيُرْوَى أَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ إنَّهُ قَدْ قِيلَ فِيهَا الْأَشْعَارُ قَالَ: هِيَ كَالْمُضْطَرِّ إلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَأَبَاحَهَا فِي هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَزَلَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَقَوْلِهِ فِي الْمُتْعَةِ.