فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ سَنَدُهُ فِي بَابِ الْمُتْعَةِ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لَرَسُولِهِ مَا شَاءَ فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَاتَّقُوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ؛ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ إلَّا رَجَمْته.
فَأَخْبَرَ عُمَرُ أَنَّ النِّكَاحَ إلَى أَجَلٍ هُوَ مُتْعَةٌ؛ وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الِاسْمُ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُتْعَةِ انْتَظَمَ ذَلِكَ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ لَدُخُولِهِ تَحْتَ الِاسْمِ.
وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الْمُتْعَةُ اسْمًا لِلنَّفْعِ الْقَلِيلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} يَعْنِي نَفْعًا قَلِيلًا، وَسَمَّى الْوَاجِبَ بَعْدَ الطَّلَاقِ مُتْعَةً بِقَوْلِهِ: {فَمَتِّعُوهُنَّ}، وَقَالَ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْمَهْرِ، عَلِمْنَا أَنَّ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُتْعَةِ أَوْ الْمَتَاعِ فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ التَّقْلِيلُ وَأَنَّهُ نَزْرٌ يَسِيرٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَيُوجِبُهُ، فَسُمِّي مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَاقِ مِمَّا لَا يُوجَبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مَتَاعًا وَمُتْعَةً لَقِلَّتِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَهْرِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ.
وَسُمِّيَ النِّكَاحُ الْمُوَقَّتُ مُتْعَةً لِقِصَرِ مُدَّتِهِ وَقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ مِنْ بَقَائِهِ مُؤَبَّدًا إلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ أَوْ سَبَبٌ حَادِثٌ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ عَلَى ذَلِكَ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتْعَةِ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ أَوْ بِلَفْظِ النِّكَاحِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُوَقَّتًا لِأَنَّ اسْمَ الْمُتْعَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا.
وَأَيْضًا لَا يَخْلُو الْعَاقِدُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَى عَشْرَةٍ أَيَّامٍ مِنْ أَنْ يَجْعَلَهُ مُوَقَّتًا عَلَى مَا شَرَطَ أَوْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ وَيَجْعَلَهُ مُؤَبَّدًا؛ فَإِنْ جَعَلَهُ مُوَقَّتًا كَانَ مُتْعَةً بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ جَعَلَهُ مُؤَبَّدًا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ بُضْعَهَا بِلَا عَقْدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ أَوْ قَالَ: قَدْ اشْتَرَيْت مِنْك عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَنَّ الْعَقْدَ وَاقِعٌ عَلَى عَشْرَةِ أَقْفِزَةٍ دُونَ مَا عَدَاهَا؟ فَكَذَلِكَ إذَا عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدُ نِكَاحٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِبَاحَةُ بُضْعِهَا فِيهِ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُوَقَّتًا فَيَكُونُ صَرِيحَ الْمُتْعَةِ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ إفْسَادُ الْعَقْدِ.
وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُطَلِّقَك بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَيَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ النِّكَاحَ مُؤَبَّدًا وَشَرَطَ فِيهِ قَطْعَهُ بِالطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطَلِّقْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا؟ فَعَلِمْت أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ قَطْعَهُ بِالطَّلَاقِ، وَذَلِكَ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَالنِّكَاحُ لَا تُفْسِدُهُ الشُّرُوطُ، فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَجُوزُ الْعَقْدُ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَشْرَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ كَانَ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَ عَلَيْهَا عَقْدٌ، وَلَوْ سَكَنَهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ كَانَ غَاصِبًا سَاكِنًا لَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعَقْدِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنْ أَفْسَخَ الْعَقْدَ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً مُؤَبَّدَةً مَا سَكَنَ مِنْهَا مِنْ الْمُدَّةِ فِي الْعَشَرَةِ وَبَعْدَ هَا يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؟ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ إذَا عُقِدَ عَلَى عَشْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَى مَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ عَقْدٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ. كَانَ النِّكَاحُ مُوَقَّتًا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بَعْدَ مُضِيِّ الْعَشَرَةِ.
قِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا نِكَاحًا مُوَقَّتًا بَلْ هُوَ مُؤَبَّدٌ، وَإِنَّمَا قَطَعَهُ بِالطَّلَاقِ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ مَعَ الْعَقْدِ وَإِيقَاعِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ وَقَعَ بَدِيًّا مُؤَبَّدًا، وَإِنَّمَا أَوْقَعَ طَلَاقًا لَوَقْتٍ مُسْتَقْبِلٍ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَوْقِيتَ الْعَقْدِ.
قَوْله تَعَالَى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} مَعْنَاهُ الْمُهُورُ، فَسَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَهْرُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِمَنْ كَانَ مُحْصَنًا بِالنِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}، فَذَكَرَ الْإِحْصَانَ عَقِيبَ ذِكْرِ النِّكَاحِ وَسَمَّى الْمَهْرَ أَجْرًا.
وَقَوْلُهُ: {فَرِيضَةً} تَأْكِيدٌ لَوُجُوبِهِ وَإِسْقَاطٌ لِلظَّنِّ وَتَوَهُّمِ التَّأْوِيلِ فِيهِ؛ إذْ كَانَ الْفَرْضُ مَا هُوَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيجَابِ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ.

.قال الماوردي:

بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالْمُحَلِّلِ، مِنَ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَمِنَ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَمِنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَأَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ (قَالَ) وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ ثَابِتًا فَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَلَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ثُمَّ قَالَ: «هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (قَالَ) وَفِي الْقَرْآنِ وَالسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فَلَمْ يُحَرِّمْهُنَ اللَّهُ عَلَى الْأَزْوَاجِ إِلَّا بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} فَجَعَلَ إِلَى الْأَزْوَاجِ فُرْقَةَ مَنْ عَقَدُوا عَلَيْهِ النِّكَاحَ مَعَ أَحْكَامِ مَا بَيْنَ الْأَزْوَاجِ، فَكَانَ بَيِّنًا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: لِأَنَّهُ إِلَى مُدَّةٍ، ثُمَّ نَجِدُهُ يَنْفَسِخُ بِلَا إِحْدَاثِ طَلَاقٍ فِيهِ، وَلَا فِيهِ أَحْكَامُ الْأَزْوَاجِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْمَرْأَةِ: أَمْتِعِينِي نَفْسَكِ شَهْرًا، أَوْ مَوْسِمَ الْحَجِّ، أَوْ مَا أَقَمْتُ فِي الْبَلَدِ، أَوْ يَذْكُرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ لَهَا، أَوْ لِوَلِيِّهَا بَعْدَ أَنْ يُقَدِّرَهُ بِمُدَّةٍ، إِمَّا مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً، فَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ صورته الْحَرَامُ. وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وِالْفُقَهَاءِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْإِمَامِيَّةِ رَأْيُهُمْ فِيهِ جَوَازًا: اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاءِ: 3]. فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْمُتْعَةِ الْمُقَدَّرَةِ وَالنِّكَاحِ الْمُؤَبَّدِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النِّسَاءِ: 24]. وَهَذَا أَبْلَغُ فِي النَّصِّ. وَرَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَقُولُ: إِنِ اللَّهَ قَدْ آذَنَ لَكُمْ فَاسْتَمْتِعُوا. وَهَذَا نَصٌّ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخُطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا: مُتْعَةُ النِّسَاءِ، وَمُتْعَةُ الْحَجِّ. فَأَخْبَرَ بِإِبَاحَتِهِمَا عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ثَبَتَ إِبَاحَتُهُ بِالشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْرِيمُهُ بِالِاجْتِهَادِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مَنْفَعَةٍ، فَصَحَّ تَقْدِيرُهُ بِمُدَّةٍ كَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إِبَاحَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ إِلَى التَّحْرِيمِ إِلَّا بِالْإِجْمَاعِ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلَيِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 5، 6] وَلَيْسَتْ هَذِهِ زَوْجَتَهُ، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَلُومًا، ثُمَّ قَالَ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 7]. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَادِيًا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ مَعَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ، مَا رَوَاهُ أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: «اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ»، وَالِاسْتِمْتَاعُ يَوْمَئِذٍ عِنْدَنَا النِّكَاحُ، فَكَلَّمَ النِّسَاءَ مَنْ كَلَّمَهُنَّ فَقُلْنَ لَا يَنْكِحُ الْأَنْبِيَاءُ، وَنَبِيُّكُمْ أَجَلُّ. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اضْرِبُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ أَجَلًا، فَخَرَجْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَيَّ بُرْدٌ، وَبُرْدُهُ أَجْوَدُ مِنْ بُرْدِي، وَأَنَا أَشَبُّ مِنْهُ فَأَتَيْنَا امْرَأَةً فَأَعْجَبَهَا بُرْدَهُ وَأَعْجَبَهَا شَبَابِي، فَقَالَتْ: بُرْدٌ كَبُرْدٍ فَكَانَ الْأَجَلُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَشْرًا، فَبِتُّ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ غَدَوْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالرُّكْنِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا». وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَلَمَّا أُنْزِلَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ. وَرَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ ثَلَاثًا ثُمَّ حَرَّمَهَا. وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَعَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَمَا كُنَّا مُسَافِحِينَ. وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَنَزَلْنَا عِنْدَ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَصَابِيحَ وَنِسَاءً يَبْكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَرَّمَ الْمُتْعَةَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ.
وَحُكِيَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَحْلَلْتَ الْمُتْعَةَ، وَقَدْ حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: يَا يَحْيَى إِنَّ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ حَدِيثٌ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ أَعْرَابِيٌّ يَبُولُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَلَا أَقُولُ بِهِ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَاهُنَا حَدِيثٌ آخَرُ. فَقَالَ: هَاتِهِ يَا يَحْيَى، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ مَنْ: قَالَ يَحْيَى: عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: كَانَ أَبِي يُبَجِّلُهُ، هَيَّا، فَقَالَ يَحْيَى: عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: كَانَ ثِقَةً فِي حَدِيثِهِ، وَلَكِنْ كَانَ يَعْمَلُ لِبَنِي أُمَيَّةَ هَيَّا، فَقَالَ يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنِيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: فَفَكَّرَ الْمَأْمُونُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمَا يَقُولُ بِالْوَعِيدِ، وَالْآخَرُ بِالْإِرْجَاءِ، (هَيَّا) قَالَ يَحْيَى: عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: هَيَّا، قَالَ يَحْيَى: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: هَيَّا، قَالَ يَحْيَى: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَامَ خَيْبَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: يَا غُلَامُ ارْكَبْ، فَنَادِ أَنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِهِمَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَامَ خَيْبَرَ، وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَامَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا عَنْهُ حَرَّمَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَيْنَ كُلِّ وَقْتٍ وَوَقْتٍ زَمَانٌ مُمْتَدٌّ، فَفِيهِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَحْرِيمٌ كَرَّرَهُ فِي مَوَاضِعَ لِيَكُونَ أَظْهَرَ وَأَنْشَرَ حَتَّى يَعْلَمَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَحْضُرُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي التَّحْرِيمِ وَأَوْكَدَ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا، فَحُرِّمَتْ عَامَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أَبَاحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ: لِمَصْلَحَةٍ عَلِمَهَا، ثُمَّ حَرَّمَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهَا: «وَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنَ التَّحْرِيمِ الْمُتَقَدِّمِ مُوَقَّتٌ تَعَقَّبَتْهُ إِبَاحَةٌ، وَهَذَا تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ لَا تَتَعَقَّبُهُ إِبَاحَةٌ، وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا السِّفَاحَ نَفْسَهُ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: الْمُتْعَةُ هِيَ الزِّنَا الصَّرِيحُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ خَالَفَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَعَ خِلَافِهِ لَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ إِبَاحَتِهَا، وَأَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا، وَنَاظَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَيْهَا مُنَاظَرَةً مَشْهُورَةً، وَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ، قَالَ: وَمَا هُوَ يَا عُرْوَةُ، قَالَ: تُفْتِي بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ يَنْهَيَانِ عَنْهَا، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِنْكَ، أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُخْبِرُنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: إِنَّهُمَا أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْكَ فَسَكَتَ.
وَرَوَى الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِيمَا صَنَعَتْ نَفْسُكَ فِي الْمُتْعَةِ حَتَّى صَارَتْ بِهِ الرِّكَابُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَقُولُ لِلشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسْ يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي بَيْضَاءَ بَهْكَنَةٍ تَكُونُ مَثْوَاكَ حَتَى يُصْدِرَ النَّاسْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا إِلَى هَذَا ذَهَبْتُ، وَقَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَحِلُّ لَكُمْ إِلَّا مَا تَحِلُّ لَكُمُ الْمَيَّتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، يَعْنِي إِذَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا فَصَارَ الْإِجْمَاعُ بِرُجُوعِهِ مُنْعَقِدًا وَالْخِلَافُ بِهِ مُرْتَفِعًا، وَانْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ ظُهُورِ الْخِلَافِ أَوْكَدُ: لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُجَّةٍ قَاطِعَةٍ وَدَلِيلٍ قَاهِرٍ. وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ حَلَّ عَقْدٌ جَازَ مُطْلَقًا، فَبَطَلَ مُؤَقَّتًا كَالْبَيْعِ طَرْدًا وَالْإِجَارَةِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ لِلنِّكَاحِ أَحْكَامًا تَتَعَلَّقُ بِصِحَّتِهَا، وَيَنْتَفِي عَنْ فَاسِدِهَا، وَهِيَ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ، وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ، فَلَمَّا انْتَفَتْ عَنِ الْمُتْعَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ دَلَّ عَلَى فَسَادِهِ كَسَائِرِ الْمَنَاكِحِ الْفَاسِدَةِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاءِ: 3] فَهُوَ أَنَّ الْمُتْعَةَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النِّكَاحِ: لِأَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا اخْتَصَّ بِالدَّوَامِ: لِذَلِكَ قِيلَ: قَدِ اسْتَنْكَحَهُ الْمَدَى لِمَنْ دَامَ بِهِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمُتْعَةُ الْمُؤَقَّتَةُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَامًّا لَخُصَّ بِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النِّسَاءِ: 24] فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ رَوَيَا أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْمِيرَاثِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ فِي النِّكَاحِ، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يَعْنِي بِهِ الْمَهْرَ دُونَ الْعَقْدِ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، فَالْإِبَاحَةُ فِيهِ مَنْسُوخَةٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ مِنَ التَّحْرِيمِ الْوَارِدِ بَعْدَهُ. وَأَمَّا تَفَرُّدُ عُمَرَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا فَمَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَإِنَّمَا كَانَ إِمَامًا فَاخْتَصَّ بِالْإِعْلَانِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يُقْدِمُ عَلَى تَحْرِيمٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَكَانُوا قَدْ أَقْدَمُوا عَلَيْهِ يُمْسِكُونَ عَنْهُ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا تُغَالُوا فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ، فَلَوْ كَانَتْ تَكْرُمَةً لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَاكُمْ بِهَا، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَعْطَانَا اللَّهُ وَيَمْنَعُنَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمْرُ: وَأَيْنَ أَعْطَاكُنَّ؟ فَقَالَتْ: بِقَوْلِهِ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النِّسَاءِ: 20] فَقَالَ عُمَرُ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى امْرَأَةٌ.