فصل: قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة البقرة:
مدنية مائتا آية وثمانون وخمس آيات في المدني والشامي والمكي وست في الكوفي وسبع في البصري وكلمها ستة آلاف كلمة ومائة وإحدى وعشرون كلمة وحروفها خمسة وعشرون ألف حرف وخمسمائة حرف وفيها مما يشبه رءوس الآي وليس معدودًا منها بإجماع اثنا عشر موضعًا ماله في الآخرة من خلاق وهم يتلون الكتاب فإنما هم في شقاق والأنفس والثمرات في بطونهم إلاَّ النار طعام مسكين من الهدى والفرقان والحرمات قصاص عند المشعر الحرام الخبيث منه تنفقون يسئلونك ماذا ينفقون الأول ولا شهيدًا والمكي يعدها يبنى الوقف على ألم والوصل على اختلاف المعربين في أوائل السور هل هي مبنية أو معربة وعلى أنها معربة عدها الكوفيون آية لأنَّ هذه الحروف إذا وقف عليها كان لها محل من الإعراب وتصير جملة مستقلة بنفسها ففيها ونظائرها ستة أوجه وهي لا محل لها أو لها محل وهو الرفع بالابتداء أو الخبر والنصب بإضمار فعل أو النصب على إسقاط حرف القسم كقوله:
إذا ما الخبر تأدمه بلحم ** فذاك أمانة الله الثريد

وكقوله:
فقالت يمين الله مالك حيلة ** وما أن أرى عنك الغواية تنجلي

وكقوله:
تمرون الديار فلم تعوجوا ** كلامكمو عليّ إذًا حرام

أو الجر بإضمار حرف القسم أي أنها مقسم بها حذف حرف القسم وبقي عمله نحو الله لأفعلن وذلك من خصائص الجلالة فقط لا يشركها فيه غيرها.
{ألم} تام إن رفع ذلك بهدى أو هدى به أو رفع بما عاد من الهاء المتصلة بفي أو رفع بموضع لا ريب فيه كأنك قلت ذلك الكتاب حق بهدى أو رفع ذلك بالكتاب أو الكتاب به أو رفع ذلك بالابتداء والكتاب نعت أو بدل ولا ريب فيه خبر المبتدأ وكاف إن جعلت خبر مبتدأ محذوف أي هذه أو هذه ألم.
وحسن إن نصبت بمحذوف أي إقرأ ألم وليست بوقف إن جعلت على إضمار حرف القسم وأن ذلك الكتاب قد قام مقام جوابها وكأنه قال وحق هذه الحروف إنَّ هذا الكتاب يا محمد هو الكتاب الذي وعدت به على لسان النبيين من قبلك فهي متعلقة بما بعدها لحصول الفائدة فيه فلا تفصل منه لأنَّ القسم لابد له من جواب وجوابه بعده والقسم يفتقر إلى أداة وهنا الكلام عار من أداة القسم وليست ألم وقفًا أيضًا إن جعلت مبتدأ وذلك خبره وكذا لا يكون ألم وقفًا إن جعل ذلك مبتدأ ثانيًا والكتاب خبره والجملة خبر ألم وأغنى الربط باسم الإشارة وفيه نظر من حيث تعدد الخبر وأحدهما جملة لكن الظاهر جوازه كقوله: {فإذا هي حية تسعى} إن جعل تسعى خبرًا وأما إن جعل صفة فلا وإن جعل ألم مبتدأ وذلك مبتدأً ثانيًا والكتاب بدل أو عطف بيان حسن الوقف على الكتاب وليس بوقف إن جعل ذلك مبتدأ خبره لا ريب أو جعل ذلك مبتدأ والكتاب ولا ريب فيه خبر إن له أو جعل لا ريب فيه خيرًا عن المبتدأ الثاني وهو وخبره خبر عن الأول وهكذا يقال في جميع الحروف التي في أوائل السور على القول بأنها معربة وإن محلًا من الإعراب ولا يجوز الوقف على ذلك لأنَّ الكتاب إما بيان لذلك وهو الأصح أو خبر له أو بدل منه فلا يفصل مما قبله.
والوقف على لا قبيح لأنَّ لا صلة لما بعدها مفتقرة إليه، والوقف على {ريب} تام إن رفع هدى بفيه أو بالابتداء وفيه خبره وكاف إن جعل خبر لا محذوفًا فلأنَّ العرب يحذفون خبر لا كثيرًا فيقولون لا مثل زيد أي في البلد وقد يحذفون اسمها ويبقون خبرها يقولون لا عليك أي لا بأس عليك ومذهب سيبويه أنها واسمها في محل رفع بالابتداء ولا عمل لها في الخبر إن كان اسمها مفردًا فإن كان مضافًا أو شبيهًا به فتعمل في الخبر عنده كغيره ومذهب الأخفش أن اسمها في محل رفع الكتاب يتضح المعنى ورد هذا أحمد بن جعفر وقال لابدّ من عائد ويدل على خلاف ذلك قوله تعالى في سورة السجدة: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} لأنَّه لا يوقف على ريب اتفاقًا لأنهم يشترطون لصحة الوقف صحة الوقف على نظير ذلك الموضع وهذا تعسف من جماعة من النحاة أضمروا محلًا متصلًا به خبر لا واكتفى بالمحل لأنَّ خبر لا التبرئة لا يستنكر إضماره في حال نصب الاسم ولا رفعه تقول إن زرتنا فلا براح بالرفع وإن زرتنا فلا براح بنصبه وهم يضمرون في كلا الوجهين وهذا غير بعيد في القياس عندهم ولو ظهر المضمر لقيل لا ريب فيه فيهِ هدى وهذا صحيح في العربية.
والوقف على فيه تام إن رفع هدى بالابتداء خبره محذوف أو رفع بظرف محذوف غير المذكور تقديره فيه فيهِ هدى وكاف إن جعل خبر مبتدأ محذوف أي هو وحسن إن انتصب مصدرًا بفعل محذوف وليس بوقف إن جعل هدىً خبرًا لذلك الكتاب أو حالًا منه أو من الضمير في فيه أي هاديًا أو من ذلك ففي هدى ثمانية أوجه الرفع من أربعة والنصب من أربعة للمتقين تام إن رفعت الذين بالابتداء وفي خبره قولان أحدهما أولئك الأولى والثاني أولئك الثانية والواو زائدة وهذان القولان منكران لأنَّ والذين يؤمنون يمنع كون أولئك الأولى خبرًا ووجود الواو يمنع كون أولئك الثانية خبرًا أيضًا والأولى تقديره محذوفًا أي هم المذكورون وحسن إن نصب الذين بأعني أو أمدح أو أذكر لأنَّ النصب إنما يكون بإضمار فعل فنصبه بالفعل المضمر وهو في النية عند ابتدائك بالمنصوب فلا يكون فاصلًا بين العامل والمعمول لأنَّك إذا ابتدأت بالمعمول فكأنك مبتديء بالعامل معه وتضمره حال ابتدائك بالمعمول وليس المتقين بوقف إن جر الذين صفة لهم أو بدلًا منهم أو عطف بيان لأنه لا يفصل بين النعت والمنعوت ولا بين البدل والمبدل منه لأنهما كالشيء الواحد ومن حيث كونه رأس آية يجوز ففي محل الذين ثلاثة أوجه الجر من ثلاثة وهو كونه صفة للمتقين أو بدلًا منهم أو عطف بيان والنصب من وجه واحد وهو كونه مفعولًا لفعل محذوف والرفع من وجهين كونه خبر المبتدأ محذوف أو مبتدأ والخبر ما ذكرناه فيما تقدم بالغيب والصلاة جائزان والأولى وصلهما لعطف يقيمون الصلاة على يؤمنون.
{ينفقون} تام على استئناف ما بعده وكاف إن جعل الذين الأول منصوبًا على المدح أو مجرورًا على الصفة أو مرفوعًا خبر مبتدأ محذوف أي هم المذكورون فعلى هذه التقديرات الثلاث يكون والذين يؤمنون مستأنفًا جملة مستقلة من مبتدأ وخبر ولا وقف من قوله والذين يؤمنون إلى يوقنون فلا يوقف على أولئك لأنَّ ما الثانية عطف على ما الأولى ولا على من قبلك لأنها عطف على ما قبلها ولا على بالآخرة لأنَّ الباء من صلة يوقنون وموضع بالآخرة نصب بالفعل بعدها وقدم المجرور اعتناءً به أو للفاصلة وتقديم المفعول على الفعل يقطع النظم وتقدير الكلام وهم يوقنون بالآخرة وإن جعل الذين يؤمنون بالغيب مبتدأ والخبر محذوفًا تقديره هم المذكورون والذين الثاني عطفًا على الذين الأول جاز الوقف على من قبلك.
{يوقنون} تام إن جعل أولئك مبتدأ خبره على هدى من ربهم وليس بوقف إن جعل الذين يؤمنون بالغيب مبتدأ خبره أولئك على هدى لفصله بين المبتدأ والخبر ومن حيث كونه رأس آية يجوز من ربهم ليس بوقف منصوص عليه فلا يحسن تعمده فإن وقف عليه واقف جاز قاله العماني.
{المفلحون} تام وجه تمامه أنه انقضاء صفة المتقين وانقطاعه عما بعده لفظًا ومعنى وذلك أعلى درجات التمام وأولئك مبتدأ أول وهم مبتدأ ثان والمفلحون خبر الثاني والجملة خبر الأول ويجوز أن يكون هم فصلًا والخبر المفلحون فيكون من قبيل الإخبار بالمفرد وهو أولى إذ الأصل في الخبر الإفراد ويجوز أن يكون بدلًا من أولئك الثانية أو مبتدأ كما تقدم هذا ما يتعلق بالوقوف وأما ما يتعلق بالرسم العثماني فقد اتفق علماء الرسم على حذف الألف التي بعد الذال التي للإشارة في نحو ذلك وذلكم حيث وقع ومن لكنه ولكن حيث وقع ومن أولئك وأولئكم حيث وقع ورسموا أولئك بزيادة واو قبل اللام قيل للفرق بينها وبين إليك جارًا ومجرورًا قال أبو عمرو في المقنع كل ما في القرآن من ذكر الكتاب وكتاب معرفًا ومنكرًا فهو بغير ألف إلاَّ أربعة مواضع فإنها كتبت بالألف أولها في الرعد لكل أجل كتاب وفي الحجر إلاَّ ولها كتاب معلوم وهو الثاني فيها وفي الكهف من كتاب ربك وهو الثاني منها وفي النمل تلك آيات القرآن وكتاب مبين ورسموا الألف واوًا في الصلاة والزكاة والحياة ومناة حيث وقعت لأنهم يرسمون ما لا يتلفظ به لحكم ذكروها علمها من علمها وجهلها من جهلها فلا يسئل عنها ولذا قالوا خطان لا يقاس عليهما خط المصحف الإمام وخط العروض كما يأتي التنبيه على ذلك في محله قال مجاهد أربع آيات من أول البقرة في صفة المؤمنين والمفلحون آخرها وآيتان في نعت الكفار وعظيم آخرهما.
وفي المنافقين ثلاث عشرة آية كلها متصل بعضها ببعض وقدير آخرها إنَّ حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر {الذين} اسمها و{كفروا} صلة وعائد ولا يؤمنون خبر إن وما بينهما جملة معترضة بين اسم إن وخبرها.
فعلى هذا الوقف على {لا يؤمنون} تام وإن جعلت سواء خبر إن كان الوقف عل أم لم تنذرهم تامًا أيضًا لأنك أتيت بإن واسمها وخبرها كأنه قال لا يؤمنون أأنذرتهم أم لم تنذرهم فإن قلت إذا جعلت لا يؤمنون خبر إن فقد عم جميع الكفار وأخبر عنهم على وجه العموم أنهم لا يؤمنون قيل الآية نزلت في قوم بأعيانهم وقيل عامة نزلت في جميع الكفار كأنه سلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن أخبر عنهم أن جميعهم لا يؤمنون وإن بذل لهم نصحه ولم يسلم من المنافقين أحد إلاَّ رجلان وكان مغموصًا عليهما في دينهما أحدهما أبو سفيان والثاني الحكم بن العاصي وإن جعلت سواء مبتدأ وأنذرتهم وما بعده في قوة التأويل بمفرد خبرًا والتقدير سواء عليهم الإنذار وعدمه كان كافيًا.
{أأنذرتهم} ليس بوقف لأنَّ أم لم تنذرهم عطف عليه لأنَّ ما قبل أم المتصلة وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر وهما بمنزلة حرف واحد وقيل الوقف على تنذرهم ثم يبتديء هم لا يؤمنون على أنها جملة من مبتدأ وخبر وهذا ينبغي أن يرد ولا يلتفت إليه وإن كان قد نقله الهذلي في الوقف والابتداء ومفعول أأنذرتهم الثاني محذوف تقديره العذاب على كفرهم وإن لم تجعل لا يؤمنون خبر إن كان الوقف على أم لم تنذرهم ويكون ختم حالًا متعلقًا بلا يؤمنون أي لا يؤمنون خاتمًا الله على قلوبهم قاله العماني أي لأنَّ ختم متعلق بالأول من جهة المعنى وإن جعلته استئنافًا فادعاء عليهم ولم تنو الحال كان الوقف على لا يؤمنون تامًا.
{على قلوبهم} صالح إن قدرت الختم على القلوب خاصة وإن قدرته بمعنى وختم على سمعهم أيضًا لم يكن على قلوبهم وقفًا لأنَّ الثاني معطوف على الأول فإن قيل إذا كان الثاني معطوفًا على الأول فلم أعيد حرف الجر فالجواب إن إعادة الحرف لمعنى المبالغة في الوعيد أو أنَّ المعنى وختم على سمعهم فحذف الفعل وقام الحرف مقامه.
{وعلى سمعهم} تام إن رفعت غشاوة بالابتداء أو بالظرف أي ترفع غشاوة بالفعل المضمر قبل الظرف لأنَّ الظرف لابد له أن يتعلق بفعل إما ظاهر أو مضمر فإذا قلت في الدار كأنك قلت استقر في الدار زيد وقال الأخفش والفراء إن معنى الختم قد انقطع ثم استأنف فقال وعلى أبصارهم غشاوة وكرر لفظ على ليشعر بتغاير الختمين وهو إن ختم القلوب غير ختم الأسماع وقد فرق النحويون بين مررت بزيد وعمرو وبين مررت بزيد وبعمرو فقالوا في الأول وهو مرور واحد وفي الثاني هما مروران وقرأ عاصم وأبو رجاء العطاردي غشاوة بالنصب بفعل مضمر أي وجعل على أبصارهم غشاوة فلا يرون الحق فحذف الفعل لأنَّ ما قبله يدل عليه كقوله:
يا ليت زوجك قد غدا ** متقلدًا سيفًا ورمحًا

أي وحاملًا رمحًا لأنَّ التقليد لا يقع على الرمح كما أنَّ الختم لا يقع على العين وعلى هذا يسوغ الوقف على سمعهم أو على إسقاط حرف الجر ويكون وعلى أبصارهم معطوفًا على ما قبله أي ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم بغشاوة فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إليه فانتصب كقوله:
تمرون الديار فلم تعوجوا ** كلامكموا عليّ إذًا حرام

أي تمرون بالديار وقال الفراء أنشدني بعض بني أسد يصف فرسه.
علفتها تبنًا وماءً باردًا ** حتى غدت همالة عيناها

فعلى هذا لا يوقف على سمعهم لتعلق آخر الكلام بأوله وقال آخر:
إذا مالغانيات برزن يومًا ** وزججن الحواجب والعيونا

والعيون لا تزجج وإنما تكحل أراد وكحلن العيون فجوازًا إضمار الفعل الثاني وإعماله مع الإضمار في الأبيات المذكورة لدلالة الفعل الأول عليه غشاوة حسن سواءً قرأ: {غشاوة} بالرفع أو بالنصب {عظيم} تام لأنه آخر قصة الكفار ورسموا أنذرتهم بألف واحدة كما ترى وكذا جميع ما وقع من كل استفهام فيه ألفان أو ثلاثة اكتفاء بألف واحدة كراهة اجتماع صورتين متفقتين نحو أأمنتم أأنت قلت للناس وقالوا أآلهتنا خير ورسموا وعلى أبصارهم بحذف الألف التي بعد الصاد وحذفوا الألف التي بعد الشين في غشاوة ولا وقف من قوله ومن الناس إلى قوله بمؤمنين فلا يوقف على آمنا بالله ولا على وباليوم الآخر لأنَّ الله أراد أن يعلمنا أحوال المنافقين إنهم يظهرون خلاف ما يبطنون والآية دلت على نفى الإيمان عنهم فلو وقفنا على وباليوم الآخر لكنا مخبرين عنهم بالإيمان وهو خلاف ما تقتضيه الآية وإنما أراد تعالى أن يعلمنا نفاقهم وإن إظهارهم للإيمان لا حقيقة له.
{بمؤمنين} تام إن جعل ما بعده استئنافًا بيانيًا كأنَّ قائلًا يقول ما بالهم قالوا آمنا ويظهرون الإيمان وما هم بمؤمنين فقيل يخادعون الله وليس بوقف إن جعلت الجملة بدلًا من الجملة الواقعة صلة لمن وهي يقول وتكون من بدل الاشتمال لأنَّ قولهم مشتمل على الخداع أو حال من ضمير يقول ولا يجوز أن يكون يخادعون في محل جر صفة لمؤمنين لأنَّ ذلك يوجب نفي خداعهم والمعنى على إثبات الخداع لهم ونفي الإيمان عنهم أي وما هم بمؤمنين مخادعين وكل من الحال والصفة قيد يتسلط النفي عليه وعليهما فليس بوقف ومن حيث كونه رأس آية يجوز.
{والذين آمنوا} حسن لعطف الجملتين المتفقتين مع ابتداء النفي ومن قرأ وما يخدعون بغير ألف بعد الخاء كان أحسن وقرأ أبو طالوت عبد السلام بن شداد وما يخدعون إلاَّ أنفسهم بضم الياء وسكون الخاء ورفع أنفسهم بدلًا من الضمير في يخدعون كأنه قال وما يخدع إلاَّ أنفسهم أو بفعل مضمر كأنه قال وما يخدعون إلا تخدعهم أنفسهم ولا يجوز الوقف على أنفسهم لأنَّ ما بعد هم جملة حالية من فاعل وما يخادعون أي وما يخادعون إلاَّ أنفسهم غير شاعرين بذلك إذ لو شعروا بذلك ما خادعوا الله ورسوله والمؤمنين وحذف مفعول يشعرون للعلم به أي وما يشعرون وبال خداعهم.
{وما يشعرون} كاف رسموا يخدعون في الموضعين بغير ألف بعد الخاء كما ترى {في قلوبهم مرض} صالح وقول ابن الأنباري حسن ليس بحسن لتعلق ما بعده به لأنَّ الفاء للجزاء فهو توكيد.
{مرضًا} كاف لعطف الجملتين المختلفتين.
{أليم} ليس بوقف لأنَّ قوله بما متعلقة بالموصوف.
{يكذبون} كاف ولا وقف إلى مصلحون فلا يوقف على تفسدوا لأنَّ في الأرض ظرف للفساد ولا على في الأرض لأنَّ قالوا جواب إذا ولا على قالوا لأنَّ إنما نحن حكاية.
{مصلحون} كاف لفصله بين كلام المنافقين وكلام الله عز وجل في الرد عليهم.
{المفسدون} ليس بوقف لشدة تعلقه بما بعده عطفًا واستدراكًا.
{لا يشعرون} كاف.
{الناس} ليس بوقف لأنَّ قالوا جواب إذا.
{السفهاء} الأول كاف لحرف التنبيه بعده.
{السفهاء} الثاني ليس بوقف للاستدراك بعده.
{لا يعلمون} أكفى قال أبو جعفر وهذا قريب من الذين قبله من جهة الفصل بين الحكاية عن كلام المنافقين وكلام الله في الرد عليهم.
{قالوا أمنا} ليس بوقف لأنَّ الوقف عليه يوهم غير المعنى المراد ويثبت لهم الإيمان وإنما سموه النطق باللسان إيمانًا وقلوبهم معرضة تورية منهم وإيهامًا والله سبحانه وتعالى أطلع نبيه على حقيقة ضمائرهم وأعلمه أنَّ إظهارهم للإيمان لا حقيقة له وإنه كان استهزاءً منهم.
{إنَّا معكم} ليس بوقف إن جعل ما بعده من بقية القول، وجائز إن جعل في جواب سؤال مقدر تقديره كيف تكونون معنا وأنتم مسالمون أولئك بإظهار تصديقكم فأجابوا إنما نحن مستهزؤن.
{مستهزؤن} كاف وقال أبو حاتم السجستاني لا أحب الابتداء بقوله الله يستهزيء بهم ولا والله خير الماكرين حتى أصله بما قبله قال أبو بكر بن الأنباري ولا معنى لهذا الذي ذكره لأنه يحسن الابتداء بقوله الله يستهزيء بهم على معنى الله يجهلهم ويخطيء فعلهم وإنما فصل الله يستهزيء بهم ولم يعطفه على قالوا لئلاَّ يشاركه في الاختصاص بالظرف فيلزم أن يكون استهزاء الله بهم مختصًا بحال خلوهم إلى شياطينهم وليس الأمر كذلك.
{يستهزيء بهم} صالح ووصله أبين لمعنى المجازاة إذ لا يجوز على الله الاستهزاء وظهور المعنى في قول الله الله يستهزيء بهم مع اتصاله بما قبله يظهر في حال الابتداء بضرب من الاستنباط وفي حال الاتصال يظهر المعنى من فحوى الكلام كذا وجه أبو حاتم وأما وجه الوقف على مستهزؤن أنه معلوم إن الله لا يجوز عليه معنى الاستهزاء فإذا كان ذلك معلومًا عرف منه معنى المجازاة أي يجازيهم جزاء الاستهزاء بهم وقيل معنى الله يستهزيء بهم بجهلهم وبهذا المعنى يكون الوقف على يعمهون كافيًا وعلى الأول يكون تامًا انظر النكزاوي.
{يعمهون} كاف لأنَّ أولئك الذين اشتروا الضلالة منفصل لفظًا لأنه مبتدأ وما بعده الخبر ومتصل معنى لأنه إشارة لمن تقدم ذكرهم بالهدى صالح لأنَّ ما بعده بدون ما قبله مفهوم.
{تجارتهم} أصلح.
{مهتدين} كاف اتفق علماء الرسم على حذف الألف التي بعد اللام من أولئك وأولئكم حيث وقع والألف التي بعد اللام من الضللة والألف التي بعد الجيم من تجرتهم كما ترى.
{نارًا} وكذا ما حوله ليسا بوقف لأنهما من جملة ما ضربه الله مثلًا للمنافقين بالمستوقد نارًا وبأصحاب الصيب والفائدة لا تحصل إلاَّ بجملة المثل.
{ذهب الله بنورهم} كاف على استئناف ما بعده وأن جواب لما محذوف تقديره خمدت وليس بوقف إن جعل هو وما قبله من جملة المثل.
{لا يبصرون} كاف إن رفع ما بعده خبر مبتدأ محذوف أي هم وليس بوقف إن نصب على أنه مفعول ثان لترك وإن نصب على الذم جاز كقوله:
سقوني الخمر ثم تكنفوني ** عداة الله من كذب وزور

فنصب عداة على الذم فمنهم من شبه المنافقين بحال المستوقد ومنهم من شبههم بحال ذرى صيب مطر على أنَّ أو للتفصيل.
{لا يرجعون} صالح وقيل لا يوقف عليه لأنه لا يتم الكلام إلاَّ بما بعده لأنَّ قوله أو كصيب معطوف على كمثل الذي استوقد نارًا أو كمثل أصحاب صيب فأو للتخيير أي أبحناكم أن تشبهوا هؤلاء المنافقين بأحد هذين الشيئين أو بهما معًا وليست للشك لأنه لا يجوز على الله تعالى من السماء ليس بوقف لأنَّ قوله فيه ظلمات ورعد وبرق من صفة الصيب وكذا من الصواعق لأن حذر مفعول لأجله أو منصوب بيجعلون وإن جعل يجعلون خبر مبتدأ محذوف أي هم يجعلون حسن الوقف على برق.
{حذر الموت} حسن وقيل كاف.
{بالكافرين} أكفى اتفق علماء الرسم على حذف الألف التي بعد الميم من ظلمت وما شاكله من جمع المؤنث السالم وحذفوا الألف التي بعد الصاد من أصبهم والتي بعد الكاف من الكافرين وما كان مثله من الجمع المذكر السالم كالصلحين والقنتين ما لم يجيء بعد الألف همزة أو حرف مشدد نحو السائلين والضالين فتثبت الألف في ذلك اتفاقا.
{أبصارهم} حسن.
{كلما} وردت في القرآن على ثلاثة أقسام قسم مقطوع اتفاقًا من غير خلاف وهو قوله تعالى: {من كل ما سألتموه} وقسم مختلف فيه وهو كلما ردوا إلى الفتنة وكلما دخلت أمة وكلما جاء أمة رسولها وكلما ألقي فيها فوج وما هو موصول من غير خلاف وهو {كلما أضاء لهم مشوا فيه} مشوا فيه ليس بوقف لمقابلة ما بعده له فلا يفصل بينهما.
{قاموا} حسن وقال أبو عمرو كاف.
و{أبصارهم} كاف للابتداء بإن.
{قدير} تام باتفاق لأنه آخر قصة المنافقين.
{اعبدوا ربكم} كاف إن جعل الذي مبتدأ وخبره الذي جعل لكم الأرض أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي وحسن إن نصب بمقدر وليس بوقف إن جعل نعتًا لربكم أو بدلًا منه أو عطف بيان.
خلقكم ليس بوقف لأنَّ والذين من قبلكم معطوف على الكاف وإن جعل الذي جعل لكم الثاني منصوبًا بتتقون كان الوقف على والذين من قبلكم حسنًا وكان الوقف لعلكم تتقون ليس بوقف لفصله بين البدل والمبدل منه وهما كالشيء الواحد ومن حيث كونه رأس أية يجوز الذي جعل لكم الأرض يحتمل الذي النصب والرفع فالنصب من خمسة أوجه نصبه على القطع أو نعت لربكم أو بدل منه أو مفعول تتقون أو نعت النعت أي الموصول الأول والرفع من وجهين أحدهما أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي أو مبتدأ خبره فلا تجعلوا فإن جعل الذي جعل لكم خبرًا عن الذي الأول أو نعتًا لربكم أو بدلًا من الأول أو نعتًا لم يوقف على تتقون وإن جعل الثاني خبر مبتدأ محذوف أو في موضع نصب بفعل محذوف كان الوقف كافيًا.
{والسماء بناءً} حسن إن جعل ما بعده مستأنفًا وليس بوقف إن عطف على ما قبله وداخلًا في صلة الذي جعل لكم فلا يفصل بين الصلة والموصول.
{رزقًا لكم} صالح وليس بحسن لأنَّ ما بعده متعلق بما قبله.
{أندادًا} ليس بوقف لأنَّ جملة وأنتم تعلمون حال وحذف مفعول تعلمون أي {وأنتم تعلمون} أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.
{وأنتم تعلمون} كاف.
{من مثله} جائز وليس بوقف إن عطف وادعوا على فأتوا بسورة.
{صادقين} كاف.
{ولن تفعلوا} ليس بوقف لأنَّ فاتقوا جواب الشرط وقوله ولن تفعلوا معترضة بين الشرط وجزائه وحذف مفعول لم تفعلوا ولن تفعلوا اختصارًا والتقدير فإن لم تفعلوا الإتيان بسورة من مثله ولن تفعلوا الإتيان بسورة من مثله والوقف على النار لا يجوز لأن التي صفة لها.
{الناس} صالح لما ورد أنَّ أهل النار إذا اشتد أمرهم يبكون ويشكون فتنشأ لهم سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج ويرفعون الرءوس إليها فتمطرهم حجارة كحجارة الزجاج وتزداد النار إيقادًا والتهابًا.
وقيل الوقف على الحجارة حسن إن جعل أعدت مستأنفًا أي هي أعدت قال ابن عباس هي حجارة الكبريت لأنها تزيد على سائر الأحجار بخمس خصال سرعة وقودها وبطء طفئها ونتن ريحها وزرقة لونها وحرارة جمرها.
{للكافرين} تام.
{الأنهار} حسن إن جعلت الجملة بعدها مستأنفة كأنه قيل لما وصفت الجنات ما حالها فقيل كلما رزقوا قالوا فليس لها محل من الإعراب وقيل محلها رفع أي هي كلما وقيل ومحلها نصب على الحال وصاحبها أما الذين آمنوا وأما جنات وجاز ذلك وإن كانت نكرة لأنها تخصصت بالصفة وعلى هذين تكون حالًا مقدرة لأنَّ وقت البشارة بالجنات لم يكونوا مرزوقين ذلك وقيل صفة لجنات أيضًا وعلى كون الجملة حالًا أو صفة لا يكون حسنًا.
رزقًا ليس بوقف لأنَّ قالوا جواب كلما.
من قبل جائز.
{متشابهًا} قال أبو عمرو كاف ومثله مطهرة إن جعل ما بعده مستأنفًا.
{خالدون} تام وكتبوا كلما هنا وكلما أضاء لهم متصلة وحذفوا الألف التي بعد النون من جنت والألف التي بعد الهاء من الأنهر والألف التي بعد الشين من متشبهًا والألف التي بعد الخاء من خلدون كما ترى.
مثلًا ما يبنى الوقف على ما وعدمه على اختلاف القراء والمعربين لما وبعوضة قرئ بعوضة بالرفع والنصب والجر فنصبها من سبعة أوجه كونها منصوبة بفعل محذوف تقديره أعني بعوضة أو صفة لما أو عطف بيان لمثلًا أو بدلًا منه أو مفعولًا بيضرب ومثلًا حال تقدمت عليها أو مفعولًا ثانيًا ليضرب أو منصوبة على إسقاط بين والتقدير ما بين بعوضة فلما حذفت بين أعربت بعوضة كإعرابها أنشد الفراء:
يا أحسن الناس ما قرنًا إلى قدم ** ولا حبال محب واصل يصل

أراد ما بين قرن إلى قدم وعليه لا يصلح الوقف على ما لأنه جعل إعراب بين فيما بعدها ليعلم أنَّ معناها مراد فبعوضة في صلة ما ورفعها أي بعوضة من ثلاثة أوجه كونها خبر المبتدأ محذوف أي ما هي بعوضة أو أنَّ ما استفهامية وبعوضة خبرها أي أيّ شيء بعوضة أو المبتدأ محذوف أي هو بعوضة وجرها من وجه واحد وهي كونها أي بعوضة بدلًا من مثلًا على توهم زيادة الباء والأصل إن الله لا يستحي بضرب مثل بعوضة وهو تعسف ينبو عنه بلاغة القرآن العظيم والوقف يبين المعنى المراد فمن رفع بعوضة على أنها مبتدأ محذوف الخبر أو خبر مبتدأ محذوف كان الوقف على ما تامًا ومن نصبها أي بعوضة بفعل محذوف كان كافيًا لعدم تعلق ما بعدها بما قبلها لفظًا لا معنى وكذلك يكون الوقف على ما كافيًا إذا جعلت ما توكيد لأنها إذا جعلت تأكيد لم يوقف على ما قبلها وإما لو نصبت بعوضة على الاتباع لما ونصبت ما على الاتباع لمثلًا فلا يحسن الوقف على ما لأنَّ بعوضة متممة لما كما لو كانت بعوضة صفة لما أو نصبت بدلًا من مثلًا أو كونها على إسقاط الجار أو على أنَّ ما موصولة لأنَّ الجملة بعدها صلتها ولا يوقف على الموصول دون صلته أو أنَّ ما استفهامية وبعوضة خبرها أو جرت بعوضة بدلًا من مثلًا ففي هذه الأوجه السبعة لا يوقف على ما لشدة تعلق ما بعدها بما قبلها وإنما ذكرت هذه الأوجه هنا لنفاستها لأنها مما ينبغي تحصيله وحفظه هذا ما أردناه أثابنا الله على ما قصدناه وهذا الوقف جدير بإن يخص بتأليف.
{فما فوقها} كاف.
{من ربهم} جائز لأنَّ أما الثانية معطوفة على الأولى لأنَّ الجملتين وإن اتفقتا فكلمة أما للتفصيل بين الجمل.
{بهذا مثلًا} كاف على استئناف ما بعده جوابًا من الله للكفار وإن جعل من تتمة الحكاية عنهم كان جائزًا.
{كثيرًا} الثاني حسن وكذا الفاسقين على وجه وذلك أن في الذين الحركات الثلاث الجر من ثلاثة أوجه كونه صفة ذم للفاسقين أو بدلًا منهم أو عطف بيان والنصب من وجه واحد وهو كونه مفعولًا لفعل محذوف والرفع من وجهين كونه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ والخبر جملة أولئك هم الخاسرون فإن رفع بالابتداء كان الوقف على الفاسقين تامًا لعدم تعلق ما بعده بما قبله لا لفظًا ولا معنى وإن رفع خبر مبتدأ أي هم الذين كان كافيًا وإن نصب بتقدير أعني كان حسنًا وليس بوقف إن نصب صفة للفاسقين أو بدلًا منهم أو عطف بيان ومن حيث كونه رأس آية يجوز.