فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَرِيضَةً} حالٌ من الأجور بمعنى مفروضةً أو نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي إيتاءً مفروضًا أو مصدرٌ مؤكدٌ أي فُرض ذلك فريضةً أي لهن عليكم {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ} أي لا إثمَ عليكم فيما تراضيتم به من الحط عن المهر أو الإبراءِ منه على طريقة قولِه تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شيء مّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} إثرَ قولِه تعالى: {وَءاتُواْ النساء صدقاتهن} وقوله تعالى: {إَّلا أَن يَعْفُونَ} وتعميمُه للزيادة على المسمى لا يساعدُه رفعُ الجُناحِ عن الرجال لأنها ليست مَظِنةَ الجُناحِ إلا أن يُجعلَ الخِطابُ للأزواج تغليبًا فإن أخذَ الزيادةِ على المسمّى مظِنةُ الجُناحِ على الزوجة، وقيل: فيما تراضيتم به من نفقة ونحوِها، وقيل: من مقام أو فِراقٍ، ولا يساعدُه قوله تعالى: {مِن بَعْدِ الفريضة} إذ لا تعلقَ لهما بالفريضة إلا أن يكون الفِراقُ بطريق المخالعةِ، وقيل: نزلت في المتعة التي هي النكاحُ إلى وقت معلومٍ من يوم أو أكثرَ، سُمِّيت بذلك لأن الغرضَ منها مجردُ الاستمتاعِ بالمرأة واستمتاعِها بما يُعطى، وقد أبيحت ثلاثةَ أيامٍ حين فُتحت مكةُ شرَّفها الله تعالى ثم نُسخت لما روي أنه عليه السلام أباحها ثم أصبح يقول: «يا أيها الناسُ إني كنتُ أمرتُكم بالاستمتاع من هذه النساءِ ألا أنَّ الله حَرَّمَ ذَلِكَ إلى يومِ القَيامَةِ» وقيل: أُبيح مرتين وحُرِّم مرتين، ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رجَع عن القول بجوازه عند موتِه، وقال: اللهم إني أتوبُ إليك من قولي بالمتعة وقولي في الصرْف {إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا} بمصالح العبادِ {حَكِيمًا} فيما شرَع لهم من الأحكام ولذلك شرَع لكم هذه الأحكامَ اللائقةَ بحالكم. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَالمحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاء إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}.
{وَالمحْصَنَاتُ} أي: وحرمت عليكم المزوجات.
{مِنَ النّسَاء} حرائم وإماء، مسلمات، أوْ لا، لئلا تختلط المياه فيضيع النسب.
{إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: من اللائي سبين ولهن أزواج في دار الكفر، فهن حلال لغزاة المسلمين، وإن كن محصنات، لأن السبي لهن يرفع نكاحهن ويفيد الحل بعد الاستبراء.
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذيّ والنسائي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا من سبي أوطاس، ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فنزلت هذه الآية: {وَالمحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاء إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فاستحللنا فروجهن.
تنبيه:
استدل بعموم الآية من قال: إن انتقال الملك ببيع أو إرث أو غير ذلك يقطع النكاح.
عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها، وعنه: بيع الأمة طلاقها.
وروي ذلك أيضًا عن أُبي بن كعب وجابر وابن عباس رضي الله عنهم قالوا: بيعها طلاقها.
وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: طلاق الأمة ست: بيعها طلاقها، وعتقها طلاقها، وهبتها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طلاقها.
كذا قرأته في تفسير ابن كثير، ولا يخفى أن المعدود خمسة، ولعل السادس بيع زوجها، حيث قال بعد ذلك: وروى عوف عن الحسن بيع الأمة طلاقها وبيعه طلاقها، فهذا قول هؤلاء من السلف.
وحجتهم عموم الاستثناء في قوله تعالى: {إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} والجمهور على أن بيع الأمة ليس طلاقًا لها، واحتجوا بحديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ، وقصتها مشهورة، فلو كان بيع الأمة طلاقها لما خيرت، وتخييرها دال على أن المراد من الآية المسبيات فقط، وبالجملة، فالجمهور قصروا الآية على السبب الذي نزلت فيه.
قال الرازي: وهو يرجع إلى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، أي: وهو مقبول ومعمول به في غير ما موضع، كنصاب السرقة، وفي التنبيه الآتي زيادة لهذا فتأثره.
فائدة:
اتفق القراء على فتح الصاد في: {المحْصَنَاتُ} هنا، ويقرأ بالفتح والكسر في غير هذا الموضع، وكلاهما مشهور، فالفتح على أنهن أُحصنّ بالأزواج أو بالإسلام، والكسر على أنهن أَحصن فروجهن أو أزواجهن، واشتقاق الكلمة من الإحصان وهو المنع.
{كِتَابَ اللّهِ} مصدر مؤكد، أي: كتب الله.
{عَلَيْكُمْ} تحريم هؤلاء كتابًا وفرضه قرضًا، فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده وشرعه.
{وَأُحِلّ لَكُم} عطف على: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ}: {مّا وَرَاء ذَلِكُمْ} إشارة إلى ما ذكر من المحرمات المعدودة، أي: أحل لكم نكاح ما سواهن.
{أَن تَبْتَغُواْ} مفعول له، أي: أحل لكم إرادة أن تبتغوا، أو بدل من (ما) أي: ابتغاء النساء.
{بِأَمْوَالِكُم} أي: يصرفها إلى مهورهن.
{مّحْصِنِينَ} حال من فاعل (تبتغوا)، والإحصان: العفة، وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم.
{غَيْرَ مُسَافِحِينَ} غير زانين، والسفاح الزنى والفجوز، من السفح وهو الصبّ، لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة، وكان أهل الجاهلية، إذا خطب الرجل المرأة، قال: انكحيني، فإذا أراد الزنى قال: سافحيني.
قال الزجاج: المسافحة أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح.
تنبيه:
قوله تعالى: {وَأُحِلّ لَكُم مّا وَرَاء ذَلِكُم}: عام مخصوص بمحرمات أخر دلت عليها دلائل أخر، فمن ذلك، ما صح عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم من النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.
وقد حكى الترمذيّ المنع من ذلك عن كافة أهل العلم، وقال: لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك.
ومن ذلك، نكاح المعتدة، ومن ذلك، أن من كان في نكاحه حرة، لا يجوز له نكاح الأمة.
ومن ذلك، القادر على الحرة لا يجوز له نكاح الأمة.
ومن ذلك، من عنده أربع زوجات لا يجوز له نكاح خامسة.
ومن ذلك، الملاعنة فإنها محرمة على الملاعن أبدًا، فالآية مما نزل عامًا ودلت السنة ومواضع من التنزيل على أنها مخصصة بغيرها.
قال الإمام الشافعيّ في: [الرسالة]:
[244] فرض الله عز وجل على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
[245] فقال في كتابه: {رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلمهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
[250] وقال: {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلمكَ مَا لم تَكُنْ تَعْلم وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
في آيات نظائرها.
قال الشافعيّ:
[252] فذكر الله عز وجل الكتاب وهو القرآن: وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
[253] وهذا يشبه ما قال، والله أعلم.
[254] لأن القرآن ذُكر وأُتبِعَتْهُ الحكمة، وذَكّرَ الله جل ثناؤه مَنّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز، والله أعلم، أن يقال: الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
[255] وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وحتّم على الناس اتباع أمره- فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرضٌ، إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
[256] لما وصفنا من أن الله تعالى جل ثناؤه جعل الإيمان برسوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم مقرونًا بالإيمان به.
[257] وسنة رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم مبينة عن الله عز وجل معنى ما أراد- دليلًا على خاصه وعامه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه، غير رسوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم. انتهى.
وإنما أوردنا هذا تزييفًا لزعم الخوارج أن حديث: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» المرويّ في الصحيحين وغيرهما، خبر واحد، وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز، كما نقله عنهم الرازي، وأورد من حججهم أن عموم الكتاب مقطوع المتن ظاهر الدلالة، وخبر الواحد مظنون المتن ظاهر الدلالة، فكان خبر الواحد أضعف من عموم القرآن، فترجيحه عليه بمقتضى تقديم الأضعف على الأقوى، وأنه لا يجوز. انتهى.
وقد توسع الرازي هنا في الجواب عن شبهتهم، ومما قيل فيه: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها مأخوذ من قوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}.
قال العلامة أبو السعود: ويشترك في هذا الحكم الجمع بين المرأة وعمتها نظائرها، فإن مدار حرمة حرمة الجمع بين الأختين إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله بوصله، وذلك متحقق في الجمع بين هؤلاء، بل أولى.
فإن العمة والخالة بمنزلة الأم، فقوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «لا تنكح المرأة» إلخ، من قبيل بيان التفسير، لا بيان التغيير.
وقيل: هو مشهور يجوز به الزيادة على الكتاب، وقال أيضًا: ولعل إيثار اسم الإشارة يعني في قوله: {مّا وَرَاء ذَلِكُمْ} المتعرض لوصف المشار إليه وعنوانه، على الضمير المتعرض للذات فقط- لتذكير ما في كل واحدة منهن من العنوان الذي عليه يدور حكم الحرمة، فيفهم مشاركة من في معناهن لهن فيها بطريقة الدلالة، فإن حرمة الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، ليست بطريق العبارة، بل بطريق الدلالة، كما سلف. انتهى.
وفي تنوير الاقتباس: ويقال في قوله تعالى: {أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم} أن تطلبوا بأموالكم تزوجهن وهي المتعة، وقد نسخت الآن. انتهى.
وسيأتي الكلام على ذلك.
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنّ} أي: من تمتعتم به من المنكوحات بالجماع.
{فَآتُوهُنّ} فأعطوهن: {أُجُورَهُنّ} مهورهن كاملة.
{فَرِيضَةً} أي: من الله عليكم أن تعطوا المهر تامًا، و: {فَرِيضَةً} حال من الأجور، بمعنى مفروضة، أو نعت لمصدر محذوف، أي: إيتاءً مفروضًا، أو مصدر مؤكد أي: فرض ذلك فريضة.
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} لا حرج عليكم.
{فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ} أنتم وهن: {مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} أي: من حطها أو بعضها أو زيادة عليها بالتراضي.
{إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} فيما شرع من الأحكام.
تنبيه:
حمل قوم الآية على نكاح المتعة، قالوا: معنى وقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنّ} أي: فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن.
قال الحافظ ابن كثير: وَقَدْ اُسْتُدِلّ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نِكَاح الْمُتْعَة، وَلَا شَكّ أَنّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فِي اِبْتِدَاء الْإِسْلَام ثُمّ نُسِخَ بَعْد ذَلِكَ.
وقد رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبّاس وَطَائِفَة مِنْ الصّحَابَة الْقَوْل بِإِبَاحَتِهَا لِلضّرُورَةِ، وَهُوَ رِوَايَة عَنْ الْإِمَام أَحْمَد، وَكَانَ اِبْن عَبّاس وَأُبَيّ بْن كَعْب وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسّدّيّ يَقْرَءُونَ: {فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إِلَى أَجَل مُسَمّى فَآتُوهُنّ أُجُورهنّ فَرِيضَة}.