فصل: من فوائد ابن عاشور في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَالَ مُجَاهِد: نَزَلَتْ فِي نِكَاح الْمُتْعَة، وَلَكِنّ الْجُمْهُور عَلَى خِلَاف ذَلِكَ، وَالْعُمْدَة مَا ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عليّ بْن أَبِي طَالِب قَالَ: «نَهَى رَسُول اللّه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عَنْ نِكَاح الْمُتْعَة وَعَنْ لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيّة يَوْم خَيْبَر».
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ الرّبِيع بْن سَبْرَة الْجُهَنِيّ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ كان مَعَ رَسُول اللّه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فَقَالَ: «يَا أَيّهَا النّاس! إِنّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاع مِنْ النّسَاء، وَإِنّ اللّه قَدْ حَرّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَمَنْ كَانَ عِنْده مِنْهُنّ شَيْء فَلْيُخْلِ سَبِيله، وَلَا تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئًا». انتهى.
وفي [الكشاف]: قيل نزلت هذه الآية في المتعة، كان الرجل نكح المرأة وقتًا معلومًا، ليلة أو ليلتين أو أسبوعًا، بثبوت أو غير ذلك، ويقضي منها وطره ثم يسرحها، وسميت متعة لاستمتاعه بها، أو لتمتيعه لها بما يعطيها.
وقال الخفاجي: روي أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله عنهما: أتدري ما صنعت بفتواك؟ قال: سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر، كقوله:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ** يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟

هل لك في رخصة الأطراف آنسة ** تكون مثواك حتى مصدر الناس؟

فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله! ما بهذا أفتيت ولا أحللت، إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم.
وقال الإمام شمس الدين بن القيم رضوان الله عليه في: [زاد المعاد] في الكلام على ما في غزوة الفتح من الفقه، ما نصه: ومما وقع في هذه الغزوة، إباحةُ مُتعة النساء، ثم حرّمها صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قبلَ خروجه مِن مكة، واخْتُلِفَ في الوقت الذي حُرّمت فيه المُتعة، على أربعة أقوال:
أحدها: أنه يوم خَيْبَر، وهذا قولُ طائفة من العلماء، منهم: الشافعى، وغيره.
والثانى: أنه عامَ فتح مكة، وهذا قولُ ابنِ عيينة، وطائفة.
والثالث: أنه عام حُنَيْن، وهذا في الحقيقة هو القولُ الثانى، لاتصال غزاة حُنَيْن بالفتح.
والرابع: أنه عامَ حَجّةِ الوداع، وهو وهم من بعض الرواة، سافر فيه وهمُه من فتح مكة إلى حَجّةِ الوداع، وسفرُ الوهم مِن زمان إلى زمان، ومِن مكان إلى مكان، ومِن واقعة إلى واقعة، كثيرًا ما يعرض للحُفّاظ فمَن دونهم.
والصحيح: أنّ المُتعة إنماحُرّمت عام الفتح، لأنه قد ثبت في [صحيح مسلم] أنهم استمتعوا عامَ الفتح مع النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بإذنه، ولو كان التحريمُ زمنَ خَيْبَر، لزم النسخُ مرتين، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة البتة، ولا يقعُ مثلُه فيها.
وأيضًا: فإن خَيْبَر لم يكن فيها مسلمات، وإنما كُنّ يهوديات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم تكن ثبتت بعد، إنما أُبِحْنَ بعد ذلك في سورة المائدة بقوله: {اليَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌ لّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، وهذا متصل بقوله: {اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، وبقوله: {اليَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} [المائدة: 3]، وهذا كان في آخِر الأمر بعد حجة الوداع، أو فيها، فلم تكن إباحةُ نساء أهل الكتاب ثابتة من خَيْبَر، ولا كان للمسلمين رغبةٌ في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح، وبعد الفتح استُرِقّ مَن استُرِقّ منهن، وصِرْنَ إماءً للمسلمين.
فإن قيل: فما تصنعون بما ثبت فى: [الصحيحين] من حديث على بن أبى طالب: «أن رسولَ الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم نهى عن مُتعة النساء يوم خَيْبَر، وعن أكْلِ لُحُوم الحُمُر الإنسية» وهذا صحيح صريح؟
قيل: هذا الحديثُ قد صحّت روايتُه بلفظين: هذا أحدُهما.
والثانى: الاقتصار على نهي النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عن نِكاح المُتعة، وعن لُحوم الحُمُر الأهلية يومَ خَيْبَر، هذه رواية ابن عُيينة عن الزهرى.
قال قاسم بن أصبغ: قال سفيان ابن عيينة: يعنى أنه نهى عن لحوم الحُمُر الأهلية زمنَ خَيْبَر، لا عن نكاح المُتعة، ذكره أبو عمر، وفي التمهيد: ثم قال: على هذا أكثرُ الناس انتهى.
فتوهم بعضُ الرواة أن يومَ خَيْبَر ظرفٌ لتحريمهن، فرواه: «حرّم رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم المُتعة زمن خَيْبَر، والحُمُرَ الأهلية»، واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث، فقال: «حرّم رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم المُتعة زمَن خَيْبَر»، فجاء بالغلط البيّن.
فإن قيل: فأى فائدة في الجمع بين التحريمين، إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد، وأين المُتعةُ مِن تحريم الحُمُرِ؟ قيل: هذا الحديثُ رواه على بن أبى طالب رضى الله عنه محتجًا به على ابن عمه عبد الله بن عباس في المسألتين، فإنه كان يُبيح المُتعة ولحوم الحُمُر، فناظره على بن أبى طالب في المسألتين، وروى له التحريمين، وقيّد تحريمَ الحُمُر زمن خَيْبَر، وأطلق تحريمَ المُتعة وقال: إنك امرؤ تائه، إنّ رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم حرّم المُتعة، وحرّم لحوم الحُمُر الأهلية يومَ خَيْبَر، كما قاله سفيانُ بنُ عُيينة، وعليه أكثرُ الناس، فروى الأمرين محتجًا عليه بهما، لا مقيّدًا لهما بيوم خَيْبَر.... والله الموفق.
ولكن هاهنا نظر آخر، وهو أنه: هَلْ حرّمها تحريمَ الفواحش التي لا تُباح بحال، أو حرّمها عند الاستغناء عنها، وأباحها للمضطر؟ هذا هو الذي نظر فيه ابنُ عباس وقال: أنا أبحتُها للمضطر كالميتة والدم، فلما توسّعَ فيها مَنْ توسّع، ولم يقف عند الضرورة، أمسك ابنُ عباس عن الإفتاء بحلّها، ورجع عنه، وقد كان ابنُ مسعود يرى إباحتها ويقرأ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَا أَحَلّ اللهُ لَكُمْ} [المائدة: 87].
ففي الصحيحين عنه قال: كنّا نغزو مع النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وليس لنا نِساء، فقلنا: ألا نختصِي؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوبِ إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَاأَحَلّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إنّ اللهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].
وقراءة عبد الله الآية عقيب هذا الحديث يحتمل أمرين:
أحدهما: الردّ على مَن يُحرّمها، وأنها لو لم تكن مِن الطيبات لما أباحها رسولُ الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
والثانى: أن يكون أراد آخِرَ هذه الآية، وهو الرد على مَن أباحها مطلقًا، وأنه معتد، فإن رسولَ الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم إنما رخّص فيها للضرورة عند الحاجة في الغزو، وعند عدم النساء، وشدة الحاجة إلى المرأة، فمَن رخّص فيها في الحَضَر مع كثرة النساء، وإمكان النكاح المعتاد، فقد اعتدى، والله لا يُحب المعتدين.
فإن قيل: فكيف تصنعون بما روى مسلم في: صحيحه من حديث جابر، وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فقال: إنّ رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قد أذِن لكم أن تستمتعوا، يعني: مُتعة النساء.
قيل: هذا كان زمنَ الفتح قبل التحريم، ثم حرّمها بعد ذلك بدليلِ ما رواه مسلم في صحيحه، عن سلمة بن الأكوع قال: «رخّص لنا رسولُ الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عامَ أوطاسٍ في المُتعة ثلاثًا، ثم نهى عنها».
وعام أوطاس هو وعام الفتح واحد، لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة.
فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله، قال: كنا نستمتع بالقَبْضَةِ مِن التمر والدقيق الأيامَ على عهدِ رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وأبى بكر حتى نهى عنها عُمَرُ في شأن عَمْرو بن حريث.
وفيما ثبت عن عمر أنه قال: مُتعتانِ كانتا على عهدِ رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، أنا أنهى عنهما: مُتعةُ النساءِ ومُتعةُ الحجّ.
قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عُمَر هو الذي حرّمها ونهى عنها، وقد أمر رسولُ الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم باتباع ما سَنّه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سَبْرَة بن مَعْبَد في تحريم المُتعة عامَ الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَة، عن أبيه، عن جده، وقد تكلم فيه ابنُ معين، ولم ير البخاريّ إخراجَ حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلًا من أُصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه أو الاحتجاج به، قالوا: ولو صح حديثُ سَبْرة، لم يخفَ على ابن مسعود حتى يروى أنهم فعلوها، ويحتجّ بالآية.
وقالوا أيضًا: ولو صح لم يقل عُمَر: إنها كانت على عهد رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وأنا أنهى عنها، وأُعاقب عليها، بل كان يقول: إنه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم حرّمها ونهى عنها، قالوا: ولو صح لم تُفعل على عهد الصّدّيق وهو عهدُ خلافة النبوة حقًا.
والطائفة الثانية: رأت صحةَ حديثِ سَبْرَة، ولو لم يصح، فقد صحّ حديثُ على رضي الله عنه: «أنّ رسولَ الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم حرّم مُتعة النساء».
فوجب حملُ حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريمُ، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمنُ عُمَر رضي الله عنه، فلما وقع فيها النزاعُ، ظهر تحريمُها واشتهر، وبهذا تأتَلِفُ الأحاديثُ الواردة فيها.... وبالله التوفيق. انتهى.
هذا، والذين حملوا الآية على بيان حكم النكاح قالوا: المراد من قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ} إلخ، أنه إذا كان المهر مقدارًا بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئًا من المهر، أو تبرئه عنه بالكلية، بالتراضي، كما تقدم وهو كقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] وقوله: {إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النّكَاحِ} [البقرة: من الآية 237].
وقد روى ابن جرير عن حضرمي: أن رجلًا كانوا يقرضون المهر، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة، فقال الله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} إلخ.
يعني إن وضعت لك منه شيئًا فهو لك سائغ.
وأما الذين حملوا الآية على بيان المتعة، قالوا: المراد من نفي الجناح أنه إذا انقضى أجل المتعة لم يبق للرجل على المرأة سبيل البتة، فإن قال لها: زيديني في الأيام وأزيدك في الأجرة- كانت المرأة بالخيار، إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل، فهذا هو المراد من قوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} أي: من بعد المقدار المذكور أولًا من الأجر والأجل، أفاده الرازي.
قال السدي: إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى، يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما، فقال: أتمتع منك أيضًا بكذا وكذا، فإن شاء زاد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة، وهو قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}.
قال السدي: إذا انقضت المدة فليس عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، فلا يرث واحد منهما صاحبه.
قال ابن جرير الطبري: أولى التأويلين في ذلك بالصواب، التأويل الأول: لقيام لحجة بتحريم الله تعالى متعة النساء على رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم. انتهى. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم كتاب الله عَلَيْكُمْ}.
عطف على {وأن تجمعوا} [النساء: 23] والتقدير: وحُرّمت عليكم المحصنات من النساء إلخ.
فهذا الصنف من المحرّمات لعارض نظيرَ الجمع بين الأختين.
والمحصنات بفتح الصاد من أحصنها الرجل إذا حفظها واستقّل بها عن غيره، ويقال: امرأة محصنة بكسر الصاد أحصنت نفسها عن غير زوجها، ولم يقرأ قوله: {والمحصنات} في هذه الآية إلاَّ بالفتح.
ويقال أحصَنَ الرجُلُ فهو محصِن بكسر الصاد لا غير، ولا يقال محصَن: ولذلك لم يقرأ أحد: محصَنين غير مسافحين بفتح الصاد، وقرئ قوله: {ومحصنات} بالفتح والكسر وقوله: {فإذا أحصن} [النساء: 25] بضم الهمزة وكسر الصاد، وبفتح الهمزة وفتح الصاد.