فصل: من فوائد الشنقيطي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختلف العلماء في ثبات علي على إباحتها، وفي رجوعه.
والذي عليه علماؤنا أنّه رجع عن إباحتها.
أمّا عمران بن حصين فثبت على الإباحة.
وكذلك ابن عباس على [الصحيح].
وقال مالك: يُفسخ نكاح المتعة قبل البناء وبعد البناء، وفسخه بغير طلاق، وقيل: بطلاق، ولا حدَّ فيه على الصحيح من المذهب، وأرجح الأقوال أنّها رخصة للمسافر ونحوه من أحوال الضرورات، ووجه مخالفتها للمقصد من النكاح ما فيها من التأجيل.
وللنظر في ذلك مجال.
والذي يُستخلص من مختلف الأخبار أنّ المتعة أذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، ونهى عنها مرتين، والذي يفهم من ذلك أن ليس ذلك بنسخ مكرّر ولكنّه إناطة إباحتها بحال الاضطرار، فاشتبه على الرواة تحقيق عذر الرخصة بأنّه نسخ.
وقد ثبت أنّ الناس استمتعوا في زمن أبي بكر، وعمر، ثم نهى عنها عمر في آخر خلافته.
والذي استخلصناه في حكم نكاح المتعة أنّه جائز عند الضرورة الداعية إلى تأجيل مدّة العصمة، مثل الغربة في سفر أو غزو إذا لم تكن مع الرجل زوجهُ.
ويشترط فيه ما يشترط في النكاح من صداق وإشهاد ووليّ حيث يُشترط، وأنّها تبين منه عند انتهاء الأجل، وأنّها لا ميراث فيها بين الرجل والمرأة، إذا مات أحدهما في مدة الاستمتاع، وأنّ عدّتها حيضة واحدة، وأنّ الأولاد لاَحقون بأبيهم المستمتِع.
وشذّ النحّاس فزعم أنّه لا يلحق الولد بأبيه في نكاح المتعة.
ونحن نرى أنّ هذه الآية بمعزل عن أن تكون نازلة في نكاح المتعة، وليس سياقها سامحا بذلك، ولكنّها صالحة لاندراج المتعة في عموم {ما استمتعتم} فيُرجع في مشروعية نكاح المتعة إلى ما سمعتَ آنفًا. اهـ.

.من فوائد الشنقيطي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ} الآية.
اعلم أولًا أن لفظ المحصنات أطلق في القرآن ثلاثة إطلاقات:
الأول: المحصنات العفائف. ومنه قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: 25] أي عفائف غير زانيات.
الثاني: المحصنات الحرائر. ومنه قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} [النساء: 25] أي على الإماء نصف ما على الحرائر من الجلد.
الثالث: أن يراد بالإحصان التزوج. ومنه على التحقيق قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: 25] الآية- أي: فإذا تزوجن. وقول من قال من العلماء: إن المراد بالإحصان في قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] الإسلام خلاف الظاهر من سياق الآية. لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] الآية.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية ما نصه: والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان هاهنا التزويج. لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} [النساء: 25] والله أعلم. والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات، فتعين أن المراد بقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} أي تزوجن كما فسره ابن عباس وغيره اه محل الغرض منه بلفظه.
فإذا علمت ذلك فاعلم أن في قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ النساء} [النساء: 24] الآية- أوجه من التفسير هي أقوال للعلماء، والقرآن يفهم منه ترجيح واحد معين منها.
قال بعض العلماء: المراد بالمحصنات هنا أعم من العفائف والحرائر والمتزوجات، أي حرمت عليكم جميع النساء إلا ما ملكت أيمانكم بعقد صحيح أو ملك شرعي بالرق، فمعنى الآية على هذا القول تحريم النساء كلهن إلا بنكاح صحيح أو تسر شرعي، وإلى هذا القول ذهب سعيد بن جبير وعطاء والسدي، وحكي عن بعض الصحابة واختاره مالك في الموطأ.
وقال بعض العلماء: المراد بالمحصنات في الآية الحرائر، وعليه فالمعنى وحرمت عليكم الحرائر غير الأربع، وأحل لكم ما ملكت أيمانكم من الإماء، وعليه فالاستثناء منقطع.
وقال بعض العلماء: المراد بالمحصنات: المتزوجات، وعليه فمعنى الآية وحرمت عليكم المتزوجات. لأن ذات الزوج لا تحل لغيره إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من الكفار، فإن السبي يرفع حكم الزوجية الأولى في الكفر وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي يدل القرآن لصحته. لأن القول الأول فيه حمل ملك اليمين على ما يشمل ملك النكاح، وملك اليمين لم يرد في القرآن إلا بمعنى الملك بالرق، كقوله: {فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} [النساء: 25] وقوله: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْكَ} [الأحزاب: 50] وقوله: {والصاحب بالجنب وابن السبيل وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] وقوله: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5- 6] في الموضعين، فجعل ملك اليمين قسمًا آخر غير الزوجية. وقوله: {والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 33] فهذه الآيات تدل على أن المراد بما ملكت أيمانكم الإماء دون المنكوحات كما هو ظاهر، وكذلك الوجه الثاني غير ظاهر. لأن المعنى عليه: وحرمت عليكم الحرائر إلا ما ملكت أيمانكم، وهذا خلاف الظاهر من معنى لفظ الآية كما ترى.
وصرح العلامة ابن القيم- رحمه الله- بأن هذا القول مردود لفظًا ومعنى، فظهر أن سياق الآية يدل على المعنى الذي اخترنا، كما دلت عليه الآيات الأخر التي ذكرنا، ويؤيده سبب النزول. لأن سبب نزولها كما أخرجه مسلم في صحيحه والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وعبد الرزاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصبنا سبيًا من سبي أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسالنا النَّبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ} فاستحللنا فروجهن.
وروى الطبراني عن ابن عباس أنها نزلت في سبايا خيبر، ونظير هذا التفسير الصحيح قول الفرزدق.
وذات حليل أنكحتها رماحنا ** حلال لمن يبني بها لم تطلق

تنبيه: فإن قيل: عموم قوله تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ} لا يختص بالمسببات، بل ظاهر هذا العموم أن كل أمة متزوجة إذا ملكها رجل آخر فهي تحل له بملكك اليمين ويرتفع حكم الزوجية بذلك الملك، والآية وإن نزلت في خصوص المسببات كما ذكرنا، فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، فالجواب: أن جماعة من السلف قالوا بظاهر هذا العموم فحكموا بأن بيع الأمة مثلًا يكون طلاقًا لها من زوجها أخذًا بعموم هذه الآية، ويروى هذا القول عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب والحسن ومعمر، كما نقله عنهم ابن كثير وغيره، ولكن التحقيق في هذه المسالة هو ما ذكرنا من اختصاص هذا الحكم بالمسبيات دون غيرها من المملوكات بسبب آخر غير السبي، كالبيع مثلًا وليس من تخصيص العام بصورة سببه. وأوضح دليل في ذلك قصة بريرة المشهورة مع زوجها مغيث.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية بعد ذكره أقوال الجماعة التي ذكرنا في أن البيع طلاق، ما نصه: وقد خالفهم الجمهور قديمًا وحديثًا، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقًا لها. لأن المشتري نائب عن البائع، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة، وباعها مسلوبة عنه، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ. وقصتها مشهورة، فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء، ما خيرها النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلما خيرها دل على بقاء النكاح، وأن المراد من الآية المسببات فقط والله أعلم. اهـ. منه بلفظه.
فإن قيل: إن كان المشتري امرأة لم ينفسخ النكاح. لأنها لا تملك الاستمتاع ببضع الأمة، بخلاف الرجل، وملك اليمين أقوى من ملك النكاح، كما قال بهذا جماعة، ولا يرد على هذا القول حديث بربرة، فالجواب هو ما حرره العلامة ابن القيم رحمه الله، وهو أنها إن لم تملك الاستمتاع ببضع أمتها، فهي تملك المعاوضة عليه وتزويجها، وأخذ مهرها، وذلك كملك الرجل وإن لم تستمتع بالبضع، فإذا حققت ذلك، علمت أن التحقيق في معنى الآية: وحرمت عليكم المحصنات أي المتزوجات، إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من الكفار، فلا منع في وطئهن بملك اليمين بعد الاستبراء، لانهدام الزوجية الأولى بالسبي كما قررنا، وكانت أم المؤمنين جورية بنت الحارث رضي الله عنها متزوجة برجل اسمه مسافع، فسبيت في غزوة بني المصطلق وقصتها معروفة. قال ناظم قرة الأبصار في جورية رضي الله عنها:
وقد سباها في غزاة المصطلق ** من بعلها مسافع بالمنزلق

ومراده بالمنزلق السيف، ثم إن العلماء اختلفوا في السبي، هل يبطل حكم الزوجية الأولى مطلقًا ولو سبي الزوج معها، وهو ظاهر الآية أو لا يبطله إلا إذا سبيت وحدها دونه؟ فإن سبي معها فحكم الزوجية باق، وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب احمد والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الآية.
يعني: كما أنكم تستمتعون بالمنكوحات فأعطوهن مهورهن في مقابلة ذلك، وهذا المعنى تدل له آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ} [النساء: 21] الآية. فإفضاء بعضهم إلى بعض المصرح بأنه سبب لاستحقاق الصداق كاملًا، هو بعينه الاستمتاع المذكور هنا في قوله: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ} الآية. وقوله: {وَآتُواْ النساء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وقوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] الآية. فالآية في عقد النكاح، لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناها، فإن قيل التعبير بلفظ الأجور يدل على أن المقصود الأجرة في نكاح المتعة. لأن الصداق لا يسمى أجرًا، فالجواب أن القرآن جاء فيه تسمية الصداق أجرًا في موضع لا نزاع فيه. لأن الصداق لما كان في مقابلة الاستمتاع بالزوجة كما صرح به تعالى في قوله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ} [النساء: 21] الآية. صار له شبه قوي بأثمان المنافع فسمي أجرًا، وذلك الموضع هو قوله تعالى: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] أي: مهورهن بلا نزاع، ومثله قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] الآية. أي مهورهن فاتضح أن الآية في النكاح لا في نكاح المتعة، فإن قيل: كان ابن عباس وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير، والسدي يقرأون، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، وهذا يدل على أن الآية في نكاح المتعة، فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن قولهم إلى أجل مسمى لم يثبت قرآنًا لإجماع الصحابة على عدم كتبه في المصاحف العثمانية، وأكثر الأصوليين على أن ما قرأه الصحابي على أنه قرآن، ولم يثبت كونه قرآنًا لا يستدل به على شيء.
لأنه باطل من أصله. لأنه لما لم ينقله إلا على أنه قرآن فبطل كونه قرآنًا ظهر بطلانه من أصله.
الثاني: أنا لو مشينا على أنه يحتج به، كالاحتجاج بخبر الآحاد كما قال به قوم، أو على أنه تفسير منهم للآية بذلك، فهو معارض بأقوى منه. لأن جمهور العلماء على خلافه. ولأن الأحاديث الصحيحة الصريحة قاطعة بكثرة بتحريم نكاح المتعة، وصرح صلى الله عليه وسلم بأن ذلك التحريم دائم إلى يوم القيامة، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سبرة بن معيد الجهني- رضي الله عنه- أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة. فقال: «يأيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا».