فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالوا: وقوله: {المؤمنات} على جهة الوصف الفاضل وليس بشرط ألاّ يجوز غيرها؛ وهذا بمنزلة قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} فإن خاف ألاّ يعدِل فتزوّج أكثر من واحدة جاز، ولكن الأفضل ألاّ يتزوّج؛ فكذلك هنا الأفضل ألاّ يتزوّج إلا مؤمنة، ولو تزوّج غير المؤمنة جاز.
واحتجوا بالقياس على الحرائر، وذلك أنه لما لم يمنع قوله: {المؤمنات} في الحرائر من نكاح الكتابيات فكذلك لا يمنع قوله: {المؤمنات} في الإماء من نكاح إماءِ الكتابيات.
وقال أشهب في المدوّنة: جائز للعبد المسلم أن يتزوّج أَمَةً كتابية.
فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحُرّية والدِّين معًا.
ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز لمسلم نكاحُ مجوسِيّة ولا وَثَنِيّة، وإذا كان حرامًا بإجماع نكاحُهما فكذلك وطؤهما بِملْك اليَمين قياسًا ونظرًا.
وقد روي عن طاوس ومجاهد وعطاء وعمرو بن دِينار أنهم قالوا: لا بأس بنكاح الأَمَة المجوسيّة بملك اليَمين.
وهو قول شاذّ مهجور لم يلتفت إليه أحد من فقهاء الأمصار.
وقالوا: لا يحلّ أن يطأها حتى تُسلم. اهـ.

.قال الفخر:

قال الزجاج: معناه اعملوا على الظاهر في الإيمان فإنكم مكلفون بظواهر الأمور، والله يتولى السرائر والحقائق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والله أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ} المعنى أن الله عليم ببواطن الأُمور ولكم ظواهرها، وكلّكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تستنكِفُوا من التزوّج بالإماء عند الضرورة، وإن كانت حديثةَ عهدٍ بِسِباء، أو كانت خرساء وما أشبه ذلك.
ففي اللفظ تنبيه على أنه ربّما كان إيمان أَمَة أفضل من إيمان بعض الحرائر. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {والله أَعْلَمُ بإيمانكم} جملةٌ معترضةٌ جيء بها لتأنيسهم بنكاح الإماءِ واستنزالِهم من رتبة الاستنكافِ منه ببيان أن مناطَ التفاضُل ومدارَ التفاخُرِ هو الإيمانُ دون الأحساب والأنسابِ على ما نطَق به قولُه عز قائلًا: {يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى وجعلناكم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} والمعنى أنه تعالى أعلمُ منكم بمراتبكم في الإيمان الذي به تنتظِمُ أحوالُ العبادِ وعليه يدور فلَكُ المصالحِ في المعاش والمعادِ ولا تعلّقَ له بخصوص الحريةِ والرقِّ، فرُبّ أمةً يفوق إيمانُها إيمانَ الحرائرِ. اهـ.

.قال الفخر:

فيه وجهان: الأول: كلكم أولاد آدم فلا تداخلنكم أنفة من تزوج الإماء عند الضرورة.
والثاني: أن المعنى: كلكم مشتركون في الإيمان، والإيمان أعظم الفضائل، فإذا حصل الاشتراك في أعظم الفضائل كان التفاوت فيما وراءه غير ملتفت إليه، ونظيره قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71] وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} [الحجرات: 13] قال الزجاج: فهذا الثاني أولى لتقدم ذكر المؤمنات، أو لأن الشرف بشرف الإسلام أولى منه بسائر الصفات، وهو يقوي قول الشافعي رضي الله عنه: إن الإيمان شرط لجواز نكاح الأمة.
واعلم أن الحكمة في ذكر هذه الكلمة أن العرب كانوا يفتخرون بالأنساب، فاعلم في ذكر هذه الكلمة أن الله لا ينظر ويلتفت إليه.
روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء، ولا يدعها الناس في الإسلام» وكان أهل الجاهلية يضعون من ابن الهجين، فذكر تعالى هذه الكلمة زجرا لهم عن أخلاق أهل الجاهلية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ} ابتداء وخبر؛ كقولك زيد في الدار.
والمعنى أنتم بنو آدم.
وقيل: أنتم مؤمنون.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ المعنى: ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصناتِ المؤمناتِ فلْينكِح بعضُكم من بعض: هذا فتاة هذا، وهذا فتاة هذا.
فبعضكم على هذا التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح.
والمقصود بهذا الكلام تَوْطِئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأَمَة وتُعيّره وتُسمِّيه الهَجِين، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له، وإنما انحطت الأَمَة فلم يجز للحرّ التزوّج بها إلا عند الضرورة؛ لأنه تسبب إلى إرقاق الولد، وأن الأَمَة لا تَفرُغ للزّوج على الدوام، لأنها مشغولة بخدمة المَوْلَى. اهـ.

.قال أبو السعود:

قولُه تعالى: {بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ} إن أريد به الاتصالُ من حيث الدينُ فهو بيانٌ لتناسبهم من تلك الحيثيةِ إثرَ بيانِ تفاوتِهم في ذلك، وإن أريد به الاتصالُ من حيث النسبُ فهو اعتراضٌ آخرُ مؤكدٌ للتأنيس من جهة أخرى، والخطابُ في الموضعين إما لمن كما في الخطاب الذي يعقُبه قد روعيَ فيما سبق جانبُ اللفظِ وهاهنا جانبُ المعنى، والالتفاتُ للاهتمام بالترغيب والتأنيس وإما لغيرهم من المسلمين كالخِطابات السابقةِ لحصول الترغيبِ بخطابهم أيضًا، وأيًا ما كان فإعادةُ الأمرِ بالنكاح على وجه الخطابِ في قوله تعالى: {فانكحوهن} مع انفهامه من قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم} حسبما ذُكر لزيادة الترغيبِ في نكاحهن، وتقييدُه بقوله تعالى: {بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} وتصديرُه بالفاء للإيذان بترتبه على ما قبله أي وإذْ قد وقفتم على جلية الأمرِ فانكِحوهن بإذن مواليهن ولا تترفعوا عنهن، وفي اشتراط إذنِ الموالي دون مباشرتِهم للعقد إشعارٌ بجواز مباشرتِهن له. اهـ.

.قال الفخر:

اتفقوا على أن نكاح الأمة بدون إذن سيدها باطل، ويدل عليه القرآن والقياس.
أما القرآن فهو هذه الآية فإن قوله تعالى: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} يقتضي كون الإذن شرطا في جواز النكاح، وإن لم يكن النكاح واجبا.
وهو كقوله عليه الصلاة والسلام: «من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» فالسلم ليس بواجب، ولكنه إذا اختار أن يسلم فعليه استيفاء هذه الشرائط، كذلك النكاح وان لم يكن واجبا، لكنه إذا أراد أن يتزوج أمة، وجب أن لا يتزوجها إلا بإذن سيدها.
وأما القياس: فهو أن الأمة ملك للسيد، وبعد التزوج يبطل عليه أكثر منافعها، فوجب أن لا يجوز ذلك إلا بإذنه.
واعلم أن لفظ القرآن مقتصر على الأمة، وأما العبد فقد ثبت ذلك في حقه بالحديث عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج العبد بغير إذن السيد فهو عاهر». اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أي بولاية أربابهن المالكين وإذنهم.
وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيّده؛ لأن العبد مملوك لا أمر له، وبدنه كله مستَغرق، لكن الفرق بينهما أن العبد إذا تزوّج بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز؛ هذا مذهب مالك وأصحاب الرأي، وهو قول الحسن البَصْرِيّ وعطاء بن أبي رَباح وسعيد بن المسيِّب وشُريح والشَّعْبِيّ.
والأَمَةُ إذا تزوّجت بغير إذن أهلها فُسِخ ولم يجز بإجازة السيد؛ لأن نقصان الأُنوثة في الأَمَة يمنع من انعقاد النكاح الْبَتَّةَ.
وقالت طائفة: إذا نكح العبد بغير إذن سيده فسخ نكاحه؛ هذا قول الشافعيّ والأُوْزاعِيّ وداود بن عليّ، قالوا: لا تجوز إجازة المَوْلَى إن لم يحضره؛ لأن العقد الفاسد لا تصح إجازته، فإن أراد النكاح استقبله على سُنّته.
وقد أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده.
وقد كان ابن عمر يَعُدّ العبد بذلك زانيًا ويحدّه؛ وهو قول أبي ثَوْر.
وذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، وعن مَعْمَر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبدًا له نكح بغير إذنه فضربه الحدّ وفرّق بينهما وأبطل صداقها.
قال: وأخبرنا ابن جُريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وَلِيّه زِنًى، ويرى عليه الحدّ، ويعاقب الذين أنكحوهما.
قال: وأخبرنا ابن جريج عن عبد الله ابن محمد بن عقيل قال سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما عبدٍ نكح بغير إذن سيده فهو عاهِر» وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هو نكاح حرام؛ فإن نكح بإذن سيده فالطلاق بيد من يستحل الفرج.
قال أبو عمر: على هذا مذهب جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق، ولم يُختَلف عن ابن عباس أن الطلاق بيد السيّد؛ وتابعه على ذلك جابر بن زيد وفرقة.
وهو عند العلماء شذوذ لا يُعرَّج عليه، وأظن ابن عباس تأوّل في ذلك قول الله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} [النحل: 75].
وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه؛ فإن نكح نكاحًا فاسدًا فقال الشافعيّ؛ إن لم يكن دخل فلا شيء لها، وإن كان دخل فعليه المهر إذا عَتَق؛ هذا هو الصحيح من مذهبه، وهو قول أبي يوسف ومحمد لا مهر عليه حتى يعتِق.
وقال أبو حنيفة: إن دخل عليها فلها المهر.
وقال مالك والشافعيّ: إذا كان عبد بين رجلين فأذن له أحدهما في النكاح فنكح فالنكاح باطل، فأما الأمة إذا آذنت أهلها في النكاح فأذنوا جاز، وإن لم تباشر العقد لكن تُولِّي من يعقده عليها. اهـ.

.قال الفخر:

قال الشافعي رضي الله عنه: المرأة البالغة العاقلة لا يصح نكاحها إلا بإذن الولي.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يصح، احتج الشافعي بهذه الآية، وتقريره أن الضمير في قوله: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} عائد إلى الإماء، والأمة ذات موصوفة بصفة الرق، وصفة الرق صفة زائلة، والإشارة إلى الذات الموصوفة بصفة زائلة ذات موصوفة بصفة الرق، وصفة الرق صفة زائلة، والإشارة إلى الذات الموصوفة بصفة زائلة لا يتناول الاشارة إلى تلك الصفة، ألا ترى أنه لو حلف لا يتكلم مع هذا الشاب فصار شيخا ثم تكلم معه يحنث في يمينه، فثبت أن الاشارة إلى الذات الموصوفة بصفة عرضية زائلة، باقية بعد زوال تلك الصفة العرضية، وإذا ثبت هذا فنقول: قوله: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} اشارة إلى الإماء، فهذه الاشارة وجب أن تكون باقية حال زوال الرق عنهن، وحصول صفة الحرية لهن، وإذا كان كذلك فالحرة البالغة العاقلة في هذه الصورة يتوقف جواز نكاحها على إذن وليها، وإذا ثبت ذلك في هذه الصورة وجب ثبوت هذا الحكم في سائر الصور؛ ضرورة أنه لا قائل بالفرق.
احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على فساد قول الشافعي في هذه المسألة فقال: مذهبه أنه لا عبارة للمرأة في عقد النكاح، فعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تزوج أمتها، بل مذهبه أن توكل غيرها بتزويج أمتها.
قال: وهذه الآية تبطل ذلك، لأن ظاهر هذه الآية يدل على الاكتفاء بحصول إذن أهلها، فمن قال لا يكفي ذلك كان تاركا لظاهر الآية.
والجواب من وجوه:
الأول: أن المراد بالإذن الرضا.
وعندنا أن رضا المولى لابد منه، فأما أنه كاف فليس في الآية دليل عليه، وثانيها: أن أهلهن عبارة عمن يقدر على نكاحهن، وذلك إما المولى أن كان رجلا، أو ولي مولاها إن كان مولاها امرأة.