فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وثالثها: هب أن الأهل عبارة عن المولى، لكنه عام يتناول الذكور والإناث، والدلائل الدالة على أن المرأة لا تنكح نفسها خاصة قال عليه الصلاة والسلام: «العاهر هي التي تنكح نفسها» فثبت بهذا الحديث أنه عبارة لها في نكاح نفسها، فوجب أن لا يكون لها عبارة في نكاح مملوكتها، ضرورة أنه لا قائل بالفرق والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
في تفسير الآية قولان:
الأول: أن المراد من الأجور: المهور، وعلى هذا التقدير فالآية تدل على وجوب مهرها إذا نكحها، سمي لها المهر أو لم يسم، لأنه تعالى لم يفرق بين من سمى، وبين من لم يسم في إيجاب المهر، ويدل على أنه قد أراد مهر لمثل قوله تعالى: {بالمعروف} وهذا إنما يطلق فيما كان مبنيا على الاجتهاد وغالب الظن في المعتاد والمتعارف كقوله تعالى: {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف} [البقرة: 233].
الثاني: قال القاضي: ان المراد من أجورهن النفقة عليهن، قال هذا القائل: وهذا أولى من الأول، لأن المهر مقدر، ولا معنى لاشتراط المعروف فيه، فكأنه تعالى بين أن كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها وكفايتها كما في حق الحرة إذا حصلت التخلية من المولى بينه وبينها على العادة، ثم قال القاضي: اللفظ وان كان يحتمل ما ذكرناه فأكثر المفسرين يحملونه على المهر، وحملوا قوله: {بالمعروف} على ايصال المهر إليها على العادة الجميلة عند المطالبة من غير مطل وتأخير. اهـ.
قال الفخر:
نقل أبو بكر الرازي في أحكام القرآن عن بعض أصحاب مالك أن الأمة هي المستحقة لقبض مهرها، وأن المولى إذا آجرها للخدمة كان المولى هو المستحق للأجر دونها وهؤلاء احتجوا في المهر بهذه الآية، وهو قوله: {وآتوهن أجورهن بالمعروف} وأما الجمهور فإنهم احتجوا على ان مهرها لمولاها بالنص والقياس، أما النص فقوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَىْء} [النحل: 75] وهذا ينفي كون المملوك مالكا لشيء أصلا، وأما القياس فهو أن المهر وجب عوضا عن منافع البضع، وتلك المنافع مملوكة للسيد، وهو الذي أباحها للزوج بقيد النكاح، فوجب أن يكون هو المستحق لبدلها.
والجواب عن تمسكهم بالآية من وجوه:
الأول: أنا إذا حملنا الأجور في الآية على النفقة زال السؤال بالكلية.
الثاني: أنه تعالى إنما أضاف إيتاء المهور إليهن لأنه ثمن بضعهن وليس في قوله: {وَءاتُوهُنَّ} ما يوجب كون المهر ملكا لهن، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال: «العبد وما في يده لمولاه» فيصير ذلك المهر ملكا للمولى بهذه الطريق والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} دليلٌ على وجوب المهر في النكاح، وأنه للأَمَة.
{بالمعروف} معناه بالشرع والسُّنّة، وهذا يقتضي أنهنّ أحقُّ بمهورهنّ من السادة، وهو مذهب مالك.
قال في كتاب الرّهون: ليس للسيّد أن يأخذ مهر أَمَته ويَدَعها بلا جهاز.
وقال الشافعيّ: الصداق للسيّد؛ لأنه عوض فلا يكون للأمة.
أصله إجازة المنفعة في الرقبة، وإنما ذكرت لأن المهر وجب بسببها.
وذكر القاضي إسماعيل في أحكامه: زعم بعض العراقيين إذا زوّج أمته من عبده فلا مهر.
وهذا خلاف الكتاب والسنة وأطنب فيه. اهـ.

.قال الفخر:

قال ابن عباس: محصنات أي عفائف، وهو حال من قوله: {فانكحوهن} بإذن أهلهن، فظاهر هذا يوجب حرمة نكاح الزواني من الإماء، واختلف الناس في أن نكاح الزواني هل يجوز أم لا؟ وسنذكره في قوله: {الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} [النور: 3] والأكثرون على أنه يجوز فتكون هذه الآية محمولة على الندب والاستحباب وقوله: {غَيْرَ مسافحات} أي غير زوان {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} جمع خدن، كالأتراب جمع ترب، والخدن الذي يخادنك وهو الذي يكون معك في كل أمر ظاهر وباطن.
قال أكثر المفسرين: المسافحة هي التي تؤاجر نفسها مع أي رجل أرادها، والتي تتخذ الخدن فهي التي تتخذ خدنا معينا، وكان أهل الجاهلية يفصلون بين القسمين، وما كانوا يحكمون على ذات الخدن بكونها زانية، فلما كان هذا الفرق معتبرا عندهم لا جرم أن الله سبحانه أفرد كل واحد من هذين القسمين بالذكر، ونص على حرمتهما معًا، ونظيره أيضًا قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]. اهـ.

.قال القرطبي:

{غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} أي غير زوانٍ، أي مُعْلِنات بالزِّنَى؛ لأن أهل الجاهلية كان فيهم الزّواني في العلانية، ولهنّ رايات منصوبات كراية البيطار.
{وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} أصدقاء على الفاحشة، واحدهم خِدْن وخدِين، وهو الذي يخادنك، ورجل خُدَنَةٌ، إذا اتخذ أخذانًا أي أصحابًا؛ عن أبي زيد.
وقيل: المسافِحة المجاهِرة بالزنَى، أي التي تكري نفسها لذلك.
وذات الخِدْن هي التي تزني سرًّا.
وقيل: المسافِحَة المبذولة، وذات الخدْن التي تزني بواحد.
وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنَى، ولا تعيب اتخاذ الأخذان، ثم رفع الإسلام جميع ذلك، وفي ذلك نزل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] عن ابن عباس وغيره. اهـ.

.قال الفخر:

قال القاضي: هذه الآية أحد ما يستدل به من لا يجعل الإيمان في نكاح الفتيات شرطا، لأنه لو كان ذلك شرطا لكان كونهن محصنات عفيفات أيضًا شرطا، وهذا ليس بشرط.
وجوابه: أن هذا معطوف لا على ذكر الفتيات المؤمنات، بل على قوله: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ولا شك أن كل ذلك واجب، فعلمنا أنه لا يلزم من عدم الوجوب في هذا، عدم الوجوب فيما قبله والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {أُحْصِنَّ} بالفتح في الألف، والباقون بضم الألف، فمن فتح فمعناه: أسلمن، هكذا قاله عمر وابن مسعود والشعبي والنخعي والسدي، ومن ضم الألف فمعناه: أنهن أحصن بالأزواج.
هكذا قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد.
ومنهم من طعن في الوجه الأول فقال: إنه تعالى وصف الإماء بالإيمان في قوله: {فتياتكم المؤمنات} ومن البعيد أن يقال فتياتكم المؤمنات، ثم يقال: فإذا آمن، فإن حالهن كذا وكذا، ويمكن أن يجاب عنه بأنه تعالى ذكر حكمين: الأول: حال نكاح الإماء، فاعتبر الإيمان فيه بقوله: {مّن فتياتكم المؤمنات} والثاني: حكم ما يجب عليهن عند إقدامهن على الفاحشة، فذكر حال إيمانهن أيضا في هذا الحكم، وهو قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ}. اهـ.

.قال القرطبي:

إذا زنت الأَمة المسلمة جُلدت نصف جلد الحرة؛ وإسلامها هو إحصانها في قول الجمهور: ابنِ مسعود والشعبيّ والزُّهْرِيّ وغيرهم.
وعليه فلا تُحدّ كافرة إذا زنت، وهو قول الشافعيّ فيما ذكر ابن المُنْذِر.
وقال آخرون: إحصانها التزوّج بحرّ.
فإذا زنت الأَمَة المسلمة التي لم تتزوّج فلا حدّ عليها، قاله سعيد بن جُبير والحسن وقتادة، وروي عن ابن عباس وأبي الدَّرْدَاء، وبه قال أبو عبيد.
قال: وفي حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن حَدّ الأَمة فقال: إنّ الأَمَة ألقت فَرْوَة رأسها من وراء الدار.
قال الأصمعيّ: الفروة جلدة الرأس قال أبو عبيد: وهو لم يرد الفروة بعينها، فكيف تلقى جلدة رأسها من وراء الدار، ولكن هذا مثل! إنما أراد بالفَرْوة القِناع، يقول ليس عليها قناع ولا حجاب، وأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه، لا تقدر على الامتناع من ذلك؛ فتصير حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور، مثل رعاية الغنم وأداء الضريبة ونحو ذلك؛ فكأنه رأى أن لا حدّ عليها إذا فجرت؛ لهذا المعنى.
وقالت فرقة: إحصانها التزوّج، إلا أن الحدّ واجب على الأَمَة المسلمة غير المتزوّجة بالسنّة؛ كما في صحيح البُخارِيّ ومُسْلم أنه قيل: يا رسول الله، الأَمَة إذا زنت ولم تُحصن؟ فأوجب عليها الحدّ.
قال الزُّهْرِيّ: فالمتزوّجة محدودةٌ بالقرآن، والمسلمة غير المتزوّجة محدودة بالحديث.
قال القاضي إسماعيل في قول من قال: {إِذَآأُحْصِنَّ} أسْلَمْن: بُعْدٌ؛ لأن ذكر الإيمان قد تقدّم لهن في قوله تعالى: {مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات}.
وأما من قال: {إِذَآأُحْصِنَّ} تزوّجن، وأنه لا حدّ على الأَمة حتى تتزوّج؛ فإنهم ذهبوا إلى ظاهر القرآن وأحسِبَهم لم يعلموا هذا الحديث.
والأمر عندنا أن الأَمَة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله، وإذا زنت ولم تحصن مجلودةٌ بحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا رجم عليها؛ لأن الرجم لا يتنصّف.
قال أبو عمر: ظاهر قولِ الله عز وجل يقتضي ألاّ حدّ على أَمَة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج، ثم جاءت السنّة بجلدها وإن لم تحصن، فكان ذلك زيادة بيان.
قلت: ظَهْر المؤمن حِمًى لا يُستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف، لولا ما جاء في صحيح السُّنّة من الجلد في ذلك. والله أعلم.
وقال أبو ثَوْر فيما ذكر ابن المنذِر: وإن كانوا اختلفوا في رجمهما فإنهما يُرجمان إذا كانا محصنَيْن، وإن كان إجماعٌ فالإجماع أوْلى.
واختلف العلماء فيمن يُقيم الحدَّ عليهما؛ فقال ابن شهاب: مضت السّنّة أن يَحُدَّ العبدَ والأَمَة أهلوهم في الزنى، إلا أن يُرفع أمرهم إلى السلطان فليس لأحد أن يفتات عليه؛ وهو مقتضى قوله عليه السلام: «إذا زنت أَمَةُ أحدِكم فلْيحدها الحَدّ» وقال عليّ رضي الله عنه في خطبته: يا أيها الناس، أقِيموا على أرِقّائكم الحدّ، من أحصن منهم ومن لم يحصِن، فإن أَمَةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشِيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنت» أخرجه مسلم موقوفًا عن عليّ.
وأسنده النسائي وقال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن منهم ومن لم يحصن» وهذا نص في إقامة السادة الحدودَ على المماليك من أحصن منهم ومن لم يحصن.
قال مالك رضي الله عنه: يَحُدّ المولى عبده في الزنى وشرب الخمر والقذف إذا شهد عنده الشهود بذلك، ولا يقطعه في السرقة، وإنما يقطعه الإمام؛ وهو قول الليث.
وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم، منهم ابن عمر وأنس، ولا مخالِف لهم من الصحابة.
ورُوي عن ابن أبي لَيْلَى أنه قال: أدركت بقايا الأنصار يضربون الوَلِيدة من ولائدهم إذا زنت، في مجالسهم.
وقال أبو حنيفة: يقيم الحدود على العبيد والإماء السلطانُ دون المَوْلَى في الزنى وسائر الحدود؛ وهو قول الحسن بن حيّ.