فصل: من فوائد ابن عاشور في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} مترتب على ما قبله ولذا صدر بالفاء أي فإذا وقعتم على جلية الأمر فانكحوهن إلخ وأعيد الأمر مع فهمه مما قبله لزيادة الترغيب في نكاحهن، أو لأن المفهوم منه الإباحة وهذا للوجوب.
والمراد من الأهل الموالي، وحمل الفقهاء ذلك على من له ولاية التزويج ولو غير مالك فقد قالوا: للأب والجد والقاضي والوصي تزويج أمة اليتيم لكن في الظهيرية الوصي لو زوج أمة اليتيم من لكن في الظهيرية الوصي لو زوج أمة اليتيم من عبده لا يجوز، وفي جامع الفصولين القاضي لا يملك تزويج أمة الغائب، وفي فتح القدير للشريك المفاوض تزويج الأمة، وليس لشريك العنان والمضارب والعبد المأذون تزويجها عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ومحمد، وقال أبو يوسف: يملكون ذلك، وهذا الإذن شرط عندنا لجواز نكاح الأمة فلا يجوز نكاحها بلا إذن، والمراد بعدم الجواز عدم النفاذ لا عدم الصحة بل هو موقوف كعقد الفضولي، وإلى هذا ذهب مالك وهو رواية عند أحمد ومثل ذلك نكاح العبد واستدلوا على عدم الجواز فيهما بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث جابر، وقال: حديث حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر» والعهر الزنا وهو محمول على ما إذا وطئ لا بمجرد العقد وهو زنا شرعي لا فقهي فلم يلزم منه وجوب الحد لأنه مرتب على الزنا الفقهي كما بين في الفروع، وبأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما فلا يملكانه إلا بإذن مولاهما، ونسب إلى الإمام مالك ولم يصح أنه يجوز نكاح العبد بلا إذن السيد لأنه يملك الطلاق فيملك النكاح، وأجيب بالفرق فإن الطلاق إزالة عيب عن نفسه بخلاف النكاح، قال ابن الهمام: لا يقال: يصح إقرار العبد على نفسه بالحد والقصاص مع أن فيه هلاكه فضلًا عن تعييبه لأنا نقول: هو لا يدخل تحت ملك السيد فيما يتعلق به خطاب الشرع أمرًا ونهيًا كالصلاة والغسل والصوم والزنا والشرب وغيره إلا فيما علم إسقاط الشارع إياه عنه كالجمعة.
والحج، ثم هذه الأحكام تجب جزاءًا على ارتكاب المحظور شرعًا، فقد أخرجه عن ملكه في ذلك الذي أدخله فيه باعتبار غير ذلك وهو الشارع زجرًا عن الفساد وأعاظم العيوب انتهى.
ادعى بعض الحنفية أن الآية تدل على أن للإماء أن يباشرن العقد بأنفسهن لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم.
واعترض بأن عدم الاعتبار لا يوجب اعتبار العدم فلعل العاقد يكون هو المولى أو الوكيل فلا يلزم جواز عقدهن كما لا يخفى، ولو كانت الأمة مشتركة بين اثنين مثلًا لا يجوز نكاحها إلا بإذن الكل، وفي الظهيرية لو زوج أحد الموليين أمته ودخل بها الزوج فللآخر النقض فإن نقض فله نصف مهر المثل وللزوج الأقل من نصف مهر المثل، ومن نصف المسمى وحكى معتق البعض حكم كامل الرق عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه، وعندهما يجوز نكاحه بلا إذن لأنه حر مديون.
{وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي أدوا إليهن مهورهن بإذن أهلن وحذف هذا القيد لتقدم ذكره لا لأن العطف يوجب مشاركة المعطوف المعطوف عليه في القيد، ويحتمل أنه يكون في الكلام مضاف محذوف أي آتوا أهلهن، ولعل ما تقدم قرينة عليه، قيل: ونكتة اختيار {آتوهن} على أتوهم مع تقدم الأهل على ما ذكره بعض المحققين إن في ذلك تأكيدًا لإيجاب المهر وإشعارًا بأنه حقهن من هذه الجهة، وإنما تأخذه الموالي بجهة ملك اليمين، والداعي لهذا كله أن المهر للسيد عند أكثر الأئمة لأنه عوض حقه.
وقال الإمام مالك: الآية على ظاهرها والمهر للأمة، وهذا يوجب كون الأمة مالكة مع أنه لا ملك للعبد فلابد أن تكون مالكة له يدًا كالعبد المأذون له بالتجارة لأن جعلها منكوحة إذن لها فيجب التسليم إليهن كما هو ظاهر الآية، وإن حملت الأجور على النفقات استغنى عن اعتبار التقدير أولًا وآخرًا، وكذا إن فسر قوله تعالى.
{بالمعروف} بما عرف شرعًا من إذن الموالي، والمعروف فيه أنه متعلق بآتوهن والمراد أدوا إليهن من غير مماطلة وإضرار، ويجوز أن يكون حالًا أي متلبسات بالمعروف غير ممطولات أو متعلقًا بأنكحوهن أي فانكحوهنّ بالوجه المعروف يعني بإذن أهلهنّ ومهر مثلهنّ.
{محصنات} حال إما من مفعول {آتوهن} فهو بمعنى متزوجات، أو من مفعول {بَعْضٍ فانكحوهن} فهو بمعنى عفائف، وحمله على مسلمات وإن جاز خصوصًا على مذهب الجمهور الذين لا يجيزون نكاح الأمة الكتابية لكن هذا الشرط تقدم في قوله سبحانه: {فتياتكم المؤمنات} فليس في إعادته كثير جدوى، والمشهور هنا تفسير المحصنات بالعفائف فقوله تعالى: {غَيْرَ مسافحات} تأكيد له، والمراد غير مجاهرات بالزنا كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} عطف على {مسافحات} و{لا} لتأكيد ما في {غَيْرِ} من معنى النفي والأخدان جمع خدن وهو الصاحب، والمراد به هنا من تتخذه المرأة صديقًا يزني بها والجمع للمقابلة، والمعنى ولا مسرات الزنا.
وكان الزنا في الجاهلية منقسمًا إلى سر وعلانية، وروي عن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما ظهر منه ويقولون: إنه لؤم ويستحلون ما خفي ويقولون: لا بأس به، ولتحريم القسمين نزل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151].
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} أي بالأزواج كما قال ابن عباس وجماعة وقرأ إبراهيم {أُحْصِنَّ} بالبناء للفاعل أي أحصن فروجهن وأزواجهن، وأخرج عبد بن حميد أنه قرئ كذلك ثم قال: إحصانها إسلامها، وذهب كثير من العلماء إلى أن المراد من الاحصان على القراءة الأولى الإسلام أيضًا لا التزوج، وبعض من أراده من الآية قال: لا تحد الأمة إذا زنت ما لم تتزوج بحرّ، وروي ذلك مذهبًا لابن عباس، وحكي عدم الحد قبل التزوج عن مجاهد وطاوس، وقال الزهري: هو فيها بمعنى التزوج.
والحد واجب على الأمة المسلمة إذا لم تتزوج لما في [الصحيحين] عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال: «اجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير» فالمزوجة محدودة بالقرآن وغيرها بالسنة، ورجح هذا الحمل بأنه سبحانه شرط الإسلام بقوله جل وعلا: {مّن فتياتكم المؤمنات} فحمل ما هنا على غيره أتم فائدة وإن جاز أنه تأكيد لطول الكلام.
وذكر بعض المحققين أن تفسير الإحصان بالإسلام ظاهر على قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من جهة أنه لا يشترط في التزوج بالأمة أن تكون مسلمة وإن الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع، وهو مشكل على قول من يقول بمفهوم الشرط من الشافعية فإنه يقتضي أن الأمة الكافرة إذا زنت لا تجلد، وليس مذهبه كذلك فإنه يقيم الحد على الكفار.
{فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة} أي فإن فعلن فاحشة وهي الزنا وثبت ذلك.
{فَعَلَيْهِنَّ} أي فثابت عليهن شرعًا {نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات} أي الحرائر الأبكار {مّنَ العذاب} أي الحد الذي هو جلد مائة، فنصفه خمسون ولا رجم عليهن لأن لا يتنصف؛ وهذا دفع لتوهم أن الحد لهن يزيد بالإحصان، فيسقط الاستدلال به على أنهن قبل الإحصان لا حد عليهن كما روي ذلك عمن تقدم.
قال الشهاب: وعلم من بيان حالهن حال العبيد بدلالة النص فلا وجه لما قيل: إنه خلاف المعهود لأن المعهود أن يدخل النساء تحت حكم الرجال بالتبعية وكأن وجهه أن دواعي الزنا فيهن أقوى وليس هذا تغليبًا وذكرًا بطريق التبعية حتى يتجه ما ذكر، ويرد على وجه التخصيص أنه لو كان كذلك لم يدل على حكم العبيد بل الوجه فيه أن الكلام في تزوج الإماء فهو مقتضى الحال انتهى.
والظاهر أن المراد بالحال المعلوم بدلالة النص حال العبيد إذا أتوا بفاحشة لا مطلقًا، فإن حال العبيد ليس حال الإماء في مسألة النكاح من كل وجه كما بين في كتب الفروع، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قرئ {فإن أتوا}، و{أتين بفاحشة}، هذا والفاء في {فَإِنْ أَتَيْنَ} جواب (إذا)، والثانية: جواب (إن)، والشرط الثاني مع جوابه مترتب على وجود الأول، و{مّنَ العذاب} في موضع الحال من الضمير في الجار والمجرور والعامل فيها هو العامل في صاحبها، قال أبو البقاء: ولا يجوز أن تكون حالًا من {مَا} لأنها مجرورة بالإضافة فلا يكون لها عامل.
{ذلك} أي نكاح الإماء {لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} أي لمن خاف الزنا بسبب غلبة الشهوة عليه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن العنت فقال: الإثم، فقال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال: نعم أما سمعت قول الشاعر:
رأيتك تبتغي عنتي وتسعى ** مع الساعي عليّ بغير دخل

وقيل: أصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر يعتري الإنسان بعد صلاح حاله، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم بارتكاب أفحش القبائح، ويفهم من كلام كثير من اللغويين أنه حقيقة في الإثم وكذا في الجهد والمشقة، ومنه أكمة عَنُوت أي صعبة المرتقى، وفسره الزجاج هنا بالهلاك، والذي عليه الأكثرون ما تقدم وهو مأثور أيضًا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: المراد به الحد لأنه إذا هويها يخشى أن يواقعها فيحد، ورجح القول الأول بكثرة الذاهبين إليه مع ما فيه من الإشارة إلى أن اللائق بحال المؤمن الخوف من الزنا المفضي إلى العذاب، وفي هذا إيهام بأن المحذور عنده الحد لا ما يوجبه وأيًا مّا كان فهو شرط آخر لجواز تزوج الإماء عند الشافعي عليه الرحمة، ومذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه أنه ليس بشرط وإنما هو إرشاد للأصلح.
{وَأَن تَصْبِرُواْ} أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين.
{خَيْرٌ لَّكُمْ} من نكاحهن وإن رخص لكم فيه لأن حق الموالي فيهن أقوى فلا يخلصن للأزواج خلوص الحرائر إذ هم يقدرون على استخدامهن سفرًا وحضرًا، وعلى بيعهن للحاضر والبادي، وفي ذلك مشقة عظيمة على الأزواج لا سميا إذا ولد لهم منهن أولاد، ولأنهن ممتهنات مبتذلات خراجات ولاجات وذلك ذل ومهانة سارية للناكح، ولا يكاد يتحمل ذلك غيور، ولأن في نكاحهن تعريض الولد للرق.
وقد أخرج عبد الرزاق وغيره عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه وإذا نكح الحر الأمة فقد أرقه نصفه وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما تزحف ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلًا وعن أبي هريرة وابن جبير مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر قال: نكاح الأمة كالميتة والدم ولحم الخنزير لا يحل إلا للمضطر وفي مسند الديلمي والفردوس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت» وقال الشاعر:
ومن لم تكن في بيته قهرمانة ** فذلك بيت لا أبا لك ضائع

وقال الآخر:
إذا لم يكن في منزل المرء حرة ** تدبره ضاعت مصالح داره

{والله غَفُورٌ} أي مبالغ في المغفرة فيغفر لمن لم يصبر عن نكاحهن، وإنما عبر بذلك تنفيرًا عنه حتى كأنه ذنب {رَّحِيمٌ} أي مبالغ في الرحمة فلذلك رخص لكم ما رخص. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
والمحصنات هنا وصف خرج مخرج الغالب، لأنّ المسلم لا يقصد إلاّ إلى نكاح امرأة عفيفة، قال تعالى: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: 30] أي بحسب خلق الإسلام، وقد قيل: إنّ الإحصان يطلق على الحرية، وأنّ المراد بالمحصنات الحرائر، ولا داعي إليه، واللغة لا تساعد عليه.
وظاهر الآية أنّ الطوْل هنا هو القدرة على بذل مهر لامرأة حرّة احتاج لتزوّجها: أولى، أو ثانية، أو ثالثةً، أو رابعة، لأنّ الله ذكر عدم استطاعة الطوْل في مقابلة قوله: {أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24] {فأتوهن أجورهن فريضة} [النساء: 24] ولذلك كان هذا الأصحّ في تفسير الطوْل.
وهو قول مالك، وقاله ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، والسدّي، وجابر بن زيد.
وذهب أبو حنيفة إلى أنّ من كانت له زوجة واحدة فهي طَوْل فلا يباح له تزوّج الإماء؛ لأنّه طالب شهوة إذْ كانت عنده امرأة تعفّه عن الزنا.