فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: فممّا الفاء قد تقدّم أنَّها إمَّا جواب الشَّرط، وإمَّا زائدة في الخَبَرِ على حَسْبِ القولين في من وفي هذه الآية سبعة أوْجُهٍ:
أحدها: أنَّها متعلّقة بفعل مقدّر بعد الفاء تقديرُهُ: فينكحُ مِمَّا ملكت أيمانكم وما على هذا موصولة بمعنى الذي أي: نوع الّذي ملكته، ومفعولُ ذلك الفعل المقدّر محذوفٌ تقديرهُ: فَيَنْكِحُ امرأة، أو أمَةً مما ملكته أيمانكم؛ فـ {مِمَّا} في الحقيقة متعلق بمحذوف لأنَّهُ صفة لذلك المفعولِ المحذُوفِ ومن للتَّبعيضِ، نحو: أكلتُ مِنَ الرَّغيفِ، و{مِّن فَتَيَاتِكُمُ} في محلِّ نصب على الحال من الضَّمير المقدّر في ملكت العائد على مَا الموصولة و{المؤمنات} صفة لفتياتكم.
الثَّاني: أن تكون مِنْ زائدة وما هي المفعولة بذلك الفعل المقدَّر أي: فلينكح ما ملكته أيمانكم.
الثَّالثُ: أنَّ مِنْ في {مِّن فَتَيَاتِكُمُ} زائدة و{فَتَيَاتِكُمُ} هو مفعولُ ذلك الفعل المقدَّرِ أي: فلينكح فتياتكم، ومما ملكت متعلق بنفس الفعل ومن لابتداء الغاية، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من فتياتكم قدم عليها ومن للتَّبعيضِ.
الرَّابعُ: أن مفعول فلينكح هو المؤمنات أي: فلينكح المؤمنات الفتيات ومما ملكت على ما تقدَّم في الوجْهِ قبله ومن فتياتكم حال من ذلك العائد المحذوف.
الخامِسُ: أنَّ مما في محَلِّ رفع خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: فالمنكوحَةُ مِمَّا ملكت أيمانكم.
السَّادس: أن ما في مِمَّا مصدريَّةٌ أي: فلينكح من ملك أيمانكم، ولابد أن يكون هذا المصدر واقعًا موقع المفعولِ نحو: {هذا خَلْقُ الله} [لقمان: 11] ليصحّ وقوع النكاح عليه.
السَّابعُ: وهو أغبرها ونقل عن جماعة منهم ابن جرير أنَّ في الآية تقديمًا وتأخيرًا وأنَّ التقدير: ومنْ لَمْ يستطعْ منكمْ طولًا أنْ ينكحَ المُحْصنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فلينكح بعضكم من بعض الفتيات، فبعضكم فاعل ذلك الفعل المقدّر، فعلى هذا يكون قوله: {والله أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ} معترضًا بين ذلك الفعل المقدَّر وفاعله، ومثل هذا لا ينبغي أن يقال.
قوله: {والله أعلم بإيمانكم} جملة من مبتدأ وخبر جيء بها بعد قوله: {مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} لتفيد أنَّ الإيمان الظَّاهر كافٍ في نكاحِ الأمَةِ المؤمنة ظاهرًا ولا يشترط في ذلك أن يعلم إيمانها يقينًا، فإنَّ ذلك لا يطلع عليه إلا الله تعالى، وفيه تأنيس أيضًا بنكاح الإماءِ، فإنَّهم كانوا يفرون من ذلك.
قال الزَّجَّاجُ: المعنى: احملوا فتياتكم على ظاهر الإيمانِ، واللهُ أعلمُ بالسَّرائِرِ.
قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ} مبتدأ وخبر أيضًا، جيء بهذه الجملة أيضًا تأنيسًا بنكاح الأمة كما تقدَّم، والمعنى: أنَّ بعضكم من جنس بعض في النَّسب والدين، فلا يدفع الحر عن نكاح الأمَّةِ، عند الحاجة إليه، وما أحسن قول أمير المؤمنين عَلِيٍّ رضي الله عنه: [البسيط]
والنَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثيلِ أَكْفَاءُ ** أبوهُمُ آدَمٌ والأمُّ حَوَّاءُ

والحكمَةُ في ذِكْرِ هذه الكَلِمَةِ أنَّ العَرَبَ كانوا يَتفاخَرُونَ بالأنْسَابِ، فأخبر تعالى أن ذلك لا يلتفت إليه؛ لأنَّ الإيمان أعظم الفضائل، وإذا حصل الاشتراك فيه فلا يلتفت إلى ما وراء ذلك.
قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وكان أهلُ الجاهليّة يضعون من أين الهجين فذكر تعالى هذه الكلمة زجرًا لهم من أخلاق أهل الجاهليَّةِ.
قوله: {بإذن أهلهن} متعلق بانكحوهنّ وقدّر بعضهم مضافًا محذوفًا أي: بإذنِ أهل ولايتهن، وأهل ولاية نكاحهن هم المُلاَّك.
قوله: {بالمعروف} فيه ثلاثةُ أوجُهٍ:
أحدها: أنَّه متعلِّق بـ {وَآتُوهُنَّ} أي: آتوهن مهورهن بالمعروف.
الثَّاني: أنَّهُ حالٌ من أجورهن أي: ملتبسات بالمعروف، يعني: غير ممطولة.
الثالِثُ: أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بقوله: {فانكحوهن} أي: فانكحوهن بالمعروف بإذن أهلهن ومهر مثلهن، والإشهاد عليه، وهذا هو المعروفُ وقيل: في الكلامِ حذف تقديره: وآتوهنَّ أجورهن بإذن أهلهنَّ فحذف من الثَّاني لدلالة الأوَّلِ عليه، نحو {والذاكرين الله كَثِيرًا والذاكرات} [الأحزاب: 35]. أي الذاكرات الله.
وقيل: ثُمَّ مُضَاف مقدر أي: وآتوا مواليهن أجورهن؛ لأنَّ الأمة لا يسلّم لها شيءٌ من المهر.
قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} حالان من مفعول {فَآتُوهُنَّ} ومحصنات على هذا، بمعنى مزوجات.
وقيل: {مُحْصَنَاتٍ} حال من مفعول {فانكحوهن}، ومحصنات على هذا بمعنى عفائف، أو مسلمات، والمعنى: فانكحوهن حال كونهن محصنات لا حال سفاحهن واتِّخَاذِهِنَّ للأخدان، وقد تقدم أن {محصنات} بكسر الصَّاد وفتحها وما معناها، وأن {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} حال مؤكدة. و{وَلاَ مُتَّخِذَات} عطف على الحال قبله، والأخدان مفعول بمتخذات، لأنَّهُ اسم فاعل، وأخدان جمع خِدْن كعِدْل وأعْدَال. والخِدْنُ: الصَّاحب.
قال أبو زيد: الأخدانُ: الأصدقاء على الفاحشة، واحدهُمْ خِدْنٌ وخدين وهو الّذي يخادنك، ورجل خُدْنَةٌ: إذا اتَّخَذَ أخدانًا أي: أصحابًا وقد تقدَّمَ أنَّ المُسَافح هو المجاهر بالزِّنَا، ومتخذ الأخْدَان هو المستتر به، وكان الزِّنَا في الجاهليَّة منقسمًا إلى هذين القسمين، ولم يحكموا على ذاتِ الخدن بكونها زانية.
قوله: {فإذا أحصن} قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم {أُحْصِنَّ} بضمّ الهمزة وكسر الصَّادِ على البِنَاءِ للمفعول والباقون بفتحها على البنَاءِ للفاعل، فمعنى الأوَّلِ أحصن بالتزويج فالمحصن بهن هو الزوجَ، هكذا قاله ابنُ عباسٍ، وسعيدُ بْنُ جُبيرٍ والحَسَنُ ومُجاهِد. ومعنى الثَّانية: وأحصن فروجهن أو أزواجهن.
وقال عُمَرُ وابنُ مسعودٍ والشعبيُّ والنخعيُّ والسديُّ: أسلمن. وطعنوا في هذا الوجه بِأنَّهُ تعالى وصف الإماء بالإيمان في قوله: {فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} ويبعد أن يقال: فتياتكم المؤمنات، ثم يقال: فإذا آمن فإن حالهن كذا وكذا، ويمكن جوابه بأنَّهُ تعالى حكم حكمين:
الأوَّلُ: حال نكاح الأمَاءِ فاعتبر الإيمان فيه بقوله: {فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات}.
والثَّاني: ما يجبُ عليهنَّ عند إقدامهن على الفاحشَةِ، فذكر حال إيمانهنَّ أيضًا في هذا الحكم وهو قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ}.
قوله: {فإن أتين بفاحشة فعليهن} الفاء في فإنْ جواب إذَا وفي فعليهن جواب إن فالشَّرط الثَّاني وجوابه مترتِّبٌ على وجود الأوَّلِ، ونظيره: إن أُكلت فإن ضربت عمرًا فأنت حرٌّ، لا يُعتق حتى يأكل أولًا، ثم يضرب عمرًا ثانيًا ولو أسقطت الفاء الدّاخلة على إن في مثل هذا التّركيب انعكس الحكم، ولزم أن يَضْرب أولًا ثُمَّ يأكل ثانيًا، وهذا يُعْرف من قواعد النَّحْوِ، وهو أن الشَّرْطَ الثَّاني يُجْعل حالًا، فيجب التَّلبُّسُ به أولًا.
قوله: {من العذاب} متعلق بمحذوف؛ لأنَّهُ حال من الضَّميرِ المستكن في صلة ما وهو على، فالعامل فيها معنوي، وهو في الحقيقة ما تعلَّقَ به هذا الجر، ولا يجوز أن يكون حالًا من ما المجرورة بإضافة نصف إليها؛ لأنَّ الحال لابد أن يعمل فيها ما يعمل في صاحبها إن ونصفُ هو العامل في صاحبها الخفض بالإضافة، ولكنه لا يعمل في الحال، لأنَّهُ ليس من السماء العاملة إلا أنَّ بعضهم يرى أنَّهُ إذا كان جزءًا من المضاف جاز ذلك فيه، والنصفُ جزء فيجوز ذلك.
قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ} {ذلك}: مبتدأ ولمن خشِيَ: جارٌّ ومجرورٌ خبره، والمشارُ إليه بذلك إلى نكاح الأمة المؤمنة لمنْ عَدِمَ الطَّوْلَ، والعَنَتُ في الأصْلِ انكسارُ العَظْمِ بعد الجَبْرِ؛ فاستعير لكلٍّ مَشَقَّةٍ.
و{منكم} حالٌ من الضَّميرِ في خشيِ أي: في حال كَوْنِهِ مِنْكُمْ، ويجوزُ أن تكون من للبيان.
قوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}. مبتدأ وخبر لتأوله بالمصدَرِ وهو كقوله: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237] والمعنى وأنْ تَصْبِرُوا عن نكاح الإماء متعفِّفينَ خيرٌ لكم لما بَيَّنَا من المفاسدِ الحاصلة في هذا النَّكَاحِ.
قال عليه الصلاة والسلام: «الحَرَائِرُ صَلاَحُ البَيْتِ، والإمَاءُ هَلاَكُهُ».
وقال الشاعر:
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهِ قَهْرَمَانَةٌ ** فَذلِكَ بَيْتٌ لا أبَالَكَ ضَائِعُ

وقال الآخر: [الطويل]
إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَنْزِلِ المَرْءِ حُرَّةٌ ** تُدَبِّرُهُ ضَاعَتْ مَصَالِحُ دَارِهِ

. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس {ومن لم يستطع منكم طولًا} يقول: من لم يكن له سعة أن ينكح المحصنات يقول: الحرائر {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} فلينكح من إماء المؤمنين {محصنات غير مسافحات} يعني عفائف غير زوان في سر ولا علانية {ولا متخذات أخدان} يعني أخلاء {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة} يعني إذا تزوجت حرًا ثم زنت {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} قال: من الجلد {ذلك لمن خشي العنت} هو الزنا فليس لأحد من الأحرار أن ينكح أمة إلا أن لا يقدر على حرة وهو يخشى العنت {وأن تصبروا} عن نكاح الإماء {فهو خير لكم}.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة، ومن وجد طولًا لحرة فلا ينكح أمة».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد {ومن لم يستطع منكم طولًا} يعني من لم يجد منكم غنى {أن ينكح المحصنات} يعني الحرائر فلينكح الأمة المؤمنة {وأن تصبروا} عن نكاح الإماء {خير لكم} وهو حلال.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن عبد الله. أنه سئل عن الحر يتزوّج الأمة، فقال: إذا كان ذا طول فلا. قيل إن وقع حب الأمة في نفسه؟ قال: إن خشي العنت فليتزوجها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال: إنما أحل الله نكاح الإماء إن لم يستطع طولًا، وخشي العنت على نفسه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد قال: مما وسع الله به على هذه الأمة واليهودية والنصرانية، وإن كان موسرًا.
وأخرج ابن جرير عن السدي {من فتياتكم} قال: من إمائكم.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن مجاهد قال: لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب، إن الله يقول: {من فتياتكم المؤمنات}.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي عن الحسن قال: إنما رخص في الأمة المسلمة لمن لم يجد طولًا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: إنما رخص لهذه الأمة في نكاح نساء أهل الكتاب ولم يرخص لهم في الإماء.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس قال: لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة قال: إنما أحل الله واحدة لمن خشي العنت على نفسه ولا يجد طولًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان ثم قال في التقديم: {والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض}.