فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه} اجتناب الشيء: تركه جانبًا.
وفي الكبائر أحد عشر قولًا.
أحدها: أنها سبع، فروى البخاري، ومسلم في [الصحيحين] من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إِلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
وقد روي هذا الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الكبائر سبع، الإِشراك بالله أولهن، وقتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم بدارًا أن يكبروا، والفرار من الزحف، ورمي المحصنات، وانقلاب إلى أعرابية بعد هجرة».
وروي عن علي رضي الله عنه قال هي سبع، فعدّ هذه. وروي عن عطاء أنه قال: هي سبع، وعدّ هذه، إِلا أنه ذكر مكان الإِشراك والتعرّب شهادة الزور وعقوق الوالدين.
والثاني: أنها تسع، روى عبيد بن عمير، عن أبيه، وكان من الصحابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ما الكبائر؟ فقال: «تسع، أعظمهن الإِشراك بالله، وقتل نفس المؤمن بغير حق، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، والسحر، وأكل الرّبا، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتًا».
والثالث: أنها أربع: روى البخاري، ومسلم في [الصحيحين] من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الكبائِر: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس».
وروى أنس بن مالك قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عنها، فقال: «الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين».
وقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو شهادة الزور».
وروي عن ابن مسعود أنه قال: الكبائِر أربع: الإِشراك بالله، والأمن لمكر الله، والقنوط من رحمة الله، والإِياس من روح الله.
وعن عكرمة نحوه.
والرابع: أنها ثلاث، فروى عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئا فاحتفز قال: والزور» وروى البخاري، ومسلم في الصحيحين، من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، فقال: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
وأخرجا في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أكبر؟ قال: «أن تجعل لله تعالى ندًا وهو خلقك». قلت ثم أي؟ قال: «ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك».
والخامس: أنها مذكورة من أوّل السورة إِلى هذه الآية، قاله ابن مسعود، وابن عباس.
والسادس: أنها إِحدى عشرة: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات، وشهادة الزور، والسحر، والخيانة.
روي عن ابن مسعود أيضا.
والسابع: أنها كل ذنب يختمه الله بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس.
والثامن: أنها كل ما أوجب الله عليه النار في الآخرة، والحدّ في الدنيا، روى هذا المعنى أبو صالح، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والتاسع: أنها كلُّ ما عُصي الله به، روي عن ابن عباس، وعبيدة، وهو قول ضعيف.
والعاشر: أنها كل ذنب أوعَدَ الله عليه النار، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك في رواية، والزجاج. والحادي عشر: أنها ثمان، الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل المؤمن، وقذف المحصنة، والزنا، وأكل مال اليتيم، وقول الزور، واقتطاع الرجل بيمينه، وعهدِه ثمنًا قليلًا. رواه مُحْرزِ، عن الحسن البصري. اهـ.

.قال الثعلبي:

فصل في تفصيل أقاويل أهل التأويل في عدد الكبائر مجموعة من الكتاب والسنة مقرونة بالدليل والحجة:
أحدها: الإشراك بالله لقوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}.
الثاني: الإياس من روح الله لقوله: {وَلا تَيَأسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ} الآية.
والثالث: القنوط من رحمة الله لقوله: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّآلُّونَ}.
والرابع: الأمن من مكر الله لقوله: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.
والخامس: عقوق الوالدين لقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إلا إياه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
والسادس: قتل النفس التي حرّم الله لقوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}.
والسابع: قذف المحصنة لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} الآية.
والثامن: الفرار من الزحف لقوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا} الآية.
التاسع: أكل الربا لقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَوا} الآية.
والعاشر: السحر لقوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} الآية.
والحادي عشر: الزنا: {وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا}.
والثاني عشر: اليمين الكاذبة لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا}.
والثالث عشر: منع الزكاة لقوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآيتين.
والرابع عشر: الغلول لقوله: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}.
والخامس عشر: شهادة الزور لقوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} الآية.
والسادس عشر: الميسر وهو القمار لقوله: {الميسر والأنصاب والأزلام}.
والسابع عشر: شرب الخمر لقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية.
والثامن عشر: ترك الصلاة متعمدًا لقوله: {حَافِظُوا عَلَى الصلواتِ} الآية.
والتاسع عشر: قطيعة الرحم لقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الذي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأرحام} وقوله: {وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله}.
والعشرون: الحيف من الوصية لقوله: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} الآية.
والحادي والعشرون: أكل مال اليتيم لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية.
والثاني والعشرون: التغرب بعد الهجرة لقوله: {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شيئا}.
والثالث والعشرون: استحلال الحرم لقوله: {تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}، وقوله: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد}.
والرابع والعشرون: الارتداد لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} الآية.
والخامس والعشرون: نقض العهد لقوله: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ}.
فذلك قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كبائر}. اهـ.

.قال الفخر:

اختلف الناس في أن الله تعالى هل ميز جملة الكبائر عن جملة الصغائر أم لا؟
فالأكثرون قالوا: إنه تعالى لم يميز جملة الكبائر عن جملة الصغائر، لأنه تعالى لما بين في هذه الآية أن الاجتناب عن الكبائر يوجب تكفير الصغائر، فإذا عرف العبد أن الكبائر ليست إلا هذه الأصناف المخصوصة، عرف أنه متى احترز عنها صارت صغائره مكفرة فكان ذلك إغراء له بالاقدام على تلك الصغائر، والاغراء بالقبيح لا يليق بالجملة، أما إذا لم يميز الله تعالى كل الكبائر عن كل الصغائر، ولم يعرف في شيء من الذنوب أنه صغيرة، ولا ذنب يقدم عليه إلا ويجوز كونه كبيرة فيكون ذلك زاجرًا له عن الإقدام عليه.
قالوا: ونظير هذا في الشريعة إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات وليلة القدر في ليالي رمضان، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة، ووقت الموت في جميع الأوقات.
والحاصل أن هذه القاعدة تقتضي أن لا يبين الله تعالى في شيء من الذنوب أنه صغيرة، وأن لا يبين أن الكبائر ليست إلا كذا وكذا، فإنه لو بين ذلك لكان ما عداها صغيرة، فحينئذ تصير الصغيرة معلومة، ولكن يجوز أن يبين في بعض الذنوب أنه كبيرة.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما تعدون الكبائر» فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: «الإشراك بالله وقتل النفس المحرمة وعقوق الوالدين والفرار من الزحف والسحر وأكل مال اليتيم وقول الزور وأكل الربا وقذف المحصنات الغافلات» وعن عبد الله بن عمر أنه ذكرها وزاد فيها: استحلال آمين البيت الحرام، وشرب الخمر، وعن ابن مسعود أنه زاد فيها: القنوط من رحمة الله واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
وذكر عن ابن عباس أنها سبعة، ثم قال: هي إلى السبعين أقرب.
وفي رواية أخرى إلى السبعمائة أقرب، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
احتج أبو القاسم الكعبي بهذه الآية على القطع بوعيد أصحاب الكبائر فقال: قد كشف الله بهذه الآية الشبهة في الوعيد، لأنه تعالى بعد أن قدم ذكر الكبائر، بين أن من اجتنبها يكفر عن سيآته، وهذا يدل على أنهم إذا لم يجتنبوها فلا تكفر، ولو جاز أن يغفر تعالى لهم الكبائر والصغائر من غير توبة لم يصح هذا الكلام.
وأجاب أصحابنا عنه من وجوه:
الأول: أنكم إما أن تستدلوا بهذه الآية من حيث أنه تعالى لما ذكر أن عند اجتناب الكبائر يكفر السيآت، وجب أن عند عدم اجتناب الكبائر لا يكفرها، لأن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه وهذا باطل.
لأن عند المعتزلة هذا الأصل باطل، وعندنا أنه دلالة ظنية ضعيفة، وإما أن تستدلوا به من حيث أن المعلق بكلمة إن على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء، وهذا أيضا ضعيف، ويدل عليه آيات:
إحداها: قوله: {واشكروا الله إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] فالشكر واجب سواء عبد الله أو لم يعبد.
وثانيها: قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدّ الذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283] وأداء الأمانة واجب سواء ائتمنه أو لم يفعل ذلك.
وثالثها: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان} [البقرة: 282] والاستشهاد بالرجل والمرأتين جائز سواء حصل الرجلان أو لم يحصلا.
ورابعها: {وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فرهان مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] والرهن مشروع سواء وجد الكاتب أو لم يجده.
وخامسها: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] والاكراه على البغاء محرم، سواء أردن التحصن أو لم يردن.
وسادسها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا تُقْسِطُواْ في اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء} [النساء: 3] والنكاح جائز سواء حصل ذلك الخوف أو لم يحصل، وسابعها: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] والقصر جائز، سواء حصل الخوف أو لم يحصل.