فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك. فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم. فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال فقال: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} فقذف ما كان من عهد يتوارث به وصارت المواريث لذوي الأرحام.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعًا ليس له شيء. فأنزل الله: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} فكان يعطي من ميراثه، فأنزل الله بعد ذلك {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {والذين عقدت أيمانكم} الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم {فآتوهم نصيبهم} إذا لم يأت رحم يحول بينهم. قال: وهو لا يكون اليوم، إنما كان نفر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وانقطع ذلك، وهذا لا يكون لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، كان آخى بين المهاجرين والأنصار، واليوم لا يؤاخى بين أحد.
وأخرج ابن جرير والنحاس عن سعيد بن المسيب قال: إنما أنزلت هذه الآية في الحلفاء، والذين كانوا يتبنون رجالًا غير أبنائهم ويورثونهم. فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيبًا في الوصية، ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس عن مجاهد {ولكل جعلنا موالي} قال: العصبة {والذين عقدت أيمانكم} قال: الحلفاء {فآتوهم نصيبهم} قال: من العقل والنصر والرفادة.
وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد ابنة الربيع، وكانت يتيمة في حجر أبي، فقرأت عليها {والذين عقدت أيمانكم} فقالت: لا ولكن {والذين عقدت أيمانكم} إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى أن يسلم، فحلف أبو بكر أن لا يورثه، فلما أسلم أمره الله أن يورثه نصيبه.
وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد، أنه كان يقرأ {عقدت أيمانكم}.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم. أنه قرأ {والذين عقدت} خفيفة بغير ألف.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: كان الرجل في الجاهلية يأتي القوم فيعقدون له، أنه رجل منهم إن كان ضرًا أو نفعًا أو دمًا فإنه فيهم مثلهم، ويأخذون له من أنفسهم مثل الذي يأخذون منه، فكانوا إذا كان قتال قالوا: يا فلان أنت منا فانصرنا، وإن كانت منفعة قالوا: أعطنا أنت منا، ولم ينصروه كنصرة بعضهم بعضًا إن استنصر، وإن نزل به أمر أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم، ولم يعطوه مثل الذين يأخذون منه.
فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه وتحرجوا من ذلك وقالوا: قد عاقدناهم في الجاهلية. فأنزل الله: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} قال: «أعطوهم مثل الذين تأخذون منهم».
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي مالك {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} قال: هو حليف القوم يقول: أشهدوه أمركم ومشورتكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد الفتح «فوا بحلف الجاهلية، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وابن جرير والنحاس عن جبير بن مطعم. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام، وتمسكوا بحلف الجاهلية».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رفعه «كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا جدة وشدة». اهـ.

.تفسير الآية رقم (34):

قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

بين سبحانه وجه استحقاق بعض المفضلين، فقال- جوابًا لسؤال من كأنه قال: ما للرجال فضلوا؟- {الرجال قوامون} أي قيام الولاة {على النساء} في التأديب والتعليم وكل أمر ونهي، وبين سببي ذلك بقوله: {بما فضل الله} أي الذي له الحكمة البالغة والكمال الذي لا يدانى، هبة منه وفضلًا نم غير تكسب {بعضهم} وهم الرجال، في العقل والقوة والشجاعة، ولهذا كان فيهم الأنيباء والولاة والإمامة الكبرى والولاية في النكاح ونحو ذلك من كل أمر يحتاج إلى فضل قوة في البدن والعقل والدين {على بعض} يعني النساء، فقال للرجال {انفروا خفافًا وثقالًا} [التوبة: 41] وقال للنساء: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب: 33].
ولما ذكر السبب الموهبي أتبعه الكسبي فقال: {وبما أنفقوا} أي من المهور والكسى وغيرها {من أموالهم} أي عليهن، فصارت الزيادة في أحد الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر.
ولما بان بذلك فضلهم، فأذعنت النفس لما فضلوا به في الإرث وغيره، وكان قد تقدم ذكر نكاحهم للنساء والحث على العدل فيهن؛ حسن بيان ما يلزم الزوجات من حقوقهم وتأديب من جحدت الحق، فقال مسببًا لما يلزمهن من حقوقهم عما ذكر من فضلهم {فالصالحات قانتات} أي مخلصات في طاعة الأزواج، ولذلك ترتب عليه {حافظات للغيب} أي لحقوق الأزواج من الأنفس والبيوت والأموال في غيبتهم عنهن {بما} أي بالأمر الذي {حفظ الله} أي المحيط علمًا وقدرة به غيبتهم بفعله فيه فعل من يحفظ من الترغيب في طاعتهم فيما يرضي الله والترهيب من عصيانهم بما يسخطه، ورعي الحدود التي أشار إليها سبحانه من البقرة، وشرحتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما عرف بالصالحات لاستحقاق الإنفاق في اللوازم أتبعه حكم غيرهن فقال: {واللاّتي تخافون نشوزهن} أي ترفعهن عليكم عن الرتبة التي أقامهن الله بها، وعصيانهن لكم فيما جعل الله لكم من الحق، وأصل النشوز: الانزعاج في ارتفاع، قال الشافعي: دلالات النشوز قد تكون قولًا، وقد تكون فعلًا، فالقول مثل أن كانت تلبيه إذا دعاها، وتخضع له بالقول إذا خاطبها، ثم تغيرت؛ والفعل مثل أن كانت تقوم له إذا دخل إليها، أو كانت تسارع إلى أمره، وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها، ثم إذا تغيرت فحينئذ ظن نشوزها؛ ومقدمات هذه الأحوال توجب خوف النشوز {فعظوهن} أي ذكروهن من أمر الله بما يصدع قلوبهن ويرققها ويخيفهن من جلال الله.
ولما كان الوعظ موجبًا لتحقق الطاعة أو المعصية قال: {واهجروهن} أي إن لم يرجعن بالوعظ {في المضاجع} أي التي كنتم تبيتون معهن فيها من البيت، وفي ضمن الهجر امتناعه من كلامها؛ قال الشافعي: ولا يزيد في هجرة الكلام على ثلاث {واضربوهن} أي إن أصررن ضرب تأديب غير مبرح، وهو ما لا يكسر عظمًا ولا يشين عضوًا، ويكون مفرقًا على بدناه ولا يوالي به في موضع واحد، ويتقي الوجه لأنه مجمع المحاسن، ويكون دون الأربعين؛ قال الشافعي: الضرب مباح وتركه أفضل {فإن أطعنكم} أي بشيء من الوعظ، والهجر في موضع المبيت من البيت، أو الضرب {فلا تبغوا} أي تطلبوا {عليهن سبيلًا} أي طريقًا إلى الأذى على ما سلف من العصيان من توبيخ على ما سلف نحوه، بما لكم عليهن من العلو، بل اغفروا لهن ما سلف، ولا يحملنكم ما منحكم الله من العلو على المناقشة، ثم علل ذلك بقوله: {إن الله} أي وقد علمتم ما له من الكمال {كان} ولم يزل {عليًا كبيرًا} أي له العلو والكبر على الاطلاق بكمال القدرة ونفوذ المشيئة فهو لا يحب الباغي ولا يقره على بغيه، وقدرته عليكم أعظم من قدرتكم عليهن، وهو مع ذلك يعفو عمن عصاه وإن ملأ الأرض خطايا- إذا أطاعه، ولا يؤاخذه بشيء مما فرط في حقه، بل يبدل سيئاته حسنات، فلو أخذكم بذنوبكم أهلككم؛ فتخلقوا بما قدرتم عليه من صفاته لتنالوا جليل هباته، وخافوا سطواته، واحذروا عقوبته، بما له من العلو والكبر. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى قال: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} [النساء: 32] وقد ذكرنا أن سبب نزول هذه الآية أن النساء تكلمن في تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث، فذكر تعالى في هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء، فإنهما وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منهما بالآخر، أمر الله الرجال أن يدفعوا إليهن المهر، ويدروا عليهن النفقة فصارت الزيادة من أحد الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر، فكأنه لا فضل ألبتة، فهذا هو بيان كيفية النظم. اهـ.

.سبب نزول الآية:

قال القرطبي:
الآية نزلت في سعد بن الربيع نَشَزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها؛ فقال أبوها: يا رسول الله، أفرشتهُ كريمتي فلطمها فقال عليه السلام: «لِتَقْتَصّ من زوجها».
فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال عليه السلام: «ارجعوا: هذا جبريل أتاني» فأنزل الله هذه الآية فقال عليه السلام: «أردنا أمْرًّا وأراد الله غيره» وفي رواية أُخرى: «أردتُ شيئًا وما أراد الله خير» ونقض الحكم الأوّل.
وقد قيل: إن في هذا الحكم المردود نزل {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114].
ذكر إسماعيل بن إسحاق قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال وعارِم بن الفَضْل واللفظ لحجاج قال حدّثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول: إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زَوْجي لطم وجهي. فقال: «بينكما القصاص»، فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}.
وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء}.
وقال أبو رَوْق: نزلت في جميلة بنت أبيّ وفي زوجها ثابت بن قيس بن شمّاس.
وقال الكلبي: نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها سعد بن الربيع.
وقيل؛ سببها قولُ أمِّ سلمة المتقدّم.
ووجه النظم أنهنّ تكلمنّ في تفضيل الرجال على النساء في الإرث، فنزلت {وَلاَ تَتَمَنَّوا} الآية.
ثم بيّن تعالى أنّ تفضيلهم عليهنّ في الإرث لِما على الرجال من المهر والإنفاق؛ ثم فائدة تفضيلهم عائدةٌ إليهنّ.
ويقال: إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير؛ فجعل لهم حق القيام عليهنّ لذلك.
وقيل: للرجال زيادة قوّة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوّة وشدّة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف؛ فجعل لهم حق القيام عليهنّ بذلك، وبقوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

القوام: اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في بنت محمد بن سلمة وزوجها سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار، فإنه لطمها لطمة فنشزت عن فراشه وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وذكرت هذه الشكاية، وأنه لطمها وأن أثر اللطمة باق في وجهها، فقال عليه الصلاة والسلام: «اقتصي منه ثم قال لها اصبري حتى أنظر» فنزلت هذه الآية: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء} أي مسلطون على أدبهن والأخذ فوق أيديهن، فكأنه تعالى جعله أميرا عليها ونافذ الحكم في حقها، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أردنا أمرًا وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير» ورفع القصاص، ثم انه تعالى لما أثبت للرجال سلطنة على النساء ونفاذ أمر عليهن بين أن ذلك معلل بأمرين، أحدهما: قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} [النساء: 34].
واعلم أن فضل الرجل على النساء حاصل من وجوه كثيرة، بعضها صفات حقيقية، وبعضها أحكام شرعية، أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم، وإلى القدرة، ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر، ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة، والكتابة في الغالب والفروسية والرمي، وأن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص بالاتفاق، وفي الأنكحة عند الشافعي رضي الله عنه، وزيادة النصيب في الميراث والتعصيب في الميراث، وفي تحمل الدية في القتل والخطأ، وفي القسامة والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب، فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء.
والسبب الثاني: لحصول هذه الفضيلة: قوله تعالى: {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أموالهم} يعني الرجل أفضل من المرأة لأنه يعطيها المهر وينفق عليها. اهـ.