فصل: من فوائد ابن عطية في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{والتى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي ترفعهن عن مطاوعتكم وعصيانهن لكم، من النشز بسكون الشين وفتحها وهو المكان المرتفع ويكون بمعنى الارتفاع {فَعِظُوهُنَّ} أي فانصحوهن وقولوا لهن اتقين الله وارجعن عما أنتن عليه، وظاهر الآية ترتب هذا على خوف النشوز وإن لم يقع وإلا لقيل نشزن، ولعله غير مراد ولذا فسر في [التيسير] {تَخَافُونَ} بتعلمون، وبه قال الفراء كما نقله عنه الطبرسي وجاء الخوف بهذا كما في [القاموس]، وقيل: المراد: تخافون دوام نشوزهن أو أقصى مراتبه كالفرار منهم في المراقد.
واختار في [البحر] في الكلام مقدرًا وأصله: واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن فعظوهن، وهو خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن.
{واهجروهن في المضاجع} أي مواضع الاضطجاع، والمراد: أتركوهن منفردات في مضاجعهن فلا تدخلونهن تحت اللحف ولا تباشروهن فيكون الكلام كناية عن ترك جماعهن، وإلى ذلك ذهب ابن جبير، وقيل: المراد أهجروهن في الفراش بأن تولوهن ظهوركم فيه ولا تلتفتوا إليهن، وروي ذلك عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه ولعله كناية أيضًا عن ترك الجماع، وقيل: المضاجع المبايت أي أهجروا حجرهن ومحل مبيتهن، وقيل: {فِى} للسببية أي أهجروهن بسبب المضاجع أي بسبب تخلفهن عن المضاجعة، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه عنه ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى، فالهجران على هذا بالمنطق، قال عكرمة: بأن يغلظ لها القول، وزعم بعضهم أن المعنى أكرهوهن على الجماع واربطوهن من هجر البعير إذا شده بالهجار، وتعقبه الزمخشري بأنه من تفسير الثقلاء، وقال ابن المنير: لعل هذا المفسر يتأيد بقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} فإنه يدل على تقدم إكراه في أمر ما، وقرينة {المضاجع} ترشد إلى أنه الجماع، فإطلاق الزمخشري لما أطلقه في حق هذا المفسر من الإفراط انتهى، وأظن أن هذا لو عرض على الزمخشري لنظم قائله في سلك ذلك المفسر، ولعدّ تركه من التفريط؛ وقرئ {في المضطجع} و{المضجع}.
{واضربوهن} يعني ضربًا غير مبرح كما أخرجه ابن جرير عن حجاج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفسر غير المبرح بأنت لا يقطع لحمًا ولا يكسر عظمًا.
وعن ابن عباس أنه الضرب بالسواك ونحوه، والذي يدل عليه السياق والقرينة العقلية أن هذه الأمور الثلاثة مترتبة فإذا خيف نشوز المرأة تنصح ثم تهجر ثم تضرب إذ لو عكس استغنى بالأشدّ عن الأضعف، وإلا فالواو لا تدل على الترتيب وكذا الفاء في {فَعِظُوهُنَّ} لا دلالة لها على أكثر من ترتيب المجموع، فالقول بأنها أظهر الأدلة على الترتيب ليس بظاهر، وفي [الكشف] الترتيب مستفاد من دخول الواو على أجزئه مختلفة في الشدة والضعف مترتبة على أمر مدرج، فإنما النص هو الدال على الترتيب.
هذا وقد نص بعض أصحابنا أن للزوج أن يضرب المرأة على أربع خصال وما هو في معنى الأربع ترك الزينة والزوج يريدها وترك الإجابة إذا دعاها إلى فراشه وترك الصلاة في رواية والغسل، والخروج من البيت إلا لعذر شرعي، وقيل: له أن يضربها متى أغضبته، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه فإذا غضب على واحدة منا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها، ولا يخفى أن تحمل أذى النساء والصبر عليهن أفضل من ضربهن إلا لداع قوي، فقد أخرج ابن سعد والبيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله تعالى عنه قالت: كان الرجال نهوا عن ضرب النساء ثم شكوهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى بينهم وبين ضربهن، ثم قال: «ولن يضرب خياركم» وذكر الشعراني قدس سره أن الرجل إذا ضرب زوجته ينبغي أن لا يسرع في جماعها بعد الضرب وكأنه أخذ ذلك مما أخرجه الشيخان وجماعة عن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم» وأخرج عبد الرزاق عن عائشة رضي الله تعالى عنها بلفظ: «أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره» وللخبر محمل آخر لا يخفى.
{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} أي وافقنكم وانقدن لما أوجب الله تعالى عليهن من طاعتكم بذلك كما هو الظاهر {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أي فلا تطلبوا سبيلًا وطريقًا إلى التعدي عليهن، أو لا تظلموهن بطريق من الطرق بالتوبيخ اللساني والأذى الفعلي وغيره واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن، فالبغي إما بمعنى الطلب، و{سَبِيلًا} مفعوله والجار متعلق به، أو صفة النكرة قدم عليها، وإما بمعنى الظلم، و{سَبِيلًا} منصوب بنزع الخافض، وعن سفيان بن عيينة أن المراد فلا تكلفوهن المحبة، وحاصل المعنى إذا استقام لكم ظاهرهن فلا تعتلوا عليهن بما في باطنهن {إِنَّ الله كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} فاحذروه فإن قدرته سبحانه عليكم أعظم من قدرتكم على من تحت أيديكم منهن، أو أنه تعالى على علو شأنه وكمال ذاته يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم إذا تبتم فتجاوزوا أنتم عن سيئات أزواجكم واعفوا عنهن إذا تبن، أو أنه تعالى قادر على الانتقام منكم غير راض بظلم أحد، أو أنه سبحانه مع علوه المطلق وكبريائه لم يكلفكم إلا ما تطيقون فكذلك لا تكلفوهن إلا ما يطقن. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
{الرّجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} قيل: سبب نزول هذه الآية أنَّ امرأة لطمها زوجها فاستعدت، فقضى لها بالقصاص، فنزلت.
فقال صلى الله عليه وسلم: «أردت أمرًا وأراد الله غيره» قاله: الحسن، وقتادة، وابن جريج، والسدي وغيرهم.
فذكر التبريزي والزمخشري وابن عطية: أنها حبيبة بنت زيد بن أبي زهير زوج الربيِّع بن عمر، وأحد النقباء من الأنصار.
وطولوا القصة وفي آخرها: فرفع القصاص بين الرجل والمرأة، وقال الكلبي: هي حبيبة بنت محمد بن سلمة زوج سعيد بن الربيع.
وقال أبو روق: هي جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى زوج ثابت بن قيس بن شماس.
وقيل: نزل معها: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} وفي سبب من عين المرأة أن زوجها لطمها بسبب نشوزها.
وقيل: سبب النزول قول أم سلمة المتقدم: لما تمنى النساء درجة الرجال عرفن وجه الفضيلة قيل: المراد بالرجال هنا من فيهم صدامة وحزم، لا مطلق من له لحية.
فكم من ذي لحية لا يكون له نفع ولا ضر ولا حرم، ولذلك يقال: رجل بين الرجولية والرجولة.
ولذلك ادعى بعض المفسرين أنَّ في الكلام حذفا تقديره: الرجال قوامون على النساء إن كانوا رجالًا.
وأنشد:
أكل امرىء تحسبن امرأ ** ونار توقد بالليل نارًا

والذي يظهر أنَّ هذا إخبار عن الجنس لم يتعرض فيه إلى اعتبار أفراده، كأنه قيل: هذا الجنس قوام على هذا الجنس.
وقال ابن عباس: قوّامون مسلطون على تأديب النساء في الحق.
ويشهد لهذا القول طاعتهن لهم في طاعة الله.
وقوام: صفة مبالغة، ويقال: قيام وقيم، وهو الذي يقوم بالأمر ويحفظه.
وفي الحديث: «أنت قيّام السموات والأرض ومن فيهن» والباء في بما للسبب، وما مصدرية أي: بتفضيل الله.
ومن جعلها بمعنى الذي فقد أبعد، إذ لا ضمير في الجملة وتقديره محذوفًا لا مسوّغ لحذفه، فلا يجوز.
والضمير في بعضهم عائد على الرجال والنساء.
وذكر تغليبًا للمذكر على المؤنث، والمراد بالبعض الأول الرجال، وبالثاني النساء.
والمعنى: أنهم قوّامون عليهن بسبب تفضيل الله الرجال على النساء، هكذا قرروا هذا المعنى.
قالوا: وعدل عن الضميرين فلم يأت بما فضل الله عليهن لما في ذكر بعض من الإبهام الذي لا يقتضي عموم الضمير، فرب أنثى فضلت ذكرًا.
وفي هذا دليل على أن الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة، وذكروا أشياء مما فضل به الرجال على النساء على سبيل التمثيل.
فقال الربيع: الجمعة والجماعة.
وقال الحسن: النفقة عليهن.
وينبو عنه قوله: {وبما أنفقوا}.
وقيل: التصرف والتجارات.
وقيل: الغزو، وكمال الدين، والعقل.
وقيل: العقل والرأي، وحل الأربع، وملك النكاح، والطلاق، والرجعة، وكمال العبادات، وفضيلة الشهادات، والتعصيب، وزيادة السهم في الميراث، والديات، والصلاحية للنبوة، والخلافة، والإمامة، والخطابة، والجهاد، والرمي، والآذان، والاعتكاف، والحمالة، والقسامة، وانتساب الأولاد، واللحى، وكشف الوجوه، والعمائم التي هي تيجان العرب، والولاية، والتزويج، والاستدعاء إلى الفراش، والكتابة في الغالب، وعدد الزوجات، والوطء بملك اليمين.
وبما أنفقوا من أموالهم: معناه عليهن، وما: مصدرية، أو بمعنى الذي، والعائد محذوف فيه مسوّغ الحذف.
قيل: المعنى بما أخرجوا بسبب النكاح من مهورهن، ومن النفقات عليهن المستمرة.
وروى معاذ: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها» قال القرطبي: فهم الجمهور من قوله: {وبما أنفقوا من أموالهم}، أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قوامًا عليها، وإذا لم يكن قوامًا عليها كان لها فسخ العقد لزوال المعقود الذي شرع لأجله النكاح.
وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة، وهو مذهب مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يفسخ لقوله: {وإن كان ذو عسرة فنظِرة إلى ميسرة}.
{فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} قال ابن عباس: الصالحات المحسنات لأزواجهنّ، لأنهن إذا أحسن لأزواجهن فقد صلح حالهن معهم.
وقال ابن المبارك: المعاملات بالخير.
وقيل: اللائي أصلحن الله لأزواجهن قال تعالى: {وأصلحنا له زوجه} وقيل: اللواتي أصلحن أقوالهن وأفعالهن.
وقيل: الصلاة الدين هنا.
وهذه الأقوال متقاربة.
والقانتات: المطيعات لأزواجهن، أو لله تعالى في حفظ أزواجهن، وامتثال أمرهم، أو لله تعالى في كل أحوالهن، أو قائمات بما عليهن للأزواج، أو المصليات، أقوال آخرها للزجاج.
حافظات للغيب: قال عطاء وقتادة: يحفظن ما غاب عن الأزواج، وما يجب لهن من صيانة أنفسهن لهن، ولا يتحدثن بما كان بينهم وبينهن.