فصل: قال الصابوني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أشار للأول بقوله تعالى: {بِمَا فَضّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} والضمير للرجال والنساء جميعًا، يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم، وهم الرجال، على بعض، وهم النساء، وقد ذكروا، في فضل الرجال، العقل والحزم والعزم والقوة والفروسية والرمي، وإن منهم الأنبياء وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والشهادة في مجامع القضايا والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج وزيادة السهم والتعصيب، وهم أصحاب اللحى والعمائم، والكامل بنفسه له حق الولاية على الناقص.
وأشار للثاني بقوله سبحانه: {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} في مهورهن ونفقاتهن فصرن كالأرقاء، ولكون القوامين في معنى السادات وجبت عليهن طاعتهم، كما يجب على العبيد طاعة السادات.
وروى ابن مردويه عن علي رَضِي اللّهُ عَنْهُ قال: أتى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم رجل من الأنصار بامرأة، فقالت: يا رسول الله! إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري، وإنه ضربها فأثر في وجهها، فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «ليس له ذلك».
فأنزل الله تعالى: {الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاء} في الأدب، فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «أردت أمرًا وأراد الله غيره»، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم مرسلًا من طرق.
قال السيوطيّ: وشواهده يقوي بعضها بعضًا، وقال عليّ بن أبي طلحة في هذه الآية عن ابن عباس: يعني أمراء عليهن، أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعة، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.
وروى الترمذيّ عن أبي هريرة أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
{فَالصّالِحَاتُ} أي: من النساء.
{قَانِتَاتٌ} أي: مطيعات لله في أزواجهن.
{حَافِظَاتٌ لّلْغَيْبِ} قال الزمخشري: الغيب خلاف الشهادة، أي: حافظات لمواجب الغيب، إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة، من الفروج والأموال والبيوت.
{بِمَا حَفِظَ اللّهُ} أي: بحفظ الله إياهن وعصمتهن بالتوفيق لحفظ الغيب، فالمحفوظ من حفظه الله، أي: لا يتيسر لهن حفظ إلا بتوفيق الله، أو المعنى: بما حفظ الله لهن من إيجاب حقوقهن على الرجال، أي: عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن، حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن، فقوله: {بما حفظ الله}، يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك، أي: في مقابلته.
وجعل المهايمي الباء للاستعانة حيث قال: مستعينات بحفظه مخافة أن يغلب عليهن نفوسهن، وإن بلغن من الصلاح ما بلغن. انتهى.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعًا: «خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت حفظتك في نفسها ومالك، قال: ثم قرأ رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم هذه الآية: {الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاء} إلى آخرها».
وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «إِذَا صَلّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنّةَ مِنْ أي: الأَبْوَابِ شِئْتِ».
تنبيه:
قال السيوطيّ في [الإكليل]: في قوله تعالى: {الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاء}: إن الزوج يقوم بتربية زوجته وتأديبها ومنعها من الخروج وإن عليها طاعته إلا في معصية، وإن ذلك لأجل ما يجب لها عليه من النفقة، ففهم العلماء من هذا أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قوامًا عليها، وسقط ما له من منعها من الخروج.
واستدل بذلك من أجاز لها الفسخ حينئذ، ولأنه إذا خرج من كونه قوامًا عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح.
واستدل بالآية من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها، فلا تتصرف فيه إلا بإذنه، لأنه جعله {قوامًا} بصيغة المبالغة، وهو الناظر في الشيء الحافظ له.
واستدل بها على أن المرأة لا تجوز أن تلي القضاء كالإمامة العظمى، لأنه جعل الرجال قوامين عليهن، فلم يجز أن يقمن على الرجال. انتهى.
{وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ} أي: عصيانهن وسوء عشرتهن وترفعهن عن مطاوعتكم، من (النشز) وهو ما ارتفع من الأرض يقال: نشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها: استعصت عليه، وارتفعت عليه وأبغضته، وخرجت عن طاعته.
{فَعِظُوهُنّ} أي: خوفوهن بالقول، كاتقي الله، واعلمي أن طاعتك لي فرض عليك، واحذري عقاب الله في عصياني، وذلك لأن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا». رواه الترمذيّ، عن أبي هريرة والإمام أحمد عن معاذ، والحاكم عن بريدة.
وروى البخاريّ عن أبي هريرة رَضِي اللّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «إِذَا دَعَا الرّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ»، ورواه مسلم، ولفظه: «إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ».
{وَاهْجُرُوهُنّ} بعد ذلك إن لم ينفع الوعظ والنصيحة.
{فِي المضَاجِعِ} أي: المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن، فيكون كناية عن الجماع.
قال حماد بن سلمة البصري: يعني النكاح، وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره، وكذا قال غير واحد.
وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة وابن عباس (في رواية): ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها، وقيل: المضاجع المبايت، أي: لا تبايتوهن.
وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طمعتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت.
{وَاضْرِبُوهُنّ} إن لم ينجع ما فعلتم من العظمة والهجران، ضربًا غير مبرح أي: شديد ولا شاق، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أنه قال في حجة الوداع: «واتقوا الله في النساء، فإنهن عوانٍ عندكم، وَلَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرّحٍ».
قال الفقهاء: هو أن لا يجرحها، ولا يكسر لها عظمًا، ولا يؤثر شينًا، ويجتنب الوجه لأنه مجمع المحاسن، ويكون مفرّقًا على بدنها، ولا يوالي به في موضع واحد لئلا يعظم ضرره، ومنهم من قال: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف، أو بيده! لا بسوط ولا عصا، قال عطاء: ضرب بالسواك.
قال الرازي: وبالجملة، فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه، والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق، وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب، فإن ظاهر اللفظ، وإن دل على الجمع، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب.
قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربًا غير مبرح، ولا تكسر لها عظمًا، فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية.
وقال آخرون: هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز، أما عند تحققه فلا بأس بالجمع بين الكل.
وعن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم». رواه عبد بن حميد والطبراني عن ابن عباس، وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر.
{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنّ سَبِيلًا} أي: إذا رجعن عن النشوز عند هذا التأديب إلى الطاعة في جميع ما يراد منهن مما أباحه الله منهن، فلا سبيل للرجال عليهن بعد ذلك بالتوبيخ والأذية بالضرب والهجران.
{إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيّا كَبِيرًا} فاحذروه، تهديد للأزواج على ظلم النسوان من غير سبب، فإنهن، وإن ضعفن عن دفع ظلمكم، وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله سبحانه عليّ قاهر كبير قادر، ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، فلا تغتروا بكونكم أعلى يدًا منهم وأكبر درجة منهن، فإن الله أعلى منكم وأقدر منكم عليهن، فَخَتْمُ الآية بهذين الاسمين، فيه تمام المناسبة. اهـ.

.قال الصابوني:

لعل أخبث ما يتخذه أعداء الإِسلام للطعن في الشريعة الإِسلامية زعمهم أن الإِسلام أهان المرأة حين سمح للرجل أن يضربها ويقولون: كيف يسمح القرآن بضرب المرأة {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} أفليس إِهانة للمرأة واعتداءً على كرامتها؟!
والجواب: نعم لقد أذن الحكيم العليم بضربها ولكن متى يكون الضرب؟ ولمن يكون؟ إِن الضرب- ضربًا غير مبرِّح- كما ورد به الحديث الشريف أحد الطرق في معالجة نشوز المرأة وعصيانها لأمر الزوج، فحين تسيء المرأة عشرة زوجها وتركب رأسها وتسير بقيادة الشيطان وتقلب الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحالة؟! لقد أرشدنا القرآن الكريم إلى الدواء فأمر بالصبر والأناة، ثم بالوعظ والإِرشاد، ثم بالهجر في المضاجع، فإِذا لم تنجح كل هذه الوسائل فلابد من سلوك طريق آخر هو الضرب غير المبرح لكسر الغطرسة والكبرياء، وهذا أقل ضررًا من إِيقاع الطلاق عليها، وإِذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأكبر كان حسنًا وجميلًا وما أحسن ما قيل وعند ذكر العمى يُستحسن العَوَر فالضرب طريق من طرق العلاج ينفع في بعض الحالات التي يستعصي فيها الإِصلاح باللطف والإِحسان والجميل {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]!!. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، أول ما نلتفت إليه أن بعضهم لم يفسروا الآية إلاّ على الرجل وزوجته على الرغم من أنَّ الآية تكلمت عن مطلق رجال ومطلق نساء، فليست الآية مقصورة على الرجل وزوجه، فالأب قوام على البنات، والأخ على أخواته. ولنفهم أولًا {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} وماذا تعني؟ وننظر أهذه تعطي النساء التفوق والمركز أم تعطيهن التعب. والحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم قضية كونية، فهو الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه وأوضح القضية الإيمانية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} والذي يخالف فيها عليه أن يوضح- إن وجد- ما يؤدي إلى المخالفة، والمرأة التي تخاف من هذه الآية، نجد أنها لو لم ترزق بولد ذكر لغضبت، وإذا سألناها: لماذا إذن؟ تقول: أريد ابنًا ليحمينا. كيف وأنت تعارضين في هذا الأمر؟
ولنفهم ما معنى قوَّام، القوَّام هو المبالغ في القيام. وجاء الحق هنا بالقيام الذي فيه تعب، وعندما تقول: فلان يقوم على القوم؛ أي لا يرتاح أبدا. إذن فلماذا تأخذ {قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} على أنه كتم أنفاس؟ لماذا لا تأخذها على أنه سعى في مصالحهن؟ فالرجل مكلف بمهمة القيام على النساء، أي أن يقوم بأداء ما يصلح الأمر. ونجد أن الحق جاء بكلمة الرجال على عمومها، وكلمة [النساء] على عمومها، وشيء واحد تكلم فيه بعد ذلك في قوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فما وجه التفضيل؟