فصل: (سورة النساء: الآيات 29- 30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النساء: الآيات 29- 30]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
{بِالْباطِلِ} بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً} إلا أن تقع تجارة. وقرئ تجارة على: إلا أن تكون التجارة تجارة {عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} والاستثناء منقطع. معناه: ولكن اقصدوا كون تجارة عن تراض منكم.
أو ولكن كون تجارة عن تراض غير منهى عنه. وقوله: {عَنْ تَراضٍ} صفة لتجارة، أي تجارة صادرة عن تراض. وخص التجارة بالذكر، لأنّ أسباب الرزق أكثرها متعلق بها.
والتراضي رضا المتبايعين بما تعاقدا عليه في حال البيع وقت الإيجاب والقبول، وهو مذهب أبى حنيفة رحمه اللَّه تعالى. وعند الشافعي رحمه اللَّه تفرّقهما عن مجلس العقد متراضيين {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} من كان من جنسكم من المؤمنين. وعن الحسن: لا تقتلوا إخوانكم، أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة. وعن عمرو بن العاصي: أنه تأوله في التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقرأ على رضى اللَّه عنه {وَلا تَقْتُلُوا} بالتشديد {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ما نهاكم عما يضركم إلا لرحمته عليكم. وقيل: معناه أنه أمر بنى إسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصًا لخطاياهم، وكان بكم يا أمة محمد رحيما حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة ذلِكَ إشارة إلى القتل، أي ومن يقدم على قتل الأنفس {عُدْوانًا وَظُلْمًا} لا خطأ ولا اقتصاصا. وقرئ {عُدْوانًا} بالكسر. ونُصْلِيهِ بتخفيف اللام وتشديدها. و{نُصْلِيهِ} بفتح النون من صلاه يصليه. ومنه شاة مصلية، ويصليه بالياء والضمير للَّه تعالى، أو لذلك، لكونه سببا للصلى نارًا أي نارًا مخصوصة شديدة العذاب وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا لأنّ الحكمة تدعو إليه، ولا صارف عنه من ظلم أو نحوه.

.[سورة النساء: آية 31]:

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}
{كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ} عَنْهُ وقرئ: كبير ما تنهون عنه، أي ما كبر من المعاصي التي ينهاكم اللَّه عنها والرسول {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم، وتجعلها كأن لم تكن، لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها، على عقاب السيئات. والكبيرة والصغيرة إنما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما إما إلى طاعة أو معصية أو ثواب فاعلهما. والتكفير: إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد، أو بتوبة.
والإحباط: نقيضه، وهو إماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد أو بندم على الطاعة. وعن على رضى اللَّه عنه: الكبائر سبع: الشرك، والقتل، والقذف، والزنا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، والتعرّب بعد الهجرة. وزاد ابن عمر: السحر، واستحلال البيت الحرام. وعن ابن عباس: أن رجلا قال له: الكبائر سبع؟ فقال: هي إلى سبعمائة أقرب، لأنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. وروى إلى سبعين. وقرئ: يكفر، بالياء.
و{مُدْخَلًا} بضم الميم وفتحها، بمعنى المكان والمصدر فيهما.

.[سورة النساء: آية 32]:

{وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
{وَلا تَتَمَنَّوْا} نهوا عن التحاسد وعن تمنى ما فضل اللَّه به بعض الناس على بعض من الجاه والمال، لأن ذلك التفضيل قسمة من اللَّه صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد، وبما يصلح المقسوم له من بسط في الرزق أو قبض {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علمًا بأن ما قسم له هو مصلحته، ولو كان خلافه لكان مفسدة له، ولا يحسد أخاه على حظه لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف اللَّه من حاله الموجبة للبسط أو القبض كسبًا له {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} ولا تتمنوا أنصباء غيركم من الفضل، ولكن سلوا اللَّه من خزائنه التي لا تنفد. وقيل: كان الرجال قالوا: إن اللَّه فضلنا على النساء في الدنيا: لنا سهمان ولهن سهم واحد، فنرجو أن يكون لنا أجران في الآخرة على الأعمال ولهنّ أجر واحد، فقالت أم سلمة ونسوة معها: ليت اللَّه كتب علينا الجهاد كما كتبه على الرجال، فيكون لنا من الأجر مثل ما لهم. فنزلت.

.[سورة النساء: آية 33]:

{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
{مِمَّا تَرَكَ} تبيين لكل، أى: ولكل شيء مما ترك {الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} من المال جعلنا موالي وراثا يلونه ويحرزونه: أو ولكل قوم جعلناهم موالي، نصيب مما ترك الوالدان والأقربون على أن {جَعَلْنا مَوالِيَ} صفة لكل، والضمير الراجع إلى كل محذوف، والكلام مبتدأ وخبر، كما تقول: لكل من خلقه اللَّه إنسانا من رزق اللَّه، أي حظ من رزق اللَّه، أو: ولكل أحد جعلنا موالي مما ترك، أي ورّاثا مما ترك، على أن «من» صلة موالي، لأنهم في معنى الورّاث، وفي: {تَرَكَ} ضمير كلّ، ثم فسر الموالي بقوله: {الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} كأنه قيل: من هم؟ فقيل: الوالدان والأقربون وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ مبتدأ ضمن معنى الشرط. فوقع خبره مع الفاء وهو قوله فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ويجوز أن يكون منصوبًا على قولك: زيدًا فاضربه. ويجوز أن يعطف على الوالدان، ويكون المضمر في: {فَآتُوهُمْ} للموالي، والمراد بالذين عاقدت أيمانكم: موالي الموالاة كان الرجل يعاقد الرجل فيقول: دمى دمك، وهدمي هدمك، وثأرى ثأرك، وحربى حربك، وسلمى سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بى وأطلب بك، وتعقل عنى وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف، فنسخ. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه خطب يوم الفتح فقال «ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، فإنه لم يزده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام» وعند أبى حنيفة: لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح عنده وورث بحق الموالاة خلافا للشافعي. وقيل: المعاقدة التبني. ومعنى عاقدت أيمانكم: عاقدتهم أيديكم وماسحتموهم. وقرئ {عَقَدَتْ} بالتشديد والتخفيف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم.

.[سورة النساء: آية 34]:

{الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ يقومون عليهن آمرين ناهين، كما يقوم الولاة على الرعايا. وسموا قوّما لذلك. والضمير في بَعْضَهُمْ للرجال والنساء جميعًا، يعنى إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل اللَّه بعضهم وهم الرجال، على بعض وهم النساء. وفيه دليل على أنّ الولاية إنما تستحق بالفضل، لا بالتغلب والاستطالة والقهر. وقد ذكروا في فضل الرجال: العقل، والحزم، والعزم، والقوّة، والكتابة- في الغالب، والفروسية، والرمي، وأنّ منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد، والأذان، والخطبة، والاعتكاف، وتكبيرات التشريق عند أبى حنيفة، والشهادة في الحدود، والقصاص، وزيادة السهم، والتعصيب في الميراث، والحمالة، والقسامة، والولاية في النكاح والطلاق والرجعة، وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب، وهم أصحاب اللحى والعمائم وَبِما أَنْفَقُوا وبسبب ما أخرجوا في نكاحهنّ من أموالهم في المهور والنفقات. وروى أنّ سعد بن الربيع وكان نقيبا من نقباء الأنصار نشرت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبى زهير، فلطمها، فانطلق بها أبوها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال:
أفرشته كريمتي فلطمها فقال: «لتقتصّ منه» فنزلت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: «أردنا أمرًا وأراد اللَّه أمرا، والذي أراد اللَّه خير»، ورفع القصاص. واختلف في ذلك، فقيل لا قصاص بين الرجل وامرأته فيما دون النفس ولو شجها، ولكن يجب العقل. وقيل: لا قصاص إلا في الجرح والقتل. وأما اللطمة ونحوها فلا قانِتاتٌ مطيعات قائمات بما عليهنّ للأزواج حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ الغيب خلاف الشهادة، أي حافظات لمواجب الغيب إذا كان الأزواج غير شاهدين لهنّ حفظهن ما يجب عليهنّ حفظه في حال الغيبة، من الفروج والبيوت والأموال. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرّتك، وإن أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها» وتلا الآية وقيل: {لِلْغَيْبِ} لأسرارهم بِما حَفِظَ اللَّهُ بما حفظهنّ اللَّه حين أوصى بهنّ الأزواج في كتابه وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام فقال: «استوصوا بالنساء خيرًا» أو بما حفظهنّ اللَّه وعصمهنّ ووفقهنّ لحفظ الغيب، أو بما حفظهنّ حين وعدهنّ الثواب العظيم على حفظ الغيب، وأوعدهنّ بالعذاب الشديد على الخيانة. و«ما» مصدرية.
وقرئ {بِما حَفِظَ اللَّهُ} بالنصب على أنّ ما موصولة، أي حافظات للغيب بالأمر الذي يحفظ حق اللَّه وأمانة اللَّه، وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم. وقرأ ابن مسعود: فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ اللَّه فأصلحوا إليهنّ. نشوزها ونشوصها: أن تعصى زوجها ولا تطمئن إليه وأصله الانزعاج فِي الْمَضاجِعِ في المراقد. أي لا تدخلوهن تحت اللحد أو هي كناية عن الجماع. وقيل: هو أن يوليها ظهره في المضجع وقيل: في المضاجع: في بيوتهن التي يبتن فيها. أي لا تبايتوهن. وقرئ: في المضجع، وفي المضطجع. وذلك لتعرّف أحوالهن وتحقق أمرهن في النشوز. أمر بوعظهن أوّلا، ثم هجرانهن في المضاجع، ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران. وقيل: معناه أكرهوهن على الجماع واربطوهن، من هجر البعير إذا شدّه بالهجار.
وهذا من تفسير الثقلاء. وقالوا: يجب أن يكون ضربا غير مبرِّح لا يجرحها ولا يكسر لها عظما ويجتنب الوجه. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «علق سوطك حيث يراه أهلك» وعن أسماء بنت أبى بكر الصدّيق رضى اللَّه عنهما: كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوّام، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها. ويروى عن الزبير أبيات منها:
وَلَوْلَا بَنُوهَا حَوْلَهَا لَخَبَطْتُهَا

فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى والتوبيخ والتجني، وتوبوا عليهن واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن بعد رجوعهن إلى الطاعة والانقياد وترك النشوز إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا فاحذروه واعلموا أنّ قدرته عليكم أعظم من قدرتكم على من تحت أيديكم.
ويروى أن أبا مسعود الأنصارى رفع سوطه ليضرب غلاما له، فبصر به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فصاح به: أبا مسعود، للَّه أقدر عليك منك عليه، فرمى بالسوط وأعتق الغلام. أو إن اللَّه كان عليًا كبيرًا وإنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه، ثم تتوبون فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن يجيء عليكم إذا رجع.

.[سورة النساء: آية 35]:

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
{شِقاقَ بَيْنِهِما} أصله: شقاقا بينهما، فأضيف الشقاق إلى الظرف على طريق الاتساع، كقوله: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} وأصله: بل مكر في الليل والنهار. أو على أن جعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين، على قولهم: نهارك صائم. والضمير للزوجين. ولم يجر ذكرهما لجرى ذكر ما يدل عليهما، وهو الرجال والنساء حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ رجلا مقنعًا رضيًا يصلح لحكومة العدل والإصلاح بينهما، وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما، لأنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للصلاح، وإنما تسكن إليهم نفوس الزوجين، ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة، وموجبات ذلك ومقتضياته وما يزويانه عن الأجانب ولا يحبان أن يطلعوا عليه. فإن قلت: فهل يليان الجمع بينهما والتفريق إن رأيا ذلك؟ قلت: قد اختلف فيه، فقبل: ليس إليهما ذلك إلا بإذن الزوجين. وقيل: ذلك إليهما، وما جعلا حكمين إلا وإليهما بناء الأمر على ما يقتضيه اجتهادهما. وعن عبيدة السلماني: شهدت عليًا رضى اللَّه عنه وقد جاءته امرأة وزوجها ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما. فقال علىّ رضى اللَّه عنه للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما. فقال الزوج: أما الفرقة فلا. فقال علىّ: كذب واللَّه لا تبرح حتى ترضى بكتاب اللَّه لك وعليك. فقالت المرأة: رضيت بكتاب اللَّه لي وعلىّ. وعن الحسن: يجمعان ولا يفرقان. وعن الشعبي: ما قضى الحكمان جاز. والألف في إِنْ يُرِيدا إِصْلاحًا للحكمين. وفي يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما للزوجين أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه اللَّه، بورك في وساطتهما، وأوقع اللَّه بطيب نفسهما وحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والألفة، وألقى في نفوسهما المودّة والرحمة.
وقيل: الضميران للحكمين، أي إن قصدا إصلاح ذات البين والنصيحة للزوجين يوفق اللَّه بينهما، فيتفقان على الكلمة الواحدة، ويتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض ويتم المراد. وقيل: الضميران للزوجين. أى: إن يريدا إصلاح ما بينهما وطلبا الخير وأن يزول عنهما الشقاق يطرح اللَّه بينهما الألفة، وأبدلهما بالشقاق وفاقا وبالبغضاء مودة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا خَبِيرًا يعلم كيف يوفق بين المختلفين ويجمع بين المفترقين {لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}. اهـ.