فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} يعني أن الشقاق لم يقع بعد، إنما تخافون أن يقع الشقاق، وما هو الشقاق؟ الشقاق مادته من الشق، وشق: أي أبعد شيئًا عن شيء، شققت اللوح: أي أبعدت نصفيه عن بعضهما، إذن فكلمة {شقاق بينهما} تدل على أنهما التحما بالزواج وصارا شيئًا واحدًا، فأي شيء يبعد بين الاثنين يكون شقاقًا إذ بالزواج والمعاشرة يكون الرجل قد التحم بزوجه هذا ما قاله الله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21].
ويتأكد هذا المعنى في آية أخرى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187].
وهذا يعني أن المرأة مظروفة في الرجل والرجل مظروف فيها. فالرجل ساتر عليها وهي ساترة عليه، فإذا تعدّاهما الأمر، يقول الحق: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} من الذين يخافون؟.. أهو وليّ الأمر أم القرابة القريبة من أولياء أمورها وأموره؟ أي الناس الذين يهمهم هذه المسألة.
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} إنهم البيئة والمجال العائلي، إذن فلا ندع المسائل إلى أن يحدث الشقاق، كأن الإسلام والقرآن ينبهنا إلى أن كل إناس في محيط الأسرة يجب أن يكونوا يقظين إلى الحالات النفسية التي تعترض هذه الأسرة، سواء أكان أبًا أم أخًا أم قريبًا عليه أن يكون متنبهًا لأحوال الأسرة ولا يترك الأمور حتى يحدث الشقاق بدليل أنه قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ} وهذا القول هو لوليّ الأمر العام أيضًا إذا كانت عيونه يقظة إلى أنه يشرف على علاقات كل البيوت، ولكن هذا أمر غير وارد في ضوء مسئوليات ولي الأمر في العصر الحديث. إذن فلابد أن الذي سيتيسر له تطبيق هذا الأمر هم البارزون من الأهل هنا وهناك، وعلى كل من لهم وجاهة في الأسرة أن يلاحظوا الخط البياني للأسرة، يقولون: نرى كذا وكذا.
ونأخذ حَكَمًا من هنا وحكمًا من هناك وننظر المسألة التي ستؤدي إلى عاصفة قبل أن تحدث العاصفة؛ فالمصلحة انتقلت من الزوجين إلى واحد من أهل الزوج وواحد من أهل الزوجة، فهؤلاء ليس بينهما مسألة ظاهرة بأدلتها، ولم تتبلور المشكلة بعد، وليس في صدر أي منهما حُكْمٌ مسبق، ويجوز أن يكون بين الزوجين أشياء، إنما الحكَم من أهل الزوج والحكَم من أهل الزوجة ليس في صدر أي منهما شيء، وما دام الاثنان ستوكل إليهما مهمة الحكم. فلابد أن يتفقا على ما يحدث بحيث إذا رأى الاثنان أنه لا صلح إلا بأن تطلق، فهما يحكمان بالطلاق، والناس قد تفهم أن الحكم هم أناس يُصْلِحُون بين الزوجين فإن لم يعجبهم الحكم بقي الزوجان على الشقاق، لا.
فنحن نختار حكمًا من هنا وحكمًا من هناك.
إن ما يقوله الحكمان لابد أن ننفذه، فقد حصرت هذه المسألة في الحكمين فقال: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}.. فكأن المهمة الأساسية هي الإصلاح وعلى الحكمين أن يدخلا بنية الإصلاح، فإن لم يوفق الله بينهما فكأن الحكمين قد دخلا بألا يصلحا.
إن على كل حكم أن يخاف على نفسه ويحاول أن يخلص في سبيل الوصول إلى الإصلاح؛ لأنه إن لم يخلص فستنتقل المسألة إلى فضيحة له. الذي خلق الجميع: الزوج والزوجة والحكم من أهل الزوج والحكم من أهل الزوجة قال: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} فليذهب الاثنان تحت هذه القضية، ويصرّا بإخلاص على التوفيق بينهما؛ لأن الله حين يطلق قضية كونية، فكل واحد يسوس نفسه وحركته في دائرة هذه القضية. وحين يطلق الله قضية عامة فهو العليم الخبير، ومثال ذلك قوله: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
إنه سبحانه قال ذلك، فليحرص كل جندي على أن يكون جنديًا لله؛ لأنه إن انهزم فسنقول له: أنت لم تكن جنديًا لله، فيخاف من هذه. إذن فوضع القضية الكونية في إطار عقدي كي يجند الإنسان كل ملكاته في إنجاح المهمة، وعندما يقول الله: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}، فإياك أن تغتر بحزم الحكمين، وبذكاء الحكمين، فهذه أسباب. ونؤكد دائمًا: إياك أن تغتر بالأسباب؛ لأن كل شيء من المسبب الأعلى، ولنلحظ دقة القول الحكيم: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} فسبحانه لم يقل: إن يريدا إصلاحًا يوفقا بينهما. بل احتفظ سبحانه لنفسه بفضل التوفيق بين الزوجين.
ويذيل سبحانه الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} أي بأحوال الزوج، وبأحوال الزوجة، وبأحوال الحكم من أهله، وبأحوال الحكم من أهلها، فهم محوطون بعلمه. وعلى كل واحد أن يحرص على تصرفه؛ لأنه مسئول عن كل حركة من الحركات التي تكتنف هذه القضية؛ فربنا عليم وخبير.
وما الفرق بين {عليم} و{خبير}؟.. فالعلم قد تأخذه من علم غيرك إنما الخبرة فهي لذاتك.
وبعد أن تكلم الحق على ما سبق من الأحكام في الزواج وفي المحرمات، وأخذنا من مقابلها المحللات، وتكلم عمن لا يستطيع طولًا وتكلم عن المال.. وحذرنا أن نأكله بالباطل، وتكلم عن الحال بين الرجل والمرأة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} فيه وجهان:
أحدهما: أنَّ الشِّقَاقَ مضاف إلى بَيْنَ ومعناها الظَّرْفِيَّةُ، والأصْلُ: {شقاقًا بينهما}، ولكنَّهُ اتَّسع فيه، فأضيف الحَدَثُ إلى ظَرْفِهِ وإضافة المصدر إلى الظرف جائزة لحصوله فيه، وظرفيته باقية نحو: سَرَّنِي مسير اللَّيْلَةِ، ويعجبني صَوْمُ يَوْم عَرَفَةَ، ومنه: {بَلْ مَكْرُ الليل والنهار} [سبأ: 33].
والثَّاني: أنه خَرَجَ عن الظَّرفيَّةِ، وبقي كَسَائِرِ الأسْمَاءِ، كأنه أُريد به المُعَاشرة، والمصاحبة بين الزَّوْجَيْنِ، وإلى مَيْلِ أبي البقاء قال: والبَيْنُ هنا الوَصْلُ الكائنُ بين الزوجين وللشقاق تأويلان:
أحدهما: أن كل واحد منهما يفعل ما يَشُقُّ على صاحبه.
والثاني: أن كل واحد منهما صار في شق بالعداوة والمباينة.
فصل معاني الشقاق:
وقد ورد الشِّقاقُ على أربعة أوْجُهٍ:
الأوَّلُ: بمعنى الخِلاَفِ كهذه الآية، أي: خلاف بينهما.
الثَّاني: الضَّلالُ، قال تعالى: {وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج: 53] أي: في ضلال.
الثَّالث: أن الشِّقَاقَ: العداوة قال تعالى: {ويا قوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي} [هود: 89] أي: عداوتي، والعداوة وممّا يشق على صاحبه.
الرابع: أنّ كُلَّ واحدٍ منها صار في شقّ بالعداوة، والمباينة.
قوله: {مِّنْ أَهْلِهِ} فيه وجهان:
أحدُهُمَا: أنه متعلِّق بـ {فابعثوا} فهي لابتداء الغاية.
والثَّاني: أن يتعلَّق بمحذُوف؛ لأنَّهَا صفة للنكِرَةِ، أي: كائنًا من أهله فهي للتَّبْغيضِ. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس {وإن خفتم شقاق بينهما} هذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما، أمر الله أن يبعثوا رجلًا صالحًا من أهل الرجل ورجلًا مثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء. فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز، فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره ذلك الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره، ولا يرث الكاره الراضي {إن يريدا إصلاحًا} قال: هما الحكمان {يوفق الله بينهما} وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب.
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني في هذه الآية قال: جاء رجل وامرأة إلى علي، ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فأمرهم علي فبعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما، عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا. قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما عليَّ فيه ولي. وقال الرجل: أما الفرقة فلا... فقال علي: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: يعظها فإن انتهت وإلا هجرها فإن انتهت وإلا ضربها فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان، فيبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: تفعل بها كذا. ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا. فأيهما كان الظالم رده السلطان وأخذ فوق يديه، وإن كانت ناشزًا أمره أن يخلع.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في سننه عن عمرو بن مرة قال: سألت سعيد بن جبير عن الحكمين اللذين في القرآن فقال: يبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، يكلمون أحدهما ويعظونه، فإن رجع وإلا كلموا الآخر ووعظوه، فإن رجع وإلا حكمًا فما حكما من شيء فهو جائز.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما. والذي بعثهما عثمان.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن قال: إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه، وأما الفرقة فليست بأيديهما.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة. نحوه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {واللاتي تخافون نشوزهن} قال: هي المرأة التي تنشز على زوجها فلزوجها أن يخلعها حين يأمر الحكمان بذلك، وهو بعدما تقول لزوجها: والله لا أبر لك قسمًا ولا أدبر في بيتك بغير أمرك. ويقول السلطان: لا نجيز لك خلعًا حتى تقول المرأة لزوجها: والله لا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم لله صلاة، فعند ذلك يجيز السلطان خلع المرأة.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: كان علي بن أبي طالب يبعث الحكمين حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها فيقول الحكم من أهلها: يا فلان ما تنقم من زوجتك؟ فيقول: أنقم منها كذا وكذا... فيقول: أرأيت إن نزعت عما تكره إلى ما تحب هل أنت متقي الله فيها ومعاشرها بالذي يحق عليك في نفقتها وكسوتها؟ فإذا قال: نعم قال الحكم من أهله: يا فلانة ما تنقمين من زوجك؟ فتقول: مثل ذلك. فإن قالت: نعم. جمع بينهما. قال: وقال علي: الحكمان بهما يجمع الله، وبهما يفرق.
وأخرج البيهقي عن علي قال: إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا.