فصل: من فوائد السمرقندي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذن فمعنى المتكبر أن ربنا غائب عن باله؛ لذلك يقول الحق في ختام الآية: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} وما الاختيال؟ وما الفخر؟
إن المادة كلها تدل على زهو الحركة، ولذلك نسمي الحصان خيلا؛ لأنها تتخايل في حركتها، وعندما يركبها أحد تتبختر به؛ ولذلك نسمي الخيلاء من هذه. إّن الاختيال: حركة مرئية، والفخر حركة مسموعة، فالحق ينهي الإنسان عن أن يمشي بعنجهية، كما نهاه عن أن يسير مائلا بجانبه ولا أن يعتبر نفسه مصدرًا للنعمة حتى لا ينطبق عليه قوله سبحانه: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ} [الحج: 9- 10].
أما الفخر فهو أن يتشدق الإنسان بالكلام فيحكي عما فعل وكأنه مصدر كل عطاء للبشر، والخيلاء والفخر ممنوعان، وعلى المسلم أن يمتنع عن الحركة المرئية وعن كلام الفخر، ولماذا جاء الحق بهذا هنا؟ إنه جاء به حتى لا يظن عبد أنه يحسن إلى غيره من ذاتيته، إنه يحسن مما وهبه الله.
ولا يصح أن تستخدم من أحسنت إليهم وتتخذهم عبيدًا؛ لأنّك تحسن عليهم. وعندما تنظر إلى سيادتك على هؤلاء لأنك تعطيهم، فلماذا لا تنظر إلى سيادة من أعطاك؟ إنك عندما تفعل ذلك وتنظر إلى سيادة خالقك فإنك قد التزمت الأدب معه وبعدت عن الاختيال والفخر بما قدمت لغيرك، يقول الحق: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
وبعدما قال الحق: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} قال: {وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}.
وتحدث عن البذل والأريحية والجود والسماح وبسط اليد، أتى سبحانه بالحديث عن المقابل وهو: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ...}. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
{واعبدوا الله} قال بعضهم: هذا الخطاب للكفار، واعبدوا الله يعني وحدوا الله {وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} أي لا تثبتوا على الشرك.
ويقال: الخطاب للمؤمنين اعبدوا الله، يعني اثبتوا على التوحيد ولا تشركوا به.
ويقال: اعبدوا الله يعني أطيعوا الله فيما أمركم به، وأخلصوا له بالأعمال، ولا تشركوا به شيئًا.
ويقال: هذا الخطاب للمؤمنين وللمنافقين وللكفار، فأمر المؤمنين بالطاعة، والمنافقين بالإخلاص، والكفار بالتوحيد.
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كل عبادة في القرآن إنما يعني بها التوحيد.
ويقال: هذه الآيات محكمات في جميع الكتب، وذكر فيها أحكامًا كانت تعرف تلك من طريق العقل، وإن لم ينزل به القرآن وهو قوله تعالى: {واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} {وبالوالدين إحسانا} يعني أحسنوا إلى الوالدين {وَبِذِى القربى} يعني صلوا القرابات.
قوله: {واليتامى} يعني أحسنوا إلى اليتامى.
ويقال: هذا أمر للأوصياء بالقيام على أموالهم.
ثم قال تعالى: {والمساكين} أي عليكم بإطعام المساكين.
ثم قال: {والجار ذِى القربى} أي عليكم بالإحسان إلى الجار الذي بينك وبينه قرابة، فله ثلاث حقوق.
هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ، وَجَارٌ لَهُ حَقُّ وَاحِدٌ. فَأَمَّا الجَارُ الَّذِي لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ فَالجَارُ القَرِيبُ المُسْلِمُ، فَلَهُ حَقُّ الجِوَارِ، وَحَقُّ القَرَابَةِ، وَحَقُّ الإِسْلامِ. وَالجَارُ الَّذِي لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الجَارُ المُسْلِمُ، فَلَهُ حَقُّ الإِسلامِ، وَحَقُّ الجِوَارِ. وَالجَارُ الَّذِي لَهُ حَقُّ وَاحِدٌ هُوَ الجَارُ الكَافِرُ لَهُ حَقُّ الجِوَارِ».
ثم قال تعالى: {والجار الجنب} يعني الجار الذي لا قرابة بينهما، وهو من قوم آخرين {والصاحب بالجنب} أي الرفيق في السفر.
وروي عن معاذ بن جبل أنه قال: الصاحب بالجنب يعني المرأة.
ثم قال: {وابن السبيل} يعني الضيف، ينزل عليكم فأحسنوا إليه، وحقه ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو صدقة.
ثم قال: {وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم} من الخدم أحسنوا إليهم.
وقد روي في الخبر «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لا يُطِيقُونَ، فَإنَّهم لَحْمٌ وَدَمٌ وَخَلْقٌ أَمْثَالُكُمْ» رواه علي عن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الله الله فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وذكر الحديث.
وروي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ، وَمَا زَالَ يُوصِينِي بِالنِّساءِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُحَرِّمُ طَلاَقَهُنَّ، وَمَا زَالَ يُوصِينِي بِالمَمَالِيكِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ لَهُمْ مُدَّةً إذَا انْتَهَوْا إِلَيْها أُعْتِقُوا، وَمَا زَالَ يُوصِينِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَن يُحْفِي فَمِي، وَمَا زَالَ يُوصِينِي بِقِيَامِ اللَّيْلِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ خِيَارَ أُمَّتِي لَمْ يَنَامُوا لَيْلًا».
ثم قال تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} يعني من كان مختالًا في مشيه فخورًا على الناس؛ وهذا قول الكلبي.
وقال القتبي: المختال ذو الخيلاء والكبر، وهذا قريب من الأول.
ويقال: فخورًا في نعم الله، لا يشكرها ويتكبر على الناس. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.
الواو لعطف جملة الكلام على جملة غيرها، والعبادة: التذلل بالطاعة، ومنه طريق معبد، وبعير معبد، إذا كانا معلمين، و{إحسانًا} نصب على المصدر، والعامل فعل مضمر تقديره: وأحسنوا بالوالدين إحسانًا، وما ذكر الطبري أنه نصب بالإغراء خطأ، والقيام بحقوق الوالدين اللازمة لهما من التوقير والصون والإنفاق إذا احتاجا واجب، وسائر ذلك من وجوه البر والإلطاف حسن القول، والتصنع لهما مندوب إليه مؤكد فيه، وهو البر الذي تفضل فيه الأم على الأب، حسب قوله عليه السلام للذي قال له من أبر؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك: قال ثم من؟ قال أباك، ثم الأقرب فالأقرب، وفي رواية: «ثم أدناك أدناك»، وقرأ ابن أبي عبلة إحسان بالرفع، وذو القربى: هو القريب النسب من قبل الأب والأم، وهذا من الأمر بصلة الرحم وحفظها، {واليتامى}: جمع يتيم، وهو فاقد الأب قبل البلوغ، وإن ورد في كلام العرب يتم من قبل الأم فهو مجاز واستعارة، {والمساكين}: المقترون من المسلمين الذين تحل لهم الزكاة، وجاهروا بالسؤال، واختلف في معنى {الجار ذي القربى} وفي معنى {الجنب}، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم: الجار ذو القربى هو الجارالقريب النسب، و{الجار الجنب} هو الجار الأجنبي الذي لا قرابة بينك وبينه، وقال نوف الشامي: الجار ذو القربى هو الجار المسلم، و{الجار الجنب} هو الجار اليهودي او النصراني، فهي عنده قرابة الإسلام وأجنبية الكفر، وقالت فرقة: الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك، والجار الجنب هو البعيد المسكن منك، وكأن هذا القول منتزع من الحديث، قالت عائشة، يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما منك بابًا، واختلف الناس في حد الجيرة، فقال الأوزاعي: أربعون دارًا من كل ناحية جيرة، وقالت فرقة: من سمع إقامة الصلاة فهو جار ذلك المسجد، وبقدر ذلك في الدور وقالت فرقة: من ساكن رجلًا في محلة أو مدينة فهو جاره، والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض، أدناها الزوج كما قال الأعشى: [الطويل]
أَيَا جَارَتِي بِينِي

وبعد ذلك الجيرة الخلط، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
سَائِلْ مُجَاوِرَ جرْمٍ هَلْ جَنَيت لَها ** حَرْبًا تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجِيرَةِ الخُلُطِ

وحكى الطبري عن ميمون بن مهران: أن الجار ذا القربى أريد به جار القريب، وهذا خطأ في اللسان، لأنه جمع على تأويله بين الألف واللام والإضافة، وكأن وجه الكلام وجار ذي القربى، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة {والجار ذا القربى} بنصب الجار، وحكى مكي عن ابن وهب أنه قال عن بعض الصحابة في {الجار الجنب}: إنها زوجة وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ {والجار الجَنْبِ} بفتح الجيم وسكون النون، و{الجنب} في هذه الآية معناه.
البعيد، والجنابة البعد، ومنه قول الشاعر وهو الأعشى: [الطويل]
أَتيْتُ حُرَيثًا زائرًا عَنْ جنابة ** فَكانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطَائيَ جَامِدا

ومنه قول الآخر، وهو علقمة بن عبدة: [الطويل]
فلا تحرمنّي نائلًا عن جنابة ** فإني امرؤٌ وَسْطَ القِبَابِ غَرِيبُ

وهو من الاجتناب، وهو أن يترك الشيء جانبًا، وسئل أعرابي عن {الجار الجنب}، فقال: هو الذي يجيء فيحل حيث تقع عينك عليه، قال أبو علي: جنب صفة كناقة أجد، ومشية سجح، وجنب التطهر مأخوذ من الجنب، وقال ابن عباس وابن جبير وقتادة ومجاهد والضحاك: الصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن مسعود وابن أبي ليلى وإبراهيم النخعي: الصاحب بالجنب الزوجة وقال ابن زيد: هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه، وأسند الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه، وهما على راحلتين، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيضة فقطع قضيبين، أحدهما معوج وخرج فأعطى صاحبه القويم وحبس هو المعوج، فقال له الرجل: كنت يا رسول الله أحق بهذا، فقال له: يا فلان إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسؤول عن صحبته ولو ساعة من نهار، وقال المفسرون طرًّا: ابن السبيل هو المسافر على ظهر طريقه، وسمي ابنه للزومه له كما قيل ابن ماء للطائر الملازم للماء، ومنه قول النبي عليه السلام: «لا يدخل الجنة ابن زنى» أي: ملازمه الذي يستحق بالمثابرة عليه أن ينسب إليه، وذكر الطبري أن مجاهدًا فسره بأنه المار عليك في سفره، وأن قتادة وغيره فسره بأنه الضيف.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله قول واحد، {وما ملكت أيمانكم} يريد العبيد الأرقاء، ونسب الملك إلى اليمين إذ هي في المعاد جارحة البطش والتغلب والتملك، فأضيفت هذه المعاني وإن لم تكن بها إليها تجوزًا والعبيد موصى بهم في غير ما حديث يطول ذكرها، ويغنى عن ذلك اشتهارها، ومعنى {لا يحب} في هذه الآية لا تظهر عليه آثار نعمه في الآخرة ولا آثار حمده في الدنيا، فهي المحبة التي هي صفة فعل أبعدها عمن صفته الخيلاء والفخر، يقال خال الرجل يخول خلًا إذا تكبر وأعجب بنفسه، وأنشد الطبري: [المتقارب]
فَإنْ كَنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا ** وإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فاذهَبْ فَخَلْ

قال القاضي أبو محمد: ونفي المحبة عمن هذه صفته ضرب من التوعد، وخص هاتين الصفتين هنا إذ مقتضاهما العجب والزهو، وذلك هو الحامل على الإخلال بالأصناف الذين تقدم أمر الله بالإحسان إليهم، ولكل صنف نوع من الإحسان يختص به، ولا يعوق عن الإحسان إليهم إلا العجب أو البخل، فلذلك نفى الله محبته عن المعجبين والباخلين على أحد التأويلين حسبما نذكره الآن بعد هذا، وقال أبو رجاء الهروي: لا تجده سيء الملكة إلا وجدته مختالًا فخورًا، ولا عاقًا إلا وجدته جبارًا شقيًا، والفخر عد المناقب تطاولًا بذلك. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{والجار ذي القربى} قال ابن عباس: ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، ومقاتل في آخرين: هو الجار القريب النسب، والجار الجنب هو الجار الأجنبي، الذي لا قرابة بينك وبينه.
وقال بلعاء بن قيس:
لا يجتوينا مجاور أبدا ** ذو رحم أو مجاور جنب