فصل: تفسير الآيات (41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: «يؤتى بالعبد يوم القيامة فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه. فيفرح والله المرء أن يدور له الحق على والده أو ولده أو زوجته فيأخذه منه وإن كان صغيرًا، ومصداق ذلك في كتاب الله: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101] فيقال له: ائت هؤلاء حقوقهم. فيقول: أي رب ومن أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول الله لملائكته: انظروا أعماله الصالحة وأعطوهم منها. فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة: يا ربنا أعطينا كل ذي حق حقه وبقي له مثقال ذرة من حسنة. فيقول للملائكة: ضعفوها لعبدي، وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة، ومصداق ذلك في كتاب الله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} أي الجنة يعطيها.
وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته قالت الملائكة: إلهنا فنيت حسناته وبقي طالبون كثير. فيقول الله: ضعوا عليه من أوزارهم واكتبوا له كتابًا إلى النار»
.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وإن تك حسنة} وزن ذرة زادت على سيئاته {يضاعفها}، فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدًا.
واخرج ابن المنذر عن أبي رجاء أنه قرأ: {وإن تك حسنة يضعفها} بتثقيل العين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة أنه قال: إن الله يجزي المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة. فأتيته فسألته...؟ قال: نعم. وألفي ألف حسنة، وفي القرآن من ذلك {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها} فمن يدري ما ذلك الإضعاف.
وأخرج ابن جرير عن أبي عثمان النهدي قال: لقيت أبا هريرة فقلت له: بلغني أنك تقول أن الحسنة لتضاعف ألف ألف حسنة! قال: وما أعجبك من ذلك؟ فوالله لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} قال: الجنة. اهـ.

.تفسير الآيات (41- 42):

قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}

.مناسبة الآيتين لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما تم تحذيره من اليوم الآخر وما ذكره من إظهار العدل واستقصائه فيه كان سببًا للسؤال عن حال المبكتين في هذه الآيات إذ ذاك، فقال: {فكيف} أي يكون حالهم وقد حملوا أمثال الجبال من مساوي الأعمال! {إذا جئنا} على عظمتنا {من كل أمة بشهيد} أي يشهد عليهم {وجئنا بك} وأنت أشرف خلقنا {على هؤلاء} أي الذين أرسلناك إليهم وجعلناك شهيدًا عليهم {شهيدًا} وفي التفسير من البخاري عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليّ» قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال «إني أحب أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: «أمسك» فإذا عيناه تذرفان ثم استأنف الجواب عن ذلك بقوله: {يومئذ} أي تقوم الإشهاد {يود الذين كفروا} أي ستروا ما تهدي إليه العقول من آياته وبين أنهم مخاطبون بالفروع في قوله: {وعصوا الرسول} بعد ستر ما أظهر من بيناته {لو تسوى بهم الأرض} أي تكون مستوية معتدلة بهم، ولا تكون كذلك إلا وقد غيبتهم واستوت بهم، ولم يبق فيها شيء من عوج ولا نتوّ بسبب أحد منهم ولا شيء من أجسامهم؛ وإنما ودوا ذلك خوفًا مما يستقبلهم من الفضيحة بعتابهم ثم الإهانة بعقابهم.
ولما كان التقدير: فلا تسوى بهم، عطف عليه قوله: {ولا يكتمون الله} أي الملك الأعظم {حديثًا} أي شيئًا أحدثوه بل يفتضحون بسيئ أخبارهم، ويحملون جميع أوزارهم، جزاء لما كانوا يكتمون من آياته وما نصب للناس من بيناته. اهـ.

.قال الفخر:

وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه، فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق، لتكون الحجة على المسئ أبلغ، والتبكيت له أعظم وحسرته أشد، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم، ويكون هذا وعيدًا للكفار الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ووعدًا للمطيعين الذين قال الله فيهم: {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها} [النساء: 40]. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال العلامة النيسابوري رحمه الله:

.القراءات:

{تسوّى} بإدغام تاء التفعل في السين: أبو جعفر ونافع وابن عامر {تسوّى} بالإمالة وحذف التاء الأولى: حمزة وعلي وخلف. الباقون {تسوّى} مبنيًا للمفعول من التسوية {لمستم} من اللمس وكذلك في المائدة: حمزة وعلي وخلف والمفضل. الباقون: {لامستم} من الملامسة {فتيلًا انظر} بكر التنوين: أبو عمرو وسهل ويعقوب وحمزة وعاصم وابن ذكوان. الباقون: بالضم. وفرق بعضهم بين موضع الخفض فلم يجوز الضم كراهة الانتقال من الكسرة إلى الضمة نحو {متشابه انظروا} [الأنعام: 99] و{برحمة ادخلوا} [الأعراف: 49] و{خبيثة اجتثت} [إبراهيم: 26] و{عذاب اركض} [ص: 41] وأشباه ذلك. {نضجت جلودهم} وبابه مدغمًا: حمزة وعلي وخلف وهشام وأبو عمرو.

.الوقوف:

{شهيدًا} ط {الأرض} ط {حديثًا} o {تغتسلوا} ط {وأيديكم} ط {غفورًا} o {السبيل} o ط {بأعدائكم} ط {نصيرًا} o {في الدين} ط {وأقوم} لا لاتصال لكن {قليلًا} o {السبت} ط {مفعولًا} o {لمن يشاء} ج {عظيمًا} o {يزكون أنفسهم} ط {فتيلًا} o {الكذب} ط {مبينًا} o ط {سبيلا} o {لعنهم الله} ط {نصيرًا} o ط لأن {أم} بمعنى همزة الاستفهام للإنكار {نقيرًا} o لا للعطف {من فضله} ج لتناهي الاستفهام مع تعقب الفاء {عظيمًا} o {صدّ عنه} ط {سعيرًا} o {نارًا} ط {العذاب} ط {حكيمًا} o {أبدًا} ط {مطهرة} ز لاستئناف الفعل على أنه من تمام المقصود {ظليلًا} o. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو {تسوى} مضمومة التاء خفيفة السين على ما لم يسم فاعله، وقرأ نافع وابن عامر {تسوى} مفتوحة التاء مشددة السين بمعنى: تتسوى، فأدغم التاء في السين لقربها منها، ولا يكره اجتماع التشديدين في هذه القراءة لأن لها نظائر في التنزيل كقوله: {اطيرنا بِكَ} [النمل: 47] {وازينت} [يونس: 24] {ويذكرون} [الأنعام: 26] وفي هذه القراءة اتساع، وهو إسناد الفعل إلى الأرض وقرأ حمزة والكسائي {تسوى} مفتوحة التاء والسين خفيفة، حذفا التاء التي أدغمها نافع، لأنها كما اعتلت بالإدغام اعتلت بالحذف. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

ذكر أبو الليث السمرقندي: حدثنا الخليل بن أحمد قال حدّثنا ابن منيع قال حدّثنا أبو كامل قال حدّثنا فضيل عن يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظَفر فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ وناس من أصحابه فأمر قارئًا يقرأ حتى إذا أتى على هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا} بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت وجنتاه؛ فقال: «يارب هذا على من أنا بين ظهرانيهم فكيف من لم أرهم» وروى البخاري عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي» قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا} قال: «أمسِك» فإذا عيناه تذرفان. وأخرجه مسلم.
وقال بدل قوله «أمسِك»؛ فرفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل.
قال علماؤنا: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هَوْل المطلع وشدّة الأمر؛ إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شهيدًا.
والإشارة بقوله: {عَلَى هَؤلاَءِ} إلى كفار قريش وغيرهم من الكفار؛ وإنما خص كفار قريش بالذكر لأن وظيفة العذاب أشدّ عليهم منها على غيرهم؛ لعنادهم عند رؤية المعجزات، وما أظهره الله على يديه من خوارق العادات.
والمعنى فكيف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة {إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا} أمُعذبين أم منعّمين؟ وهذا استفهام معناه التوبيخ.
وقيل: الإشارة إلى جميع أمته.
ذكرابن المبارك أخبرنا رجل من الأنصار عن المِنْهال بن عمرو حدّثه أنه سمع سعيد بن المُسَيِّب يقول: ليس من يوم إلاّ تُعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غُدوةً وعشيةً فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم؛ يقول الله تبارك وتعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} يعني بنبيّها {وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا}. اهـ.

.قال الفخر:

من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه: كيف بك إذا كان كذا وكذا، وإذا فعل فلان كذا، وإذا جاء وقت كذا، فمعنى هذا الكلام: كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل امة برسولها، واستشهدك على هؤلاء، يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم.
ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم، وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السلام: «وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم». اهـ.

.قال الألوسي:

أي إذا كان كل قليل وكثير يجازى عليه، فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم، أو كيف يصنعون، أو كيف يكون حالهم إذا جئنا يوم القيامة من كل أمة من الأمم وطائفة من الطوائف بشهيد يشهد عليهم بما كانوا عليه من فساد العقائد وقبائح الأعمال وهو نبيهم؟ {وَجِئْنَا بِكَ} يا خاتم الأنبياء {على هَؤُلاء} إشارة إلى الشهداء المدلول عليهم بما ذكر {شَهِيدًا} تشهد على صدقهم لعلمك بما أرسلوا واستجماع شرعك مجامع ما فرعوا وأصلوا، وقيل: إلى المكذبين المستفهم عن حالهم يشهد عليهم بالكفر والعصيان تقوية لشهادة أنبيائهم عليهم السلام، أو كما يشهدون على أممهم، وقيل: إلى المؤمنين لقوله تعالى: {لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ومتى أقحم المشهود عليه في الكلام وأدخلت {على} عليه لا يحتاج لتضمين الشهادة معنى التسجيل. اهـ.

.قال السمرقندي:

وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} أي فكيف يصنعون؟ وكيف يكون حالهم؟ إذا جئنا من كل أمة بشهيد، يعني بنبيها هو شاهد بتبليغ الرسالة من ربهم {وَجِئْنَا بِكَ} يا محمد {على هَؤُلاء شَهِيدًا} يعني على أمتك شهيدًا بالتصديق لهم، لأن أمته يشهدون على الأمم المكذبة للرسالة، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى للأمم الخالية: هل بلغتكم الرسل رسالاتي؟ فيقولون: لا.
فقالت الرسل: قد بلغنا ولنا شهود، فيقول عز وجل: ومن شهودكم؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون بتبليغ الرسالة، بما أوحي إليهم من ربهم في كتابهم في قصة الأمم الخالية.
فتقول الأمم الماضية: إن فيهم زواني وشارب الخمر، فلا يقبل شهادتهم، فيزكيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول المشركون: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام: 23] فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الارض} أي تخسف بهم الأرض.
ويقال: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} الرسل يشهدون على قومهم بتبليغ الرسالة، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم على أمته بتبليغ الرسالة من قبل ومن لم يقبل. اهـ.