فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {وَعَصَوُاْ} فيه ثلاثة أوْجُه:
أحدها: أنها جُمْلَة معطوفة على {كَفَرُواْ} فتكون صِلَةً، فيكونون جَامِعِين بين كُفْرٍ ومَعْصِيَة؛ لأن العَطْفَ يقتضي المُغَايَرَة، وإذا كان ذَلِكَ، فَيُجْمل عصيان الرَّسُول على المعَاصِي المغايرة للكُفْر، وإذا ثبت ذلك، فالآيَةُ دالَّة على أنَّ الكُفَّار مخاطبُون بفُرُوع الإسلام.
وقيل: هي صِلَةٌ لموصول أخَر، فيكون طَائِفَتَيْن، وقيل: إنها في مَحَلِّ نصبٍ على الحال من {كَفَرُواْ}، وقد مُرَادَة، أي: وقد عَصَوا.
قوله: {لَوْ تسوى} إن قيل إن {لو} على بابها كما هو قَوْل الجُمْهُور، فَمَفْعُول {يَوَدُّ} محذوفٌ، أي: يودُّ الَّذِين كَفَرُوا تَسْوية الأرْض بهم، ويدل عليه {لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض}، وجوابها حينئذٍ مَحْذُوف، أي: لسُرُّوا بذلك.
وإن قيل: إنها مصدريَّة، كانت وهي وما بَعْدَها في محلّ مَفْعُول {يَوَدُّ}، ولا جواب لها حينئذ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك في {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96].
قال أبو البقاءِ: {وعصوا الرسول} في موضع الحالِ، و{قد} مُرَادةٌ، وهي معْتَرِضَة بين {يود} وبين مَفْعُولها، وهي {لو تسوى} و{لو} بمعنى المصدريَّة انتهى.
وفي جَعْلِ الجنلة الحَاليَّة معترضة بين المَفْعُول وعامِله نَظَرٌ لا يَخْفَى؛ لأنها من جُمْلَة متعلِّقات العامِل الذي هو صِلَة للمَوْصُول؛ وهذا نظير قولك: ضَرَب الذين جَاءُوا مُسْرِعين زَيْدًا، فكما لا يُقال: إن مُسْرِعين مُعْتَرض به، فكذلك هذه الجملة.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم: تُسَوَّى بضم التَّاءِ، وتخفيف السّين مبنيًا للمفعُول، وقرأ حمزة والكِسائي: {تَسَوَّى} بفتح التَّاء والتخفيف، ونافع وابن عامر: بالتَّثْقِيل.
فأما القراءة الأولَى، فمعناها: أنَّهم يودُّون أن الله- سبحانه وتعالى- يُسَوِّي بهم الأرض: إمّا على أن الأرْض تَنْشَقُّ وتبتلِعُهم، وتكون البَاءُ بمعنى عَلَى، وإما على أنَّهم يودُّون أن لو صارُوا تُرَابًا كالبَهَائِمِ، والأصْل يودُّون أن الله تعالى يُسَوِّي بهم الأرض، فَقٌلِبَت إلى هَذَا؛ كقولهم: أدْخَلْتُ القَلُنْسُوَة في رَأسِي، وإمذا على أنَّهم يودُّون لو يُدْفَنُون فيها، وهو كالقَوْلِ الأوَّل. وقيل: لو تُعْدَلُ بهم الأرْضُ، أي: يُؤْخَذ ما عَلَيْها منهم فِدْيَة.
وأما القِرَاءة الثانية: فأصلها تتسوى بتاءَيْن، فحذفت إحداهما، وأدغمت في السّين لقربها منها.
وفي الثَّالِثَة حذفت إحداهما، ومعنى القراءتين ظاهرٌ ممَّا تقدَّم؛ فإن الأقوال الجاريةَ في القراءة الأولى، جاريةٌ في القراءتين الأخيرتَيْن غاية ما في البَابِ أنه نَسَب الفِعْل إلى الأرْض ظاهرًا.
قوله: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله}: وذلك أن هذه الواو تَحْتَمِل أن تكون لِلْعَطْف، وأن تكون للحالِ.
فإن كانت للعَطْف، احْتمل أن تكُون من عطف المفرداتِ، وأن تكون من عطف الجُمَلِ، إذا تقرر هذا، فقوله: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله} يجوزُ أن يكون عَطْفًا على مَفْعُول {يَوَد} أي: يودذُون تسوية الأرْضِ بهم، وانتفاء كتمان الحديُ، و{لو} على هذا مَصدريَّة، ويبعد جَعْلُها حرفًا لما سيَقَع لوُقُوع غَيْرِه، ويكون و{لا يكتمون} عطفًا على مَفعُول {يود} المحذُوف، فهذان وَجْهَان على تقدِير كَوِنِه من عطف المفردات.
ويجوز أن سكون عَطْفًا على جُمْلة: {يود} أخبر تعالى عنهم بخبرين:
أحدهما: الودادةُ لِكَذَا.
والثاني: أنهم لا يقدرُون على الكتْمِ في مواطِنِ دون مَوَاطِن، و{لو} على هذا مَصدريَّة، ويجوز أن تكون لو حرْفًا لما سيقع لوقُوع غيره، وجوابُهَا مَحْذوف، ومفعول {يود} أيضًا مَحْذُوف، ويكون {ولا يكتمون} عطفًا على {يود} وما في حيزها، ويكون تعالى قد أخبر عَنْهُم بثلاثِ جمل: الوَدَادَة، وجُمْلَة الشرط بـ {لو}، وانتفاء الكِتْمَان، فهذان أيضًا وَجْهَان على تقدير كونِه من عطفة الجُمَل، وإن كانت للحالِ، جاز أن تكُون حالًا من الضمير في {بهم}، والعامِل فيها {تسوى}، ويجوز في {لو} حينئذٍ أن تكون مصدريَّة، وأن تكون امتناعيَّة، والتقدير: يُريدُون تَسْوِيَة الأرْض بهم غير كَاتِمين، أو لَوْ تُسَوَّى بهم غير كَاتِمين لكان ذلك بُغْيَتهم، ويجوز أن تكون حالًا من {الذين كفروا}، والعامل فيها {يود} ويكون الحالُ قيدًا في الوَدَادَةِ، و{لو} على هذا مصدريَّة في محل مفعُول الوَدَادَة، والمعْنَى يومئذٍ يَودُّ الذين كفرُوا تسوية الأرْض بهم غّير كاتمين الله حَديثًا، ويَبْعد أن تكون {لو} على هذا الوجه امتناعِيَّة، للزوم الفَصْل بين الحَالِ وعامِلِها بالجُمْلَة، و{يكتمون} يتعدى لاثْنَيْن، والظَّاهِر أنه يَصِل إلى أحدهما بالحَرْف، والأصل: ولا يكتُمون من الله حديثًا. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)}
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليَّ قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: نعم. إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فقال: حسبك الآن.. فإذا عيناه تذرفان».
وأخرج الحاكم وصححه عن عمرو بن حريث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: «اقرأ. قال: أقرأ وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. فافتتح سورة النساء حتى بلغ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد...} الآية. فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكف عبد الله».
وأخرج ابن أبي حاتم والبغوي في معجمه والطبراني بسند حسن عن محمد بن فضالة الأنصاري- وكان ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وناس من أصحابه، فأمر قارئًا فقرأ، فأتى على هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه، وقال: «يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره؟».
وأخرج الطبراني عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه فكيف بمن لم أره».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} قال: رسولها يشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم {وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى عليها فاضت عيناه.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شهيدًا عليهم ما دمت فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم». والله تعالى أعلم. اهـ.
قال السيوطي:
{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {لو تسوّى بهم الأرض} يعني أن تستوي الأرض والجبال عليهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول: ودوا لو انخرقت بهم الأرض فساخوا فيها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {لو تسوّى بهم الأرض} تنشق لهم فيدخلون فيها فتسوي عليهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أرأيت أشياء تختلف على من في القرآن؟ فقال ابن عباس: ما هو، أشك في القرآن؟ قال: ليس شك ولكنه اختلاف. قال: هات ما اختلف عليك من ذلك. قال: اسمع الله يقول: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] وقال: {ولا يكتمون الله حديثًا} فقد كتموا، واسمعه يقول: {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101] ثم قال: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الصافات: 27] وقال: {أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9] حتى بلغ {طائعين}، فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماء ثم قال في الآية الأخرى {أم السماء بناها} [النازعات: 27] ثم قال: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض، واسمعه يقول: {وكان الله عزيزًا حكيمًا} {وكان الله غفورًا رحيمًا} {وكان الله سميعًا بصيرًا}، فكأنه كان ثم مضى. وفي لفظ ما شأنه يقول: {وكان الله} فقال ابن عباس: أما قوله: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23]، فإنهم لما رأوا يوم القيامة، وأن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركًا، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك يود الذين كفروا لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا. وأما قوله: {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101] فهذا في النفخة الأولى {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68].
فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68] {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الصافات: 27]. وأما قوله: {خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9] فإن الأرض خلقت قبل السماء، وكانت السماء دخانًا فسوّاهن سبع سموات في يومين بعد خلق الأرض. وأما قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 6] يقول: جعل فيها جبلًا، جعل فيها نهرًا، جعل فيها شجرًا، وجعل فيها بحورًا.
وأما قوله: {وكان الله} فإن الله كان ولم يزل كذلك، وهو كذلك {عزيز حكيم} {عليم قدير} ثم لم يزل كذلك، فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك، وأن الله لم ينزل شيئًا إلا وقد أصاب به الذي أراد ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وأخرج ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس قول الله: {يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا} وقوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت: ألقي على ابن عباس متشابه القرآن، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد. فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئًا إلا ممن وَحَّدَهُ. فيقولون: تعالوا نقل. فيسألهم فيقولون {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] فيختم على أفواههم وتستنطق به جوارحهم، فتشهد عليهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سوّيت بهم ولا يكتمون الله حدثيًا.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن حذيفة قال: «أتي بعبد آتاه الله مالًا فقال له: ماذا عملت في الدنيا- ولا يكتمون الله حديثًا- فقال: ما عملت من شيء يا رب إلا أنك آتيتني مالًا فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي أن أنظر المعسر قال الله: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي. فقال أبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا يكتمون الله حديثًا} قال: بجوارحهم. اهـ.