فصل: أسئلة وأجوبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم عمم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء لخونف سبع أو عدو أو عدم آلة استقاء أو انحصار في مكان لا ماء فيه أو غير ذلك من الأسباب التي لا تكثر كثرة المرض والسفر. ويراد بالمرض ما يخاف معه محذور كبطء برءوشين فاحش ظاهر بقول طبيب مقبول الرواية لا أن يتألم ولا يخاف. روي أن بعض الصحابة أصابته جنابة وكان به جراحة عظيمة، فسأل بعضهم فلم يفته بالتيمم، فاغتسل فمات. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله. وقال مالك وداود: يجوز له التيمم بجميع أنواع المرض. وفي معنى المرض البرد المؤدي إلى المرض لو استعمل الماء كما مر من حديث عمرو بن العاص في تفسير قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] والسفر يعم الطويل والقصير أعني مسافة القصر وما دونها لإطلاق قوله: {أو على سفر} والغائط المكان المطمئن من الأرض وجمعه الغيطان. كان الرجل إذا أراد قضاء الحاجة طلب غائطًا من الأرض يغيب فيه عن أعين الناس، فكنى به عن ذلك. وأكثر العلماء ألحقوا بالغائط كل ما يخرج من السبيلين من معتاد أو نادر. أما اللمس أو الملامسة ففيه قولان: أحدهما أن المراد به التقاء البشرتين بجماع أو بغيره كما هو مقتضى اللغة وهو قول ابن مسعود وابن عمرو الشعبي والنخعي وإليه ذهب الشافعي. وثانيهما المراد به الجماع وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ومذهب أبي حنيفة والشيعة لما ورد في القرآن بطريق الكناية: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة: 3] عن ابن عباس: إنّ الله حيّ كريم يعف ويكني، فعبر عن المباشرة بالملامسة. وأيضًا لتشمل الآية الحدثين الأصغر والأكبر. ثم على مذهب الشافعي قال بعض أهل الظاهر: إنما ينتقض وضوء اللامس دون الملموس لقوله: {أو لمستم} والصحيح أنه ينتقض وضوءهما معًا لاشتراك اللامس والملموس في ابتغاء اللذة. قوله: {فلم تجدوا ماءً} قال الشافعي: إذا دخل وقت الصلاة فطلب الماء ولم يجده فتيمم وصلى ثم دخل وقت الصلاة الثانية وجب عليه الطلب مرة أخرى، لأن عدم الوجدان مشعر بسبق الطلب فلابد في كل مرة من سبق الطلب. وقال أبو حنيفة: لا يجب بدليل قوله: {ولم نجد له عزمًا} [طه: 115] وسبق الطلب في حقه تعالى محال. وأجيب بأنه بنى الكلام على المجاز للمبالغة كأنه طلب شيئًا ثم لم يجد. وأجمعوا على أنه لو وجد الماء لكنه احتاج إليه لعطشه أو لعطش حيوان محترم معه جاز له التيمم، ولو وجد من الماء ما لا يكفيه فالأصح عند الأئمة أنه يستعمله أو يصبه ثم يتيمم ليكون عاملًا بظاهر الآية. والتيمم في اللغة القصد.
والصعيد التراب، فعيل بمعنى فاعل. وقالت ثعلب والزجاج: إنه وجده الأرض ترابًا كان أو غيره. ومن هنا قال أبو حنيفة: إذا كان صخر لا تراب عليه وضرب المتيمم يده عليه ومسح كان ذلك كافيًا. وقال الشافعي: لابد من تراب لتحقق مفهوم التصاعد فيه وليلتصق بيده فيمكنه المسح ببعضه كما جاء في المائدة {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6] ولا يفهم من قول القائل: مسحت برأسي من الدهن إلاّ معنى التبعيض، ولأن الصعيد وصف بالطيب والطيب هو الذي يحتمل الإثبات لقوله: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه} [الأعراف: 58] ولأنه صلى الله عليه وسلم خصص التراب بهذا المعنى فقال: «جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا» أما مسح الوجه واليد فعن علي وابن عباس: اختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفين وقريب منه مذهب مالك لأن المسح مكتفى فيه بأقل ما يطلق عليه اسم المسح. وقال الشافعي وأبو حنيفة: يستوعب الوجه واليدين إلى المرفقين كما في الوضوء. وعن الزهري إلى الآباط، لأن اليد حقيقة لهذا العضو إلى الإبط، ثم ختم الآية بقوله: {إنّ الله كان عفوًا غفورًا} وهو كناية عن الترخيص والتيسير لأن من كان عادته العفو عن المذنبين كان أولى بالترخيص للعاجزين. عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء: فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، فجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء: ما هو بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
ثم إنه سبحانه لما ذكر من أول السورة إلى هاهنا أحكامًا كثيرة عدل إلى ذكر طرف من آثار المتقدمين وأحوالهم، لأنّ الانتقال من أسلوب إلى أسلوب مما يزيد السامع هزة وجدة فقال: {ألم تر إلى الذين} أي ألم ينته علمك؟ أو ألم تنظر إلى من أتوا حظًا من علم التوراة وهم أحبار اليهود؟ وإنما أدخل من التبعيضية لأنهم عرفوا من التوراة نبوة موسى ولم يعرفوا منها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فأما الذين أسلموا منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه فقد وصفهم بأن معهم على الكتاب في قوله: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} [الرعد: 43] لأنهم عرفوا الأمرين جميعًا {يشترون الضلالة} يختارونها لأن من اشترى شيئًا فقد آثره واختاره قاله الزجاج. والمراد تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم لأغراضهم الفاسدة من أخذ الرشا وحب الرياسة. وقيل: المراد يستبدلون الضلالة- وهو البقاء على اليهودية- بالهدى- وهو الإسلام- بعد وضوح الآيات لهم على صحته. {ويريدون أن تضلوا} أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه، ولا أقبح ممن جمع بين هذين الأمرين، الضلال والإضلال. عن ابن عباس أن الآية نزلت في حبرين من أحبار اليهود كانا يأتيان رأس المنافقين عبد الله بن أبي ورهطه فيثبطانهم عن الإسلام. وقيل: المراد عوام اليهود كانوا يعطون أحبارهم بعض أموالهم لينصروا اليهودية فكأنهم اشتروا بمالهم الشبهة والضلالة {والله أعلم} منكم {بأعدائكم} لأنه عالم بكنه ما في صدورهم من الحنق والغيظ، فإذا أطلعكم على أحوالهم فلا تستنصحوهم في أموركم واحذروهم {وكفى بالله وليًا} متوليًا لأمور العبد {وكفى بالله نصيرًا} فثقوا بولايته ونصرته دونهم. وكرر {كفى} ليكون أشد تأثيرًا في القلب وأكثر مبالغة، وزيدت الباء في الفاعل إيذانًا بأن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره فكان الباء للسببية. وقال ابن السراج: التقدير كفى اكتفاؤك بالله. وقيل: فائدة الباء وهي للإلصاق أن يعلم أن هذه الكفاية صدرت من الله تعالى بغير واسطة. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

السؤال الأول:
ولاية الله لعبده عبارة عن نصرته له، فذكر النصير بعد ذكر الولي تكرار.
والجواب: أن الولي المتصرف في الشيء، والمتصرف في الشيء لا يجب أن يكون ناصرا له فزال التكرار.
السؤال الثاني:
لم لم يقل: وكفى بالله وليا ونصيرا؟ وما الفائدة في تكرير قوله: {وكفى بالله}.
والجواب: أن التكرار في مثل هذا المقام يكون أشد تأثيرا في القلب وأكثر مبالغة.
السؤال الثالث:
ما فائدة الباء في قوله: {وكفى بالله وَلِيًّا}.
والجواب: ذكروا وجوها:
لأول: لو قيل: كفى الله، كان يتصل الفعل بالفاعل.
ثم هاهنا زيدت الباء إيذانا أن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره في الرتبة وعظم المنزلة.
الثاني: قال ابن السراج: تقدير الكلام: كفى اكتفاؤك بالله وليا، ولما ذكرت {كفى} دل على الاكتفاء، لأنه من لفظه، كما تقول: من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرًا له، فأضمرته لدلالة الفعل عليه.
الثالث: يخطر ببالي أن الباء في الأصل للإلصاق، وذلك إنما يحسن في المؤثر الذي لا واسطة بينه وبين التأثير، ولو قيل: كفى الله، دل ذلك على كونه تعالى فاعلا لهذه الكفاية، ولكن لا يدل ذلك على أنه تعالى يفعل بواسطة أو بغير واسطة، فإذا ذكرت حرف الباء دل على أنه يفعل بغير واسطة، بل هو تعالى يتكفل بتحصيل هذا المطلوب ابتداء من غير واسطة أحد، كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)}.
ومكروا مكرًا ولم يشعروا وجهة مكرهم أن أُعْطُوا الكتابَ ثم حُرِمُوا بركاتِ الفهم حتى حرَّفوا وأصَرُّوا. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
الرؤية في قوله: {ألم تر} من رؤية القلب، وهي علم بالشيء، وقال قوم: معناه الم تعلم وقال آخرون: ألم تخبر وهذا كله يتقارب، والرؤية بالقلب تصل بحرف الجر وبغير حرف الجر، والمراد بـ {الذين}: اليهود، قاله قتادة وغيره، ثم اللفظ يتناول معهم النصارى، وقال ابن عباس: نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي، و{أوتوا} إعطوا، والنصيب الحظ، و{الكتاب}: التوراة والإنجيل، وإنما جعل المعطى نصيبًا في حق كل واحد منفرد، لأنه لا يحصر علم الكتاب واحد بوجه، و{يشترون} عبارة عن إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان، فكأنه أخذ وإعطاء، هذا قول جماعة، وقالت فرقة: أراد الذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهذا شراء على وجهه على هذا التأويل، {ويريدون أن تضلوا السبيل}، معناه أن تكفروا، وقرأ النخعي، {وتريدون أن تضلوا} بالتاء منقوطة من فوق في تريدون.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية وما بعدها، تقتضي توبيخًا للمؤمنين على استنامة قوم منهم إلى أحبار اليهود، في سؤال عن دين، أو في موالاة أو ما أشبه ذلك، وهذا بيّن في ألفاظها، فمن ذلك، {ويريدون أن تضلوا}، أي تدعوا الصواب في اجتنابهم، وتحسبوهم غير أعداء. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت.
والثاني: أنها نزلت في رجلين كانا إِذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم لويا ألسنتهما وعاباه، روي القولان عن ابن عباس.
والثالث: أنها نزلت في اليهود، قاله قتادة.
وفي النصيب الذي أوتوه قولان:
أحدهما: أنه علم نبوة محمد النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: العلم بما في كتابهم دون العمل.
قوله تعالى: {يشترون الضلالة} قال ابن قتيبة: هذا من الاختصار، والمعنى: يشترون الضلالة بالهدى، ومثله {وتركنا عليه في الآخرين} [الصافات: 78] أي: تركنا عليه ثناءً حسنًا، فحذف الثناء لعلم المخاطب.
وفي معنى اشترائِهم الضلالة أربعة أقوال:
أحدها: أنه استبدالهم الضلالة بالإيمان، قاله أبو صالح، عن ابن عباس.
والثاني: أنه استبدالهم التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره، قاله مقاتل.
والثالث: أنه إِيثارهم التكذيب بالنبي لأخذ الرشوة، وثبوت الرئاسة لهم، قاله الزجاج.
والرابع: أنه إِعطاؤهم أحبارهم أموالهم على ما يصنعونه من التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {ويريدون أن تضلوا السبيل} خطاب للمؤمنين.
والمراد بالسبيل: طريق الهدى. اهـ.