فصل: فصل في حجة القراءات في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في حجة القراءات في السورة الكريمة:

.قال ابن خالويه:

سورة البقرة:
قوله تعالى: {فيه هدى} يقرأ بالإدغام والإظهار فالحجة لمن أدغم مماثلة الحرفين لأن الإدغام على وجهين مماثلة الحرفين ومقاربتهما فالمماثلة كونهما من جنس واحد والمقاربة أن يتقاربا في المخرج كقرب القاف من الكاف والميم من الباء واللام من النون وإنما وجب الإدغام في ذلك لأن النطق بالمتماثلين والمتقاربين ثقيل فخففوه بالإدغام إذ لم يمكن حذف احد الحرفين والحجة لمن أظهر أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب له ووفاه حق لفظه لأن الإظهار الأصل والإدغام فرع عليه فان كان الحرف الأول ساكنا لعله أو لعامل دخل عليه كان الإدغام أولى من الإظهار.
قوله تعالى: {الذين يؤمنون} يقرأ بالهمز وتركه فيه وفيما ضارعه فالحجة لمن همز أنه أتى بالكلمة على أصلها وكمال لفظها لأن الهمزة حرف صحيح معدود في حروف المعجم والحجة لمن تركه أنه نحا التخفيف فأدرج اللفظ وسهل ذلك عليه سكونها وبعد مخرجها وكان طرحها في ذلك لا يخل بالكلام ولا يحيل المعنى فان كان سكونها علامة للجزم أو كان تركها أثقل من الإتيان بها أثبتها لئلا تخرج من لغة إلى أخرى كقوله تعالى: {أو ننسأها} {إن تبد لكم تسؤكم} وكقوله: {تئوى اليك من تشاء} فان قيل فان تارك الهمز في يؤمنون يهمز الكأس والرأس والبأس فقل هذه أسماء والاسم خفيف وتلك أفعال والفعل ثقيل فهمز لما استخف وحذف لما استثقل ومن القراء من يهمز إذا أدرج ولا نهمز إذا وقف ويطرح حركة الهمزة على الساكن قبلها أبدا فيقرأ إذا وقف موليا وأصحاب المشأمة ومنهن جزا لأن هذه الأحرف في السواد كذلك فأما قرله هزوا وكفوا فبالواو لأنها ثابتة في السواد ومنهم أيضا من يحذف الهمزات ساكنها أو متحركها وينقل الحركة إلى الساكن قبلها فيقرأ قد أفلح فلن يقبل من أحدهم والحجة له في ذلك أن الهمزة المتحركة أثقل من الساكنة فإذا طرحت الساكنة طلبا للتخفيف كانت المتحركة بالطرح أولى قوله تعالى: {بما أنزل اليك} تقرأ بمد الألف وقصرها فالحجة لمن مد أن الألف خفيفة والهمزة كذلك فقواها بالمد ليصح في اللفظ وهذا مد حرف لحرف والحجة لمن قصر أنه أتى بالكلام على أصله لأن الحرفين من كلمتين فكأن الوقف منوي عند تمام الحرف وقياس هذا الباب قياس الإدغام في الحرفين المثلين إذا أتيا في كلمتين كنت في ادغام الأول بالخيار واظهاره وإذا كانا في كلمة واحدة وجب الإدغام كقوله وهي تمر مر السحاب وكذلك الممدود إذا كان في كلمتين كنت مخيرا وإذا كان في كلمة وجب مده كقوله من السماء ماء والحروف اللواتي يقع بهن المد ثلاثة واو وياء وألف لكون ما قبلهن منهن قالوا وكقوله قالوا إنا معكم والياء كقوله وفي آذانهم وقرا.
والألف كقوله إنما أنت منذر قوله تعالى: {أأنذرتهم} يقرأ وما شاكله من الهمزتين المتفقتين بتحقيق الأولى وتعويض مدة من الثانية وبتحقيقهما متواليتين وبهمزتين بينهما مدة فالحجة لمن قرأ بالهمز والتعويض أنه كره الجمع بين همزتين متواليتين فخفف الثانية وعوض منها مدة كما قالوا آدم وآزر وإن تفاضلوا في المد على قدر أصولهم ومن حققهما فالحجة له أنه أتى بالكلام محققا على واجبه لأن الهمزة الأولى ألف التسوية بلفظ الأستفهام والثانية ألف القطع وكل واحدة منهما داخلة لمعنى والحجة لمن حققهما وفصل بمدة بينهما أنه استجفى الجمع بينهما ففصل بالمدة لأنه كره تليين إحداهما فصحح اللفظ بينهما وكل ذلك من فصيح كلام العرب قوله تعالى: {وعلى أبصارهم} تقرأ بالامالة والتفخيم وكذلك ما شاكله مما كانت الراء مكسورة في آخره فالحجة لمن أماله أن للعرب في امالة ما كانت الراء في آخره مكسورة رغبة ليست في غيرها من الحروف للتكرير الذي فيها فلما كانت الكسرة للخفض في آخر الاسم والألف قبلها مستعلية أمال ما قبل الألف لتسهل له الإمالة ويكون اللفظ من وجه واحد والحجة لمن فخم أنه أتى بالكلام على أصله ووجهه الذي كان له لأن الأصل التفخيم والإمالة فرع عليه فان قيل فيلزم من أمال النار أن يميل الجار فقل لما كثر دور النار في القرآن أمالوها ولما قل دور الجار في القرآن أبقوه على أصله قوله قوله تعالى: {غشاوة} ولهم يقرأ بالرفع والنصب فالحجة لمن رفع أنه استأنف الكلام مبتدئا ونوى به التقديم بالخير التأخير فكأنه قال وغشاوة على أبصارهم والحجة لمن نصب أنه أضمر مع الواو فعلا عطفه على قوله: {ختم الله على قلوبهم وجعل على أبصارهم غشاوة} واضمار الفعل إذا كان عليه دليل كثير مستعمل في كلام العرب ومنه قول الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى ** متقلدا سيفا ورمحا

يريد وحاملا رمحا قوله تعالى: {من يقول} يقرأ مدغما بغنه وبغير غنة لأن النون والتنوين يدغمان عند ستة أحرف يجمعها قولك: يرملون ويظهر أن عند ستة أحرف وهن الهمزة الهاء والعين والحاء والغين والخاء ويخفيان عند سائر الحروف فالنون الساكنة والتنوين يدغمان في اللام والراء بغير غنة وفي الواو كذلك في قراءة حمزة ويدغمان في الميم والنون بغنة لا غير فالحجة لمن أدغم في اللام والراء والياء والواو بغير غنة أن اللام والراء حرفان شديدان والغنة من الأنف فبعدت منهما والياء والواو رخوتان فجرتا مع النون والتنوين في غنة الخياشيم واتفقوا على ادغام النون والتنوين عند الميم بغنة لا غير لمشاركة الميم لهما في الخروج من الخياشيم واستدلوا على ذلك بأن المتكلم بالميم والنون الساكنة لو أمسك بأنفه لأخل ذلك بلفظهما قوله تعالى: {وما يخادعون} يقرأ بضم الياء واثبات الألف وبفتح الياء وطرح الألف فالحجة لمن أثبتها أنه عطف لفظ الثاني على لفظ الأول ليشاكل بين اللفظين والحجة لمن طرحها أن فاعل لا يأتي في الكلام إلا من فاعلين يتساويان في الفعل كقولك قاتلت فلانا وضاربته والمعنى بينهما قريب ألا ترى إلى قوله تعالى: {قاتلهم الله} أي قتلهم فكذلك يخادعون بمعنى يخدعون قوله تعالى: {فزادهم الله مرضا} يقرأ بالأمالة والتفخيم وكذلك ما شاكله كقوله شاء وخاف وجاء وضاق فالحجة لمن أمال كسر أوائل هذه الأفعال إذا أخبر بها المخبر عن نفسه فقال زدت وخفت وما أشبه ذلك والحجة لمن فخم أنه أتى باللفظ على أصل ما يجب للأفعال الثلاثية من فتح أوائلها إذا سمي فاعلوها فان زدت في أوائل هذه الأفعال حرفا من حروف المضارعة اتفقوا على التفخيم كقوله تعالى: {أزاغ الله قلوبهم} فأجاءها المخاض وقد أمال بعض القراء من هذه الأفعال بعضا وفخم بعضا والحجة له في ذلك أنه اتى باللغتين ليعلم أن القارئ بهما غير خارج عن ألفاظ العرب قوله تعالى: {بما كانوا يكذبون} يقرأ بالتشديد بالذال وبضم الياء وبفتح الياء وتخفيف الذال فالحجة لمن شدد أن ذلك تردد منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد أخرى فيما جاء به.
والحجة لمن خفف أنه أراد بما كانوا يكذبون عليك بأنك ساحر وأنك مجنون فأضمر حرف الجر لأن كذب بالتشديد يتعدى بلفظه وكذب بالتخفيف لا يتعدى إلا بحرف جر ومعنى القراءتين قريب لأن من كذب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب قوله تعالى: {وإذا قيل لهم} يقرأ وما شاكله من الافعال بالكسر وباشمام أوله الضم فالحجة لمن كسر أوله أنه استثقل الكسر على الواو التي كانت عين الفعل في الأصل فنقلها إلى فاء الفعل بعد أن أزال حركة الفاء فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كما قالوا ميزان وميعاد ومن ضم فالحجة له أنه بقى على فعل ما لم يسم فاعله دليلا في الضم لئلا يزول بناؤه وقد قرأ بعض القراء ذلك بكسر بعض وضم بعض فالحجة له في ذلك ما قدمناه من اتيانه باللغتين معا قوله تعالى: {السفهاء} ألا يقرأ بتحقيق الهمزتين وتحقيق الأولى وتخفيف الثانية تليينا فالحجة لمن حقق اتيانا باللفظ على واجبه ووفاه حقه والحجة لمن حقق الأولى ولين الثانية أنه نحا التخفيف وأزال عن نفسه لغة الثقل فهذا معنى القراءة في الهمزتين المختلفتين فأما المتفقتان فهم فيهما مختلفون فمنهم من يحول الأولى في المكسورة ياء والمضمومة واوا ويترك الأولى في المفتوحة ويحقق الثانية ومنهم من يحقق الهمزتين معا فالحجة لهم في ذلك أن العرب تتسع في الهمزة ما لا تتسع في غيره فتحقق وتلين وتبدل وتطرح فهذه أربعة أوجه وورد القرآن بجميعها ومنه قراءة الصابيون والخاطيون والحجة له تأتي في موضعه أن شاء الله تعالى قوله تعالى: {في طغيانهم} يقرأ بالامالة والتفخيم وبينهما فالحجة لمن أمال أن النون مكسورة للخفض فقربت الياء منهما ليكون اللفظ من وجه واحد وسهل ذلك عليه لأن الطغيان هاهنا مصدر كالطغوى في قوله تعالى: {بطغواها} فلما اتفقا في المعنى ساوى بينهما في الإمالة والحجة لمن فتح أنه أتى بالكلام على أصل ما بني عليه والحجة لمن قرأ بين ذلك أنه عدل بين اللغتين فأخذ بأحسن اللفظين فأما امالة الكسائي رحمه الله قوله تعالى: {في آذانهم من الصواعق} فان كان أماله سماعا من العرب فالسؤال عنه ويل وإن كان أماله قياسا فقد وهم لأن ألف الجمع في أمثال هذا لا تمال ويلزمه على قياسه أن يميل قوله: {أنبئهم بأسمائهم} ويطاف عليهم بآنية وامالة هذا محال فان قيل فقد أمال غيره قد نبأنا الله من أخباركم فقل قد عرفناك رغبة العرب في امالة ذوات الراء حتى أمالوا برى وترا وكذلك فرق أبو عمرو بين ذوات الراء وبين غيرها واللفظ بهما واحد فقرأ من أصوافها بالتفخيم وأوبارها وأشعارها بالامالة قوله تعالى: {بالهدى فما ربحت تجارتهم} يقرأ بالامالة والتفخيم وبينهما وكذلك ما ضارعه من ذوات الياء اسما كان أو فعلا فمن فخم فالحجة له أنه أتى بالكلام على أصل ما وضع له والحجة لمن أمال أنه قرب الحرف المستعلى من الياء ليعمل لسانه بالنطق موضع واحد والحجة لمن قرأ بين بين أنه ساوى بين اللفظين فأما حمزة فأمال ذوات الياء وفخم ذوات الواو ليفرق بين المعنيين قوله تعالى: {مشوا فيه} قرأ ابن كثير باشباع كسرة الهاء ووصلها بالياء وكذلك كل هاء قبلها فان كان قبل الهاء حرف مفتوح أو ساكن ضم الهاء ووصلها بواو نحو فقد رهو فلما كشفنا عنه ضرهو والحجة له في ذلك أن الهاء حرف خفي فقواه بحركته وحرف من جنس الحركة وقرأ الباقون باشارة إلى الضم والكسر من غير اثبات حرف بعد الهاء والحجة لهم في ذلك أنهم كرهوا أن يجمعوا بين حرفين ساكنين ليس بينهما حاجز إلا الهاء وهي حرف خفي فأسقطوه وبقوا الهاء على حركتها وأصل حركتها الضم وإنما يكسر إذا جاوز بها الهاء وربما تركت على ضمها وقبلها الياء قوله تعالى: {إن الله على كل شيء قدير} قرأه حمزة باشباع فتح الشين ووقفة على الياء قبل الهمزة وكذلك يفعل بكل حرف سكن قبل الهمزة والحجة له في ذلك أنه أراد صحة اللفظ بالهمزة وتحقيقها على أصلها فجعلها كالمبتدأ وسهل ذلك عليه أنها في حرف عبد الله مكتوبة في السواد شائ بألف وقرأه الباقون وما شاكله مدرجا على لفظه بالهمز من غير وقفة ولا سكتة والحجة لهم في ذلك أنه لا يوقف على بعض الاسم دون الإتيان على آخره ولذلك صار الاعراب في آخر الاسم دون أوله وأوسطه لأنه تمامه وانتهاؤه قوله تعالى: {من السماء ماء} وقوله: {إلا دعاء ونداء} وما أشبه ذلك من الممدود المنصوب المنون يقرأ عند الوقف عليه بإثبات الألف عوضا من التنوين وبالمد على الأصل وبالقصر وطرح الألف فالحجة لمن مد وأثبت الألف أن الأصل في الاسم ثلاث الفات فالأصل في ماء موه فقلبت من الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار ماه ثم قلبوا من الهاء الفا لأنها أجلد منها وأحمل للحركة فصار فيه ألفان والثالثة العوض من التنوين عند الوقف على المنصوب والدليل على أن الأصل في ماء ما ذكرناه جمعه على أمواه ودعاء نداء فيهما ألفان مجهولتان وألفان أصليتان وألفان عوض من التنوين فوفى اللفظ حقه من النطق والحجة لمن قصر وطرح الألف أن يقول الوقف يزيل الحركة في الرفع والخفض فإذا زالت الحركة في الرفع والخفض سقط التنوين لأنه تابع لها فجعل النصب قياسا على الرفع والخفض ويستدل على ذلك أنها مكتوبة في السواد بألف واحد.
قوله تعالى: {والله محيط بالكافرين} يقرأ بإمالة الكافرين وبتفخيمها في موضع النصب والجر فالحجة لمن أمال أنه لما اجتمع في الكلمة أربع كسرات كسرة الفاء والراء والياء والراء يقوم مقام كسرتين جذبن الألف لسكونها بقوتهن فأملنها فان قيل فيلزم على هذا الأصل أن يميل الشاكرين والجبارين فقل لا يلزمه ذلك لثلاث علل احداهن الإدغام الذي فيهما وهو فرع والإمالة فرع ولا يجمع بين فرعين في اسم والأخرى أن هذين الاسمين قليلا الدور في القرآن ولم يكثرا ككثرة الكافرين فترك امالتهما والثالثة أن الشين والجيم والياء يخرجن من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك فلما كانتا مجاورتين للياء كرهوا الإمالة فيهما كما كرهوا في الياء قوله تعالى: {فأحياكم} يقرأ بالامالة والتفخيم على ما قدمنا القول في ذلك وإنما ذكرت هذا الحرف لأن حمزة يميل أمثاله إذا كانت قبله الواو ولا يميله مع الفاء والحجة له في ذلك أنه فرق بين المتصل والمنفصل لخفة أحدهما وثقل الآخر وعلته في ذلك أن الثقل واقع في اللفظ لا في الحظ واللفظ بهذين الحرفين واحد فمن استعمل وجها مع أحدهما لزمه استعماله مع الآخر أيضا قوله تعالى: {وهو بكل شيء عليم} يقرأ باسكان الهاء مع الواو والفاء وثم واللام وبحركتها بالضم فالحجة لمن اسكن أنه لما اتصلت هذه الهاء بهذه الحروف أسكنت تخفيفا كما أسكنت لام الأمر في قوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا} والحجة لمن ضم أنه أتى بلفظ الاسم على أصله قبل دخوله هذه الحروف عليه وقد فرق بعض القراء بين هذه الحروف فأسكن مع ما لا يوقف عليه منها وحرك ما يوقف عليه والحجة له في ذلك أن الحرف إذا اتصل بالاسم اتصالا لا يمكن الوقف عليه دونه ثقل فخفف بالاسكان وإذا قام بنفسه قياما يمكن الوقوف عليه كان الاسم بعده كالمبتدأ فلم يمكن إسكانه قوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون} يقرأ بتحريك الياء واسكانها فالحجة لمن فتحها أنها هاهنا كالهاء والكاف في قولك إنه وإنك وهي اسم مكنى.
والمكنى مبنى على حركة ما فكان الفتح أولى بها لأنها جاءت بعد الكسر والحجة لمن أسكن أن يقول الحركة على الياء ثقيلة وأصل البناء السكون فأسكنتها تخفيفا والقراء يختلفون في هذه الياء وما شاكلها من ياءات الاضافة عند استقبال الهمزة فمنهم من يفتحها مع المفتوحة ويسكنها مع المضمومة والمكسورة استثقالا للحركة معهما ومنهم من يسكنها مع المضمومة ويفتحها مع ما سواها لأن الضمة أثقل الحركات فخفف الكلمة بالسكون لأنه أخف من الحركة ومنهم من يحذفها أصلا ويجتزي بالحركة منها فان اتصلت بحرف واحد فالوجه فتحها لئلا تسقط لالتقاء الساكنين فتبقى الكلمة على حرف واحد واسكانها جائز وللعرب في ياءات الاضافة أربعة أوجه فتحها على الأصل واسكانها تخفيفا وإثبات الألف بعدها تليينا للحركة وحذفها اختصارا قوله تعالى: {فأزلهما} يقرأ بإثبات الألف والتخفيف وبطرحها والتشديد فالحجة لمن أثبت الألف أن يجعله من الزوال والانتقال عن الجنة والحجة لمن طرحها أن يجعله من الزلل وأصله فأزللهما فنقلت فتحة اللام إلى الزاي فسكنت اللام فأدغمت للمماثلة قوله تعالى: {أنبئهم} قرأه ابن عامر بطرح الهمزة واثبات الباء وكسر الهاء فان كان جعله من أنبى ينبى غير مهموز فهو لحن وإن كان خفف الهمزة وجعلها ياء وهو يريدها كان وجها قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات} تقرأ برفع آدم ونصب الكلمات وبنصب آدم ورفع الكلمات فالحجة لمن رفع آدم أن الله تعالى لما علم آدم الكلمات فأمره بهن تلقاهن بالقبول عنه والحجة لمن نصب آدم أن يقول ما تلقاك فقد تلقيته وما نالك فقد نلته وهذا يسميه النحويون المشاركة في الفعل قوله تعالى: {فمن تبع هداي} رواه ورش عن نافع باسكان الياء وما شاكل ذلك من الياءات فجمع بين ساكنين لأن الألف قبل الياء كالمتحركة للمد الذي قبلها ولذلك قرأ أبو عمرو واللاي يئسن باسكان الياء والإختيار ما عليه القراء من فتحها فأما قوله تعالى علي وإلي ولدي فلا يجوز في يائهن إلا الفتح لالتقاء الساكنين وأمال الكسائي هداي وفتحه الباقون فالحجة لمن أمال أنها من ذوات الياء لتثنيتهم أياها هديان كما تقول فتيان والحجة لمن فخم أنها وإن كانت في الاصل من ذوات الياء فقد انقلبت الياء فيها بالاضافة إلى لفظ الألف فاستعمال اللفظ أولى من الرجوع إلى الأصل قوله تعالى: {يا بني اسرائيل} كان ابن كثير يمد اسرائيل أكثر من مد بني والحجة له في ذلك أن مد بني لأجل استقبال الهمزة فهي مد حرف لحرف والمد في اسرائيل من أصل بنية الكلمة لا لأجل غيرها وسوى الباقون بين مدتيهما لأنهما في اللفظ بهما سيان قوله تعالى: {ولا تقبل منها شفاعة} تقرأ بالياء والتاء فالحجة لمن قرأ بالتاء أنه دل بها على تأنيث الشفاعة ولمن قرأ بالياء ثلاث حجج أولاهن أنه لما فصل بين الفعل والاسم بفاصل جعله عوضا من تأنيث الفعل والثانية أن تأنيث الشفاعة لا حقيقة له ولا معنى تحته فتأنيثه وتذكيره سيان والثالثة قول ابن مسعود إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوه بالياء قوله تعالى: {واذ وعدنا} هاهنا وفي الأعراف وطه يقرآن بإثبات ألف بين الواو والعين وبطرحها فالحجة لمن أثبت الألف أن الله تعالى وعد موسى عليه السلام وعدا فقبله فصار شريكا فيه فجاء الفعل بفاعلت لأنه بنية فعل الاثنين فإذا جاء للواحد فهو قليل والحجة لمن طرح الألف أن يقول الله هو المنفرد بالوعد والوعيد وإنما تكون المواعدة بين المخلوقين فلما انفرد الله تعالى بذلك كان فعلت فيه أولى من فاعلت قوله تعالى: {ثم اتخذتم} تقرأ بالاظهار والإدغام فالحجة لمن أظهر أنه أتى بالكلمة على أصلها واغتنم الثواب على كل حرف منها والحجة لمن أدغم أن الظاء والثاء والذال مخرجهن من طرف اللسان وأطراف الثنايا العلى فوجب الإدغام لمقاربة المخرج والمجانسة فان قيل فيلزم من أدغم اتخذتم أن يدغم لبثتم فقل أن مدغم اتخذتم ومظهر لبثتم أتى باللغتين معا ليعلم من قرأ بهما أنه غير خارج عن الصواب قوله تعالى: {الى بارئكم}. رواه اليزيدي عن أبي عمرو باسكان الهمزة فيه وفي قوله: يأمركم وينصركم ويلعنهم ويجمعكم وأسلحتكم يسكن ذلك كله كراهية لتوالي الحركات واستشهد على ذلك بقول امرئ القيس فاليوم أشرب غير مستحقب اثما من الله ولا واغل أراد أشرب فأسكن الباء تخفيفا وحكى سيبويه عن هارون بارئكم باختلاس الهمزة والحركة فيما رواه اليزيدي عنه بالاسكان لأن أبا عمرو كان يميل إلى التخفيف فيرى من سمعه يختلس بسرعة أنه أسكن وقرأ الباقون بالاشباع والحركة والحجة لهم أنهم أتوا بالكلمة على أصل ما وجب لها قوله تعالى: {أرنا الله جهرة} {وأرنا مناسكنا} وما شاكله يقرأ بكسر الراء واسكانها فالحجة لمن كسر أنه يقول الأصل في هذا الفعل أراينا على وزن أكرمنا فنقلت كسرة الهمزة إلى الراء وحذفت الهمزة تخفيفا للكلمة وسقطت الياء للأمر ولمن أسكن الراء حجتان احداهما أنه أسكنها والأصل كسرها تخفيفا كما قالوا في فخذ فخذ والثانية أنه بقى الراء على سكونها وحذف الهمزة بحركتها ولم ينقلها فأما ما روي عن أبي عمرو من امالة قوله: {فلما رأى القمر} وما شاكله فغلط عليه لأن الإمالة من أجل الياء فلما سقطت الياء سقطت الإمالة فان قيل فيلزم على هذا أن لا يقف على المخفوض بالامالة لأن الكسرة قد زالت بالوقف فقل من شرطه أن يشم الكسرة في الوقف فأمال الاشارة ليعلم أنه كذلك يصل فان كانت هذه الرواية صحت فإنما أراد أن يعلم أنه كذلك يقف وفي هذا بعض الوهن ولكنه عذر له والمشهور عنه في ذلك الفتح قوله تعالى: {يغفر لكم خطاياكم} تقرأ بالتاء والياء وضمهما وبالنون فالحجة لمن قرأها بالتاء والياء ما قدمناه في قوله: {ولا تقبل منها شفاعة} والضم دلالة على بناء الفعل لما لم يسم فاعله ولمن قرأ بالياء حجة رابعة وهي أن خطايا جمع وجمع مالا يعقل مشبه لجمع من يعقل من النساء فكما ذكر الفعل في قوله: {وقال نسوة} لتذكير لفظ الجمع فكذلك يجوز التذكير في قوله: {يغفر} لأنه فعل للخطايا ولفظها لفظ جمع فان قيل لم اتفقت القراء على قوله: {خطاياكم} هاهنا واختلفوا في الأعراف وسورة نوح فقل لأن هذه كتبت بالألف في المصحف فأدى اللفظ ما تضمنه السواد وتينك كتبتا بالتاء من غير ألف وهما في الحالين جمعان لخطية فخطايا جمع تكسير وخطيئات جمع سلامة وكان الأصل في خطايا خطايء على وزن فعائل فاستثقل الجمع بين همزتين فقبلوا الثانية ياء لانكسار ما قبلها فصار خطائي فوجب سقوط الياء لسكونها وسكون التنوين فكرهوا ذهاب الياء مع خفاء الهمزة فقلبوا من الكسرة فتحة ومن الياء ألفا فصار خطاءا بثلاث ألفات فكرهوا الجمع من ثلاث صور فقلبوا من الألف الوسطى ياء فصار خطايا وأدغم أبو عمرو وحده الراء في اللام من يغفر لكم وما شاكله في القرآن وهو ضعيف عند البصريين وقد روى عنه الإظهار والحجة له في ذلك أنه لما كانت تدغم في الراء كقوله قل رب بل ران كانت الراء بهذه المثابة تدغم في اللام قوله تعالى: {وضربت عليهم} الذلة يقرأ بكسر الهاء والميم وبضمهما وبكسر الهاء وضم الميم في كل موضع استقبلتهما فيه ألف ولام فالحجة لمن كسرهما أنه كسر الهاء لمجاورة الياء وكسر الميم لالتقاء الساكنين والحجة لمن ضمهما أنه لما ضم الهاء على أصل ما كانت عليه حرك الميم ايضا بالضم على الأصل لأنه كان همو قبل دخول حرف الجر عليه والحجة لمن كسر الهاء مجاورة الياء وضم الميم لأنه لم يجد بدا من حركتها فحركها بما قد كان في الأصل لها فان قيل فلم وافق الكسائي حمزة هاهنا وخالفه في قوله: {أنعمت عليهم} فقل لما كانت الميم ساكنة كره الخروج من ياء إلى ضمة فكسر الهاء لمجاورة الياء هناك وبقى الميم على سكونها ولما لم يجد هاهنا بدا من حركة الميم لالتقاء الساكنين فلو ترك الهاء على كسرها لمجاورة الياء لخرج من كسر إلى ضم رد الهاء إلى أصلها وحرك الميم بالضم لالتقاء الساكنين قوله تعالى: {ويقتلون النبيين} يقرأ بالهمز وتركه وكذلك النبوة والأنبياء فالحجة لمن همز أنه أخذه من قوله: أنبأ بالحق إذا أخبر به.
ومنه أنبئوني بأسماء هؤلاء والحجة لمن ترك من ثلاثة أوجه أولها أن الهمز مستثقل في كلامهم والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «لست نبيء الله» كأنه كره الهمز لأن قريشا لا تهمز والثاني أنه مأخوذ من النبوة وهي ما ارتفع من الأرض وعلا لأنه أخبر عن العالم العلوي وأتى به عن الله تعالى والثالث أن العرب تدع الهمزة من النبي وهو من أنبأت ومن الخابية وهي من خبأت ومن البرية وهي من برأ الله الخلق ومن الذرية وهي من ذرأهم ومن الروية وهي من روأت في الأمر قوله تعالى: {والصابئين} يقرأ وما شاكله بالهمز وتركه فالحجة لمن همز أنه مأخوذ من صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين والحجة لمن لم يهمز أن يكون أراد الهمز فلين وترك أو يكون أخذه من صبا يصبو إذا مال وبه سمى الصبي صبيا لأن قلبه يميل إلى كل لعب لفراغه فان قيل فلم أجمع على همز الصابئين وترك الهمز في النبيين فقل لأن من ترك الهمز في النبيين بقى خلفا وهو الياء ومن ترك الهمز في الصابئين لم يبق خلفا لأنه كتب في المصحف بغير واو ولا ياء قوله تعالى: {أتتخذنا هزوا} يقرأ هزؤا وكفؤا بالضم والهمز وجزءا باسكان الزاي والهمز والحجة في ذلك اتباع الخط لأن هزؤا وكفؤا في المصحف مكتوبان بالواو وجزءا بغير واو فاتبعوا في القراءة تأدية الخط وقرأ حمزة ذلك كله مسكنا مخففا ووقف على هزوا وكفوا بالواو ووقف على جزءا بغير واو ليجتمع له بذلك الاشراك بين الحروف إذ كان الجزء والهزء سيان ويتبع الخط في الوقف عليها وفي جزءا أربع لغات جزؤ بالضم الهمز وجزء بالاسكان والهمز وجزو بالاسكان والواو وجزؤ بضم الزاي والواو من غير همز وهو رديء لأنه ليس في كلامهم اسم آخره واو قبلها حركة إلا الربو وهذا شاذ فان كان أراد أن أصل الواو فيه الهمز جاز وقرأ عاصم ذلك كله في رواية أبي بكر بالهمز والتثقيل ولم يلتفت إلى اختلاف صورهن في الخط لأن فيه ما قد أثبت في موضع وحذف من نظيره لغير ما علة كقوله لأعذبنه أو لا أذبحنه كتب الأول بغير ألف والثاني بزيادة ألف ولفظهما واحد فحمله على هذا وروى عنه حفص جزءا ساكن الزاي مهموزا وهزوا وكفوا بالواو من غير همز اتباعا للسواد قوله تعالى: {من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون} وقوله: {إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} وقوله: {إنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} وقوله: {وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما يعملون} يقرآن بالياء والتاء فالتاء في الأول أكثر لقوله تعالى مخاطبا لهم {ثم قست قلوبكم} والياء والتاء في الثاني معتدلتان فالحجة لمن قرأ بالتاء أنه أراد وما الله بغافل عما تعملون أنتم وهم والاختيار فيه التاء لعلتين احداهما أن رد اللفظ على اللفظ أحسن والثانية أنه لما ثبت أن الله ليس بغافل عما يعمل كل أحد اعتدلت التاء والياء فيهما والحجة لمن قرأ بالياء أن العرب ترجع من المخاطبة إلى الغيبة كقوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} ولم يقل بكم والياء والتاء في الثالث قريبتان والاختيار الياء لقوله من ربهم والياء والتاء في الرابع متساويتان لأنه لم يتقدم في قوله: {وانه للحق من ربك} ما تكون احداهما أولى بالرد عليه إلى أن يجعل قوله: {من ربك} إفرادا للنبي عليه السلام بالخطاب والمعنى له ولأمته فيكون الإختيار على هذا الوجه التاء كما قال تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}.
قوله تعالى: {وأحاطت به خطيئته} يقرأ بالتوحيد والجمع فلمن أفراد حجتان احداهما أن الخطيئة هاهنا يعني بها الشرك والأخرى أنه عطف لفظ الخطيئة على لفظ السيئة قبلها لأن الخطيئة سيئة والسيئة خطيئة والحجة لمن جمع أن السيئة والخطيئة وإن انفردتا لفظا فمعناهما الجمع ودليله على ذلك أن الاحاطة لا تكون لشيء مفرد وإنما تكون لجمع أشياء فأما قوله: {أحاط بهم سرادقها} فإنه وإن كان واحدا فهو جمع للشيء المحيط بجميع أجزاء المحاط به ويمكن أن يكون أراد بالجمع هاهنا وأحاطت به عقوبات خطيئته والدليل على ذلك قول قتادة السيئة الشرك والخطيئة الكبائر قوله تعالى: {لا تعبدون إلا الله} يقرأ بالياء والتاء فالحجة لمن قرأ بالتاء مواجهة الخطاب فيكون أخذ الميثاق قولا لهم والحجة لمن قرأ بالياء معنى الغيبة قوله تعالى: {وتولوا للناس حسنا} يقرا بضم الحاء وإسكان السين وبفتح الحاء والسين فالحجة لمن ضم أنه أراد المصدر والاسم ودليله قوله: {ووصينا الانسان بوالديه حسنا} والحجة لمن فتح أنه أراد قولا حسنا فأقام الصفة مقام الموصوف والاول أصوب لأن الصفة مفتقرة إلى الموصوف كافتقار الفعل إلى الاسم قوله تعالى: {تظاهرون} يقرأ بالتشديد والتخفيف فالحجة لمن شدد أنه أراد تتظاهرون بتائين فأسكن الثانية وأدغمها في الظاء فشددها لذلك والحجة لمن خفف أنه أراد أيضا تتظاهرون فأسقط احدى التاءين تخفيفا وكراهية للادغام وثقله فان قيل فأي التاءين الساقط فقل قال سيبويه الساقط الاول وقال هشام الثاني وقال الفراء احداهما بغير تعيينها ولكل حجة ودليل قوله تعالى: {أسارى تفادوهم} يقرأ بإثبات الألف فيهما جميعا وباسقاطها فيهما وباثباتها في الأول وطرحها من الثاني فالحجة لمن أثبتها فيهما أنه جعله جمع الجمع وجعل تفادوهم فعلا من اثنين لأن الفداء أن تأخذ ما عنده وتعطي ما عندك فتفعل به كما يفعل بك والحجة لمن أسقطها أن جمع أسير أسرى كما تقول مريض ومرضى وجعل الفعل من فدى يفدي وأصل الأسر الشد وبه سمى الأسير والحجة لمن أثبت وطرح ما قدمناه من الوجهين قوله تعالى: {بل طبع} يقرأ بالإدغام والإظهار فالحجة لمن أدغم مقاربة مخرج اللام من الطاء والحجة لمن أظهر أنه أتى بالكلام على الأصل ليفرق بين ما يتصل فلا يجوز اظهاره ولا الوقوف عليه كقوله والطارق وبين ما ينفصل ويوقف عليه كقوله بل طبع فان قيل فيلزم من أدغم هذا للمقاربة أن يدغم قوله: {ومن يفعل ذلك} للمقاربة أيضا فقل سكون اللام في يفعل عارض للجزم وسكون اللام في بل سكون بناء فهذا فرقان واضح قوله تعالى: {بروح القدس} قرأه ابن كثير باسكان الدال والحجة له أنه كره توالي ضمتين في اسم فأسكن تخفيفا أو يكون الاسكان لغة والحجة لمن ضم أنه أتى بالكلمة على أصلها والروح هاهنا جبريل عليه السلام والقدس في اللغة الطهر قوله تعالى: {أن ينزل الله} يقرا بالتشديد والتخفيف فالحجة لمن شدد أنه أخذه من نزل ينزل ومن خفف أخذه من أنزل ينزل والقراء فيه مختلفون فقرأ عاصم ونافع وابن عامر ذلك حيث وقع بالتشديد وقرأه أبو عمرو بالتخفيف إلا قوله في الحجر: {وما ننزله إلا بقدر معلوم} وفي الأنعام على أن ينزل آية وزاد ابن كثير حرفا ثالثا قوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} والحجة لهما في ذلك تكرار النزول ومداومته شيئا بعد شيء وقرأ الكسائي وحمزة ذلك كله بالتشديد إلا قوله في لقمان: {وينزل الغيث} وفي عسق {وهو الذي ينزل الغيث} والحجة لهما في ذلك قوله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} فمضارع أنزل ينزل بالتخفيف فاعرفه قوله تعالى: {وجبريل وميكال} فيهما أربع قراءات جبرئيل بفتح الجيم والراء وبالهمز وبكسر الجيم والراء وترك الهمز وبفتح الجيم وكسر الراء وترك الهمز وبفتح الجيم والراء واختلاس الهمز وميكال يقرأ بالمد والهمز وبالألف من غير مد ولا همز وبالهمز من غير ألف وبالقصر والهمز والحجة في ذلك أن العرب إذا أعربت اسما من غير لغتها أو بنته اتسعت في لفظه لجهل الاشتقاق فيه.
قوله تعالى: {ولكن الشياطين} يقرا بتخفيف النون والرفع وبتشديدها والنصب وكذلك ما شاكله والحجة لمن خفف ورفع أن لكن وأخواتها إنما عملن لشبههن بالفعل لفظا ومعنى فإذا زال اللفظ زال العمل والدليل على ذلك أن لكن إذا خففت وليها الاسم والفعل وكل حرف كان كذلك ابتدئ ما بعده والحجة لمن شدد ونصب أنه أتى بلفظ الحرف على أصله والمعنى فيه شدد أو خفف الاستدراك بعد النفي قوله تعالى: {ما ننسخ من آية} يقرأ بضم النون وفتحها فالحجة لمن ضم أن المعنى ما ننسخك يا محمد من آية كقولك أنسخت زيدا الكتاب ويجوز أن يكون ما ننسخ من آية أي نجعلها ذات نسخ كقوله تعالى: {فأقبره} أي جعله ذا قبر والحجة لمن فتح أنه جعله من الأفعال اللازمة لمفعول واحد قوله تعالى: {أو ننسأها} يقرأ بفتح النون والهمز وبضمها وترك الهمز فالحجة لمن فتح النون وهمز أنه جعله من التأخير أو من الزيادة ومنه قولهم نسأالله أجلك وأنسأفي أجلك والحجة لمن ضم وترك الهمز أنه أراد الترك يريد أو نتركها فلا ننسخها وقوله نأت بخير منها قيل بأخف منها في العبادة وقيل نبدل آية العذاب بآية رحمة فذلك خير وقيل بل بأشد منها لأنه تخويف من الله لعباده وترغيب فيما عنده فذلك خير والنسخ على وجوه نسخ اللفظ والحكم ونسخ اللفظ وابقاء الحكم ونسخ الحكم وابقاء اللفظ فان قيل ما معنى قوله: {أو مثلها} فقل المماثلة موافقة الشيء من وجه من الوجوه ولو ماثله من جميع وجوهه لكان هو ولم يكن له مثلا والمعنى هاهنا أنها قرآن مثلها وهي في المعنى غيرها لأن هذه آية رحمة وهذه آية عذاب قوله تعالى: {ولا تسأل} يقرأ بالرفع والجزم فالحجة لمن رفع أنه أخبر بذلك وجعل لا نافية بمعنى ليس ودليله قراءة عبدالله وأبي ولن تسأل والحجة لمن جزم أنه جعله نهيا ودليله ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما ليت شعري ما فعل أبواي فأنزل الله تعالى ولا تسأل عن أصحاب الجحيم فإنا لا نؤاخذك بهم والزم دينك فأما من ضم التاء فإنه جعله فعل ما لم يسم فاعله ومن فتحها جعلها فعل فاعل قوله تعالى: {واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى} يقرأ بكسر الخاء وفتحها فالحجة لمن كسر أنهم أمروا بذلك ودليله قول عمر أفلا نتخذه مصلى فأنزل الله ذلك موافقا به قوله.
والحجة لمن فتح أن الله تعالى أخبر عنهم بذلك بعد أن فعلوه فان قيل فان الأمر ضد الماضي وكيف جاء القرآن بالشيء وضده فقل أن الله تعالى أمرهم بذلك مبتدئا ففعلوا ما أمروا به فأثنى بذلك عليهم وأخبر به وأنزله في العرضة الثانية قوله تعالى: {فأمتعه قليلا} يقرأ بتشديد التاء وتخفيفها فالحجة لمن شدد تكرير الفعل ومداومته ودليله قوله: {ومتعناهم إلى حين} والحجة لمن خفف أن تكرير الفعل لا يكون معه قليلا فلما جاء معه بقليل كان أمتع أولى به من أمتع على أن أفعل وفعل يأتيان في الكلام بمعنى واحد كقولك أكرمت وكرمت ويأتيان والمعنى مختلف كقولك أفرطت تقدمت وتجاوزت الحد وفرطت قصرت وتأتي فعلت بما لا يأتي له أفعلت كقولك كلمت زيدا ولا يقال أكلمت وأجلست زيدا ولا يقال جلست قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا} قرأه ابن عامر بغير واو والحجة له أنه استأنف القول مخبرا به ولم يعطفه على ما قبله وقرأه الباقون بالواو والحجة لهم أنهم عطفوا جملة على جملة وأتوا بالكلام متصلا بعضه ببعض وكل من كلام العرب قوله تعالى: {كن فيكون} قرأه ابن عامر بالنصب والحجة له الجواب الفاء وليس هذا من مواضع الجواب لأن الفاء لا ينصب إلا إذا جاءت بعد الفعل المستقبل كقوله لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم ومعناه فان تفتروا يسحتكمم وهذا لا يجوز في قوله: {كن فيكون} لأن الله تعالى أوجد بهذه اللفظة شيئا معدوما ودليله حسن الماضي في موضعه إذا قلت كن فكان وقرأه الباقون بالرفع والحجة لهم ما قدمناه من القول قوله تعالى: {واذ قال ابراهيم} قرأه ابن عامر بألف موضع الياء هاهنا لأنه في السواد بغير ياء وفيه أربع لغات ابراهيم وابراهام واراهم وابراهم قال الشاعر:
عذت بما عاذ به ابراهم

وقال الآخر:
نحن آل الله في قبلته ** لم يزل ذاك على عهد ابرهم

وقد عرفتك اتساع العرب في الأسماء الأعجمية إذا عربتها قوله تعالى: {ووصى بها ابراهيم} يقرأ بالتشديد من غير ألف وبالتخفيف واثبات الألف وقد تقدم القول في ذلك وأوضحنا الفرق بين فعل وأفعل قوله تعالى: {أم يقولون} تقرأ بالتاء والياء فالحجة لمن قرأه بالياء أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى لمن قال ذلك لا للنبي فأخبر عنهم بما قالوه والحجة لمن قرأ بالتاء أنه عطف باللفظ على معنى الخطاب في قوله: {أتحاجوننا} {أم تقولون} {قل أأنتم} فأتى بالكلام على سياقه قوله تعالى: {لرؤف رحيم} يقرأ بإثبات الواو والهمز وبطرحها والهمز فالحجة لمن أثبت الواو أن صفات الله تعالى على هذا الوزن جاءت كقوله غفور شكور ودود وهو أفخم لأن ذلك لا يقال إلا لمن دام الفعل منه وثبت له كقول الشاعر:
نبي هدى طيب صادق ** رؤف رحيم بوصل الرحم

والحجة لمن طرح الواو وهمز أنه مال إلى التخفيف لاجتماع الهمز والواو وكان طرحها لا يزيل لفظا ولا يحيل معنى فاستجاز ذلك قال الشاعر:
يرى للمسلمين عليه حقا ** كفعل الوالد الرءف الرحيم

قوله تعالى: {هو موليها} قرأه ابن عامر مولاها والحجة له في ذلك أنه جعل المولى مفعولا به وأصله موليها فلما تحركت الياء انقلبت ألفا والحجة لمن قرأها بالياء وكسر اللام أنه أراد مولي وجهه اليها فتكون الهاء كناية عن محذوف لأن كلا يقتضي مضافا والمولى هاهنا هو الفاعل قوله تعالى: {لئلا يكون} يقرأ بالهمز وتركه فالحجة لمن همز أنه أتى باللفظ على الأصل لأنها أن دخلت عليها اللام والحجة لمن خفف أن العرب تستثقل الهمز ولا زيادة معه فلما قارن الهمزة لام مكسورة واجتمع في الكلمة كسر اللام وزيادتها ثقل الهمز لينها تخفيفا وقلبها ياء للكسرة التي قبلها قوله تعالى: {فمن تطوع خيرا} يقرأ بالتاء وفتح العين وبالياء وإسكان العين فالحجة لمن قرأ بالتاء والفتح أنه جعله فعلا ماضيا على بنائه في موضع الاستقبال لأن الماضي يقوم مقام المستقبل في الشرط والجواب الفاء في قوله: {فهو خير له} والحجة لمن قرأ بالياء وإسكان العين أنه أراد يتطوع فأسكن التاء وأدغمها في الطاء وبقى الياء ليدل بها على الاستقبال وجزمه بحرف الشرط.
قوله تعالى: {وتصريف الرياح} يقرأ بالافراد والجمع إذا كانت فيه الألف واللام في اثني عشر موضعا فالحجة لمن أفرد أنه جعلها عذابا واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلها رياحا لا ريحا والحجة لمن جمع أنه فرق بين رياح الرحمة ورياح العذاب فجعل ما أفرده للعذاب وما جعله للرحمة والأرواح أربعة أسست أسماؤها على الكعبة فما استقبلها منها فهي الصبا والقبول وما جاء عن يمينها فهي الجنوب وما جاء عن شمالها فهي الشمال وما جاء من مؤخرها فهي الدبور وهي ريح العذاب نعوذ بالله منها وباقيها ريح الرحمة قوله تعالى: {ولو ترى الذين ظلموا} يقرأ بالتاء والياء فالحجة لمن قرا بالتاء أنه أراد ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ عاينوا العذاب لرحمتهم والحجة لمن قرأ بالياء أنه جعل الفعل لهم ومعناه ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله ولو ابتدأت أن مع التاء بالكسر لكان وجها كقوله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون} أي لو عاينتهم في هذا الحال لرحمتهم وترفع الملائكة وتحذف جواب لو كقوله ولو أن قرآنا سيرت به الجبال يريد لكان هذا فحذفه قوله تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} يقرأ بضم الطاء واسكانها فالحجة لمن ضم أنه أتى بلفظ الجمع على حقيقة ما وجب له لأنه جمع خطوة ودليله قوله: {وهم في الغرفات آمنون} لأنه جمع غرفة والحجة لمن أسكن أنه خفف الكلمة لاجتماع ضمتين متواليتين وواو فلما كانوا يسكنون مثل ذلك مع غير الواو كان السكون مع الواو لثقلها أولى ومعنى خطوات الشيطان طرقه والخطوة بفتح الخاء الاسم وبضمها قدر ما بين قدميك قوله تعالى: {فمن اضطر} يقرأ وما شاكله من النونات الخفيفة والتنوين والحروف المبنية على السكون بالضم والكسر فالحجة لمن كسر التقاء السايين والحجة لمن ضم أنه لما احتاج إلى حركة هذه الحروف كره الخروج من كسر إلى ضم فأتبع الضم الضم ليأتي باللفظ من موضع واحد فان قيل فلم وافقهم أبو عمرو على الكسر إلا في الواو واللام وحدهما فقل لما احتاج إلى حركة الواو حركها بحركة هي منها لأن الضم فيها أسهل من الكسر ودليله قوله: {اشتروا الضلالة بالهدى} فان قيل فما حجة ابن عامر في ضم التنوين فقل الحجة له أن التنوين حركة لا تثبت خطا ولا يوقف عليه فكانت الحركة بما بعده أولى من الكسر قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا} يقرأ: {البر} بالرفع والنصب فالحجة لمن رفع أنه جعله اسم ليس والخبر أن تولوا لأن معناه توليتكم والحجة لمن قرأ بالنصب أنه جعله خبر ليس والاسم أن تولوا ودليله أن ليس وأخواتها إذا أتى بعدهن معرفتان كنت مخيرا فيهما وإن أتى بعدهن معرفة ونكرة كان الاختيار أن تجعل المعرفة الاسم والنكرة الخبر.
قوله تعالى: {من موص} يقرأ بفتح الواو وتشديد الصاد وباسكان الواو وتخفيف الصاد فالحجة لمن شدد أنه أخذه من وصى ودليله قوله: {وما وصينا به ابراهيم} والحجة لمن خفف أنه أخذه من أوصى ودليله قوله: {يوصيكم الله} قوله تعالى: {فدية طعام مسكين} يقرأ بالتنوين والتوحيد وبالاضافة والجمع فالحجة لمن رفع ووحد أن الفدية مبتدأ وطعام بدل منها ومسكين واحد لأن عليه عن كل يوم يفطره اطعام مسكين والحجة لمن أضاف وجمع أنه جعل الفدية عن أيام متتابعة لا عن يوم واحد قوله تعالى: {ولتكملوا العدة} يقرا بالتشديد والتخفيف فالحجة لمن شدد تكرير فعل الصيام في الشهر إلى اتمام عدته والحجة لمن خفف أنه جعل عقد شهر رمضان عقدا واحدا ودليله قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} قوله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها} يقرأ وما شاكله من الجموع بالضم والكسر فالحجة لمن ضم أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب للجمع لأن هذا الوزن ينقسم في الكلام قسمين جمعا كقولك فلوس ومصدرا كقولك قعد قعودا والحجة لمن كسر أنه لما كان ثاني الكلمة ياء كرهوا الخروج من ضم إلى ياء فكسروا أول الاسم لمجاورة الياء ولم يجمعوا بين ضمتين احداهما على ياء فان قيل فما حجة من ضم العين من العيون والجيم من الجيوب وكسر الباء من البيوت فقل العين حرف مستعل مانع من الإمالة فاستثقل الكسر فيه فبقاه على أصله والجيم حرف شديد متفش فثقل عليه أن يخرج به من كسر إلى ضم فأجراه على أصله والحجة لمن كسر الباء كثرة استعمال العرب لذلك وهم يخففون ما يكثرون استعماله اما بحذف واما بإمالة واما بتخفيف ودليل ذلك امالتهم النار لكثرة الاستعمال وتفخيم الجار لقلة الاستعمال قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فان قاتلوكم} يقرأ بإثبات الألف وطرحها ومعناهما قريب والوجه فيهما لا تبادءوهم بقتال ولا بقتل حتى يبدءوكم بهما فان بدءوكم فابدءوهم قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} يقرأ بالرفع والتنوين في الفسوق والرفث فقط وبالنصب وترك التنوين في الجميع فالحجة لمن نصب أنه قصد التبرئة بلا في الثلاثة فبنى الاسم مع الحرف فزال التنوين للبناء والحجة لمن رفع الرفث وهو الجماع والفسوق وهو الخروج عن الحد أنهما قد يكونان في حال من أحوال الحج فجعل لا بمعنى ليس فيهما ونصب الجدال في الحج على التبرئة لأنه يريد به المراء والشك في تأخيره وتقديمه على ما كانت العرب تعرفه من أفعالها واختار بعض النحويين الرفع في الأولين بمعنى فلا يكون ممن فرض الحج رفث ولا فسوق ثم يبتدئ بنفي الجدال فيه فينصبه ويبنيه والاختيار في النفي إذا أفرد ولم يتكرر النصب وإذا تكرر استوى فيه الرفع والنصب قوله تعالى: {ابتغاء مرضات الله} أماله الكسائي والحجة له أن ذوات الواو إذا زيد فيها ألحقت بذوات الياء فأمالها ليدل بالامالة على ذلك وفخمها الباقون والحجة لهم أن ألفها منقلبة من واو وأصلها مرضوة من الرضوان فقلبت الواو ألفا لتحريكها وانفتاح ما قبلها فكان التفخيم أولى بها من الإمالة ووفق حمزة عليها بالتاء ومثله هيهات هيهات ولات واللات والتورات ويا أبت والحجة له في ذلك أن التاء أصل علامة التأنيث ودليله على أصل ذلك أن الهاء تصير في الدرج تاء والتاء لاتصير هاء وقفا ولا درجا ووقف الباقون بالهاء ولهم في ذلك حجتان احداهما أنه فرق بين التاء الاصلية في صوت وبيت وبين الزائدة لمعنى والثانية أنه أراد أن يفرق بين التاء المتصلة بالاسم كنعمة ورحمة وبين التاء المتصلة بالفعل كقولك قامت ونامت قوله تعالى: {ادخلوا في السلم كافة} يقرأ هاهنا وفي الانفال وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم بفتح السين وكسرها والحجة لمن فتح أنه أراد الصلح ومن كسر أراد الإسلام وانشد في جاهليات مضت أو سلم قوله تعالى: {والى الله ترجع الامور} يقرأ بفتح التاء وضمها فالحجةلمن فتحها أنه أراد تصير والحجة لمن ضمها أنه أراد ترد قوله تعالى: {حتى يقول} تقرأ بالرفع والنصب فالحجة لمن رفع أنه أراد بقوله وزلزلوا المضي وبقوله حتى يقول الحال ومنه قول العرب قد مرض زيد حتى لا يرجونه فالمرض قد مضى وهو الآن في هذه الحال والحجة لمن نصب أنه لم يجعل القول من سبب قوله: {وزلزلوا} ومنه قول العرب قعدت حتى تغيب الشمس فليس قعودك سببا لغيبوبة الشمس وتلخيص ذلك أن من رفع الفعل بعد حتى كان بمعنى الماضي ومن نصبه كان بمعنى الاستقبال وأضمرت له عند البصريين مع حتى أن لأنها من عوامل الأسماء فأضمروا مع الفعل ما يكون به اسما قوله تعالى: {قل فيهما اثم كبير} يقرأ بالباء والثاء فالحجة لمن قرأ بالباء قوله بعد ذلك: {وإثمهما أكبر من نفعهما} ولم يقل أكثر والحجة لمن قرأ بالثاء أنه لما وقع اللفظ على أعداد وهي الخمرة المشروبة والميسر وهو القمار كانت الثاء في ذلك أولى ودليله قوله تعالى: {ولا أدنى من ذلك ولا أكثر} ولم يقل أكبر قوله تعالى: {قل العفو} يقرأ بالرفع والنصب فمن رفع جعل ذا منفصلة من ما فيكون بمعنى الذي فكأنه قال ما الذي ينفقون فقال الذي ينفقون العفو فترفعه بخبر الابتداء لأنه جعل الجواب من حيث سألوا والحجة لمن نصب أنه جعل ماذا كلمة واحدة ونصب العفو بقوله ينفقون كأنه قال قال ينفقون العفو فان قيل فلم بنيت ما مع ذا ولم تبن من معها فقل لما كانت ما عامة لمن يعقل ولما لا يعقل وذا مثلها في الابهام والعموم بنوهما للمشاركة ولما اختصت من بمن يعقل لم يبنوها مع ذا لهذه العلة قوله تعالى: {حتى يطهرن} يقرأ بالتشديد والتخفيف فالحجة لمن شدد أنه طابق بين اللفظين لقوله فإذا تطهرن والحجة لمن خفف أنه أراد حتى ينقطع الدم لأن ذلك ليس من فعلهن ثم قال فإذا تطهرن يعنى بالماء ودليله على ذلك قول العرب طهرت المرأة من الحيض فهي طاهر.
قوله تعالى: {إلا أن يخافا} يقرأ بفتح الياء وضمها فمن فتح الياء جعل الفعل لهما وسمى الفاعل ومن ضم الياء جعله فعل ما لم يسم فاعله ومعنى يخافا هاهنا تيقنا لأن الخوف يكون يقينا وشكا قوله تعالى: {يبينها} يقرأ بالياء والنون فالحجة لمن قرأ بالياء تقدم اسم الله عز وجل ليأتي الكلام على سنن واحد لمكان حرف العطف والحجة لمن قرأ بالنون أن الله تعالى أخبر بذلك عن نفسه مستأنفا بالواو وجعل تلك اشارة إلى ما تقدم من الأحكام والحدود قوله تعالى: {لا تضار} يقرأ بالرفع والنصب فالحجة لمن جعله مرفوعا أنه أخبر بلا فرده على قوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار} والحجة لمن نصب أنه عنده مجزوم بحرف النهي والأصل فيه لا تضارر فأدغم الراء في الراء وفتح لالتقاء الساكنين ومثله ولا يضار كاتب ولا شهيد قوله تعالى: {ما آتيتم بالمعروف} يقرأ بالمد والقصر وهما فعلان ماضيان فالحجة لمن مد أنه من الاعطاء ووزنه أفعلتم ودليله قوله: {إذا سلمتم} والتسليم لايكون إلا بالاعطاء والحجة لمن قصر أنه من المجيء ووزنه فعلتم وفيه اضمار معناه به فنابت عنه قوله: {بالمعروف} وكل ما في كتاب الله من آتى بالمد فمعناه الاعطاء وما كان فيه من أتى بالقصر فهو من المجيء إلا قوله: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} أي أخذهم وقوله في قراءة لمجاهد أتينا بها جازينا بها وقوله كم آتيناهم من آية أي أريناهم.
قوله تعالى: {على الموسع قدره} وعلى المقتر قدره يقرأ باسكان الدال وحركتها فالحجة لمن أسكن أنه أراد المصدر والحجة لمن حرك أنه أراد الاسم وقيل هما لغتان قوله تعالى: {ما لم تمسوهن} يقرأ بضم التاء واثبات الألف بعد الميم وبفتح التاء وطرح الألف فالحجة لمن أثبت الألف أن ماس فعل من اثنين ودليله قوله: {من قبل أن يتماسا} والحجة لمن طرحها أنه جعل الفعل للرجال ودليله قوله: {ولم يمسسني بشر}.
قوله تعالى: {وصية لأزواجهم} يقرأ بالرفع والنصب فالحجة لمن رفع أنه أراد فلتكن وصية أو فأمرنا وصية ودليله قراءة عبد الله فالوصية لأزواجهم متاعا والحجة لمن نصب أنها مصدر والاختبار في المصادر النصب إذا هي وقعت مواقع الأمر كقوله فضرب الرقاب ومنه قول الراجز شكا الي جملي طول السرى صبرا جميلا فكلانا مبتلى قوله تعالى: {فيضاعفه} يقرأ بالتخفيف واثبات الألف وبالتشديد وطرحها فالحجة لمن خفف أن ضاعف أكثر من ضعف لقوله أضعافا كثيرة ودليله قوله: {عشر أمثالها} والحجة لمن شدد التكرير ومداومة الفعل ويقرأ برفع الفاء ونصبها فمن رفع عطف على يقرض ومن نصب فعلى جواب الاستفهام.
قوله تعالى: {والله يقبض ويبسط} وقوله: {وزاده بسطة} هاهنا وفي الأعراف يقرأ ذلك بالسين والصاد وقد ذكرت علله في أم القرآن قوله تعالى: {إلا من اغترف} غرفة يقرأ بالفتح والضم فالغرفة باليد مفتوح وفي الاناء مضموم قوله تعالى: {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} يقرأ ذلك بالرفع والتنوين وبالنصب وترك التنوين فالحجة لمن رفع أنه جعله جوابا لقول قائل هل عندك رجل فقال لارجل فلم يعمل لا لأن هل غير عامله والحجة لمن نصب أنه جعله جوابا لقول قائل هل من رجل فقال لا رجل لأن من لما كانت عاملة في الاسم كان الجواب عاملا فيه النصب وسقط التنوين للبناء كما سقط في رام هرمز قوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس} هاهنا وفي الحج يقرآن دفع ودفاع فالحجة لمن أسقط الألف أنه أراد المصدر من دفع دفعا والحجة لمن أثبتها أنه أراد المصدر من دافع دفاعا ومعنى الآية أنه لولا مجاهدة المشركين واذلالهم لفسدت الأرض قوله تعالى: {أنا أحيي وأميت} يقرأ بإثبات الألف في كل ما استقبلته الهمزة وطرحها في درج فالحجة لمن أثبتها أنه أتى بالكلمة على أصلها وما وجب في الأصل لها لأن الألف في أنا كالتاء في أنت والحجة لمن طرحها أنه اجتزأ بفتحة النون ونابت الهمزة عن إثبات الألف وهذا في الادراج فأما في الوقف على أنافلا خلف في إثباتها وفي أنا أربع لغات أنا فعلت وأن فعلت وأن فعلت وأنه فعلت قوله تعالى: {كم لبثت} يقرأ بادغام الثاء في التاء وبإظهارها فالحجة لمن أدغم قرب مخرج الثاء من التاء والحجة لمن أظهر إتيانه بالكلام على أصله قوله تعالى: {قال أعلم} يقرأ بقطع الألف والرفع وبوصلها والوقف فالحجة لمن قطع أنه جعله من اخبار المتكلم عن نفسه والحجة لمن وصل أنه جعله من أمر الله تعالى للمخاطب قوله تعالى: {لم يتسنه} يقرأ وما شاكله بإثبات الهاء وطرحها في الادراج فالحجة لمن أثبتها أنه اتبع الخط فأدى ما تضمنه السواد والحجة لمن طرحها أنه إنما أثبت ليتبين بها حركة ما قبلها في الوقف فلما اتصل الكلام صار عوضا منها فغنوا عنها وميزانها في آخر الكلام كألف الوصل في أوله وكان بعض القراء يتعمد الوقوف على الهاء ليجمع بذلك موافقة الخط وتأدية اللفظ وبعضهم يثبت بعضا ويطرح بعضا لغير ما علة لكن ليعلم أن كلا جائز وللهاء في يتسنه وجهان أحدهما أن تكون أصلية فتسكن للجزم والثاني أن يكون الأصل لم يتسنن فأبدلوا من أحدى النونات ألفا ثم أسقطوها للجزم وألحقت الهاء للسكت وهما في ذلك لمعنى لم تأت عليه السنون فتغيره فأما من جعله من قولهم أسن فقد وهم لأنه لو كان كذلك لقيل فيه يتأسن قوله تعالى: {كيف ننشرها} يقرأ بالراء والزاي فمن قرأ بالزاي فالحجة له أن العظام إذا كانت بحالها لم تبل فالزاي أولى بها لأنها ترفع ثم تكسى اللحم والدليل على ذلك قوله تعالى: {واليه النشور} أي الرجوع بعد البلى والحجة لمن قرأ بالراء أن الاعادة في البلى وغيره سواء عليه فإنما يقول له كن فيكون ودليله قوله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره}.
قوله تعالى: {فصرهن اليك} يقرأ بضم الصاد وكسرها فالحجة لمن ضم أنه اخذه من صار يصور إذا مال وعطف وأنشد شاهدا لذلك يصور عنوقها أحوى زنيم له ظأب كما صخب الغريم والحجة لمن كسر أنه أخذه من صار يصير إذا جمع ومعناه فقطعهن واجمعهن إليك.
قوله تعالى: {بربوة هاهنا} وفي المؤمنين يقرآن بضم الراء وفتحها وهما لغتان فصيحتان وفيها سبع لغات وهي ما ارتفع من الأرض وعلا.
قوله تعالى: {فأتت أكلها} يقرأ بضم الكاف واسكانها فالحجة لمن ضم أنه أتى بالكلام على أصل ما كان عليه ودليله إجماعهم على الضم في قوله: {ذواتي أكل خمط} والحجة لمن أسكن أن هذه اللفظة لما اتصلت بالمكنى ثقلت وتوالي الضمتين ثقيل أيضا فخفف بالاسكان.
قوله تعالى: {فنعما هي} يقرأ هاهنا وفي النساء بكسر النون والعين وبفتح النون وكسر العين وبكسر النون وإسكان العين فالحجة لمن كسر النون أنه قربها من العين ليوافق بها لفظ أختها بئس لأن هذه في المدح كهذه في الذم والحجة لمن فتح النون وكسر العين أنه أتى بلفظ الكلمة على الأصل لأن أصلهما نعم وبئس والحجة لمن أسكن العين وجمع بين ساكنين فاحتمل ذلك لأنه جعل نعم وما كلمة واحدة فخففها باسكان ولا خلف في تشديد الميم.
قوله تعالى: {ويكفر} يقرأ بالنون والياء وبالرفع والجزم فالحجة لمن قرأ بالنون والياء قد تقدمت والحجة لمن جزم أنه عطفه على قوله: {وإن تخفوها} فجعل التكفير مع قبول الصدقات والحجة لمن رفع أن ما أتى بعد الفاء المجاب بها الشرط مستأنف مرفوع ودليله قوله تعالى: {ومن عاد فينتقم الله منه}.
قوله تعالى: {الى ميسرة} يقرأ بضم السين وفتحها وهما لغتان والفتح أفصح وأشهر.
قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة} يقرأ بالرفع والنصب فلمن رفع وجهان أحدهما أنه جعل تجارة اسم كان وتديرونها الخبر والثاني أن يجعل كان بمعنى حدث ووقع فلا يحتاج إلى خبر كقوله وإن كان ذو عسرة والحجة لمن نصب أنه أضمر في كان الاسم ونصب التجارة على الخبر وفيه ضعف فأما قوله في النساء: {إلا أن تكون تجارة} بالنصب فوجه صحيح لتقدم ذكر الأموال قبل ذلك قوله تعالى: {يحسبهم} يقرأ بكسر السين وفتحها فالحجة لمن فتح أنه أتى بلفظ الفعل المضارع على ما أوجبه بناء ماضيه لأن فعل بالكسر يأتي مضارعه على يفعل بالفتح قياس مطرد والحجة لمن كسر أن العرب استعملت الكسر والفتح في مضارع أربعة أفعال يحسب وينعم وييئس وييبس حتى صار الكسر فيهم أفصح.
قوله تعالى: {فأذنوا} يقرأ بالقصر وفتح الذال وبالمد وكسر الذال فالحجة لمن قصر أنه أراد فاعلموا أنتم أي كونوا على علم والحجة لمن مد أنه أراد فأعلموا غيركم أي اجعلوهم على علم.
قوله تعالى: {وأن تصدقوا} يقرأ بالتشديد والتخفيف وقد ذكرت علة ذلك فيما سلف.
قوله تعالى: {لا تظلمون ولا تظلمون} يقرا بتقديم الفاعل وتأخير ما لم يسم فاعله على الترتيب وبتقديم ما لم يسم فاعله وتأخير الفاعل على السعة ومعنى الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه.
قوله تعالى: {أن تضل احداهما} يقرأ بكسر الهمزة وفتحها فالحجة لمن كسر أنه جعلها حرف شرط وجزم بها تضل وبناه على الفتح لالتقاء الساكنين والحجة لمن فتح أنه أراد ادخال اللام على أن ففتحها كقوله تعالى: {يبين الله لكم أن تضلوا} يريد لئلا تضلوا.
قوله تعالى: {فتذكر} يقرا بالتشديد والتخفيف وبالرفع والنصب فأما علة التشديد التخفيف فمذكورة آنفا والحجة لمن رفع أنه استأنف الفعل بعد الجواب بالفاء وله أن يجزم الفعل عاطفا وينصبه مجيبا والحجة لمن نصب أنه عطفه على تضل وقد عملت فيه أن المفتوحة ولا يجوز فيه ما أجيز في الوجه الأول ومثله في الوجوه الثلاثة.
قوله تعالى: {فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}.
قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} يقرأ بضم الراء والهاء وبكسر الراء واثبات ألف بعد الهاء فالحجة لمن ضم أنه جمع رهنا رهانا وجمع رهانا رهنا وليس في كلام العرب جمع لاسم على هذا الوزن غير رهن وسقف والحجة لمن كسر وأثبت الألف أنه أراد جمع رهن وقيل لأبي عمرو لم اخترت الضم فقال لأفرق بين الرهن في الدين وبين الرهان في سباق الخيل قوله تعالى: {الذي أؤتمن} روي عن عاصم وحمزة أنهما قرآ بإشمام الهمزة الضمة في الوصل وهذا وهم لأنها ألف وصل دخلت على ألف أصل ووزن اؤتمن افتعل من الأمانه قوله تعالى: {وكتبه} يقرأ بالتوحيد والجمع فالحجة لمن جمع أنه شاكل بين اللفظين وحقق المعنى لأن الله تعالى قد أنزل كتبا وأرسل رسلا والحجة لمن وحد أنه أراد القرآن لأن أهل الأديان المتقدمة قد اعترف بعضهم لبعض بكتبهم وآمنوا بها إلا القرآن فإنهم أنكروه فلذلك أفرد وجمع الرسل لأنهم لم يجمعوا على الإيمان بهم قوله تعالى: {أو أخطأنا} يقرأ بإثبات الهمز وتخفيفه وبحذفه والتعويض بالألف منه وقد ذكرت علل الهمز في إثباته وطرحه والتعويض منه مستقاة فيما تقدم فأغنى عن إعادته. اهـ.