فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ} متعلِّق بالأمْرِ في قوله: {آمِنُواْ} ونطمِسُ يكون متعدِّيًا ومنه هذه الآية؛ ومثلها: {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} [المرسلات: 8] لبنائه للمَفْعُول من غير [حَرْف] جَرٍّ، ويكُون لازِمًا، يقال: طَمَسَ المَطَرُ الأعلامَ، وطَمَسَت الأعْلامُ.
قال كعب: [البسيط]
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إذَا عَرِقَتْ ** عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأعلامِ مَجْهُولُ

وقرأ الجُمْهُور: {نَّطْمِسَ} بكسر الميم، وأبو رَجَاء بِضَمِّها، وهما لُغَتَان في المُضَارِع، وقدَّر بعضهم مُضافًا أي: عيون وجوه ويقوَّيه أن الطَّمْس للأعْيُن؛ قال تعالى: {لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66].
قوله: {على أَدْبَارِهَا} فيه وَجْهَانِ:
أظهرهُمَا: أنَّهُ متعلقٌ بـ {فَنَرُدَّهَا}.
والثَّاني: أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من المفعولِ في {نلعنهم} يَعُودُ على الوُجُوهِ، على حَذْفِ مُضَاف إلَيْهِ: أيْ: وُجُوم قَوْم، أوْ عَلَى أن يُرادَ بِهمُ: الوُجَهَاءَ والرؤساءَ، أو يعودَ على الَّذين أوتُوا الكِتَابَ، ويطونُ ذلك التِفاتًا مِنْ خَطَابٍ إلى غَيْبَةٍ، وفيه اسْتِدْعاؤهُم للإيمانِ؛ حيثُ لم يُوَاجِهْهُمْ باللَّعْنَةِ بَعْدَ أن شَرَّفَهُم بكوْنِهم مِنْ أهْل الكتابِ. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (48):

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانوا مع ارتكابهم العظائم يقولون: سيغفر لنا، وكان امتثالهم لتحريف أحبارهم ورهبانهم شركًا بالله- كما قال سبحانه وتعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} [التوبة: 31] قال- معللًا لتحقيق وعيدهم، معلمًا أن ما أشير إليه من تحريفهم أداهم إلى الشرك-: {إن الله} أي الجامع لصفات العظمة {لا يغفر أن يشرك به} أي على سبيل التجديد المستمر إلى الموت سواء كان المشرك من أهل الكتاب أم لا، وزاد ذلك حسنًا انه في سياق {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36].
ولما أخبر بعدله أخبر بفضله فقال: {ويغفر ما دون ذلك} الأمر الكبير العظيم من كل معصيته سواء كانت صغيرة أو كبيرة، سواء تاب فاعلها أو لا، ورهب بقوله- إعلامًا بأنه مختار، لا يجب عليه شيء-: {لمن يشاء}.
ولما كان التقدير: فإن من أشرك بالله فقد ضل ضلالًا بعيدًا، عطف عليه قوله: {ومن يشرك} أي يوجد منه شرك في الحال أو المآل، وأما الماضي فجبته التوبة {بالله} أي الذي كل شيء دونه {فقد افترى} أي تعمد كذبًا {إثمًا عظيمًا} أي ظاهرًا في نفسه من جهة عظمه أنه قد ملأ أقطار نفسه وقلبه وروحه وبدنه مظهرًا للغير أنه إثم، فهو في نفسه منادٍ بأنه باطل مصر، فلم يدع للصلح موضعًا، فلم تقتض الحكمة العفو عنه، لأنه قادح في الملك، وإنما طوى مقدمة الضلال وذكر مقدمة الافتراء- لكون السياق لأهل الكتاب الذين ضلالهم على علم منهم وتعمد وعناد، بخلاف ما يأتي عن العرب، وفي التعبير بالمضارع استكفاف مع استعطاف واستجلاب في استرهاب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن الله تعالى لما هدد اليهود على الكفر، وبين أن ذلك التهديد لابد من وقوعه لا محالة بين أن مثل هذا التهديد من خواص الكفر، فأما سائر الذنوب التي هي مغايرة للكفر فليست حالها كذلك، بل هو سبحانه قد يعفو عنها، فلا جرم قال: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}. اهـ.
قال الفخر:
هذه الآية دالة على أن اليهودي يسمى مشركا في عرف الشرع، ويدل عليه وجهان:
الأول: أن الآية دالة على أن ما سوى الشرك مغفور، فلو كانت اليهودية مغايرة للشرك لوجب أن تكون مغفورة بحكم هذه الآية، وبالاجماع هي غير مغفورة، فدل على أنها داخلة تحت اسم الشرك.
الثاني: أن اتصال هذه الآية بما قبلها إنما كان لأنها تتضمن تهديد اليهود، فلولا أن اليهودية داخلة تحت اسم الشرك، وإلا لم يكن الأمر كذلك.
فإن قيل: قوله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَادُواْ} [الحج: 17] إلى قوله: {والذين أَشْرَكُواْ} [الحج: 17] عطف المشرك على اليهودي، وذلك يقتضي المغايرة.
قلنا: المغايرة حاصلة بسبب المفهوم اللغوي، والاتحاد حاصل بسبب المفهوم الشرعي، ولابد من المصير إلى ما ذكرناه دفعا للتناقض.
إذا ثبتت هذه المقدمة فنقول: قال الشافعي رضي الله عنه: المسلم لا يقتل بالذمي، وقال أبو حنيفة: يقتل.
حجة الشافعي أن الذمي مشرك لما ذكرناه، والمشرك مباح الدم لقوله تعالى: {اقتلوا المشركين}.
فكان الذمي مباح الدم على الوجه الذي ذكرناه ومباح الدم هو الذي لا يجب القصاص على قاتله، ولا يتوجه النهي عن قتله ترك العمل بهذا الدليل في حق النهي، فوجب أن يبقى معمولا به في سقوط القصاص عن قاتله. اهـ.
قال الفخر:
هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على العفو عن أصحاب الكبائر.
واعلم أن الاستدلال بها من وجوه:
الوجه الأول: أن قوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} معناه لا يغفر الشرك على سبيل التفضل لأنه بالإجماع لا يغفر على سبيل الوجوب، وذلك عندما يتوب المشرك عن شركه، فإذا كان قوله: إن الله لا يغفر الشرك هو أنه لا يغفره على سبيل التفضل، وجب أن يكون قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} هو أن يغفره على سبيل التفضل؛ حتى يكون النفي والاثبات متواردين على معنى واحد.
ألا ترى أنه لو قال: فلان لا يعطي أحدا تفضلا، ويعطي زائدا فإنه يفهم منه أنه يعطيه تفضلا، حتى لو صرح وقال: لا يعطي أحدا شيئًا على سبيل التفضل ويعطي أزيد على سبيل الوجوب، فكل عاقل يحكم بركاكة هذا الكلام، فثبت أن قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} على سبيل التفضل.
إذا ثبت هذا فنقول: وجب أن يكون المراد منه أصحاب الكبائر قبل التوبة، لأن عند المعتزلة غفران الصغيرة وغفران الكبيرة بعد التوبة واجب عقلا، فلا يمكن حمل الآية عليه، فإذا تقرر ذلك لم يبق إلا حمل الآية على غفران الكبيرة قبل التوبة وهو المطلوب.
الثاني: أنه تعالى قسم المنهيات على قسمين: الشرك وما سوى الشرك، ثم إن ما سوى الشرك يدخل فيه الكبيرة قبل التوبة، والكبيرة بعد التوبة والصغيرة، ثم حكم على الشرك بأنه غير مغفور قطعا، وعلى ما سواه بأنه مغفور قطعا، لكن في حق من يشاء، فصار تقدير الآية أنه تعالى يغفر كل ما سوى الشرك، لكن في حق من شاء.
ولما دلت الآية على أن كل ما سوى الشرك مغفور، وجب أن تكون الكبيرة قبل التوبة أيضًا مغفورة.
الثالث: أنه تعالى قال: {لِمَن يَشَاء} فعلق هذا الغفران بالمشيئة، وغفران الكبيرة بعد التوبة وغفران الصغيرة مقطوع به، وغير معلق على المشيئة، فوجب أن يكون الغفران المذكور في هذه الآية هو غفران الكبيرة قبل التوبة وهو المطلوب، واعترضوا على هذا الوجه الأخير بأن تعليق الأمر بالمشيئة لا ينافي وجوبه، ألا ترى أنه تعالى قال بعد هذه الآية: {بَلِ الله يُزَكّى مَن يَشَاء} [النساء: 49] ثم إنا نعلم أنه تعالى لا يزكي إلا من كان أهلا للتزكية، وإلا كان كذبًا، والكذب على الله محال، فكذا ههنا.
واعلم أنه ليس للمعتزلة على هذه الوجوه كلام يلتفت إليه إلا المعارضة بعمومات الوعيد، ونحن نعارضها بعمومات الوعد، والكلام فيه على الاستقصاء مذكور في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} [البقرة: 81] فلا فائدة في الإعادة.
وروى الواحدي في البسيط بإسناده عن ابن عمر قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل منا على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار، حتى نزلت هذه الآية فأمسكنا عن الشهادات.
وقال ابن عباس: إني لأرجو كما لا ينفع مع الشرك عمل، كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب.
ذكر ذلك عند عمر بن الخطاب فسكت عمر.
وروي مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتسموا بالإيمان وأقربوا به فكما لا يخرج إحسان المشرك المشرك من إشراكه كذلك لا تخرج ذنوب المؤمن المؤمن من إيمانه». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي قوله: {لمن يشاء} نعمة عظيمة من وجهين.
أحدهما: أنها تقتضي أن كل ميّت على ذنب دون الشرك لا يقطع عليه بالعذاب، وإِن مات مصرًا.
والثاني: أن تعليقه بالمشيئة فيه نفع للمسلمين، وهو أن يكونوا على خوف وطمع. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} أي ما دون الشرك صغيرًا كان أو كبيرًا. {لِمَن يَشَاء} تفضلًا عليه وإحسانًا. والمعتزلة علقوه بالفعلين على معنى إن الله لا يغفر الشرك لمن يشاء. وهو من لم يتب ويغفر ما دونه لمن يشاء وهو من تاب. وفيه تقييد بلا دليل إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة أولى منه ونقض لمذهبهم فإن تعليق الأمر بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة والصفح بعدها، فالآية كما هي حجة عليهم فهي حجة على الخوارج الذين زعموا أن كل ذنب شرك وأن صاحبه خالد في النار. اهـ.

.قال النسفي:

{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} أي ما دون الشرك وإن كان كبيرة مع عدم التوبة، والحاصل أن الشرك مغفور عنه بالتوبة، وأن وعد غفران ما دونه لمن لم يتب أي لا يغفر لمن يشرك وهو مشرك ويغفر لمن يذنب وهو مذنب. قال النبي عليه السلام «من لقي الله تعالى لا يشرك به شيئًا دخل الجنة ولم تضره خطيئته» وتقييده بقوله: {لِمَن يَشَاءُ} لا يخرجه عن عمومه كقوله: {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء} [الشورى: 19]. قال علي رضي الله عنه: ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية. وحمل المعتزلة على التائب باطل لأن الكفر مغفور عنه بالتوبة لقوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. فما دونه أولى من أن يغفر بالتوبة. والآية سيقت لبيان التفرقة بينهما وذا فيما ذكرنا. اهـ.

.قال الفخر:

روي عن ابن عباس أنه قال: لما قتل وحشي حمزة يوم أحد، وكانوا قد وعدوه بالاعتاق إن هو فعل ذلك، ثم إنهم ما وفوا له بذلك، فعند ذلك ندم هو وأصحابه فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذنبهم، واأه لا يمنعهم عن الدخول في الإسلام إلا قوله تعالى: {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} [الفرقان: 68] فقالوا: قد ارتكبنا كل ما في الآية، فنزل قوله: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالحا} [الفرقان: 70] فقالوا: هذا شرط شديد نخاف أن لا نقوم به، فنزل قوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} فقالوا: نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته، فنزل {قُلْ يا عِبَادِى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} [الزمر: 53] فدخلوا عند ذلك في الاسلام.
وطعن القاضي في هذه الرواية وقال: ان من يريد الإيمان لا يجوز منه المراجعة على هذا الحد؛ ولأن قوله: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} [الزمر: 53] لو كان على إطلاقه لكان ذلك اغراء لهم بالثبات على ما هم عليه.
والجواب عنه: لا يبعد أن يقال: إنهم استعظموا قتل حمزة وإيذاء الرسول إلى ذلك الحد، فوقعت الشبهة في قلوبهم أن ذلك هل يغفر لهم أم لا، فلهذا المعنى حصلت المراجعة.
وقوله: هذا إغراء بالقبيح، فهو إنه إنما يتم على مذهبه، أما على قولنا: إنه تعالى فعال لما يريد، فالسؤال ساقط، والله أعلم. اهـ.