فصل: من فوائد السعدي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد السعدي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
يخبر تعالى: أنه لا يغفر لمن أشرك به أحدا من المخلوقين، ويغفر ما دون الشرك من الذنوب صغائرها وكبائرها، وذلك عند مشيئته مغفرة ذلك، إذا اقتضت حكمتُه مغفرتَه.
فالذنوب التي دون الشرك قد جعل الله لمغفرتها أسبابا كثيرة، كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة في الدنيا، والبرزخ ويوم القيامة، وكدعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وبشفاعة الشافعين. ومن فوق ذلك كله رحمته التي أحق بها أهل الإيمان والتوحيد.
وهذا بخلاف الشرك فإن المشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة، فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئا، وما لهم يوم القيامة {مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}.
ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} أي افترى جرما كبيرا وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق- من تراب الناقص من جميع الوجوه الفقير بذاته من كل وجه الذي لا يملك لنفسه- فضلا عمن عبده- نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا- بالخالق لكل شيء الكامل من جميع الوجوه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع الذي ما من نعمة بالمخلوقين إلا فمنه تعالى فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟
ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} وهذه الآية الكريمة في حق غير التائب وأما التائب فإنه يغفر له الشرك فما دونه كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} أي لمن تاب إليه وأناب. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}.
قال أبو السعود: كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد، وتأكيد وجوب الامتثال بالأمر من الإيمان، ببيان استحالة المغفرة بدونه، فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف ويطمعون في المغفرة، كما في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ} [الأعراف: من الآية 169]: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى} أي: على التحريف، {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} والمراد بالشرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظامًا أوليًا، فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبةً، وقضى بخلود أصناف الكفرة في النار، ونزوله في حق اليهود، كما قال مقاتل، هو الأنسب بسياق النظم الكريم، وسياقه لا يقتضي اختصاصه بكفرهم، بل يكفي اندراجه فيه قطعًا، بل لا وجه له أصلًا، لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم في الشدة من أنواع الكفر، أي: لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان، لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر، وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه، ولأن ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان، فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي. انتهى.
قال الشهاب: الشك يكون بمعنى اعتقاد أن لله شريكًا، وبمعنى الكفر مطلقًا، وهو المراد هنا، وقد صرح به في قوله تعالى في سورة البينة بقوله: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالمشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [البينة: من الآية 6]، فلا يبقى شبهة في عمومه. انتهى.
وقال الرازيّ: هذه الآية دالة على أن اليهودي يسمى مشركًا، في عرف الشرع، ويدل عليه وجهان:
الأول: أن الآية دالة على ما سوى الشرك مغفور، فلو كانت اليهودية مغايرة للشرك لوجب أن تكون مغفورة بحكم هذه الآية، وبالإجماع هي غير مغفرة، فدل على أنها داخلة تحت اسم الشرك.
الثاني: إن اتصال هذه الآية بما قبلها، إنما كان لأنها تتضمن تهديد اليهود، فلولا أن اليهودية داخلة تحت اسم الشرك، وإلا لم يكن الأمر كذلك، فإن قيل: قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ} إلى قوله: {وَالّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: من الآية 82]، فعطف المشرك على اليهودي، وذلك يقتضي المغايرة، قلنا: المغايرة حاصلة بسبب المفهوم اللغوي، والاتحاد حاصل بسبب المفهوم الشرعي، ولابد من المصير إلا ما ذكرناه، دفعًا للتناقض. انتهى.
قال أبو البقاء: الشرك أنواع: شرك الاستقلال وهو إثبات إلهين مستقلين، كشرك المجوس، وشرك التبعيض، وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى، وشرك التقريب، هو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية، وشرك التقليد، وهو عبادة غير الله تبعًا للغير، كشرك متأخري الجاهلية، وشرك الأسباب، وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك، وشرك الأغراض، هو العمل لغير الله، فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع، وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع، وحكم الخامس التفصيل، فمن قال في الأسباب العادية إنها تؤثر بطبعها فقد حكى الإجماع على كفره، ومن قال إنها تؤثر بقوة أودعها الله فيها فهو فاسق. انتهى.
{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} أي: ما دون الشرك من المعاصي، صغيرة أو كبيرة.
{لمن يَشَاء} تفضلًا منه وإحسانًا، قال ابن جرير: وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن شركًا بالله عز وجل، وظاهره أن المغفرة منه سبحانه تكون لمن اقتضته مشيئته تفضلًا منه ورحمة، وإن لم يقع من ذلك المذنب توبة، وقيد ذلك المعتزلة بالتوبة، وقد تقدم قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} [النساء: من الآية 31]، وهي تدل على أن الله سبحانه يغفر سيئات من اجتنب الكبائر، فيكون مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته، ولذا قال الرازيّ هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على العفو عن أصحاب الكبائر، ثم جود وجوه الاستدلال، ومنها: أن ما سوى الشرك يدخل فيه الكبيرة قبل التوبة، ومنها أن غفران البيرة بعد التوبة وغفران الصغيرة مقطوع به وغير معلق على المشيئة، فوجب أن يكون الغفران المذكور، في هذه الآية، هو غفران الكبيرة قبل التوبة، وهو المطلوب.
وأوّل الزمخشريّ هذه الآية على مذهبه: بأن الفعل المنفي والمثبت جميعًا، موجهان إلى قوله تعالى: {لمنْ يَشَاء} على قاعدة التنازع، كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك، على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب، قال: ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء، تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله، ويبذل القنطار لمن يستأهله. انتهى.
قال ناصر الدين في [الانتصاف]: عقيدة أهل السنة أن الشرك غير مغفور البتة، وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يغفره له، هذا مع عدم التوبة، وأما مع التوبة فكلاهما مغفور، والآية إنما وردت فيمن لم يتب ولم يذكر فيها توبة كما ترى، فلذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بالمشيئة، كما ترى، فهذا وجه انطباق الآية على عقيدة أهل السنة، وأما القدرية فإنهم يظنون التسوية بين الشرك وبين ما دونه من الكبائر، في أن كل واحد من النوعين لا يغفر بدون التوبة، ولا شاء الله أن يغفرهما إلا للتائبين، فإذا عرض الزمخشريّ هذا المعتقد على هذه الآية ردته ونبت عنه، إذ المغفرة منفية فيها عن الشرك وثابتة لما دونه مقرونة بالمشيئة فأما أن يكون المراد فيهما من لم يتب، فلا وجه للتفضيل بينهما بتعليق المغفرة في أحدهما بالمشيئة وتعليقها بالآخر مطلقًا، إذ هما سيّان في استحالة المغفرة، وأما أن يكون المراد فيهما التائب قد قال في الشرك إنه.
{لاَ يَغْفِرُ} والتائب من الشرك مغفور له، وعند ذلك أخذ الزمخشريّ يقطع أحدهما عن الآخر، فيجعل المراد مع الشرك عدم التوبة ومع الكبائر التوبة، حتى تنزل الآية على وفق معتقده فيحملها أمرين لا تحمل واحدًا منهما:
أحدهما: إضافة التوبة إلى المشيئة وهي غير مذكورة ولا دليل عليها فيما ذكر، وأيضًا لو كانت مرادة لكانت هي السبب الموجب للمغفرة على زعمهم عقلًا، ولا يمكن تعلق المشيئة بخلافها على ظنهم في العقل، فكيف يليق السكوت عن ذكر ما هو العمدة والموجب، وذكر ما لا مدخل له على هذا المعتقد الرديء؟
الثاني: أنه بعد تقريره التوبة احتكم فقدرها على أحد القسمين دون الآخر، وما هذا إلا من جعل القرآن تبعًا للرأي، نعوذ بالله من ذلك.
وأما القدرية فهم بهذا المعتقد يقع عليه بهم المثل السائر «السيد يعطي والعبد يمنع»، لأن الله تعالى يصرح كرمه بالمغفرة للمصرّ على الكبائر، إن شاء، وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناء على قاعدة الأصلح والصلاح، التي هي بالفساد أجدر وأحق. انتهى.
فائدة:
وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة:
الأول: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاَثَةٌ: دِيوَانٌ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ.
فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لاَ يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} الآية، وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: من الآية 72].
وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ، أَوْ صَلاَةٍ تَرَكَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ.
وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا الْقِصَاصُ لاَ مَحَالَةَ»
. رواه الإمام أحمد، وقد تفرد به.
الثاني: عن أنس بن مالك عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ: فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ الله، وظُلْمٌ يَغْفِرُهُ الله، وظُلْمٌ لا يَتْرُكُ الله منه شيئًا.
فأمَّا الظُّلْمُ الذي لا يَغْفِرُهُ الله، فالشِّرْكُ، وقالَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: من الآية 13].
وأَمَّا الظُّلْمُ الذي يَغْفِرُهُ الله: فَظُلْمُ العِبَادِ لأنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ.
وأَمَّا الظُّلْمُ الذي لا يَتْرُكُه، فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتّى يَدِينَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ»
. رواه أبو بكر البزار في مسنده.
الثالث: عن مُعَاوِيَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلاَّ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا»، رواه الإمام أحمد والنسائي.
الرابع: عَنْ أَبَي ذَرٍّ: أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ».
قُلْتُ: وإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». ثَلاَثًا.