فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ الملك} شروع في تفصيل بعض آخر من قبائحهم، و{أَمْ} منقطعة فتقدر ببل، والهمزة أي بل آلهم، والمراد إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، وجحد لما تدعيه اليهود من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان.
وعن الجبائي أن المراد بالملك هاهنا النبوة أي ليس لهم نصيب من النبوة حتى يلزم الناس اتباعهم وإطاعتهم والأول أظهر لقوله تعالى شأنه: {فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ الناس} أي أحدًا أو الفقراء أو محمدًا صلى الله عليه وسلم وأتباعه كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {نَقِيرًا} أي شيئًا قليلًا، وأصله ما أشرنا إليه آنفًا.
وأخرج ابن جرير من طريق أبي العالية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هذا النقير فوضع طرف الإبهام على باطن السبابة ثم نقرها.
وحاصل المعنى على ما قيل: إنهم لا نصيب لهم من الملك لعدم استحقاقهم له بل لاستحقاقهم حرمانه بسبب أنهم لو أوتوا نصيبًا منه لما أعطوا الناس أقل قليل منه، ومن حق من أوتي الملك الإيتاء وهم ليسوا كذلك، فالفاء في {فَإِذَا} للسببية والجزائية لشرط محذوف هو أن حصل لهم نصيب لا لو كان لهم نصيب كما قدره الزمخشري لأن الفاء لا تقع في جواب لو سيما مع إذا والمضارع، ويجوز أن تكون الفاء عاطفة والهمزة لإنكار المجموع من المعطوف والمعطوف عليه بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون هذا الذي وقع وهو أنهم قد أوتوا نصيبًا من الملك حيث كانت لهم أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك ويعقبه منهم البخل بأقل قليل، وفائدة {إِذَا} زيادة الإنكار والتوبيخ حيث يجعلون ثبوت النصيب الذي هو سبب الإعطاء سببًا للمنع، والفرق بين الوجهين أن الإنكار في الأول: متوجه إلى الجملة الأولى وهو بمعنى إنكار الوقوع.
وفي الثاني: متوجه لمجموع الأمرين وهو بمعنى إنكار الواقع، و(إذًا) في الوجهين ملغاة، ويجوز إعمالها لأنه قد شرط في إعمالها الصدارة فإذا نظر إلى كونها في صدر جملتها أعملت، وإن نظر إلى العطف وكونها تابعة لغيرها أهملت، ولذا قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم فإذًا لا يؤتوا الناس بالنصب على الإعمال. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وأم مُنقطعةٌ؛ لِفواتِ شَرْطِ الاتِّصال، كما تقدم أوَّل البقرةِ فتُقَدر ببَلْ، والهمزة التي يُرادُ بها الإنْكار، وكذلك هُو في قوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ الناس} وقال بعضُهم: الميمُ صلة، وتقديره: ألَهُمْ؛ لأنَّ حَرْفَ أمْ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ استفهامٌ، كانتِ الميمُ صِلَةً فيه، وقيل: أمْ هنا مُتصلةٌ، وقد سبقه- هاهنا- استفهامٌ على سَبيلِ المعْنَى؛ لأنِّهُ لمَّا حَكَى قَوْلَهُمْ لِلمشرِكينَ بأنَّهم أهْدَى سَبِيلًا مِنَ المؤمنِينَ عطفَ عليه قوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ} فكأنَّهُ قال: أمْنِ ذلك يتعجَّبُ؟ أمْ مِنْ كَوْنِهِم لَهُم نَصِيبٌ من الملك؛ مع أنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُمْ مُلْكٌ، لَبَخِلُوا بأقلِّ القَلِيلِ؟.
قوله: فإذن حَرْفُ جَوَاب، وجَزَاء ونُونُها أصلية، قال مَكي وحذاق النحويِّين على كتب نونها نونًا وأجاز الفرَّاءُ أن تُكْتَبَ ألفًا، وما قاله الفرَّاءُ هو قِيَاسُ الخَطِّ؛ لأنه مَبْنيٌّ على الوَقْفِ والوقف على نُونها بالألف، وهي حرفٌ يَنْصِبُ المضارع بِشُرُوطٍ تقدَّمَتْ، ولكنْ إذَا وَقَعَتْ بعد عَاطِفٍ، فالأحْسَنُ الإهمالُ وقد قرأ ابنُ مَسْعُودٍ، وابنُ عَبَّاسٍ- هنا- بإعْمَالِهَا، فَحَذَفَ النُّونَ مِنْ قَوْلِه: {لاَّ يُؤْتُونَ}.
وقال أبُو البَقَاءِ: ولَمْ يَعْملْ- هنا- من أجْلِ حَرْفِ العَطْف وهُوَ الفَاء، ويجوزُ في غَيْرِ القُرْآنِ، أنْ يَعملَ مع الفَاءِ، وليس المبطل لا؛ لأنَّ لا يتخطَّاهَا العامِلُ، فظاهِرُ هذه العبارَةِ: أنَّ المانِعَ حَرْفُ العَطْفِ، وليس كذلك، بل المانِعُ التلاوةُ، ولذلك قال آخرًا: ويجوزُ في غَيْرِ القُرْآنِ.
قال سِيبَويْهِ: إذن في أصل الأفعالِ بمنزِلَةِ أظن في عَوَامِلِ الأسْمَاءِ، وتقريرهُ: أنَّ الظنَّ إذَا وَقَعَ أوَّلَ الكلام- نَصَبَ، لا غَيْرَ؛ كقولِكَ: أظُنُّ زَيْدًا قائمًا، وإنْ تَوَسَّطَ جَازَ إلْغَاؤه، وإعْمَالهُ تقول: زَيدٌ ظننْتُ مُنْطلِقٌ، ومنطلقًا، وإنْ تأخَّر، ألْغِيَ.
والسببُ في ذلك؛ أن ظن وأخواتِهَا، عَلِمَ، وحَسِبَ، ضَعِيفةٌ في العملِ؛ لأنها لا تُؤثِّرُ في مَفْعُولاتِهَا، فإذا تَقَدَّمَتْ دلَّ تقدمُهَا على شِدَّةِ العِنَايَةِ فلغى، وإنْ توسَّطَتْ، لا يكون في مَحَلِّ العنايةِ مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ، ولا في مَحَلِّ الإهْمَالِ من كل الوجوه، فَلاَ جَرَمَ أوْجَبَ توسُّطُها الإعْمالَ، والإعْمالُ في حَالِ التوسطِ أحسنُ والإلغاءُ حَالَ التأخُّرِ، أحْسَنُ، وإذا عرفتَ ذلك فنقول: إذن على هذا الترتيبِ، فإن تقدمَّتْ نَصَبَتِ الفعلَ، وإنْ توسَّطَتْ، أوْ تأخرتْ جاز الإلْغَاءُ.
والنَّقِيرُ: قال أهلُ اللغةِ: النَّقِيرُ: نُقْطَةٌ في ظَهْرِ النواةِ، ومنها تَنْبُتُ النخلةُ، وقال أبُو العَالِيَة: هو نَقْدُ الرجلِ الشَّيْئِ بِطَرفِ إصْبَعِهِ، كما يُنْقِرُ الدِّرْهَمَ، وأصْلُه: أنَّهُ فِعْلٌ مِنَ النَّقِرِ، يُقالُ للخشبِ الذي يُنْقَرُ فيه: إنَّهُ نَقِيرٌ؛ لأنه يُنْقَرُ، والنَّقْرُ: ضَرْبُ الحَجَرِ وغَيْرِه بالمِنْقِارِ، يُقَالُ: فلانٌ كَرِيمُ النَّقِيرِ، أي: الأصْلِ، والمِنْقِارُ: حَدِيدَةٌ كالفأسِ تُقْطَعُ بها الحِجَارَةُ، ومِنْهُ: مِنْقِارُ الطائِرِ؛ لأنه يَنْقُرُ بِهِ، وذكْرُ النَّقيرِ هُنَا تَمْثِيلٌ، والغَرَضُ منه، أنَّهم يَبْخَلُونَ بأقلِّ القَلِيلِ. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)}
أخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: «قدم حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب، فأخبرونا عنا وعن محمد قالوا: ما أنتم وما محمد؟ قالوا: ننحر الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونفك العناة، ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام. قالوا: فما محمد؟ قالوا: صنبور قطع أرحامنا، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار. قالوا: لا بل أنتم خير منهم واهدى سبيلًا. فأنزل الله: {ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت...} إلى آخر الآية».
وأخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة. مرسلًا.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم. قالوا: ألا ترى إلى هذا المنصبر المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية! قال: أنتم خير منه. فانزلت {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر: 3] وأنزلت {ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} إلى قوله: {نصيرًا}.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عكرمة. أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش، فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يغزو وقال: إنا معكم نقاتله. فقالوا: إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرًا منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل. ثم قالوا: نحن اهدى أم محمد، فنحن ننحر الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونصل الرحم، ونقري الضيف، ونطوف بهذا البيت، ومحمد قطع رحمه وخرج من بلده. قال: بل أنتم خير وأهدى. فنزلت فيه {ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: أنزلت في كعب بن الأشرف قال: كفار قريش أهدى من محمد عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي عن أبي مالك قال «لما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود من النضير ما كان، حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين فهموا به وبأصحابه، فاطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة، فعاهدهم على محمد فقال له أبو سفيان: يا أبا سعيد إنكم قوم تقرأون الكتاب وتعلمون ونحن قوم لا نعلم، فاخبرنا ديننا خير أم دين محمد؟ قال كعب: اعرضوا عليَّ دينكم.
فقال أبو سفيان: نحن قوم ننحر الكوماء، ونسقي الحجيج الماء، ونقري الضيف، ونحمي بيت ربنا، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد آباؤنا، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه. قال: دينكم خير من دين محمد فاثبتوا عليه، ألا ترون أن محمدًا يزعم أنه بعث بالتواضع وهو ينكح من النساء ما شاء، وما نعلم ملكًا أعظم من ملك النساء. فذلك حين يقول: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا...} الآية»
.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وأبو رافع، والربيع بن أبي الحقيق، وعمارة، ووحوح بن عارم، وهودة بن قيس. فأما وحوح بن عامر وهودة فمن بني وائل، وكان سائرهم من بني النضير، فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود، وأهل العلم بالكتاب الأول، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنزل الله فيهم {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى قوله: {ملكًا عظيمًا}.
وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه، عن جابر بن عبد الله قال: لما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ما كان، اعتزل كعب بن الأشرف ولحق بمكة وكان بها، وقال: لا أعين عليه، ولا أقاتله. فقيل له بمكة: يا كعب أديننا خير أم دين محمد وأصحابه؟ قال: دينكم خير وأقدم، ودين محمد حديث. فنزلت فيه {ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب...} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، رجلين من اليهود من بني النضير، أتيا قريشًا بالموسم فقال لهم المشركون: أنحن أهدى أم محمد وأصحابه، فإنا أهل السدانة، والسقاية، وأهل الحرم؟ فقالا: بل أنتم أهدى من محمد وأصحابه، وهما يعلمان أنهما كاذبان إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عكرمة قال: الجبت والطاغوت. صنمان.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ورستة في الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: الجبت الساحر، والطاغوت الشيطان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طرق عن مجاهد. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف.