فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

{والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} عقب بيان سوء حال الكفرة ببيان حسن حال المؤمنين تكميلًا للمساءة والمسرة، وقدم بيان حال الأولين لأن الكلام فيهم. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية دالة على أن الإيمان غير العمل، لأنه تعالى عطف العمل على الإيمان، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه.
قال القاضي: متى ذكر لفظ الإيمان وحده دخل فيه العمل، ومتى ذكر معه العمل كان الإيمان هو التصديق، وهذا بعيد لأن الأصل عدم الاشتراك وعدم التغير، ولولا أن الأمر كذلك لخرج القرآن عن كونه مفيدا.
فلعل هذه الألفاظ التي نسمعها في القرآن يكون لكل واحد منها معنى سوى ما نعلمه، ويكون مراد الله تعالى منه ذلك المعنى لا هذا الذي تبادرت أفهامنا إليه.
هذا على القول بأن احتمال الاشتراك والإفراد على السوية، وأما على القول بأن احتمال البقاء على الأصل واحتمال التغيير متساويان فلا، لأن على هذا التقدير يحتمل أن يقال: هذه الألفاظ كانت في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم موضوعة لمعنى آخر غير ما نفهمه الآن، ثم تغيرت إلى هذا الذي نفهمه الآن.
فثبت أن على هذين التقديرين يخرج القرآن عن كونه حجة، وإذا ثبت أن الاشتراك والتغيير خلاف الأصل اندفع كلام القاضي. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أنه تعالى ذكر في شرح ثواب المطيعين أمورا:
أحدها: أنه تعالى يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وقال الزجاج: المراد تجري من تحتها مياه الأنهار، واعلم أنه إن جعل النهر اسما لمكان الماء كان الأمر مثل ما قاله الزجاج، أما إن جعلناه في المتعارف اسما لذلك الماء فلا حاجة إلى هذا الإضمار، وثانيها: أنه تعالى وصفها بالخلود والتأبيد، وفيه رد على جهم بن صفوان حيث يقول: إن نعيم الجنة وعذاب النار ينقطعان، وأيضا أنه تعالى ذكر مع الخلود التأبيد، ولو كان الخلود عبارة عن التأبيد لزم التكرار وهو غير جائز، فدل هذا أن الخلود ليس عبارة عن التأبيد، بل هو عبارة عن طول المكث من غير بيان أنه منقطع أو غير منقطع، وإذا ثبت هذا الأصل فعند هذا يبطل استدلال المعتزلة بقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] على أن صاحب الكبيرة يبقى في النار على سبيل التأبيد، لأنا بينا بدلالة هذه الآية أن الخلود لطول المكث لا للتأبيد، وثالثها: قوله تعالى: {لَّهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ} والمراد طهارتهن من الحيض والنفاس وجميع أقذار الدنيا، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة: {لَّهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خالدون} [البقرة: 25] واللطائف اللائقة بهذا الموضع قد ذكرناها في تلك الآية.
ورابعها: قوله: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًا ظَلِيلًا} قال الواحدي: الظليل ليس ينبئ عن الفعل حتى يقال: إنه بمعنى فاعل أو مفعول، بل هو مبالغة في نعت الظل، مثل قولهم: ليل أليل.
واعلم أن بلاد العرب كانت في غاية الحرارة، فكان الظل عندهم أعظم أسباب الراحة، ولهذا المعنى جعلوه كناية عن الراحة.
قال عليه الصلاة السلام: «السلطان ظل الله في الأرض» فإذا كان الظل عبارة عن الراحة كان الظليل كناية عن المبالغة العظيمة في الراحة، هذا ما يميل إليه خاطري، وبهذا الطريق يندفع سؤال من يقول: إذا لم يكن في الجنة شمس تؤذي بحرها فما فائدة وصفها بالظل الظليل.
وأيضًا نرى في الدنيا أن المواضع التي يدوم الظل فيها ولا يصل نور الشمس إليها يكون هواؤها عفنا فاسدا مؤذيا فما معنى وصف هواء الجنة بذلك لأن على هذا الوجه الذي لخصناه تندفع هذه الشبهات. اهـ.

.قال الألوسي:

والمراد بالموصول إما المؤمنون بنبينا صلى الله عليه وسلم، وإما ما يعمهم وسائر من آمن من أمم الأنبياء عليهم السلام أي إن الذين آمنوا بما يجب الإيمان به وعملوا الأعمال الحسنة {سَنُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} قرأ عبد الله سيدخلهم بالياء والضمير للاسم الجليل، وفي السين تأكيد للوعد، وفي اختيارها هنا واختيار {سَوْفَ} في آية الكفر ما لا يخفى.
{خالدين فِيهَا أَبَدًا} إعظامًا للمنة وهو حال مقدرة من الضمير المنصوب في {سَنُدْخِلُهُمْ} وقوله تعالى: {لَّهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ} أي من الحيض والنفاس وسائر المعايب والأدناس والأخلاق الدنيئة والطباع الرديئة لا يفعلن ما يوحش أزواجهن ولا يوجد فيهن ما ينفر عنهن، في محل النصب على أنه حال من (جنات)، أو حال ثانية من الضمير المنصوب أو أنه صفة لجنات بعد صفة، أو في محل الرفع على أنه خبر للموصول بعد خبر.
والمراد أزواج كثيرة كما تدل عليه الأخبار.
{وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًا ظَلِيلًا} أي فينانًا لا وجوب فيه، ودائمًا لا تنسخه الشمس وسجسجًا لا حر فيه ولا قرّ، رزقنا الله تعالى التفيؤ فيه برحمته إنه أرحم الراحمين، والمراد بذلك إما حقيقته ولا يمنع منه عدم الشمس وإما أنه إشارة إلى النعمة التامة الدائمة، والظليل صفة مشتقة من لفظ الظل للتأكيد كما هو عادتهم في نحو يوم أيوم، وليل أليل وقال الإمام المرزوقي: إنه مجرد لفظ تابع لما اشتق منه وليس له معنى وضعي بل هو كبسن في قولك: حسن بسن، وقرئ {يدخلهم} بالياء عطف على {لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ} لا على أنه غير الإدخال الأول بالذات بل بالعنوان كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [هود: 58]. اهـ.

.قال القرطبي:

وقوله في صفة أهل الجنة: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًا ظَلِيلًا} يعني كثيفًا لا شمس فيه.
الحسن: وُصِف بأنه ظليل؛ لأنه لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسّموم ونحو ذلك.
وقال الضحاك: يعني ظلال الأشجار وظلال قصورها.
الكلبي: ظِلًا ظَلِيلًا يعني دائمًا. اهـ.

.قال النسفي:

{وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًا ظَلِيلًا} هو صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه كما يقال: ليل أليل وهو ماكان طويلًا فينانًا لا وجوب فيه ودائمًا لا تنسخه الشمس وسجسجًا لا حر فيه ولا برد، وليس ذلك إلا ظل الجنة. اهـ.

.قال الثعالبي:

و{ظَلِيلًا}: معناه عند بعضهم: يَقِي الحَرَّ والبَرْدَ، ويصحُّ أنْ يريدَ أنه ظِلٌّ لا يستحيلُ ولا يتنقَّلُ، وصح وصفه بظَلِيلٍ؛ لامتداده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادُ المُضَمَّرُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُهَا»، وَرَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ وذكر الطبريُّ في كتابه، قال: لما خَلَق اللَّهُ عزَّ وجلَّ الجنَّةَ، قالَ لَهَا: امتدي، فقَالَتْ: يا ربِّ، كَمْ، وإلى كَمْ؟ فَقَالَ لها: امتدي مِائَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، فامتدت، ثم قالَ لَهَا: امتدي، فقالَتْ: يا ربِّ: كَمْ، والى كَمْ؟ فقالَ لَهَا: امتدِّي مِائَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، فامتدت، ثم قال لَهَا: امتدي، فقالَتْ: يَا رَبِّ: كَمْ، وإلى كَمْ؟ فَقَالَ لَهَا: امتدي مِقْدَار رَحْمَتِي، فامتدت، فَهِيَ تَمْتَدُّ أَبَدَ الآبِدِينَ، فَلَيْسَ لِلجَنَّةِ طَرَفٌ؛ كَمَا أنَّهُ لَيْسَ لِرَحْمَةِ اللَّهِ طَرَفٌ. انتهى، فهذا لا يُعْلَمُ إلا من جهة السَّمْع، فهو ممَّا اطلع عليه الطبريُّ، وهو إمامٌ حافظٌ محدِّثٌ ثقةٌ؛ قاله الخطيبُ أحمدُ بْنُ عليِّ بْنِ ثابتٍ. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وندخلهم ظلًا ظليلًا} قال ابن عطية: أي يقي من الحر والبرد.
ويصح أن يريد أنه ظل لا ينتقل، كما يفعل ظل الدنيا فأكده بقوله: {ظليلًا} لذلك ويصح أن يصفه بظليل لامتداده، فقد قال عليه السلام: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها» انتهى كلامه.
وقال أبو مسلم الظليل: هو القوي المتمكن.
قال: ونعت الشيء بمثل ما اشتق من لفظه يكون مبالغة كقولهم: ليل أليل، وداهية دهياء.
وقال أبو عبد الله الرازي: وإنما قال ظل ظليلًا لأن بلاد العرب في غاية الحرارة، فكان الظل عندهم من أعظم أسباب الراحة، ولهذا المعنى جعل كناية عن الراحة ووصفه بالظليل مبالغة في الراحة.
وقال الزمخشري: ظليل صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه، كما يقال: ليل أليل، ويوم أيوم، وما أشبه ذلك وهو ما كان فينانا لا جوب فيه، ودائمًا لا تنسخه الشمس.
وسجسجًا لا حرّ فيه ولا برد، وليس ذلك إلا ظل الجنة رزقنا الله بتوفيقه ما يزلف إليه التقيؤ تحت ذلك الظل.
وفي قراءة عبد الله: سيدخلهم بالياء انتهى.
وقال الحسن: قد يكون ظل ليس بظليل يدخله الحر والشمس، فلذلك وصف ظل الجنة بأنه ظليل.
وعن الحسن: ظل أهل الجنة يقي الحر والسموم، وظل أهل النار من يحموم لا بارد ولا كريم.
ويقال: إنّ أوقات الجنة كلها سواء اعتدال، لا حر فيها ولا برد.
وقرأ النخعي وابن وثاب: سيدخلهم بالياء، وكذا ويدخلهم ظلًا، فمن قرأ بالنون وهم الجمهور فلاحظ قوله في وعيد الكفار: {سوف نصليهم} ومن قرأ بالياء لاحظ قوله: {إن الله كان عزيزًا حكيمًا} فأجراه على الغيبة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} ذكر هنا للمقابلة وزيادة الغيظ للكافرين.
واقتصر من نعيم الآخرة على لذّة الجنّات والأزواج الصالحات، لأنّهما أحبّ اللذّات المتعارفة للسامعين، فالزوجة الصالحة آنس شيء للإنسان، والجنّات مَحّل النعيم وحُسن المنظر.
وقوله: {وندخلهم ظِلاّ ظليلا} هو من تمام محاسن الجنّات، لأنّ الظلّ إنّما يكون مع الشمس، وذلك جمال الجنّات ولذّة التنعّم برؤية النور مع انتفاء حرّه.
ووصف بالظليل وصفًا مشتقًّا من اسم الموصوف للدلالة على بلوغه الغاية في جنسه، فقد يأتون بمثل هذا الوصف بوزن فعيل: كما هنا، وقولهم: داء دويُّ، ويأتون به بوزن أفْعل: كقولهم: لَيْلٌ ألْيَل ويَوْم أيْوَم، ويأتون بوزن فَاعل: كقولهم: شِعْر شاعر، ونَصَب نَاصِب. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًا ظَلِيلًا}.
وصف في هذه الآية الكرمة ظل الجنة بأنه ظليل، ووصفه في آية أخرى بأنه دائم، وهي قوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا} [الرعد: 35] ووصفه في آية أخرى بأنه ممدود وهي قوله: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30] وبين في موضع آخر أنها ظلال متعددة وهو قوله: {إِنَّ المتقين فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ} [المرسلات: 41] الآية.
وذكر في موضع آخر أنهم في تلك الظلال متكؤون مع أزواجهم على الأرائك وهو قوله: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأرائك مُتَّكِئُونَ} [يس: 56] والأرائك: جمع أريكة وهي السرير في الحجلة، والحجلة بيت يزين للعروس بجميع أنواع الزينة، وبين أن ظل أهل النار ليس كذلك بقوله: {انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب} [المرسلات: 29- 31] وقوله: {وَأَصْحَابُ الشمال مَا أَصْحَابُ الشمال فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} [الواقعة: 41- 44]. اهـ.