فصل: فصل في احتجاج المعتزلة لإبطال الجبر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في احتجاج المعتزلة لإبطال الجبر:

قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: قالت المعتزلة قوله: (أعوذ بالله) يبطل القول بالجبر من وجوه:
الأول: أن قوله: (أعوذ بالله) اعتراف بكون العبد فاعلا، لتلك الاستعاذة، ولو كان خالق الأعمال هو الله تعالى، لامتنع كون العبد فاعلا؛ لأن تحصيل الحاصل محال، وأيضا فإذا خلقه الله في العبد، امتنع دفعه، وإذا لم يخلقه الله فيه، امتنع تحصيله، فثبت أن قوله: (أعوذ بالله) اعتراف بكون العبد موجدا لأفعال نفسه.
والثاني: أن الاستعاذة من الشيطان إنما تحسن إذا لم يكن الله تعالى، خالقا للأمور التي منها يستعاذ.
أما إذا كان الفاعل لها هو الله تعالى، امتنع أن يستعاذ بالله منها؛ لأن بهذا التقدير يصير كأن العبد استعاذ بالله في غير ما يفعله الله تعالى.
والثالث: أن الاستعاذة بالله من المعاصي تدل على أن العبد غير راض بها، ولو كانت المعاصي تحصل بتخليق الله تعالى، وقضائه، وحكمه، وجب أن العبد يكون راضيا بها؛ لما ثبت بالإجماع أن الرضا بقضاء الله تعالى واجب.
والرابع: أن الاستعاذة بالله من الشيطان إنما تحسن لو كانت تلك الوسوسة فعلا للشيطان، أما إذا كانت فعلا لله، ولم يكن للشيطان في وجودها أثر ألبتة، فكيف يستعاذ من شر الشيطان؟ بل الواجب أن يستعاذ على هذا التقدير من شر الله؛ لإنه لا شر إلا من قبله.
والخامس: أن الشيطان يقول إذا كنت ما فعلت شيئا أصلا، وأنت يا إله الخلق علمت صدور الوسوسة عني، ولا قدرة لي على مخالفة قدرتك، وحكمت بها علي، ولا قدرة لي على مخالفة حكمك، ثم قلت: {لا يكلف الله نفسها إلا وسعها} [البقرة: 286]، وقلت: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185] وقلت: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] فمع هذه الأعذار الظاهرة، والأسباب القوية فكيف يجوز في حكمتك، ورحمتك أن تذمني، وتلعنني على شيء خلقته فيّ؟
والسادس: جعلتني مرجوما ملعونا إما أن يكون بسبب جرم صدر مني، أو لا يكون بسبب جرم صدر مني.
فإن كان الأول؛ فقد بطل الجبر، وإن كان الثاني، فهذا محض الظلم؛ وأنت قلت: {وما الله يريد ظلما للعباد} [غافر: 31] فكيف يليق هذا بك؟
فإن قال قائل: هذه الإشكالات إنما تلزم على قول من يقول بالجبر، وأنا لا أقول بالجبر، ولا بالقدر، بل أقول: الحق حالة متوسطة بين الجبر والقدر؛ وهو الكسب.
فنقول: هذا ضعيف؛ لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثر في الفعل على سبيل الاستقلال، أو لا يكون. فإن كان الأول، فهو تمام بالاعتزال، وإن كان الثاني، فهو الجبر المحض، والأسئلة المذكورة واردة على هذا القول، فكيف يعقل حصول الواسطة.
قال أهل السنة والجماعة- رحمهم الله- أما الإشكالات التي ألزمتموها علينا، فهي بأسراها واردة عليكم من وجهين:
الأول: أن قدرة العبد إما أن تكون معينة لأحد الطرفين، أو كانت صالحة للطرفين معا، فإن كان الأول، فالجبر لازم، وإن كان الثاني، فرجحان أحد الطرفين على الآخر، إما أن يتوقف على المرجح، أو لا يتوقف.
فإن كان الأول، ففاعل ذلك المرجح يصير الفعل واجب الوقوع، وعندما لا يفعله يصير الفعل ممتنع الوقوع. وحينئذ يلزمكم كل ما ذكرتموه.
وأما الثاني: وهو أن يقال: إن رجحان أحد الطرفين على الآخر لا يتوقف على مرجح؛ فهذا باطل لوجهين:
الأول: أنه لو جاز لك، لبطل الاستدلال بترجح أحد طرفي الممكن على الآخر على وجود المرجح.
والثاني: أن بهذا التقدير يكون ذلك الرجحان واقعا على سبيل الاتفاق، ولا يكون صادرا عن العبد، وإذا كان الأمر كذلك، فقد عاد الجبر المحض، فثبت بهذا البيان أن كل ما أوردتموه علينا، فهو وارد عليكم.
الوجه الثاني في السؤال: أنكم سلمتم كونه تعالى عالما بجميع المعلومات، ووقوع الشيء على خلاف علمه يقتضي انقلاب علمه جهلا؛ وذلك محال؛ والمفضي إلى المحال محال، فكان كل ما أوردتموه علينا في القضاء والقدر لازما عليكم لزوما لا جواب عنه.
ثم قال أهل السنة: قوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)- يبطل القول بالاعتزال من وجوه:
الأول: أن المطلوب من قولك: (أعوذ بالله) إما أن يكون هو أن يمنع الله الشيطان من عمل الوسوسة منها بالنهي والتحذير؛ أو على سبيل القهر والجبر.
أما الأول فقد فعله، ولما فعله كان طلبه من الله تعالى محالا؛ لأن تحصيل الحاصل محال.
وأما الثاني فهو غير جائز؛ لأن الإلجاء ينافي كون الشياطين مكلفين، وقد ثبت كونهم مكلفين.
أجاب عنه المعتزلة قالوا: المطلوب بالاستعاذة فعل الألطاف التي تدعو المكلف إلى فعل الحسن، وترك القبيح.
لا يقال: فتلك الألطاف قد فعلها الله تعالى بأسرها في الفائدة في الطلب؛ لأنا نقول:
إن من الألطاف ما لا يحسن فعله إلا عند الدعاء، فلو لم يتقدم هذا الدعاء لم يحسن فعله.
أجاب أهل السنة عن هذا السؤال بوجوه:
أحدها: أن فعل تلك الألطاف إما أن يكون له أثر في ترجيح جانب الفعل على جانب الترك، أو لا أثر فيه، فإن كان الأول فعند حصول الترجيح يصير الفعل واجب الوقوع:
والدليل عليه أن عند حصول رجحان جانب الوجود لو حصل العدم، فحينئذ يلزم أن يحصل عند رجحان جانب الوجود رجحان جانب العدم، وهو جمع بين النقيضين؛ وهو محال.
فثبت أن عدم حصول الرجحان يحصل الوجوب، وذلك يبطل القول بالاعتزال وإن لم يحصل بسبب تلك الألطاف رجحان طرف الوجود لم يكن لفعلها ألبتة أثر؛ فيكون فعلها عبثا محضا؛ وذلك في حق الله تعالى محال.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الله تعالى إما أن يكون مريدا لصلاح العبد، أو لا يكون.
فإن كان الحق هو الأول، فالشيطان إما أن يتوقع منه إفساد العبد أو لا يتوقع.
فإن توقع منه إفساد العبد، مع أن الله تعالى يريد إصلاح العبد، فلم خلقه، ولم سلطه على العبد؟ وإن كان لا يتوقع من الشيطان إفساد العبد، فأي حاجة للعبد إلى الاستعاذة منه؟
وأما إذا قيل: إن الله قد لا يريد ما هو صلاح حال العبد، فالاستعاذة بالله كيف تفيد الاعتصام من شر الشيطان؟
الوجه الثالث: أن الشيطان إما أن يكون مجبورا على فعل الشر، أو أن يكون قادرا على فعل الخير والشر، وعلى فعل أحدهما.
فإن كان الأول، فقد أجبره الله على الشر؛ وذلك يقدح في قولهم: إنه تعالى لا يريد إلا الصلاح والخير، وإن كان الثاني، وهو أنه قادر على فعل الشر والخير؛ فهاهنا يمتنع أن يترجح فعل الخير على فعل الشر إلا بمرجح، وذلك المرجح يكون من الله تعالى، وإذا كان ذلك، فأي فائدة في الاستعاذة؟
الوجه الرابع: هب أن البشر إنما وقعوا في المعاصي بسبب وسوسة الشيطان، فإن الشيطان كيف وقع في المعاصي؟
فإن قلنا: إنه وقع فيها بسبب وسوسة شيطان آخر، لزم التسلسل.
وإن قلنا: وقع الشيطان في المعاصي لا لأجل شيطان آخر، فلم لا يجوز مثله في البشر؟
وعلى هذا التقدير لا فائدة للاستعاذة من الشيطان، وإن قلنا: إنه تعالى سلطه الشيطان على البشر، ولم يسلط على الشيطان شيطانا آخر، فهذا أحيف على البشر، وتخصيص له بمزيد التثقيل، والإضرار؛ وذلك ينافي كون الإله رحيما ناظرا لعباده.
الوجه الخامس: أن الفعل المستعاذ منه إن كان ممتنع الوقوع، فلا فائدة في الاستعاذة منه، وإن كان واجب الوقوع، كذلك.
اعلم أن هذه المناظرة تدل على أنه لا حقيقة لقوله: (أعوذ بالله) إلا أن ينكشف أن الكل من الله تعالى، وبالله.
وحاصل الكلام ما قاله الرسول- عليه الصلاة والسلام- أعوذ برضاك من سخطك... الحديث.

.فصل في المستعاذ به:

وهو وعلى وجهين: أحدهما: أن يقال: (أعوذ بالله).
والثاني: أن يقال: «أعوذ بكلمات الله التامات». فأما الاستعاذة بالله، فبيانه إنما يتم بالبحث عن لفظ(الله) وسيأتي ذلك في تفسير: {بسم الله} وأما الاستعاذة بكلمات الله، فاعلم أن المراد ب(كلمات الله) هو قوله: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40].
والمراد من قوله: (كن) نفاذ قدرته في الممكنات، وسريان مشيئته في الكائنات؛ بحيث يمتنع أن يعرض له عائق ومانع، ولا شك أنه لا تحسن الاستعاذة بالله تعالى إلا لكونه موصوفا بتلك القدرة القاهرة، والمشيئة النافذة.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى- فرق بين أن يقول: (أعوذ بالله) وبين أن يقول: (بالله أعوذ)، فإن الأول لا يفيد الحصر، والثاني يفيده، فلم ورد الأمر بالأول دون الثاني، مع أنا بينا أن الثاني أكمل؟
وأيضا: جاء قوله: (الحمد لله) وجاء أيضا: قوله: (لله الحمد) وأما ها هنا، فقد جاء قوله: (أعوذ بالله)، وما جاء (بالله أعوذ) فما الفرق؟

.فصل في المستعيذ:

اعلم أن قوله: (أعوذ بالله) أمر منه لعباده أن يقولوا ذلك، وهو غير مختص بشخص معين، فهو أمر على سبيل العموم، لأنه تعالى حتى ذلك عن الأنبياء، والأولياء، وذلك يدل على أن كل مخلوق يجب أن يكون مستعيذا بالله تعالى؛ كما حكي عن نوح- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: {أعوذ بك أن أسئلك ما ليس لي به علم} [هود: 47]؛ فأعطاه الله خلعتين: السلام والبركات؛ {اهبط بسلام منا وبركات عليك}، [هود: 48].
وقال يوسف- عليه الصلاة والسلام-: {معاذ الله إنه ربي} [يوسف: 23]، فأعطاه الله خلعتين صرف السوء عنه والفحشاء، وقال أيضا: {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} [يوسف: 79] فأكرمه الله تعالى بخلعتين: {رفع أبويه على العرش وخروا له سجدا}.
وحكي عن موسى- عليه الصلاة والسلام- قال: {أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} [البقرة: 67]؛ فأعطاه الله خلعتين: إزالة التهمة، وإحياء القتيل.
وحكي عن موسى- عليه الصلاة والسلام- أيضا: {وإني عذت بربكم وربكم أن ترجمون}، [الدخان: 20]، وفي آية أخرى: {إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب} [غافر: 27]؛ فأعطاه الله خلعتين: أفنى عدوه، وأورثهم أرضهم وديارهم.
وحكي أن أم مريم قالت: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36]؛ فأعطاها الله تعالى خلعتين: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا} [آل عمران: 37].
ومريم- عليها السلام- لما رأت جبريل- عليه الصلاة والسلام- في صورة بشر يقصدها: {قالت أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} [مريم: 18]؛ فوجدت نعمتين: ولدا من غير أب، وتبرئة الله إياها بلسان ذلك الولد عن السوء؛ وهو قوله تعالى: {إني عبد الله} [مريم: 30].
وأمر نبيه- محمدا- عليه الصلاة والسلام- بالاستعاذة مرة أخرى: فقال: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشيطان وأعوذ بك رب أن يحضرون} [المؤمنون: 97، 98].
وقال تعالى: {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} [الفلق: 1 و2]، وقال تعالى: {قل أعوذ برب الناس} [الناس: 1]، وقال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} [الأعراف: 200]، فهذه الآيات دالة على أن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- كانوا أبدا في الاستعاذة بالله- عز وجل من شر شياطين الجن والإنس.
وأما الأخبار؛ فكثيرة:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي--صلى الله عليه وسلم- وشرّف، وكرّم، وبجّل، وعظّم، وفخّم- وأغرقا فيه؛ فقال عليه الصلاة والسلام-: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذلك عنه؛ هي قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
وعن معقل بن يسار- رضي الله تعالى عنه- عن النبي--صلى الله عليه وسلم-- أنه قال: «من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم، وفي رواية: من الشيطان الرجيم. وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر؛ وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا، ومن قالها حين يمسي، كان بتلك المنزلة».
وعن ابن عباس عن النبي- صلى الله عليه وسلم وشرّف، وكرّم، وبجّل، وعظّم وفخّم- أنه قال: «من استعاذ بالله في اليوم عشر مرات، وكّل الله تعالى به ملكا؛ يذود عنه الشيطان».
وعن خولة بنت حكيم- رضي الله تعالى عنها- عن النبي- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق؛ لم يضره شيء حتى يرتحل من ذلك المنزل».
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده رضي الله عنه عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: «إذا فزع أحدكم من النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامة: من غضبه، وعقابه، وشر عباده، ومن شر همزات الشياطين، وأن يحضرون، فإنها لن تضره»؛ وكان عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- يعلمها من بلغ من عبيده، ومن لم يبلغ كتبها في صك ثم علقها في عنقه.
وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن النبي--صلى الله عليه وسلم--: كان يعوذ الحسن والحسين- عليهما السلام- ويقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة»؛ ويقول: «كان إبراهيم عليه السلام يعوّذ بها إسماعيل، وإسحاق- عليهما الصلاة والسلام».
وكان عليه السلام يعظم أمر الاستعاذة؛ حتى أنه لما تزوج امرأة، ودخل بها، وقالت: أعوذ بالله منك؛ فقال- عليه الصلاة والسلام: «عذت بمعاذ، فالحقي بأهلك».
وروى الحسن رضي الله عنه قال: بينما رجل يضرب مملوكا له، فجعل المملوك يقول: أعوذ بالله، إذ جاء نبي الله- عليه الصلاة والسلام- فقال: أعوذ برسول الله؛ فأمسك عنه فقال عليه السلام: «عائذ الله أحق أن يمسك عنه»، قال: فإني أشهدك يا رسول الله أنه حر؛ لوجه الله- تعالى-، فقال عليه السلام: «أما والذي نفسي بيده، لو لم تقلها لدافع وجهك سفع النار».
وعن سويد، سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول على المنبر:
«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبجّل وعظّم وفخّم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلا أحب أن أترك ذلك ما بقيت».
وكان عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم، أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك».

.فصل في المستعاذ منه وهو الشيطان:

اعلم أن الشيطان إما أن يكون بالوسوسة أو بغيرها؛ كما قال تبارك وتعالى: {كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275]. فأما كيفية الوسوسة بناء على أن ما روي من الآثار ذكروا: أنه يغوص في باطن الإنسان، ويضع رأسه على حبة قلبه، ويلقي إليه الوسوسة؛ واحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبجّل وعظّم وفخّم- قال: «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم؛ ألا فضيقوا مجاريه بالجوع» وقال- عليه الصلاة والسلام-: «لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم، لنظروا إلى ملكوت السموات».
وقال الغزالي رحمه الله في كتاب الإحياء: القلب مثل قبة لها أبواب تنصب إليها الأحوال من كل باب، ومثل هدف ترمى إليه السهام من كل جانب، ومثل مرأة منصوبة تجتاز عليها الأشخاص؛ فتتراءى فيها صورة بعد صورة، ومثل حوض تنصب إليها مياه مختلفة من أنهار مفتوحة.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: لقائل أن يقول: لمَ لمْ يقل: أعوذ بالملائكة مع أن أدون ملك من الملائكة يكفي في دفع الشيطان؟ فما السبب في أن جعل ذكر هذا الكلب في مقابلة ذكر الله تعالى؟
وجوابه: كأنه تعالى يقول: عبدي إنه يراك، وأنت لا تراه؛ لقوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27]؛ فإنه يفيد كيده فيكم؛ لأنه يراكم، وأنتم لا ترونه؛ فتمسكوا بمن يرى الشيطان ولا يراه؛ وهو الله تعالى فقيل: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). اهـ.