فصل: (سورة النساء: الآيات 49- 50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النساء: الآيات 49- 50]:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)}
{الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} اليهود والنصارى، قالوا: نحن أبناء اللَّه وأحباؤه، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى. وقيل: جاء رجال من اليهود إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأطفالهم فقالوا: هل على هؤلاء ذنب؟ قال: لا. قالوا: واللَّه ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار. فنزلت. ويدخل فيها كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند اللَّه. فإن قلت: أما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «واللَّه إنى لأمين في السماء أمين في الأرض»؟ قلت: إنما قال ذلك حين قال له المنافقون: اعدل في القسمة، إكذابا لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه. وشتان من شهد اللَّه له بالتزكية، ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ} إعلام بأن تزكية اللَّه هي التي يعتدّ بها، لا تزكية غيره لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية. ومعنى يزكى من يشاء: يزكى المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} أي الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم. أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم. ونحوه {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى}: {كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} في زعمهم أنهم عند اللَّه أزكياء {وَكَفى} بزعمهم هذا {إِثْمًا مُبِينًا} من بين سائر آثامهم.

.[سورة النساء: الآيات 51- 52]:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}
الجبت: الأصنام وكل ما عبد من دون اللَّه: والطاغوت: الشيطان. وذلك أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشًا على محاربة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالوا: أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا، فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم {بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس فيما فعلوا. وقال أبو سفيان: أنحن أهدى سبيلا أم محمد. فقال كعب: ما ذا يقول محمد؟ قالوا يأمر بعبادة اللَّه وحده وينهى عن الشرك. قال: وما دينكم؟ قالوا: نحن ولاة البيت، ونسقي الحاج، ونقرى الضيف، ونفك العاني. وذكروا أفعالهم، فقال: أنتم أهدى سبيلا.

.[سورة النساء: الآيات 53- 55]:

{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
وصف اليهود بالبخل والحسد وهما شرّ خصلتين: يمنعون ما أوتوا من النعمة ويتمنون أن تكون لهم نعمة غيرهم فقال: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} على أن أم منقطعة ومعنى الهمزة لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك ثم قال: {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ} أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون أحدًا مقدار نقير لفرط بخلهم: والنقير: النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة، كالفتيل والقطمير. والمراد بالملك: إما ملك أهل الدنيا، وإما ملك اللَّه كقوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ} وهذا أوصف لهم بالشح، وأحسن لطباقه نظيره من القرآن. ويجوز أن يكون معنى الهمزة في أم: لإنكار أنهم قد أوتوا نصيبًا من الملك، وكانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كما تكون أحوال الملوك. وأنهم لا يؤتون أحدًا مما يملكون شيئا. وقرأ ابن مسعود: فإذًا لا يؤتوا، على إعمال إذا عملها الذي هو النصب، وهي ملغاة في قراءة العامة، كأنه قيل: فلا يؤتون الناس نقيرا إذًا {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} بل أيحسدون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه. وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم اللَّه من النصرة والغلبة وازدياد العزّ والتقدّم كل يوم {فَقَدْ آتَيْنا} إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء اللَّه الكتاب والحكمة {آلَ إِبْراهِيمَ} الذين هم أسلاف محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه اللَّه مثل ما آتى أسلافه.
وعن ابن عباس: الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان. وقيل: استكثروا نساءه فقيل لهم: كيف استكثرتم له التسع وقد كان لداود مائة ولسليمان ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية؟ {فَمِنْهُمْ} فمن اليهود {مَنْ آمَنَ بِهِ} أي بما ذكر من حديث آل إبراهيم {وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} وأنكره مع علمه بصحته. أو من اليهود من آمن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ومنهم من أنكر نبوّته. أو من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، ومنهم من كفر، كقوله: {فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ}.

.[سورة النساء: آية 56]:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُودًا غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)}
{بَدَّلْناهُمْ جُلُودًا غَيْرَها} أبدلناهم إياها.
فإن قلت: كيف تعذب مكان الجلود العاصية جلود لم تعص؟
قلت: العذاب للجملة الحساسة، وهي التي عصت لا للجلد.
وعن فضيل: يجعل النضيج غير نضيج. وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «تبدّل جلودهم كل يوم سبع مرّات» وعن الحسن: سبعين مرّة يبدّلون جلودًا بيضاء كالقراطيس {لِيَذُوقُوا الْعَذابَ} ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كقولك للعزيز: أعزّك اللَّه، أي أدامك على عزّك وزادك فيه عَزِيزًا لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين حَكِيمًا لا يعذب إلا بعدل من يستحقه.

.[سورة النساء: الآيات 57- 58]:

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًا ظَلِيلًا (57) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
{ظَلِيلًا} صفة مشتقة من لفظ الظلّ لتأكيد معناه. كما يقال: ليل أليل، ويوم أيوم، وما أشبه ذلك. وهو ما كان فينانا لا جوب فيه، ودائما لا تنسخه الشمس، وسجسجًا لا حرّ فيه ولا برد، وليس ذلك إلا ظل الجنة. رزقنا اللَّه بتوفيقه لما يزلف إليه التفيؤ تحت ذلك الظل. وفي قراءة عبد اللَّه: سيدخلهم بالياء {أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ} الخطاب عامّ لكل أحد في كل أمانة.
وقيل نزلت في عثمان بن طلحة بن عبد الدار وكان سادن الكعبة. وذلك أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح، وأبى أن يدفع المفتاح إليه وقال: لو علمت أنه رسول اللَّه لم أمنعه، فلوى علي بن أبي طالب رضى اللَّه عنه يده، وأخذه منه وفتح، ودخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصلى ركعتين. فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة. فنزلت، فأمر عليًا أن يردّه إلى عثمان ويعتذر إليه فقال عثمان لعلىّ: أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق؟ فقال: لقد أنزل اللَّه في شأنك قرآنا، وقرأ عليه الآية، فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه، فهبط جبريل وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن السدانة في أولاد عثمان أبدًا. وقيل هو خطاب للولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل. وقرئ: الأمانة، على التوحيد {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ما إما أن تكون منصوبة موصوفة بيعظكم به. وإما أن تكون مرفوعة موصولة به، كأنه قيل: نعم شيئا يعظكم به. أو نعم الشيء الذي يعظكم به. والمخصوص بالمدح محذوف، أي نعما يعظكم به ذاك، وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكم. وقرئ {نعما} بفتح النون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أَن تُؤدُّواْ} مَنْصُوبُ المحلّ، إمَّا على إسْقَاطِ حَرْفِ الجَرّ؛ لأن حذفه يطَّرِدُ مع أنْ، إذَا أمِنَ اللَّبْس؛ لطولهما بالصِّلَةِ، وإما لأنَّ أمر يتعدى إلى الثَّاني بنفسه، نحو: أمَرْتُكَ الخَيْرَ، فعلى الأوَّل يَجْري الخلاف في مَحَلَّها، أهي في مَحَلّ نصب، أم جر، وعلى الثَّاني هي في محلِّ نصب فقط، وقرئ {الأمانة}.
قوله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس أَن تَحْكُمُواْ بالعدل} فيكون قوله: {أَن تَحْكُمُواْ} معطوف على {أَن تُؤدُّواْ} أي: يأمرُكُمْ بتَأدِيةِ الأمَانَاتِ والحكم بالعَدْلِ، فيكونُ قد فصل بَيْنَ حرف العَطْفِ، والمعطوف بالظَّرْفِ. وهي مسألة خلاف ذَهَبَ الفَارِسِيُّ إلى منعها لإلاّ في الشِّعْرِ.
وذهب غَيرُهُ إلى جَوازِهَا مُطْلَقًا، ولنصححّ مَحَلّ الخلافِ أولًا: فنقولُ: إن حرف العطف إذا كان على حَرْفٍ واحدٍ كالواو، والفاء هل يجوزُ أن يفصل بينه، وبين ما عطفه بالظَّرف وشبهه أم لا؟
فَذَهَبَ الفَارسِيُّ إلى منعه مُسْتَدِلًا بأنَّهُ إذا كانَ على حَرْفٍ واحدٍ، فقد ضَعُفَ، فلا يتوسّط بينه، وبين ما عطفه إلاّ في ضَرُورةٍ كقوله: [المنسرح].
يَوْمًا تَرَاهَا كَشِبْهِ أرْدِيَةِ الْ ** عَصْبِ وَيَوْمًا أديمَهَا نَغِلاَ

تقديره: وترى أديمها نغلًا يومًا، ففَصَل بيَوْمًا، وذَهَبَ غَيْرَهُ إلى جَوَازَهُ مُسْتَدِلاّ بقوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً} [البقرة: 201]، {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]، {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأغْشَيْنَاهُمْ} [يس: 9] {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]. {أَن تُؤدُّواْ الأمانات} الآية، وقالَ صَاحِبُ هذا القول: إنَّ المَعْطُوفَ عليه إذَا كانَ مَجْرُورًا بِحَرْفِ، أُعيدَ ذلك الحَرْفُ المعطوف نحو: امرر بزيدٍ وغدًا بِعَمْرو، وهذه الشَّواهدُ لا دَليلَ فيها.
أمَّا {في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة}، وقوله: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [يس: 9]، فلأنه عطف على شَيْئَيْنِ: عطف الآخرة على الدُّنْيَا بإعَادَةِ الخافض وعطف حسنة الثانية على حَسَنة الأولى، وكذلك عطف {من خلفهم} على {من بين أيديهم} و{سدَّا} على {سدَّا}، وكذلك البيت عطف فيه أديمها على المفعول الأوَّل لتَرَاها، ونَغلًا على الثاني وهو كشبه ويومًا الثَّاني على يَوْمًا الأوَّلِ، فلا فصل فيه حينئذٍ، وحينئذ يقال: ينبغي لأبي عَلِيٍّ أنْ يمنعَ مطلقًا، ولا يستثنى الضَّرُورَةَ، فإن ما استشهده به مُؤوَّل على ما ذكرناه.
فإن قيل: إنَّما لم يجعله أبُو عَلِيّ من ذلك؛ لأنَّهُ يُؤدِّي إلى تخصيص الظَّرْفِ الثَّاني بما وقع في الأوَّلِ، وهو أنَّه تراها كشبه أردية العصب في اليوم الأوَّلِ والثاني؛ لأنَّ حُكْمَ المعطُوف حكم المعطوف عليه، فهو نَظِيرُ قولك: ضَرَبْتَ زَيْدًا يَوْمَ الجُمْعَةِ، ويوم السَّبْت، فيَوْمَ السَّبْت مُقيّدٌ بضرب زيد كما يُقَيَّدُ به يَوْمَ الجٌمعة، لكن الغَرَضَ أنَّ اليومَ الثَّانِي في البيت مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ آخر وهو رُؤيَةُ أديمها نغلًا.
فالجوابُ: أنه لو تركنا والظَّاهر من غير تَقْييدِ الظّرف الثَّاني بمعنى آخر كان الحكم كما ذكرت لأن الظاهر كما ذكرت في مثالك: ضربت زيدًا يوم الجُمعَةِ وعَمرًا يَوْمَ السَّبْتِ أما إذا قيَّدته بشيءِ آخر، فقد تركت ذلِكَ الظَّاهِرَ لهذا النص، ألا تَرضاكَ تَقُولُ: ضربتُ زيدًا يَوْمَ الجُمْعَة، وعمرًا يوم السَّبت، فكذلك هَذَا، وهو مَوْضِعٌ يحتاجُ لِتَأمُّلِ.
وأما {فبشرناها بإسحاق}، فيعقوب ليس مجرورًا عَطْفًا على إسْحَاق، بل منصوبًا بإضْمَارِ فعل أي: ووهبنا لها يعقوبَ، وَيَدُلُّ عليه قراءةُ الرَّفِع، فإنَّهَا مؤذنة بانْقطَاعِهِ من البِشَارَة به، كيف وقد تَقدَّم أنَّ هذا القائل يَقُولُ: إنَّهُ متى كان المَعْطُوفُ عليه مجرورًا، أُعيدَ مع المَعْطُوفِ الجار. وأما أن يؤدوا الأمانات، فلا دلالة فيها أيضًا؛ لأن إذَا ظرف لابد من عامل، وعامله إما {أَن تَحْكُمُواْ} وهو الظَّاهِرُ من حيث المعنى، وإما {يَأْمُرُكُمْ} فالأوَّلُ ممتنع، وإن كان المعنى عليه؛ لأنَّ ما في حيز الموصول لا يتقدَّمُ عليه عند البصريين، وأمّا الكُوفِيُّون فيجوِّزونَ ذلك، ومنه الآية عِنْدَهُم، واستَدَلُّوا بقوله: [الرجز]
كَانَ جَزَائِي بالْعَصَا أنْ أجْلَدَا

وقد جاء ذلِكَ في المفعول الصَّريح في قوله: [الكامل]