فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

في الآية قولان:
أحدهما: أن المراد بالوعظ التخويف بعقاب الآخرة، والمراد بالقول البليغ التخويف بعقاب الدنيا، وهو أن يقول لهم: إن ما في قلوبكم من النفاق والكيد معلوم عند الله، ولا فرق بينكم وبين سائر الكفار، وإنما رفع الله السيف عنكم لأنكم أظهرتم الإيمان، فإن واظبتم على هذه الأفعال القبيحة ظهر للكل بقاؤكم على الكفر، وحينئذ يلزمكم السيف.
الثاني: أن القول البليغ صفة للوعظ، فأمر تعالى بالوعظ، ثم أمر أن يكون ذلك الوعظ بالقول البليغ، وهو أن يكون كلاما بليغا طويلا حسن الألفاظ حسن المعاني مشتملا على الترغيب والترهيب والاحذار والانذار والثواب والعقاب، فإن الكلام إذا كان هكذا عظم وقعه في القلب، وإذا كان مختصرا ركيك اللفظ قليل المعنى لم يؤثر ألبتة في القلب. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقُل لَّهُمْ في أَنفُسِهِمْ} أي قل لهم خاليًا لا يكون معهم أحد لأنه أدعى إلى قبول النصيحة، ولذا قيل: النصح بين الملأ تقريع، أو قل لهم في شأن أنفسهم ومعناها {قَوْلًا بَلِيغًا} مؤثرًا واصلا إلى كنه المراد مطابقًا لما سيق له من المقصود فالظرف على التقديرين متعلق بالأمر.
وقيل: متعلق بـ {بَلِيغًا} وهو ظاهر على مذهب الكوفيين، والبصريون لا يجيزون ذلك لأن معمول الصفة عندهم لا يتقدم على الموصوف لأن المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقدم عامله، وقيل: إنه إنما يصح إذا كان ظرفًا وقواه البعض، وقيل: إنه متعلق بمحذوف يفسره المذكور وفيه بعد والمعنى على تقدير التعلق: قل لهم قولًا بليغًا في أنفسهم مؤثرًا فيها يغتمون به اغتمامًا، ويستشعرون منه الخوف استشعارًا، وهو التوعد بالقتل والاستئصال، والإيذان بأن ما انطوت عليه قلوبهم الخبيثة من الشر والنفاق بمرأى من الله تعالى ومسمع غير خاف عليه سبحانه وإن ذلك مستوجب (لما تشيب منه النواصي، وإنما هذه المكافة) والتأخير لإظهارهم الإيمان وإضمارهم الكفر، ولئن أظهروا الشقاق وبرزوا بأشخاصهم من نفق النفاق (لتسامرنهم السمر والبيض، وليضيقن عليهم رحب الفلا بالبلاء العريض)، واستدل بالآية الأولى على أنه قد تصيب المصيبة بما يكتسبه العبد من الذنوب، ثم اختلف في ذلك فقال الجبائي: لا يكون ذلك إلا عقوبة في التائب، وقال أبو هاشم: يكون ذلك لطفًا.
وقال القاضي عبد الجبار: قد يكون لطفًا وقد يكون جزاءًا وهو موقوف على الدليل. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ} أي في معنى أنفسهم أو خاليًا بهم فإن النصح في السر أنجع. {قَوْلًا بَلِيغًا} يبلغ منهم ويؤثر فيهم، أمرهم بالتجافي عن ذنوبهم والنصح لهم والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب، وذلك مقتضى شفقة الأنبياء عليهم السلام. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}.
أُبْسُطْ لهم لسانَ الوعظِ بمقتضى الشفقة عليهم، ولكن انْقَبِضْ بقلبك عن المبالاة بهم والسكون إليهم، واعلم أن من لا نكون نحن له لا يغني عنه أن تعينه شيئًا. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله تعالى: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} تكذيب المنافقين المتقدم ذكرهم وتوعدهم، أي فهو مجازيهم بما يعلم، و{أعرض عنهم} يعني عن معاقبتهم، وعن شغل البال بهم، وعن قبول أيمانهم الكاذبة في قوله: {يحلفون} وليس بالإعراض الذي هو القطيعة والهجر، فإن قوله: {وعظهم} يمنع من ذلك، {وعظهم} معناه بالتخويف من عذاب الله، وغيره من المواعظ، والقول البليغ اختلف فيه، فقيل: هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول، وقيل: هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق، قاله الحسن، وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم، والبلاغة: مأخوذة من بلوغ المراد بالقول، وحكي عن مجاهد أن قوله: {في أنفسهم}، متعلق بقوله: {مصيبة} وهو مؤخر بمعنى التقديم، وهذا ضعيف. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} يعني من النفاق {فأعرض عنهم} يعني عن عقوبتهم وقيل عن قبول عذرهم {وعظهم} يعني باللسان والمراد زجرهم بالوعظ عن النفاق والكفر والكذب وتخويفهم بعذاب الآخرة {وقل لهم في أنفسهم قولًا بليغًا} يعني بليغًا يؤثر في قلوبهم موقعه وهو التخويف بالله عز وجل هو أن يوعدهم بالقتل إن لم يتوبوا من النفاق.
وقيل هو أن يقول إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم لأن هذا القول يبلغ في نفوسهم كل مبلغ وقيل معناه فأعرض عنهم في الملأ وقل لهم في أنفسهم إذا خلوت بهم قولًا بليغًا أي اغلظ لهم في القول خاليًا بهم ليس معهم غيرهم مسارًا لهم بالنصيحة لأنها في السر أنجع.
وقيل هذا الإعراض منسوخ بآية القتال وقد تكلم العلماء في حد البلاغة فقال بعضهم البلاغة إيصال المعنى إلى الفهم في أحسن صورة من اللفظ وقيل البلاغة حسن العبارة مع صحة المعنى وقيل البلاغة سرعة الإيحاز مع الإفهام وحسن التصرف من غير إدجار.
وقيل أحسن الكلام ما قلت ألفاظه وكثرت معانيه وقيل خير الكلام ما شوق أوله إلى سماع آخره وقيل لا يستحق الكلام اسم البلاغة إلاّ إذا طابق لفظه معناه ومعناه لفظه ولم يكن لفظه إلى السمع أسبق من معناه إلى القلب.
وقيل المراد بالقول البليغ في الآية أن يكون حسن الألفاظ حسن المعاني مشتملًا على الترغيب والترهيب والإعذار والإنظار والوعد والوعيد بالثواب والعقاب، فإن الكلام إذا كان كذلك عظم وقعه في القلوب وأثر في النفوس. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{أُولَئِكَ الّذِينَ يَعْلم اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [63].
{أُولَئِكَ} إشارة إلى المنافقين: {الّذِينَ يَعْلم اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من النفاق والميل إلى الباطل وإن أظهروا إسلامهم وعذرهم بحلفهم.
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم ولا تزد على كفهم، بالموعظة والنصيحة عما هم عليه.
{وَعِظْهُمْ} أي: ازجرهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر.
{وَقُل لّهُمْ قَوْلًا بَلِيغًا} أي: مؤثرًا واصلًا إلى كنه المراد، فإن قيل: بم تعلق قوله تعالى: {فِي أَنفُسِهِمْ}؟ فالجواب: بقوله: {بَلِيغًا} على رأي من يجيز تقديم معمول الصفة على الموصوف، أي: قل لهم قولًا بليغًا في أنفسهم مؤثرًا في قلوبهم يغتمون به إغتمامًا، ويستشعرون منه الخوف استشعارًا، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قَرْنَه، وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق، معلوم عند الله، وإنه لا فرق بينكم وبين المشركين، وما هذه المكافّة إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف، أو يتعلق بقوله: {قُل لّهُمْ} أي: قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق، قولًا بليغًا، وإن الله يعلم ما في قلوبكم، لا يخفى عليه، فلا يغني عنكم إبطانه فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم، لا يخفى عليه، فلا يغني عنكم إبطانه، فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق، وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمهاجرين بالشرك، من انتقامه، وشرًا من ذلك وأغلظ، أو قل لهم في أنفسهم خاليًا بهم، ليس معهم غيرهم، مسارًا لهم بالنصيحة، لأنها في السر أنجع وفي الإمحاض أدخل: {قَوْلًا بَلِيغًا} يبلغ منهم ويؤثر فيهم، كذا يستفاد من الكشاف.
قال الناصر في [الانتصاف] ولكل من هذا التأويلات شاهد على الصحة.
أما الأول: فلأن حاصله أمره بتهديدهم على وجه مبلغ صميم قلوبهم، وسياق التهديد في قوله: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَاؤُوكَ} يشهد له، فإنه أخبر بما سيقع لهم على سبيل التهديد.
وأما الثاني: فيلائمه من السائق قوله: {أُولَئِكَ الّذِينَ يَعْلم اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} يعني ما انطوت عليه من الخبث والمكر والحيل، ثم أمره بوعظهم والإعراض عن جرائمهم حتى لا تكون مؤاخذتهم بها مانعة من نصحهم ووعظهم، ثم جاء قوله: {وَقُل لّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} كالشرح للوعظ ولذكر أهم ما يعظهم فيه، وتلك نفوسهم التي علم الله ما انطوت عليه من المذامّ، وعلى هذا يكون المراد الوعظ وما يتعلق به.
وأما الثالث: فيشهد له سيرته عليه الصلاة والسلام في كتم عناد المنافقين، والتجافي عن إفصاحهم والستر عليهم، حتى عدّ حذيفة رَضِي اللّهُ عَنْهُ، صاحب سره عليه الصلاة والسلام، لتخصيصه إياه بالاطلاع على أعيانهم وتسميتهم له بأسماءهم، وأخباره في هذا المعنى كثيرة.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: وثمرة الآية قبح الرياء والنفاق واليمين الكاذبة والعذر الكاذب، لأنهم اعتذروا بإرادتهم الإحسان، وذلك كذب، ثم قال: ودلت الآية على لزوم الوعظ والمبالغة فيه. انتهى. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}.
وناهيك بعلم الله، ولذلك يقول ربنا: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30].
يعني: نحن لو شئنا أن نقول لك من هم لقلنا لك ودللناك عليهم حتى تعرفهم بأعيانهم، ولكن الله ستر عليهم إبقاء عليهم لعلهم يتوبون، ولتعرفنهم من فحوى كلامهم وأسلوبهم.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} لقد ذهبوا ليتحاكموا إلى الطاغوت، وقد ذهبوا إلى هناك لعلمهم أنهم ليسوا على حق، ولأنهم إن ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيحكم بالحق، والحق يضارُّهم ويُضايقهم، فهل كانوا بالفعل يريدون إحسانًا وتوفيقًا، أو كانوا لا يريدون الحق؟. لقد أرادوا الحكم المزور.
لذلك يأتي الأمر من الحق لرسوله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ لأنك إن عاقبتهم فقد أخذت منهم حقك، والله يريد أن يبقي حقك ليقتص سبحانه لك منهم، وأعرض أيضًا عنهم لأننا نريد أن يُظهر منهم في كل فترة شيئًا لنعلم المجتمع الإيماني اليقظة إلى أن هناك أناسًا مدسوسين بينهم، لذلك لابد من الحذر والتدبر. كما أنك إذا أعرضت عنهم أسقطتهم من حساب دعوتك.
{وعظهم} أي قل لهم: استحوا من أفعالكم. {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} أي قل لهم قولًا يبلغ الغاية من النفس البشرية ويبلغ الغاية من الوعظ، أي يوعدهم الوعيد الذي يخيفهم كي يبلغ من أنفسهم مبلغًا، أو {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} أي أفضح لهم ما يسترون؛ كي يعرفوا أن الله مطلعك على ما في أنفسهم فيستحوا من فعلهم ولا يفعلوه، قل لهم ذلك بدون أن تفضحهم أمام الناس؛ لأن عدم فضحهم أمام الناس يجعل فيهم شيئا من الحياء، وأيضًا لأن العظة تكون ذات أثر طيب إذا كان الواعظ في خلوة مع الموعوظ فيناجيه ولا يفضحه، ففضح الموعوظ أمام الناس ربما أثار فيه غريزة العناد، لكن عندما تعظه في السرّ يعرف أنك لا تزال به رحيمًا، ولا تزال تعامله بالرفق والحسنى.