فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال رجلٌ لخالد بن صَفْوان: إنك لتكْثر؛ قال: أكثر لضَرْبين، أحدهما فيما لا تُغني فيه القِلْة، والآخر لتمرين اللّسان، فإنَّ حَبْسه يُورِث العُقلة.
وكان خالدُ بن صَفْوان يقول: لا تكونُ بليغًا حتى تُكلِّم أمَتك السَّوداء في اللّيلة الظَّلماء في الحاجة المُهِمَة بما تَتكلَّم به في نادي قَومك.
وإنما اللّسان عُضو إذا مَرّنته مَرَن، وإذا تَركته لَكِنَ، كاليد تُخَشِّنها بِالمُمَارسة، والبَدنِ الذي تُقوِّيه برَفّع الحجر وما أشبهه، والرِّجْل إذا عُوِّدت المشي مشت.
وكان نوفلُ بن مُساحق إذا دخل على امرأته صَمت، فإذا خرج عنها تكلّم، فقالت له: إذا كنتَ عندي سكتَ، وإذا كنتَ عند الناس تَنْطِق؟ قال: إني أجلِّ عن دَقِيقك وتَدِقّين عن جَليلي.
وذكر شَبِيبُ بن شيبة خالدَ بن صَفْوان فقال: ليس له صَدِيق في السِّر، ولا عدوٌّ في العَلاَنية. وهذا كلام لا يَعرف قَدْره إلا أهلُ صناعته.
وَوَصف رجلٌ آخرَ فقال: أتَيناه فأخرج لسانَه كأنّه مِخْراق لاعب.
ودَخل مَعن بن زائدة على المَنْصُور يُقارب خَطْوه، فقال المنصور: لقد كَبرتْ سنّك؛ قال: في طاعتك؛ قال: وإنك لَجلْد؟ قال: على أعدائك؟ قال: أرى فيك بقية؟ قال: هي لك.
وكان عبد الله بن عبَّاس بليغًا، فقال فيه مُعاوية:
إذا قال لم يَتْرك مقالًا ولم يَقِفْ ** لعِيّ وِلم يَثْنِ اللسانَ على هُجْر

يُصَرِّفُ بالقول اللسانَ إذا انتحَى ** ويَنظُر في أعْطافه نَظَر الصَّقر

وتكلّم صَعْصَعَةُ بن صُوحان عند مُعاوية فَعَرِق، فقال له مُعاوية: بَهرك القولُ، قال: الجياد نَضَّاحة بالعَرَق.
وكتب ابن سَيَابة إلى عمرو بن بانة: إنَّ الدهر قد كَلَحَ فَجَرح، وطَمحَ فجَمح، وأفسد ما صَلَح، فإن لم تُعِنْ عليه فَضَح.
ومَدح رجل من طَيئ كلامَ رجل فقال: هذا الكلامُ يُكْتَفي بأُولاه، ويُشْتَفي بأخْراه.
ووَصف أعرابيّ رجلًا فقال: إنَّ رِفْدَك لَنجيح، وإن خيرك لصَرِيح، وإن مَنْعك لمُرِيح. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنًا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين. فأنزل الله: {ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا} إلى قوله: {إحسانًا وتوفيقًا}.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان الجلاس بن الصامت قبل توبته، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشير، كانوا يدَّعون الإسلام، فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية. فأنزل الله فيهم {ألم تَر إلى الذين يزعمون...} الآية».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة- وفي لفظ: ورجل ممن زعم أنه مسلم- فجعل اليهودي يدعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة في الحكم، ثم اتفقا على أن يتحاكما إلى كاهن في جهينة. فنزلت {ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا...} الآية. إلى قوله: {ويسلموا تسليمًا}.
وأخرج ابن جرير عن سليمان التيمي قال: زعم حضرمي أن رجلًا من اليهود كان قد أسلم، فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في حق. فقال اليهودي له: انطلق إلى نبي الله. فعرف أنه سيقضي عليه فأبى، فانطلقا إلى رجل من الكهان، فتحاكما إليه. فأنزل الله: {ألم ترَ إلى الذين يزعمون...} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار، ورجل من اليهود، في مدارأة كانت بينهما في حق تدارآ فيه فتحاكما إلى كاهن كان بالمدينة، وتركا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاب الله ذلك عليهما، وقد حدثنا أن اليهودي كان يدعوه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يعلم أنه لا يجوز عليه، وكان يأبى عليه الأنصاري الذي زعم أنه مسلم. فأنزل الله فيهما ما تسمعون، عاب ذلك على الذي زعم أنه مسلم وعلى صاحب الكتاب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: «كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة قتلوا به منهم، فإذا قتل رجل من بني قريظة قتلته النضير أعطوا ديته ستين وسقًا من تمر، فلما أسلم أناس من قريظة والنضير قتل رجل من بني النضير رجلًا من بني قريظة، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النضيري: يا رسول الله إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية فنحن نعطيهم اليوم الدية؟ فقالت قريظة: لا، ولكنا إخوانكم في النسب والدين، ودماؤنا مثل دمائكم، ولكنكم كنتم تغلبونا في الجاهلية، فقد جاء الإسلام، فأنزل الله تعالى يعيرهم بما فعلوا فقال: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: 45] يعيرهم»، ثم ذكر قول النضيري: كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا ونقتل منهم ولا يقتلون منا فقال: {أفحكم الجاهلية يبغون} [المائدة: 50] فأخذ النضيري فقتله بصاحبه.
فتفاخرت النضير وقريظة فقالت النضير: نحن أقرب منكم. وقالت قريظة: نحن أكرم منكم. فدخلوا المدينة إلى أبي برزة الكاهن الأسلمي فقال المنافقون من قريظة والنضير: انطلقوا بنا إلى أبي برزة ينفر بيننا فتعالوا إليه، فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي برزة وسألوه فقال: أعظموا اللقمة. يقول: أعظموا الخطر. فقالوا: لك عشرة أوساق قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف أن أنفر النضير فتقتلني قريظة، أو أنفر قريظة فتقتلني النضير. فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق، وأبى أن يحكم بينهم فأنزل الله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} إلى قوله: {ويسلموا تسليمًا}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} قال: الطاغوت. رجل من اليهود كان يقال له كعب بن الأشرف، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا: بل نحاكمهم إلى كعب. فذلك قوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: تنازع رجل من المنافقين ورجل من اليهود فقال المنافق: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف، وقال اليهودي: اذهب بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {ألم ترَ إلى الذين يزعمون...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: كان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بينهما خصومة، أحدهما مؤمن والآخر منافق، فدعاه المؤمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف. فأنزل الله: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودًا}.
وأخرج الثعلبي عن ابن عباس في قوله: {ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا...} الآية قال «نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر، خاصم يهوديًا فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف، ثم إنهما احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لليهودي فلم يرض المنافق. وقال: تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب. فقال اليهودي لعمر: قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه. فقال للمنافق: أكذلك؟! قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما. فدخل عمر فاشتمل على سيفه، ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد ثم قال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله: فنزلت».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} قال: هو كعب بن الأشرف.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: الطاغوت والشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكون إليها؟ قال: إن في جهينة واحدًا، وفي أسلم واحدًا، وفي هلال واحدًا، وفي كل حي واحدًا، وهم كهان تنزل عليهم الشياطين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول} قال: دعا المسلم المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء في قوله: {يصدون عنك صدودًا} قال: الصدود. الإعراض.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد {فكيف إذا أصابتهم مصيبة} في أنفسهم، وبين ذلك ما بينهما من القرآن، هذا من تقديم القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {أصابتهم مصيبة} يقول: بما قدمت أيديهم في أنفسهم، وبين ذلك ما بين ذلك {قل لهم قولًا بليغًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم} قال: عقوبة لهم بنفاقهم وكرههم حكم الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فأعرض عنهم} ذلك لقوله: {وقل لهم في أنفسهم قولًا بليغًا}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (64):

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذم من حاكم إلى غيره وهدده، وختم تهديده بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنه والوعظ له، فكان التقدير: فما أرسلناك وغيرك من الرسل إلا الرفق بالأمة والصفح عنهم والدعاء لهم على غاية الجهد والنصيحة، عطف عليه قوله: {وما أرسلنا} أي بما لنا من العظمة، ودل على الإعراق في الاستغراق بقوله: {من رسول} ولما كان ما يؤتيهم سبحانه وتعالى من الآيات ويمنحهم به من المعجزات حاملًا في ذاته على الطاعة شبهه بالحامل على إرساله فقال: {إلا ليطاع} أي لأن منصبه الشريف مقتض لذلك آمر به داعٍ إليه {بإذن الله} أي بعلم الملك الأعظم الذي له الإحاطة بكل شيء في تمكينه من أن يطاع، لما جعلنا له من المزية بالصفات العظيمة والمناصب الجليلة والأخلاق الشريفة كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر» أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولما كان التقدير: فلو أطاعوك لكان خيرًا لهم، عطف عليه قوله: {ولو أنهم إذ} أي حين {ظلموا أنفسهم} أي بالتحاكم إلى الطاغوت أو غيره {جاءوك} أي مبادرين {فاستغفروا الله} أي عقبوا مجيئهم بطلب المغفرة من الملك الأكرم لما استحضروه له من الجلال {واستغفر لهم الرسول} أي ما فرطوا بعصيانه فيما استحقه عليهم من الطاعة {لوجدوا الله} أي الملك الأعظم {توابًا رحيمًا} أي بليغ التوبة على عبيده والرحمة، لإحاطته بجميع صفات الكمال، فقبل توتبهم ومحا ذنوبهم وأكرمهم. اهـ.