فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكر عبد الرازق عن أبي حازم القرطبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سَيْل مَهَزور أن يُحبس على كل حائط حتى يبلغ الكعبين ثم يُرْسَل.
وغيره من السيول كذلك.
وسئل أبو بكر البزّار عن حديث هذا الباب فقال: لست أحفظ فيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا يثبت.
قال أبو عمر: في هذا المعنى وإن لم يكن بهذا اللفظ حديث ثابت مجتمع على صحته.
رواه ابن وهب عن اللّيث بن سعد ويونس بن يزيد جميعًا عن ابن شهاب أن عُرْوَة بن الزّبير حدّثه أن عبد الله بن الزّبير حدّثه عن الزّبير أنه خاصم رجلًا من الأنصار قد شهِد بَدْرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرَّة كانا يسقيان بها كلاهما النخل؛ فقال الأنصاري: سَرّح الماء؛ فأبى عليه، فاختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث.
قال أبو عمر؛ وقوله في الحديث: «يرسل» وفي الحديث الآخر «إذا بلغ الماء الكعبين لم يحبس الأعلى» يشهد لقول ابن القاسم.
ومن جهة النظر أن الأعلى لو لم يرسل إلاَّ ما زاد على الكعبين لا يقطع ذلك الماء في أقل مدة، ولم ينته حيث ينتهي إذا أرسل الجميع، وفي إرسال الجميع بعد أخذ الأعلى منه ما بلغ الكعبين أعمّ فائدة وأكثر نفعًا فيما قد جُعِل الناس فيه شركاء؛ فقول ابن القاسم أولى على كل حال.
هذا إذا لم يكن أصله ملكًا للأسفل مختصًا به، فإن ما استحق بعمل أو بملك صحيح أو استحقاق قديم وثبوت ملك، فكلٌّ على حقه على حسب ما كان من ذلك بيده وعلى أصل مسألته. وبالله التوفيق. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

يقال شجر يشجر شجورا وشجرا إذا اختلف واختلط، وشاجره إذا نازعه وذلك لتداخل كلام بعضهم في بعض عند المنازعة، ومنه يقال لخشبات الهودج شجار، لتداخل بعضها في بعض.
قال أبو مسلم الأصفهاني: وهو مأخوذ عندي من التفاف الشجر، فإن الشجر يتداخل بعض أغصانه في بعض، وأما الحرج فهو الضيق.
قال الواحدي: يقال للشجر الملتف الذي لا يكاد يوصل إليه: حرج، وجمعه حراج، وأما التسليم فهو تفعيل يقال: سلم فلان أي عوفي ولم ينشب به نائبة، وسلم هذا الشيء لفلان، أي خلص له من غير منازع، فإذا ثقلته بالتشديد فقلت: سلم له فمعناه أنه سلمه له وخلصه له، هذا هو الأصل في اللغة، وجميع استعمالات التسليم راجع إلى الأصل فقولهم: سلم عليه، أي دعا له بأن يسلم، وسلم إليه الوديعة، أي دفعها إليه بلا منازعة، وسلم إليه أي رضي بحكمه، وسلم إلى فلان في كذا، أي ترك منازعته فيه، وسلم إلى الله أمره أي فوض إليه حكم نفسه، على معنى أنه لم ير لنفسه في أمره أثرا ولا شركة، وعلم أن المؤثر الصانع هو الله تعالى وحده لا شريك له. اهـ.

.قال أبو السعود:

{حتى يُحَكّمُوكَ} أي يتحاكموا إليك ويترافعوا إليك، وإنما جيء بصيغة التحكيمِ مع أنه عليه الصلاةُ والسلام حاكمٌ بأمر الله سبحانه إيذانًا بأن حقَّهم أن يجعلوه حَكَمًا فيما بينهم ويرْضَوا بحكمه وإن قُطع النظرُ عن كونه حاكمًا على الإطلاق. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط: أولها: قوله تعالى: {حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنا.
واعلم أن من يتمسك بهذه الآية في بيان أنه لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بارشاد النبي المعصوم قال: لأن قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} تصريح بأنه لا يحصل لهم الإيمان إلا بأن يستعينوا بحكم النبي عليه الصلاة والسلام في كل ما اختلفوا فيه، ونرى أهل العلم مختلفين في صفات الله سبحانه وتعالى، فمن معطل ومن مشبه، ومن قدري ومن جبري، فلزم بحكم هذه الآية أنه لا يحصل الإيمان إلا بحكمه وارشاده وهدايته، وحققوا ذلك بأن عقول أكثر الخلق ناقصة وغير وافية بادراك هذه الحقائق؟ وعقل النبي المعصوم كامل مشرق، فإذا اتصل اشراق نوره بعقول الأمة قويت عقولهم وانقلبت من النقص إلى الكمال، ومن الضعف إلى القوة، فقدروا عند ذلك على معرفة هذه الأسرار الالهية.
والذي يؤكد ذلك أن الذين كانوا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا جازمين متيقنين كاملي الإيمان والمعرفة، والذين بعدوا عنه اضطربوا او اختلفوا، وهذه المذاهب ما تولدت إلا بعد زمان الصحابة والتابعين، فثبت ان الأمر كما ذكرنا، والتمسك بهذه الآية رأيته في كتب محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، فيقال له: فهذا الاستقلال الذي ذكرته إنما استخرجته من عقلك، فإذا كان عقول الأكثرين ناقصة فلعلك ذكرت هذه الاستدلال لنقصان عقلك، وإذا كان هذا الاحتمال قائما وجب أن يشك في صحة مذهبك وصحة هذا الدليل الذي تمسكت به، ولأن معرفة النبوة موقوفة على معرفة الإله، فلو توقفت معرفة الإله على معرفة النبوة لزم الدور، وهو محال.
الشرط الثاني: قوله: {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ} قال الزجاج: لا تضيق صدورهم من أقضيتك.
واعلم أن الراضي بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون راضيا به في الظاهر دون القلب فبين في هذه الآية انه لابد من حصول الرضا به في القلب، واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر، فليس المراد من الآية ذلك، بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق.
الشرط الثالث: قوله تعالى: {وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول، فبين تعالى أنه كما لابد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب.
فلابد أيضا من التسليم معه في الظاهر، فقوله: {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ} المراد به الانقياد في الباطن، وقوله: {وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} المراد منه الانقياد في الظاهر والله أعلم. اهـ.

.قال الثعالبي:

قال ابنُ عطاءِ اللَّه في [التنوير]: وفي قوله سبحانه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}: دلالةٌ على أنَّ الإيمان الحقيقيَّ لا يحصُلُ إلا لمن حَكَّمَ اللَّهَ ورسولَهُ على نَفْسه، قولًا وفعلًا، وأَخْذًا وتَرْكًا، وحُبًّا وبُغْضًا؛ فتبيَّن لك من هذا أنه لا تَحْصُلُ لك حقيقةُ الإيمانِ باللَّهِ إلاَّ بأمْرَيْنِ: الامتثالِ لِلأمْرِهِ، والاستسلامِ لِقَهْرِهِ سبحانه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ} أي ضِيقًا وشَكًّا؛ ومنه قيل للشجر الملتفّ: حَرَج وحَرَجَة، وجمعها حِرَاج.
وقال الضحاك: أي إثما بإنكارهم ما قضيت.
{وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} أي ينقادوا لأمرك في القضاء.
وقال الزجاج: {تَسْلِيمًا} مصدر مؤكّد؛ فإذا قلت: ضربت ضربًا فكأنك قلت لا أشكّ فيه؛ وكذلك {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} أي ويُسلّموا لحكمك تسليمًا لا يُدخلون على أنفسهم شكًا. اهـ.

.قال الفخر:

دلت الآية على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الخطأ في الفتوى وفي الأحكام، لأنه تعالى أوجب الانقياد لحكمهم وبالغ في ذلك الإيجاب وبين أنه لابد من حصول ذلك الانقياد في الظاهر وفي القلب، وذلك ينفي صدور الخطأ عنهم، فهذا يدل على أن قوله: {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم} [التوبة: 43] وأن فتواه في أسارى بدر، وأن قوله: {لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} [التحريم: 1] وأن قوله: {عَبَسَ وتولى} [عبس: 1] كل ذلك محمول على الوجوه التي لخصناها في هذا الكتاب. اهـ.
قال الفخر:
من الفقهاء من تمسك بقوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ} على أن ظاهر الأمر للوجوب، وهو ضعيف لأن القضاء هو الإلزام، ولا نزاع في أنه للوجوب. اهـ.
قال الفخر:
ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق، وأنه لا يجوز العدول عنه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس، وقوله: {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ} مشعر بذلك لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص فهناك يحصل الحرج في النفس، فبين تعالى أنه لا يكمل إيمانه إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج، ويسلم النص تسليما كليا، وهذا الكلام قوي حسن لمن أنصف. اهـ.
قال الفخر:
قالت المعتزلة: لو كانت الطاعات والمعاصي بقضاء الله تعالى لزم التناقض، وذلك لأن الرسول إذا قضى على إنسان بأنه ليس له أن يفعل الفعل الفلاني وجب على جميع المكلفين الرضا بذلك لأنه قضاء الرسول.
والرضا بقضاء الرسول واجب لدلالة هذه الآية، ثم لو أن ذلك الرجل فعل ذلك الفعل على خلاف فتوى الرسول، فلو كانت المعاصي بقضاء الله لكان ذلك الفعل بقضاء الله، والرضا بقضاء الله واجب، فيلزم أن يجب على المكلفين الرضا بذلك الفعل.
لأنه قضاء الله، فوجب أن يلزمهم الرضا بالفعل والترك معا، وذلك محال.
والجواب: أن المراد من قضاء الرسول الفتوى المشروعة، والمراد من قضاء الله التكوين والايجاد، وهما مفهومان متغايران، فالجمع بينهما لا يفضي إلى التناقض. اهـ.

.قال الشنقيطي:

أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، ثم ينقاد لما حكم به ظاهرًا وباطنًا ويسلمه تسليمًا كليًا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، وبين في آية أخرى أن قول المؤمنين محصور في هذا التسليم الكلي، والانقياد التام ظاهرًا وباطنًا لما حكم به صلى الله عليه وسلم، وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51] الآية. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}.
سدَّ الطريق- إلى نفسه- على الكافة إلا بعد الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمَنْ لم يمشِ تحت رايتِه فليس له من الله نفس.
ثم جعل من شرط الإيمان زوال المعارضات بالكلية بقلبك.
قوله: {ثُمَّ لاَ يَجِدُوا}: فلابد لك من (...) تلك المهالك بوجه ضاحك، كما قال بعضهم:
وحبيبٍ إنْ لم يكن منصفًا كنتُ منصفا ** أتحسّى له الأمَرَّ وأسقيه ما صفا

إن يقل لي انشقَّ ** اخترتُ رضًا لا تَكَلَّفَا

. اهـ.